أبحاثأبحاث

العلاقة الإيرانية الإسرائيلية نطاقات التخادم والتدافع

 

مقدمة

شكلت حرب 7 تشرين الثاني /أكتوبر 2024 بين إسرائيل وحماس نقطة تحول في تاريخ الاشتباك الإسرائيلي الإيراني حيث بدأت إيران بالتوازي مع حربها على غزة بشن عدد كبير من عمليات القصف الجوي التي طالت مراكز حيوية وشخصيات استشارية من الحرس الثوري الإيراني، لقد تدحرجت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية خلال العقود الخمسة الماضية من علاقة التخادم الاستراتيجي في تفجير بؤر من المواجهات والصراعات الإقليمية بعيداً عن مركزية الصراع العربي الإسرائيلي إلى التنافس والتدافع الاستراتيجي على النفوذ والسيطرة.

حيث تعتبر إيران وإسرائيل وتركيا هي الدول الثلاثة التي تمتلك مشاريع للنفوذ خارج حدودها وبناء محيط حيوي حولها من خلال تقديم نماذج لشكل الدولة والعلاقات الاقتصادية والسيطرة على الشبكات الأمنية في المنطقة.

لقد شكل اغتيال إسرائيل للجنرال في الحرس الثوري الإيراني محمد رضا زاهدي القيادي في فيلق القدس  مع 6 قياديين آخرين نقطة تحول في الاشتباك الإيراني الإسرائيلي فقد كان الاستهداف في ملحق السفارة الإيرانية وما تمثله السفارة من رمز سيادي والشخصية التي تم استهدافها هي المسؤولة عن التنسيق بين الميليشيات الإيرانية في سورية والعراق ولبنان  إلى درجة تهديد علي خامنئي مرشد الثورة الإيرانية[1] وإبراهيم رئيس رئيسي  [2]الجمهورية الإيرانية برد قاس على إسرائيل  وهو ما قامت إيران بتنفيذه في ليلة 14 نيسان / إبريل 2024 من خلال ضرب  أكثر من 100 مسيرة انتحارية على إسرائيل بالإضافة لصواريخ كروز بالستية سقط 90 % منها قبل أن يصل للأراضي الإسرائيلية، ثم ما تلا ذلك من وعيد إسرائيل بالرد على الرد الإيراني يضع المنطقة أمام كافة الخيارات مع تراجع قدرة الولايات المتحدة على ضبط اللاعبين الإقليمين .

من الواضح أن تل أبيب تستهدف كل الضباط المسؤولين عن التنسيق الأمني والعسكري بين الساحات.

في هذه الورقة سنناقش أهم مراحل علاقة التخادم الإيرانية الإسرائيلية في المنطقة ومصالح الفاعليين من الاشتباك بين طهران وتل أبيب والمآلات المحتملة لشكل التدافع بين تل أبيب وطهران  بعد الرد الإيراني على مقتل زاهدي لأول مرة بتوجيه ضربة تخرج من داخل إيران وتصل إلى داخل إسرائيل .

 أولاً: المراحل التي مرت بها العلاقات الإيرانية الإسرائيلية

منذ سقوط حكم الشاه في إيران ووصول الثورة الإسلامية للحكم عام 1979 مرت العلاقات الإيرانية الإسرائيلية بالعديد من التحولات والتطورات وعبرت من مرحلة التخادم إلى التنافس وانتهت إلى التدافع الاستراتيجي.

  • بداية مرحلة التخادم

رغم أن تاريخ التخادم الإسرائيلي الإيراني يعود إلى الحرب العراقية الإيرانية عندما اجتمع موردخاي زيبوري مساعد وزير الدفاع الإسرائيلي مع عدد من المسؤولين الإيرانيين في باريس، وجرى الاتفاق بينهما على إمداد إيران بالأسلحة اللازمة مقابل تعهد الحكومة الإيرانية بعدم المساس باليهود هناك وتسهيل خروجهم إلى إسرائيل إذا ما رغبوا في ذلك[3]

لكن نقطة التحول الأساسية كانت في الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان25 أيار/مايو 2000 وبروز حزب الله اللبناني كقوة شيعية مقاومة للاحتلال الإسرائيلي اكتسب في حينها الرضى والقبول الشعبي العربي منذ عام 2000 وتعلقت النفسية العربية والإسلامية بشخصية حسن نصر الله كرمز للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي سمح له بلعب دور سياسي أكبر من حجمه في لبنان.

ويبدو أن “تل أبيب”   كانت على دراية تماماً بالتأثيرات النفسية والاستراتيجية للانسحاب من جنوب لبنان لصالح “حزب الله” كمشروع طائفي يمكن أن يكون في المستقبل قنبلة مؤقتة لتفجير الوضع في لبنان والمنقطة ويسرع من عجلة الصراع الإيراني العربي المؤجل بسبب الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان بعد ان رفض حزب الله تسليم سلاحه للدولة اللبنانية أسوة بباقي الأحزاب اللبنانية التي سلمت سلاحها للدولة بعد اتفاق الطائف 30 أيلول / سبتمبر 1989.

كان التدخل الإيراني في المنطقة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق برضى إسرائيلي بحت وقد أدت إيران دورها التخادمي بالنسبة لتل أبيب فقد نسقت تل أبيب مع الميليشيات الإيرانية لاغتيال نخبة علماء التصنيع النووي من العلماء العراقيين كما تسببت إيران بتدمير البيئة الاستراتيجية المقاومة لتل أبيب في سورية والعراق ولبنان من خلال تفجير الصراع الطائفي ومحاولتها تصدير الثورة الإيرانية إلى جوارها العربي.

ومع انطلاق الربيع العربي في عدد من البدان العربية اكتمل الدور الإيراني في تدمير الحواضر السنية في سورية والعراق وأورث التدخل الإيراني دولاً فاشلة وممزقة في لبنان وسورية والعراق واليمن ولم يعد هناك من خوف انبعاث الخطر السني على إسرائيل حيث يعتبر السنة في المحيط العربي عمقاً استراتيجياً للسنة في فلسطين المحتلة.

كما لعبت إيران دوراً محورياً في دفع دول الخليج والمغرب والسودان إلى التطبيع مع تل أبيب وشكلت تل أبيب تحالفاً استراتيجياً مع الإمارات تحت دعوة الديانة الإبراهيمية

أما الخدمة الكبرى التي أدتها إيران لتل أبيب مع بداية ثورات الربيع العربي هي حماية نظام بشار الأسد الطائفي من السقوط فقد أدى الدعم الإيراني العسكري والأمني والاقتصادي إلى صمود نظام الأسد من خطر السقوط حتى نهاية عام 2015 مع استدعاء التدخل الروسي في الحرب السورية.

 

  • من التخادم إلى التنافس

لم تعد  تل “أبيب” بحاجة للخدمات الإيرانية في المنطقة بعد أن تحولت إيران مع بداية تأسيس مشروعها النووي  من دور  زعزعة الاستقرار في المنطقة  وضرب كمون القوة الحيوية فيها إلى مرحلة تثبت مكتسباتها وإحلال نفسها كقوة نووية منافسة لإسرائيل في المنطقة وقادرة على  سد الفراغ الاستراتيجي في المنطقة من خلال بناء حالة استقرار  وتصدير نموذج جديد لشكل الدولة المحكومة من الميليشيات لصالح النفوذ الإيراني والشروع باستثمارات  اقتصادية عبر مد شبكات الطرق التجارية وخطوط الطاقة ومحاولة الاستيلاء على الموانئ السورية وربط طريق بغداد دمشق بيروت بطهران بهذه الشبكة الاقتصادية والأمنية والعسكرية وهنا بدأت تل أبيب تستشعر  خطر تحول الدور الإيراني على أمنها القائم على إضعاف المحيط  وتمزيقه إلى دول إثنية وطائفية ولم تعد الحاجة ماسة  للدور الإيراني في سورية  فلم يعد هناك من خوف على مستقبل الأسد الذي بدأ يحظى بتطبيع  وانفتاح عربي وحماية روسية مع عدم جدية غربية واضحة بتنفيذ عملية سياسية تفضي إلى رحيله وبالتالي لم يعد هناك حاجة للدور الإيراني منذ  بداية التدخل الروسي في أيلول 2015 ، ولا بد من استراتيجية ناجعة  واستخدام سياسة الضغط القصوى على إيران لإخراجها من سورية .[4]

 

من التنافس إلى التدافع:

إن التصعيد الإسرائيلي ضد الأهداف والمصالح الإيرانية في سورية ولبنان منذ حرب 7 أكتوبر 2024 جاءت بعد تحول إيران من دورها التخادمي مع تل أبيب وانتقال إيران للعبث بمحيطها الحيوي خصوصاً بعد عملية 7 أكتوبر التي يظن قادة الكيان أن يداً إيرانية لعبت دوراً مهماً في التخطط والتنفيذ للعمية رغم نفي كل من حماس وإيران ذلك.

تشخص قيادة تل أبيب المشروع الإيراني بأنه يقوم على شكل الأخطبوط فهناك قلب وهناك أذرع لأذرع تكتسب الدعم والتوجيه والتخطيط من القلب والقلب يحصد النتائج السياسية والاستراتيجية لكل ما تقوم بها الأذرع في المنطقة بتكلفة صفرية ومن أجل إنهاء هذا المشروع فهي بحاجة لضرب القلب أو ضرب الأذرع بعد أن فشلت سياسية الحصار والعقوبات التي تنتهجها الولايات المتحدة في أطر إيران على طاولة التفاوض.

لقد كان الرد الإيراني على مقتل زاهدي ليلة 14 نيسان /إبريل 2024 نقطة تحول في التدافع الإسرائيلي الإيراني فهي المرة الأولى التي توجه بها إيران ضربة مباشرة ومن داخل الأراضي الإيرانية وبشكل معلن وبأسلحة قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي وبكميات كبيرة،  رغم أن الطائرات الإيرانية أُطلقت بطريقة يراد منها ألا تصل إلى هدفها بشكل دقيق  مع إعطاء فرصة لإسقاطها قبل وصولها للهدف المفترض،  من خلال إخطار الولايات المتحدة عبر تركيا وسويسرا وقطر عن مكان وزمان الضربة الإيرانية [5] وإعطاء فرصة لإسرائيل كي تستنفر القبة الحديدية .

خارطة انتشار الميليشيات الإيرانية  في سورية (1)

ثانياً: مصالح الفاعليين من التدافع الإيراني الإسرائيلي:

 

1)    إيران

بالرغم من مناورة إيران سابقاً وإعلانها  سحب مستشاريها من سورية بداية شهر شباط/فبراير 2024 على إثر مقتل رضى موسوي [6]  لتجنب الاستهداف الإسرائيلي الموجع لنخبها العسكرية والأمنية في سورية لكنها في الحقيقة ترى أن تواجدها في سورية مسألة استراتيجية للغاية ولا يمكن التضحية بمكتسباتها الحيوية بسهولة لذلك لا يرجح أن تقوم إيران تحت سياسة الضغط القوى التي تمارسها إسرائيل والولايات المتحدة أن تخطو مثل هذه الخطوة لكن بالمقابل هل يمكن أن ينفذ الصبر الاستراتيجي بعد أن وقعت إيران في مأزق استراتيجي  غير مسبوق حيث لم يعد تحمل الضربات والخسائر محمول وقابل للامتصاص كما أن الدخول مع  تل أبيب في حرب مفتوحة سيستنزفها  والدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل ليس ضمن الحسابات الإيرانية فمنذ عام ١٩٨٨، وبسبب ما تعرضت لها إيران من خسائر فادحة  من حربها مع العراق، اتخذت إيران قرارا استراتيجيا بعدم الدخول في حروب مباشرة، واستعاضت عن ذلك بقدرة الردع عبر الوكلاء ، وفصائل مسلحة في دول أخرى تتولى حماية مصالحها  والدفاع عنها، لكن بعد الهجوم على قنصليتها بدمشق تواجه إيران فشلا للخيارين فلا الميليشيات التي أنشأتها قادرة على الردع ولا خيار الحرب المباشرة ضمن حساباتها وهو ما يضع إيران ضمن مأزق استراتيجي غير مسبوق فسكوتها عن الضربات الإسرائيلية سينفي عنها سرديات الممانعة والمقاومة التي تتشبث بها والرد  بطريقة الحرب المفتوحة أو حتى بسقوط قتلى إسرائيليين داخل إسرائيل سينهي المشروع الإيراني في السيطرة  على سورية الذي دفعت إيران ثمنها عقوداً من الصبر الاستراتيجي تجنباً للدخول في خطوة تعد انتحاراً استراتيجياً ومحاربة إسرائيل من خلال طوق الميليشيات التي تدعمها لم يعد فاعلاً وسيعرضها لحرب مستمرة من طرف واحد [7]  .

 

2)    إسرائيل

يرى نتنياهو أن الصفقة الوحيدة المنطقية مع إيران هي تلك التي من شأنها أن تزيل العقوبات الاقتصادية والقيود المفروضة على برنامج إيران النووي مقابل تفكيك القدرات النووية العسكرية الإيرانية، وحدوث تغيير واضح في سلوك إيران تجاه إسرائيل، وهو ما صرح به خلال خطابه في الكونجرس عام 2015.[8]

تعتمد إسرائيل استراتيجية الضغط القصوى المتدرج ضد الأهداف الإيرانية في سورية لإجبارها على الانسحاب حيث سجلت أكثر من 3000 غارة ضد إيران منذ عام 2015 حتى اليوم وصعدت من غاراتها كماً ونوعاً بعد حرب أكتوبر مع حماس وبحسب التقارير الإيرانية، فقد اغتالت تل أبيب منذ 2 ديسمبر 2023 وحتى 2 أبريل 2024، 18 عنصرًا من قوات الحرس الثوري، بينهم قيادات عسكرية بارزة.

بدون أن تتلقى أي تهديد بالرد من إيران، وحتى لو ردت إيران عبر وكلائها فإن الغرب سيكون مجبراً للتدخل من أجل حماية إسرائيل كما حدث بعد حرب 7 أكتوبر وبالتالي فإن أي تحرك إيراني سيكون بالنسبة لإسرائيل سبباً لتلقي مزيداً من الدعم الغربي لإنهاء حزب الله وهو ما دفع إسرائيل لتشديد مطالبها التفاوضية مع حزب الله واشتراط نزع سلاح الحزب وانسحاب الحزب من الجنوب وانتشار الجيش اللبناني مكانه. [9] كما تشترط إسرائيل انسحاب الميليشيات الإيرانية من سورية لوقف عمليتها.

جدول بالعمليات الإسرائيلية على الأراضي السورية منذ بداية 7 أكتوبر /تشرين الأول 2023 ضد المصالح الإيرانية.

 

  التاريخ الهدف الجهة المكان الطريقة
1.      17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 مستودع أسلحة وعناصر تابعة للميليشيات الإيرانية حزب الله محيط دمشق البحدلية والسيدة زينب غارة جوية
2.      2 كانون الأول / ديسمبر 2023 اغتيال عنصرَين من فيلق القدس، هما، العميد بناه تقي زاده، والعميد محمد علي عطائي عناصر في فيلق القدس دمشق غارة جوية
3.      25 كانون الأول/ ديسمبر 2023 اغتيال العميد سيد رضى موسوي، قيادي في فيلق القدس منزله في دمشق طائرة مسيرة
4.      20 كانون الثاني /يناير 2024 العميد حجت الله أميدوار، والجنرال

علي نجاد آغا زاده، وحسين محمدي، وسعيد كريمي، ومحمد أمين صمدي

حجة الله أميدوار الذي

كان يتولى مسؤولية استخبارات فيلق القدس

منزل مدني مستخدم كمقر استخباراتي في دمشق غارة جوية
5.      2شباط /فبراير 2024 سعيد علي دادي، عنصر حرس ثوري مستشار أمني دمشق طائرة مسيرة
6.      1 أذار/ مارس 2024 رضا زارعي قيادي في الحرس الثوري دمشق غارة جوية
7.      26أذار / مارس 2024 بهروز وحيدي الحرس الثوري دير الزور غارة جوية
8.      30 أذار/مارس 2024 52 قتيلا، من بينهم 38 من قوات النظام و7 من حزب الله اللبناني و7 سوريين من مجموعات موالية لإيران حزب الله

جيش النظام

ميليشيات إيرانية

حلب غارة جوية
9.      1 نيسان / أبريل 2024 من المستشارين الإيرانيّين من بينهم ضباط كبار، وهم العميد

محمد رضا زاهدي، والعميد محمد هادي حاجي رحيمي، وحسين أمان اللهي، ومهدي جلادتي، ومحسن صداقت، وعلي

آغا بابائي، وعباس صالحي روز بهاني.

أبرزهم محمد رضا زاهدي مسؤول التنسيق بين الميليشيات الإيرانية في بلاد الشام دمشق غارة جوية

 

3)    النظام السوري

بالرغم من التنديد المستمر من قبل النظام السوري للضربات الإسرائيلية التي تستهدف الجنود والضباط الإيرانيين لكنه لم يقم بأي رد تجاه إسرائيل رغم المطالبة الإيرانية فالنظام وإن أبدى رفضه للضربات الإسرائيلية تكتيكياً ضمن مبرر السيادة لكنه مستفيد منها استراتيجياً لتصحيح علاقته مع حليفته إيران التي بدأت تتوغل في مؤسسته وتلغي دوره تماماً.

يبدو النظام السوري راغباً  بإخراج إيران من سورية وبات يشعر بعبء دورها الإقليمي عليه وابتزازها له بمطالب اقتصادية وامتيازات ثقافية وعسكرية وأمنية على حساب سيادته وسلطته لكنه لا يمتلك الأدوات والقدرة على تنفيذ ذلك كما أنه لا يثق بالعرب إلى الحد الذي يدفعه للتضحية مباشرة بمصالحه وعلاقاته مع إيران التي حمت نظامه من السقوط رغم كل الإغراءات التي يقدمها العرب له للانتقال من محور الممانعة والمقاومة والتحول إلى محور التطبيع بعد أن فشل مسار خطوة مقابل خطوة بسبب العقوبات الأمريكية الذي منع دول الخليج من تقديم أي حوافز مادية للنظام تساعده على الاستغناء عن إيران .

رغم ذلك يبدو أن إسرائيل استطاعت خلال السنوات الماضية من تنظيم شبكات تجسس قادرة على تحديد أماكن التواجد الإيرانية في سورية وبعض هذه الشبكة ضباط من داخل بنية النظام نفسه.

النظام حالياً لن يكون ضمن أي جبهة أو محور لشن عمليات ضد إسرائيل بل على العكس تماماً سيكون مستفيداً من أي استهداف للمصالح الإيرانية مع التحريض على إيران عبر إعلامه الرديف الذي تديره المخابرات السورية من خلال بعض الشخصيات المقربة منه للتهجم على إيران ووصفها بالعدو الأول للسوريين قبل تركيا وإسرائيل.[10]

 

4)    روسيا:

 

في عام 2018 وبعد تخلي التحالف الدولي عن الجنوب السوري لصالح روسيا مقابل أن تتعهد روسيا بإبعاد إيران عن الحدود الإسرائيلية مع سورية  80 كم عادت روسيا ورفضت الالتزام بتعهداتها خشية الدخول في نزاع مع حليفتها إيران لصالح إسرائيل[11] وهو ما دفع  بتل أبيب لزيادة عملياتها ضد الأهداف الإيرانية في سورية لكن بالرغم من التنسيق العالي بين إيران وروسيا عملياتياً ضد فصائل المعارضة السورية وتعهد روسيا بحماية النظام السوري من أي نشاط للمعارضة لكنها لا تبدي أي موقف حازم تجاه الضربات الإسرائيلية على المصالح الإيرانية فلم تفعل منظومة إس  300 ضد الطائرات الإسرائيلية مع الاكتفاء بالتنديد والرفض السياسي لهذه الغارات، وهو ما يشير إلى أن روسيا لا ترغب باستفزاز إسرائيل ودفعها للانخراط أكثر في دعم أوكرانيا في الحرب الأوكرانية، لكنها بنفس الوقت لا تمانع من الحد من النفوذ الإيراني في سورية التي باتت موسكو تنظر له بسلبية  .  [12]

5)    الولايات المتحدة:

 

منذ بداية حرب 7 أكتوبر /تشرين الأول 2024 اتخذت الولايات المتحدة كل وسائل الردع لمنع توسع الحرب إلى حرب شاملة في المنطقة من خلال  حشد الترسانة العسكرية في شرق المتوسط والخليج والبحر الأحمر وبحر العرب، والضغط السياسي على إيران وحزب الله  وتحذيرهما من الدخول في الحرب، وقد حافظت الولايات المتحدة على قواعد اشتباك منضبطة بعد تعرض القاعدة T22 الأمريكية في الأردن لضربة بطائرة مسيرة نفذتها ميليشيا عراقية مرتبطة  بالحرس الثوري الإيراني، من خلال الرد على وكلاء إيران في سورية والعراق  بدون الانزلاق إلى مواجهة شاملة، لذلك تسعى الولايات المتحدة إلى منع انزلاق التوتر بين إيران وإسرائيل إلى مواجهة مفتوحة والإبقاء على قواعد الاشتباك على حالها في الاستهداف الإسرائيلي المستمر لوكلاء إيران في سورية ولبنان . [13] والضغط على إسرائيل لعدم الرد على إيران باعتبار أن الضربة الإيرانية لم تؤد إلى أي ضرر مادي. [14] حيث تخشى الولايات المتحدة من أي استهداف إسرائيلي للمفاعل النووي الإيراني بالقنابل الكهرومغناطيسية أو استهداف مصافي النفط الإيرانية وهو ما قد يدفع إيران لتسديد ضربات إلى الشركات النفطية في دول الخليج ويجر الولايات المتحدة التي تمتلك قواعد عسكرية في الخليج إلى مواجهة مباشرة مع إيران.

 

ثالثاً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل التدافع الإيراني الإسرائيلي في المنطقة:

إن السيناريوهات المحتملة لشكل المواجهة القادمة بين طهران وتل أبيب مرتبطة أساساً بشكل رد الفعل الإيراني تجاه ضربات تل أبيب المؤلمة والمتكررة والتي لن يكون استهداف ملحق السفارة الإيرانية وقتل محمد رضا زاهدي أولها ولا أخرها لكن الرد الإيراني الذي حمل في طياته رسائل تحذيرية أكثر من كونه رداً استراتيجياً، لن يكبح  توجه تل أبيب لضبط شكل النفوذ الإيراني في سورية ولبنان وعليه فنحن أمام ثلاث سيناريوهات محتملة لشكل التدافع بين تل أبيب وطهران ضمن المحيط الحيوي للصراع  في سورية ولبنان وغزة هو ثلاث خيارات:

السيناريو الأول: من حرب الأذرع إلى ضرب القلب:

بعد الضربة الإيرانية التي وجهت لتل أبيب يبدو أن نتنياهو عازم على تسديد ضربة مباشرة للداخل الإيراني خصوصاً أن 45 % من شعب  إسرائيل يرغبون بالرد حتى مع عدم التنسيق مع الولايات المتحدة و بطريقة مباشرة وهذه سيكون مكلف وهو ما قد  يضع إيران في موقف محرج للغاية و يدفع بها للرد مرة أخرى بطريقة مباشرة ويمكن أن يتدحرج الرد والرد على الرد إلى حرب شاملة من قبل إسرائيل لإنهاء المفاعل النووي الإيراني لكن هذا الخيار لا يلقى القبول والدعم الأمريكي الذي تحتاجه تل أبيب لدعمها في تنفيذ هذه الخطوة الاستراتيجية بتهيئة مناخ الحرب في المنطقة حيث لازالت الولايات المتحدة تحافظ على خيوط التواصل مع إيران للتفاوض على عدد من الملفات الحساسة مثل الملف النووي والملاحة الدولية.

السيناريو الثاني، الاستمرار في حرب الوكالة مع الإبقاء على استراتيجية التخادم:

هو تقديم الدعم للدفع بحرب وكالة على أحد خيارين:

  1. إما حرب وكالة تقدم من خلال إسرائيل الأسلحة المتطورة والدعم الاستخباراتي واللوجستي و يقوم بها العرب ضد إيران خصوصاً وقد طرح الأمر خلال انطلاق مسار التطبيع بين العرب وتل أبيب لكن المفاجأة كانت بالتحول الذي قامت به السعودية من إيقاف حرب اليمن والدخول بمسار تطبيع موازٍ مع إيران لتحاشي استهداف السعودية في  مواجهة مستقبلية بين تل أبيب وإيران بحجة وجود القواعد الأمريكية في الخليج  وكذلك الإمارات وقطر تحرصان على التطبيع مع تل أبيب وعلى علاقة متميزة مع إيران  للخروج من دائرة الاستقطاب والتعسكر مع أحد الطرفين .
  2. شن حرب وكالة من خلال إعادة الدعم والتشكيل لقوات عربية سنية من بقايا الجيش الحر والمسلحين في السويداء في الجنوب السوري ومنطقة التنف حيث يتم تجنيدهم عن طريق الأردن والتحالف الدولي بإعادة افتتاح غرفة الموك بحجة محاربة المخدرات وتهريب السلاح ويكون من نتائج دعم هذه القوة إيجاد حزامٍ أمنيٍ فاصلٍ في محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء وجنوب دمشق أمام الميليشيات الإيرانية، لكن هذا الخيار مستبعد بسبب الممانعة الروسية وعدم رغبة إسرائيل والأردن إعادة تشكيل قوات مناهضة لنظام الأسد.

السيناريو الثالث وهو البقاء على التدافع عبر استهداف الأذرع والمصالح الإيرانية خارج حدودها:

وهو السيناريو المرجح حيث تقوم إسرائيل باستهداف وضرب الأذرع الإيرانية في سورية من خلال عمليات نوعية تستهدف مستودعات التسليح والمقرات الاستخباراتية والشخصيات الاستشارية وغرف العمليات ومعامل التصنيع الإيراني واستهداف حزب الله اللبناني في الجنوب اللبناني وذلك لتحقيق أمرين.

  • إجبار الميليشيات الإيرانية على الانسحاب من المجال الحيوي لتل أبيب وابتعادها إلى ما وراء نهر الفرات في سورية.
  • وتفكيك الذراع العسكري لحزب الله في لبنان وتحويله إلى حزب سياسي محض وتسليم سلاحه للجيش اللبناني.

وبذلك ينتهي الحلم الإيراني بالتموضع الأمني والعسكري ضمن المحيط الحيوي لتل أبيب والحصول على اعتراف دولي بدورها الإقليمي المركزي بعد قطع الأذرع الإيرانية من هذه المنطقة وإضعاف حماس في قطاع غزة، وبذلك تنهي جولة مهمة وطويلة من التخادم الإيراني الإسرائيلي على حساب المصالح العربية وتنزوي إيران إلى مجالها الحيوي في العراق واليمن بعد ترتيب المنطقة بتفكيك كل تنظيمات ما دون الدولة أو وضعها تحت قوة ضابطة من دول المنطقة بحيث تصبح الدولة الضابطة مسؤولة عن سلوك الميليشيات التابعة لها.

 

الخاتمة

 

إن العلاقات الإسرائيلية الإيرانية في غاية التعقيد والتداخل بين ثلاث دوائر أساسية

  • دائرة التخادم والمصالح المشتركة كما حدث في الحرب الإيرانية على العراق وإسقاط نظام صدام حسين وتفكيك الجيش العراقي واغتيال علماء التصنيع العسكري العراقيين وحماية النظام السوري بداية الربيع العربي وتدمير الحواضر العربية السنية في سورية والعراق وتدمير البيئة المقاومة من حول إسرائيل وإشعال الحروب الطائفية في المنطقة والتهديد الأمني لدول الخليج ودفعها للتطبيع مع إسرائيل.
  • دائرة التدافع هناك العديد من الملفات التي تقع ضمن دائرة التدافع والمواجهة يأتي على رأسها الطموح النووي الإيراني وسعي إيران للتحكم بالمحيط الأمني والحيوي حول تل أبيب وإقامة جيش من الميليشيات الموالية لإيران حول حدود تل أبيب وتطوير التصنيع العسكري والأسلحة البالستية التي تصل إلى عمق إسرائيل.
  • دائرة التنافس وهي دائرة المصالح الاقتصادية حيث يعتبر التحكم بالمضائق والمعابر المائية من قبل إيران وسعي إسرائيل للوصول إلى هذه المعابر عبر تحالفها مع الإمارات للوصول إلى مضيق هرمز وإقامة قواعد عسكرية في إيريتريا قريباً من باب المندب جزء من هذا التنافس وكذلك دخول الطرفين على خط الصراع داخل السودان والتوتر بين المغرب والجزائر ومد خطوط الغاز والطاقة في الشرق الأوسط والدخول بالشراكة مع الصين من قبل إيران أهم الملفات التنافسية.

من الواضح أن ثمة ثلاث مشاريع صاعدة تتنافس على السيطرة على الشرق الأوسط المشروع الإيراني والمشروع الإسرائيلي والمشروع التركي وكل دولة من هذه الدول لها نموذجها السياسي والاقتصادي ولديها فائض من القوة والأدوات، ويبدو أن إيران بمحاولتها الاستحواذ على النصيب الأكبر من مد النفوذ إلى المحيط الحيوي للمنافسين الآخرين (تركيا، وإسرائيل) وهو سيضعها في مواجهة استراتيجية معهما.

لكن  إيران في النهاية مجبرة على إبرام صفقة تعيد ترسيم حدود النفوذ الحيوي مع منافسيها وعليه فربما نشهد في المستقبل انزياحاً إيرانياً إلى العراق وتقاسم النفوذ مع تركيا هناك وتقاسم نفوذها في اليمن مع السعودية والإمارات وتقاسم نفوذها  في سورية مع تركيا والأردن وتقاسم نفوذها في لبنان مع إسرائيل لبناء حالة من الاستقرار في المنطقة وإنهاء التهديدات الأمنية التي تطال هذه الدول الثلاثة أو أننا متجهين إلى حرب شاملة تخرج إيران أو إسرائيل أو كليهما  من مشهد المنافسة  وتبقى تركيا القوة الوحيدة في المشهد في ظل الغياب الاستراتيجي للعرب .

[1] –  حساب مرشد الثورة الإيرانية على منصة إكس

[2] موقع القدس العربي: الرئيس الإيراني يهدد مجددا بالانتقام من إسرائيل بسبب هجوم دمشق

[3]المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية

[4] – المجلة الجزائرية للأبحاث والدراسات : المنافسات الجيوسياسية الإقليمية في الشرق الأوسط (إيران-إسرائيل وموازنة الردع النووي)

[5] –  RT   عربي:   إيران أبلغت تركيا بالهجوم مسبقا.. وأنقرة نقلت لطهران طلب واشنطن أن يكون ردها محدودا

[6] –  الجزيرة نقلاً عن موقع رويترز: إيران تسحب كبار ضباطها من سوريا وتتجه للاستعانة بحزب الله .

[7] – الشرق للأبحاث الاستراتيجية: إيران: من الصبر الاستراتيجي إلى المأزق الاستراتيجي؟

[8] – منتدى العاصمة للدراسات السياسية والمجتمعية، أحمد مولانا ،  هل يضرب نتنياهو إيران؟

[9] – موقع الحرة: مهمة محدودة”.. كواليس وأبعاد الزيارة المفاجئة لمسؤول بحزب الله للإمارات .

[10] – موقع المجلة : المجلة” تنشر وثائق إيرانية مسربة.. ماذا تريد طهران من دمشق؟ (1)

[11] – الشرق الأوسط : روسيا ترفض طلب إسرائيل إبعاد ميليشيات إيران 70 كيلومتراً

[12] – سكاي نيوز عربي : طلعات الجولان.. رفع الغطاء عن صراع نفوذ روسيا وإيران بسورية .

[13] – الحرة: سيناريوهات الرد الإيراني المحتمل على ضربة القنصلية

[14] – SWI swissinfo.ch – إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

     إسرائيل تتوعد بالرد على هجوم إيران مع تزايد دعوات ضبط النفس

مركزكاندل للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى