تحليلات

كيف رتب نظام الأسد المشهد الأمني لإغلاق الملف الحقوقي

تمهيد
ضمن إجراءات ترتيب المشهد الأمني لدى النظام السوري أصدر رئيس مكتب “الأمن الوطني” لدى النظام السوري، كفاح ملحم، يوم 21 آذار/ مارس 2024 قراراً يقضي بدمج شعبة الاستخبارات العسكرية والمخابرات الجوية في جهاز أمن واحد تحت مسمى “مخابرات الجيش والقوات المسلحة”.

سياق ترتيب المشهد الأمني
يأتي هذا القرار في سياق سعي النظام منذ بداية عام 2024 لإعادة رسم المشهد الأمني حيث قام النظام يوم 18 كانون الثاني/يناير 2024 بإزاحة اللواء علي مملوك عن رئاسة مكتب الأمني الوطني وتعيين اللواء “كفاح ملحم “المقرب من “بشار الأسد “مكانه وتعيين اللواء “كمال الحسن” رئيساً لشعبة الأمن العسكري خلفاً لكفاح ملحم والذي كان يشغل منصب رئيس فرع فلسطين 235 ، وكان قد سبق هذه القرارات تعيينات في رئاسة المخابرات الجوية والأمن العسكري، حيث تم في يوم 4 كانون الثاني/يناير 2024 تعيين اللواء “قحطان خليل” رئيسا لفرع المخابرات الجوية وتسريح اللواء “غسان إسماعيل”، كل ذلك وغيره لا يمكن وضعه في سياقات اعتيادية بل في إطار أعم يتضمن إعادة ضبط المشهد .

كما تشير التسريبات حالياً عن تحضير النظام لتشكيل جهاز ” الامن العام السوري ” وأنه بصدد حلِّ شعبة الأمن السياسي وإدارة الأمن الجنائي والشرطة خلال الأيام المقبلة، ودمجها في جهاز جديد يتبع لوزارة الداخلية تحت مسمى الأمن العام السوري.

يبدو أن المشهد الأمني لدى النظام سينتهي مستقبلاً بالإبقاء على جسمين أمنيين هما مخابرات الجيش والقوات المسلحة والتي تتبع إدارياً لوزارة الدفاع لكنها تابعة من حيث التنفيذ والتشغيل لمكتب الأمن الوطني وجهاز الأمن العام السوري التابع لوزارة الداخلية إدارياً وتنفيذياً بعد استتباع شعبة الأمن السياسي   للداخلية.

أهداف النظام من هذه التغييرات على المستوى المحلي ومستوى العلاقة مع حلفائه
يمكن استعراض مجموعة من الأهداف التي يعتقد أن النظام سيحققها من وراء التغييرات الجديدة وتقليص عدد الشعب والفروع الأمنية:

  • يسعى النظام السوري من إجراءات إنهاء الوضع القانوني للكيانات الأمنية من خلال آلية التفكيك والدمج وتغيير رؤسائها إلى خلق منظومة أمنية جديدة غير مرتبطة بملف جرائم حقوق الإنسان التي مارستها هذه الفروع والقائمين عليها خلال الحقبة الماضية وبالتالي هي محاولة من النظام للهروب من الملف الحقوقي والمحاسبة الذي يثار اليوم في الأروقة الدولية وشُرع بسببه قانون قيصر ويحاول النظام هنا إعادة إنتاج مؤسسات أمنية جديدة  لم ترتبط من خلال مؤسساتها ولا القائمين عليها بارتكاب جرائم وانتهاكات  ضد الإنسانية
  • كما يهدف إلى تحويل مكتب الأمن الوطني من مكتب تنسيق بين الفروع الأمنية الأربعة إلى مكتب قيادة مركزية لباقي الشعب والإدارات والفروع الأمنية المنضوية تحت سيطرته من خلال دمج كل هذه الفروع بجسم استخباراتي واحد ونقل الفروع التي تعمل قريباً من عمل الشرطة مثل الأمن السياسي إلى وزارة الداخلية وهو ما يعني أن توجيهات بشار الأسد  واتصاله مع الأمن سيكون عبر قناة وحيدة هي مكتب الأمن الوطني وليس بالطريقة المباشرة المعتادة وأن تقارير المعلومات الخاصة بالأمن لن يتم تسريبها وبيعها لجهات خارجية بسبب العلاقة المركزية الصارمة بين الجهاز الأمني ورئاسة الجمهورية .
  • كما يهدف النظام إلى الحد من قدرة حلفائه على التحكم بالفروع الأمنية واختراقها؛ والتأثير من خلال علاقتهم مع القائمين عليها على النظام وضبط بوابة تدخل الحلفاء وحصرها من خلال رأس الهرم المسيطر على كافة الفروع الأمنية وإغلاق الأبواب الخلفية أمامهم.
  • ويهدف إلى الحد من صراع الأجهزة والفروع مع بعضها وإخضاعها لقيادة مركزية تسيطر وتتحكم بها من خلال توجيهات رأس النظام وعدم فتح أي مجال للاجتهاد أو التصرف من منطلق المواقف الشخصية لرؤساء الفروع والشُعب.
  • كما يدرك النظام السوري أن سر قوته واستدامة وجوده تكمن في الدور الأمني الذي يمارسه على المستوى الإقليمي والداخلي لذلك يعمل على تعزيز السيطرة على أوراقه وإعادة رسم استراتيجيته وعقيدته الأمنية الجديدة من أجل تحقيق فاعلية أكبر في المرحلة الجديدة من ترتيب المشهد الأمني في المنطقة.
  • كما يحاول النظام من خلال هذه الإجراءات إظهار التكيف الشكلي الذي يحدثه ضمن مؤسساته الأمنية والحكومية من خلال تغيير الأشخاص والأنظمة، والنية إقناع الدول الغربية والعربية بالانفتاح عليه استجابة للخطوات الإيجابية التي يقوم بها وأنه يقوم بالمضي في مسيرة الإصلاح.

الخلاصة
إن دوافع عملية الهيكلة الحالية للجهاز الأمني تصب بشكل أساسي في هدف أساسي للنظام وهو الخلاص نهائياً من التركة القانونية الثقيلة التي تلاحقه في المحاكم الدولية والمرتبطة بأسماء ضباط وفروع أمنية معروفة بشخوصها لذلك من المتوقع أن تستمر عملية الهيكلة حتى يتم الخلاص من كل الضباط الذين ثبت تورطهم في ممارسة الانتهاكات ويشكل وجودهم عائقاً أمام الدول الراغبة بالانفتاح والتطبيع مع النظام.

بينما تأتي الأهداف الأخرى كأهداف ثانوية من حيث إعادة ضبط عمل هذه المنظومة وسد الثغرات والاختراقات التي بدت بارزة خلال الفترة الماضية من خلال تقليل التفرعات وضبط تدخلات الحلفاء فيها والاستعداد لمواجهة أي احتجاجات شعبية في مناطق حاضنته في ظل وضع اقتصادي متردي ومرشح لمزيد من السوء مما ينذر بتحركات جديدة كتلك التي ظهرت في محافظة السويداء ولا تزال مستمرة حتى الآن.

ولا يمنع ذلك النظام من تسويق أي إجراء محلي على أنه استجابة لمطالبات أممية أو إقليمية أو محلية ويحاول أن يحمل الآخرين منة أي شيء يقدمه منتظراً منهم أن يقدموا خطوة مقابلها في اتجاه المزيد من التطبيع والانفتاح ومن هنا تأتي الانطباعات لدى البعض أن النظام يقوم بهذه الإجراءات استجابة  للضغط من أطراف دولية أو إقليمية .

مركز كاندل للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى