اقتصاد

اقتصاد النظام السوري من السياسات الاقتصادية التخبطية إلى الركود التضخمي

الباحث الاقتصادي: محمد غزال

ملخص تنفيذي

شهدت سورية  منذ عام 2011 تقلبات كبيرة في السياسات الاقتصادية بشقيها النقدية والمالية، وانعكس ذلك بشكل مباشر على حجم الإنفاق العام الجاري الاستهلاكي والرأسمالي الاستثماري، وتدهورت قيمة الليرة السورية أمام الدولار والعملات الأخرى، مما خلق فجوة بين البيانات والنتائج المالية المحسوبة بالليرة ومقابلاتها بالدولار، وطبقاً لذلك جاءت حسابات الدخل القومي متناقضة بين العملة المحلية والقيمة المقابلة لها بالدولار من حيث الزيادة والنقصان، ولعبت تلك السياسات الدور الأهم في وصول اقتصاد النظام السوري لمرحلة لا يحسد عليها من انخفاض حجم الإنفاق العام وتدني الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وانخفاض القوة الشرائية للفرد واتساع رقعة الفقر، ما قاد الاقتصاد ولا سيما في السنوات الأخيرة المدروسة في هذا التقرير للانكماش، وصولا للركود المتوازي مع الغلاء العام والارتفاع بالمستوى العام للأسعار، وهو ما يسمى اليوم “الركود التضخمي”.

 

الفصل الأول:
المقدمة:

تُعد سورية منذ عام 2011 مسرحا لتحولات اقتصادية مهمة ومتسارعة، من تدهور الأوضاع الأمنية وأثرها على البنية الاقتصادية للمجتمع السوري، إضافة للعقوبات الدولية على النظام السوري، وصولا للقوانين التخبطية والسياسيات الاقتصادية المتبعة، التي لم تراع القدرة الشرائية لمستهلك، بحيث اتسعت الفجوة بين الدخل والإنفاق وتقلص أو انعدم الادخار، وتهاوت قيمة الأصول الثابتة والمتداولة مع انهيار الليرة السورية، ممهدا ذلك لعهد جديد من الحياة الاقتصادية والاجتماعية عنوانه الركود التضخمي، في هذا التقرير سنستعرض رحلة الاقتصاد السوري خلال المدة من عام 2010 حتى عام 2024، وسنحاول فهم التحولات التي تمت على الحالة الاقتصادية المجتمعية، وأهم السياسيات والتوجهات الحكومية التخبطية المتعلقة بالإنفاق الحكومي وأثره على دوران العجلة الاقتصادية سواء للأمام أو للخلف، مع التأكيد بأن العوامل المؤثرة والنتائج هي أوسع من أن يتم حصرها في تقرير…

من خلال هذا التقرير سيتم الإجابة على التساؤلات التالية:

  • ما هي ملامح الركود التضخمي على الإنفاق العام؟
  • ما هي ملامح الركود التضخمي على الناتج المحلي الإجمالي؟
  • هل أثرت السياسات الاقتصادية في ضعف التنمية وازدياد الفقر؟

الفصل الثاني: السياسة النقدية والسياسة المالية

  • السياسة النقدية

تُعَدُّ السياسة النقدية من أهم أدوات السياسة الاقتصادية، إذ بوساطتها يتم التأثير في المتغيرات الاقتصادية الكلية كالتضخم والبطالة والناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي وغيرها. ويكون تحكم السلطة النقدية (المصرف المركزي) عن طريق قيامها بالمراقبة الفعلية والحقيقة للمعروض النقدي، بمختلف الوسائل والأدوات؛ وذلك في ظل الاستقلالية العالية التي تتمتع بها السلطة النقدية، من أجل ضمان سلامة وفعالية السياسة النقدية، تتجه المصارف المركزيّة غالباً إلى تعديل في أهداف سياساتها النقدية وتحسين الأدوات التي تستخدمها لتنفيذ هذه السياسات، ويصحب ذلك تدعيم استقلالية تلك المصارف، بما يمكنها من تحقيق الأهداف، ليس فقط بدرجة كبيرة من الدقة والفعالية، وإنما أيضاً بمزيد من الشفافية والإفصاح، فمن استخدام أدوات نقدية مباشرة تستهدف متغيرات نقدية يجري التحول نحو استخدام الأدوات النقدية غير المباشرة التي تستهدف السيطرة على معدلات مستقرة للتضخم، ومن سياسات نقدية تتأثر كثيراً بالسياسات المالية إلى استقلالية أكبر للمصارف المركزية في رسم وتنفيذ السياسات النقدية واتفاق كامل حول أهداف السياسة الاقتصادية للدولة، ومن أدوات تقليدية تحكمية لتنفيذ السياسات النقدية تنحصر في سعر الخصم ونسبة الاحتياطي القانوني، بالإضافة إلى تحديد أسعار الفائدة المدينة والدائنة، للتحوّل إلى الاعتماد على عمليات السوق المفتوحة باستخدام الأوراق المالية الحكومية وشهادات الإيداع.[1]

ولعل سوء إدارة الملف النقدي في سورية والذي يفترض أن يكون إحدى الأدوات التصحيحية في ظل التوترات والنزاعات، كان أحد الأسباب التي أدت إلى تدهور الليرة وفقدت قيمتها بمعدلات تتجاوز 50 ضعفا منذ 2011 حتى 2022، في حين حافظت الليرة اللبنانية على نصف قيمتها على مدار السنوات السبع بعد الحرب الأهلية في لبنان[2] حيث لا يوجد إيمان لدى التجار بأن البنك المركزي والبنوك الحكومية تسهل أمرهم، إذ يتعرض عديد من رجال الأعمال للابتزاز عند سحب أموالهم حتى بالعملة السورية، فيضطرون في معظم الأوقات لدفع الرشاوي للحصول على المبلغ الذي يريدونه[3]“. وهذا يُظهر القدرة الحقيقية على مواكبة عمليات الإيداع والسحب والاحتفاظ بالاحتياطيات النقدية، وفيما يخص سداد الديون العامة، فقد تم تقنين مديونيات الحكومة تجاه البنك المركزي من خلال إضافة مواد تشريعية تسمح للحكومة بأن تؤجل سداد مديونية الخزينة الناتجة عن العجز المتراكم ل 15 عام وأن يتم سدادها على أقساط، وبذلك تؤجل المشكلات الاقتصادية والآثار السلبية من جيل لجيل وتتراكم معها المديونيات وتصبح السياسة الاقتصادية بين مطرقة التنمية وسندان الديون، هذا مرهون بالقدرة على الرقابة والشفافية وتمكين الحوكمة والاستقلالية ضمن أروقة قطاعات الحكومة، وهذا ينسجم مع المبادئ العشرة لمكافحة الفساد، لا سيما المبدأ التاسع “لا يسقط الفساد بالتقادم”.  ففي البطء تنتقل مكافحة الفساد إلى صفحة مستقبلية دون التقيّد بالمبدأ الثامن “اليقين من العقاب”، فيفلت من الحساب والعقاب كل من تسبّب بالخراب والدّمار واغتنى على حساب الشعب وأفقر الشعب تاركه مسؤولاً عن ديون تحتاج إلى أعجوبة لدفعها من الأجيال اللاحقة، إذا ما بقي الوطن.[4]

  • السياسة المالية (سياسيات الدعم الحكومي بدلا من الإنفاق العام)

تعرف السياسة المالية بأنها الاستخدام أو التنظيم الذي تستعمله الدولة في توجيه برامجها الاقتصادية التي تشمل الإيرادات والنفقات وفقا للأهداف التي تضعها فلسفة ونظام الحكم، وعلى ذلك نستنتج أنها المجال الذي يدرس النفقات والإيرادات العامة، من أجل رفع مستويات النشاط الاقتصادي[5]،

يمثل الدعم الحكومي التكلفة المالية التي تتحملها الموازنة العامة للدولة الناتج عن الفروقات السعرية في أسعار السلع والخدمات عن أسعارها السوقية، وتتباين الدول في عمليات الدعم الحكومي، فليست سورية  وحدها التي تبنَّت على مدار عقودها الستة الماضية على الأقل سياسة تقديم الدعم لمواطنيها في مجالات عدة، فمعظم دول العالم قدم، ولا يزال يقدم، أشكالاً مختلفة من الدعم، تنفيذاً لسياسات اقتصادية واجتماعية متباينة المستوى والهدف بين دولة وأخرى[6]، ولكن ما يميز تجربة النظام السوري في سياسية الدعم الحكومي أنه وفقاً لمسح الأمن الغذائي الذي أجرته حكومة النظام في نهاية عام 2020 وتحديثاته عام 2022، فإن نسبة الأُسر الآمنة غذائياً لم تتجاوز 5.1% فقط وبالمقابل فإن ما نسبته 95 % من الأسر السورية هي غير آمنة غذائيا ومستحقة للدعم، ولذا فإن سياسة الدعم في حال كانت على أساس تقديم الدعم لـ 95% من الأسر السورية، فإن الموازنة العامة سيتآكل بعضها لتغطية الإنفاق الاستهلاكي على حساب البنود الأخرى وفلسفة الدعم الحكومي تقتضي أن تكون متوازية مع عمليات الاستثمار والإنتاج، وأن تتم عمليات تغطية الدعم الذي هو ضمن الإنفاق الجاري الاستهلاكي عبر إيرادات خزينة الدولة من خلال الإيرادات الضريبية وغير الضريبية كالمشاريع الحكومية، أما تغطية العجز عبر الاقتراض فالأصل به لتغطية العمليات الاستثمارية والإنتاجية، ولدى مقارنة حجم الدعم الاجتماعي (الحكومي) مع حجم الإيرادات الضريبية وشبه الضريبية خلال فترة 2011 – 2021 نجد أن الدعم الحكومي يعادل 138% من الإيرادات المذكورة حسب الشكل رقم (1) أدناه[7] .

الشكل (1) – المرجع السابق

ولعل العنصر الأهم في عمليات الدعم الحكومي هو مصداقية وصول الدعم لمستحقيه، ما استدعى من حكومة النظام أن تعيد هيكلة الدعم وتحديد الأسر وتصنيفها، فقد نقلت صحيفة “تشرين” التابعة للنظام السوري في يناير 2024 عن نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور إبراهيم العَدي قوله: إن “المسيرة التاريخية للدعم في سورية أثبتت أنه سبب الفساد، وأن المستفيدين الحقيقيين منه ليسوا الفقراء”.[8] وعلى هذا فتح باب موارد وارتزاق لتجار الحروب على حساب الأسرة الفقيرة.

الفصل الثالث: الركود التضخمي في سورية  

  1. تمهيد (مفهوم الركود والتضخم والركود التضخمي)
  • ما التضخم؟

يعرف التضخم على أنه تآكل القوة الشرائية للنقود، وكذلك ارتفاع قيمة السلع والخدمات مما يعني ارتفاع تكلفة المعيشة، وفي هذه الحالة فإن مؤشر أسعار المستهلكين الذي يقيس معدلات التضخم تكون وظيفته الأساسية متابعة حركة الأسعار لتحديد مدى قدرة الشخص العادي على توفير الاحتياجات الأساسية لحياته، ويمكن القول بأن التضخم هو الاحتياج لكمية كبيرة من النقود لشراء كمية من السلع كانت تباع بسعر أقل في وقت سابق، وأيضا إن ارتفاع التضخم يعني أن مؤشر أسعار المستهلكين يتحرك بمعدل نمو إلى أعلى على منحناه الموجب.[9]

  • ما الركود؟

لا يوجد تعريف متفق عليه بين خبراء الاقتصاد حول العالم لتوضيح مفهوم الركود، لكن أغلب الخبراء يصنفونه على أنه بمثابة تباطؤ في نمو الاقتصاد لربعين سنويين على التوالي، يعني ذلك أن الاقتصاد يصبح في حالة ركود عندما يتوقف عن النمو أو يبدأ في الانكماش على مدار 6 أشهر متوالية وفق بيانات الناتج المحلي الإجمالي[10]

  • ما الركود التضخمي؟

هو فترة اقتصادية تتسم بارتفاع ملحوظ في التضخم (أي نمو أسعار السلع والخدمات) وكذلك معدل بطالة مرتفع مصحوباً بنمو اقتصادي متباطئ[11] بشكل عام، يمكن أن تتفاعل عدة العوامل بشكل متشابك لإحداث ركود تضخمي، حيث يصبح الاقتصاد يعمل بسوء، وتتزايد الأسعار بشكل مستمر دون توازن مع الزيادة في الناتج المحلي، مما يؤدي إلى فقدان القدرة الشرائية لدى المواطنين وتدهور الوضع الاقتصادي بشكل عام.

  1. ملامح الركود التضخمي في اقتصاد النظام السوري:

في كثير من الأحيان لا يمكن الفصل بين أسباب الركود ونتائجه طالما أن السبب هو نفسه قد يكون نتيجة، فعلى سبيل المثال، انخفاض الطلب هو سبب لانكماش الاقتصاد وبنفس الوقت هو نتيجة لانخفاض الدخل ضمن الدورة الاقتصادية، ولكن يمكن عرض ملامح الركود التضخمي باستعراض استجابة، مجموعة من الأدوات الاقتصادية سواء النقدية منها والمالية وحسابات الدخل القومي للتغييرات في السياسيات الاقتصادية.

  1. Top of Form
    • السياسة النقدية:

كما تم ذكره أعلاه، تدرج السياسة النقدية التي يديرها البنك المركزي ضمن السياسات الاقتصادية لتحقيق أهداف اقتصادية مثل التضخم المستهدف، والنمو الاقتصادي، والاستقرار النقدي عن طريق مجموعة من الأدوات النقدية منها ضبط استقرار سعر الصرف وتحديد أسعار الخصم عموما، يُعتبر أن هناك علاقة عكسية بين قيمة العملة ومعدل التضخم، أي أن ارتفاع معدل التضخم عادة ما يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة، وعلى العكس، تراجع التضخم قد يؤدي إلى تحسن قيمة العملة، شكَّل انخفاض سعر صرف الليرة السورية خلال الفترة 2011-2024 ضغطا كبيرا على معدلات الأسعار، ما شكلّ تحديا للساسة الاقتصاديين في النظام السوري الذي يُفترض أن يتدخل للقيام بإجراءات تصحيحه لدعم الليرة من خلال التحكم بالعرض النقدي لليرة في السوق بالشكل الأمثل وإدارة معدلات الفائدة، وجلب العملات الأجنبية من الخارج بطرق استثمارية، مما يسهم في خلق قيمة مضافة للاقتصاد تمكنه من المناورة الاقتصادية والحفاظ على مكتسباته، الشكل أدناه يوضح سعر صرف الليرة خلال الفترة 2010 – 2023 وفق النشرة الرسمية لأسعار الصرف الرسمية لاقتصاد النظام السوري.

الشكل رقم (2): من إعداد الباحث بناء على بيانات مصرف سورية المركزي.

فقدت الليرة السورية أكثر من 12500 ليرة من قيمتها أمام الدولار من عام 2010 حتى نهاية 2023، ووصف الاقتصادي عبد الناصر الجاسم أستاذ إدارة الأعمال المشارك في كلية الاقتصاد لدى “جامعة ماردين الحكومية مرسوم بشار الأسد رقم 3 لعام 2020 الذي جرّم التعامل بغير الليرة بالحبس لسبع سنوات وغرامة ضعف قيمة المدفوعات، بالخطأ التاريخي، لأن المرسوم لم يوقف الدولرة بل زاد التهرّب والفساد وحرم سورية من معظم الحوالات الخارجية، كما حاولت وزارة المال سحب جزء من الكتلة النقدية عبر رفع سعر الفائدة من نحو 9% إلى 27% وأيضاً من خلال بيع سنوي لسندات الخزينة بسعر فائدة مرتفع، ولكن كل تلك المحاولات تبدو عبثية بمواجهة طبع العملة المستمر الذي ينهجه نظام الأسد لتمويل عجز الموازنة والاستمرار بدفع الأجور مهما تدنت القيمة الشرائية لها.[12]

إن التدهور المستمر في قيمة الليرة مقابل الدولار يعمق الاحتكار، لأن كثيرا من التجار يجدون عدم الجدوى من الاستيراد، مما يدفعهم لشراء السلع من التجار الذين يديرون عمليات التهريب عبر الحدود.[13]

  • السياسة المالية

كما ذكرنا أعلاه، تتعلق السياسة المالية بإدارة الإنفاق والإيرادات الحكومية، تتضمن هذه السياسة قرارات حول كيفية تحصيل الضرائب، وكيفية استخدام الإنفاق الحكومي لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، في هذا التحليل سيتم تسليط الضوء على جانب الرواتب العامة من السياسة المالية العامة.

  • الرواتب العامة:

في عام 2010 بلغت الأجور الوسطية في سورية 11300 ليرة سورية تقريباً، وكان هذا الأجر يعيل 4.1 شخص، أي يجب أن يُنفق على حاجات أربعة أشخاص تقريباً ممن يعيلهم العامل بأجر (بناء على ما يسمى معدل الإعالة الاقتصادية). هذا الأجر كان وسطياً يستخدم (للأكل والشرب)، ولا يكفي لأكثر من ذلك، فأرقام مسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2009- 2010، أشارت إلى أن الأسرة السورية المكونة وسطياً من خمسة أشخاص كانت تنفق 14 ألف ليرة على الغذاء شهرياً، وهو مؤشر على تكلفة سلة الغذاء والمشروبات الأساسية،[14] وهو ما يقارب 285 دولار في ذلك الوقت، وبعد أكثر من 13 عام، في فبراير 2024 أشار وزير المالية في حكومة النظام السوري كنان ياغي، في تصريح لصحيفة الوطن المحلية، بعد أن تم إصدار المرسومين التشريعيين رقم (7) و(8) لعام 2024 – المتضمنين زيادة قدرها 50% في الرواتب والأجور المقطوعة للعاملين والموظفين في القطاع العام من مدنيين وعسكريين ومتعاقدين ومياومين وأصحاب المعاشات التقاعدية – إلى أن التكاليف المترتبة على الحكومة بعد هذه الزيادة بلغت 2.5 تريليون ليرة سورية، موضحا أن الحد الأدنى للأجور بلغ 280 ألف ليرة (19 دولارا)، ويقول خبير الاقتصاد السوري والباحث في كلية لندن للاقتصاد زكي محشي أن “هذه الزيادة ليست كافية، فإن الدخل -في أحسن الأحوال- لن يكون قادرا على تغطية إلا 10% من احتياجات أسر العاملين في القطاع العام لتجاوز خط الفقر”. [15]علما بأن زيادة الرواتب والأجور دون أن يرافقها زيادة في العملية الإنتاجية سيرفع من معدلات التضخم، وستتوزع هذه الزيادة على حجم الإنتاج الحالي خاصة مع انخفاض احتياطيات العملات الأجنبية وتدفقها لداخل سورية ، ومع ارتفاع معدلات التضخم بشكل لا ينسجم مع ارتفاع معدلات الرواتب والأجور فإن التأثير على القوة الشرائية ينعكس على انخفاض الطلب حتى على السلع الأساسية والضرورية ومن ثم انخفاض الإنتاج وتباطؤ الحركة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة التي وصلت لمستوى 15.1% عام 2021[16] واتساع الفجوة بين الدخل والاستهلاك وازدياد معدلات التضخم.

  • الموازنة العامة والاقتصاد الكلي
    • الموازنة العامة:

تشير الموازنة العامة عموما إلى عملية تخطيط وتنظيم الإنفاق والإيرادات الحكومية على مستوى الدولة، باستعمال البيانات التي تم جمعها عن الموازنة العامة لسورية عن الفترة 2011-2022 يمكن ملاحظة ما يلي:

بيانات الموازنة العامة – سورية
العام حجم الإنفاق بالعملة المحلية دولار / ليرة (13/12) الرسمي حسب المركزي حجم الإنفاق العام بالدولار

متوسط دولار / ليرة (13/12) لعامين

الإنفاق العام الاستهلاكي بالدولار الإنفاق العام الاستثماري بالدولار % الإنفاق العام الاستهلاكي من الموازنة % الإنفاق العام الاستثماري من الموازنة
2010 754,000,000,000 47.17 14,632,253,056 8,194,061,712 6,438,191,345 56% 44%
2011 835,000,000,000 55.89 12,497,193,744 6,748,484,622 5,748,709,122 54% 46%
2012 1,326,000,000,000 77.74 12,056,737,589 8,560,283,688 3,496,453,901 71% 29%
2013 1,383,000,000,000 142.22 8,546,269,118 6,837,015,294 1,709,253,824 80% 20%
2014 1,390,000,000,000 181.43 5,611,400,428 4,096,322,312 1,515,078,116 73% 27%
2015 1,554,000,000,000 313.99 3,817,947,301 2,825,281,002 992,666,298 74% 26%
2016 1,980,000,000,000 500.06 4,221,478,370 3,123,893,994 1,097,584,376 74% 26%
2017 2,660,000,000,000 438 6,073,059,361 4,554,794,521 1,518,264,840 75% 25%
2018 3,187,000,000,000 438 7,276,255,708 5,384,429,224 1,891,826,484 74% 26%
2019 3,882,000,000,000 438 4,567,058,824 3,288,282,353 1,278,776,471 72% 28%
2020 4,000,000,000,000 1262 3,169,572,108 2,155,309,033 1,045,958,796 68% 33%
2021 8,500,000,000,000 1262 4,489,041,458 3,681,013,995 808,027,462 82% 18%
2022* 13,300,000,000,000 2525 1,755,775,578 1,492,409,240 263,366,336 85% 15%

الجدول (1) من إعداد الباحث بناء على بيانات وزارة المالية وأسعار مصرف سورية المركزي 2010 – 2021، *بيانات الإنفاق لعام 2022 من موقع [17]kassioun.org

  • زيادة في حجم الإنفاق العام:

ارتفع حجم الإنفاق العام بالعملة المحلية وهذا الارتفاع ظاهري غير جوهري، نظرا لتدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار، حيث ارتفع الإنفاق العام بالعملة المحلية من 754 مليار ليرة في عام 2010 إلى 8.5 تريليون ليرة في عام 2021، بالمقابل في عام 2010، كان سعر صرف الليرة أمام الدولار 47.17 ليرة، أما في عام 2020، فبلغ متوسط سعر الصرف 1262 ليرة حسب نشرة الصرف الرسمية[18]، بينما حجم الإنفاق بالدولار فقد هبط من 14 مليار دولار عام 2010 إلى 4 مليار دولار عام 2021 و1.7 مليار تقديريا عام 2022 وبالتالي لا يمكن الاعتماد على بيانات الليرة السورية من حيث التحليل والمقارنة دون قياسها بالنسبة للدولار.

  • التوزيع بين الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري

يعتبر التوازن بين الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري مهمًا لصحة الاقتصاد، يمكن أن يكون الإنفاق الاستهلاكي ضروريًا لتلبية الاحتياجات اليومية ودعم الطلب الداخلي، بينما يمكن أن يساهم الإنفاق الاستثماري في تعزيز البنية التحتية وتحسين القدرة التنافسية للاقتصاد والنمو الاقتصادي ومواجهة الأزمات، من خلال قراءة في توزيع الموازنة العامة بين الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري،  يمثل الإنفاق الاستهلاكي النسبة الأكبر من الإنفاق الإجمالي في معظم السنوات، وهو ما يشير إلى التركيز على تلبية الاحتياجات اليومية والبرامج الاستهلاكية على الجانب الآخر، يمثل الإنفاق الاستثماري نسبة أقل من الإنفاق الإجمالي، لكن توزيع النسبة بين الإنفاقين أمر مهم للنمو الاقتصادي والخروج من المشكلات الاقتصادية، ففي 2010 و 2011 كانت نسبة الإنفاق الاستهلاكي تمثل كمتوسط  55 % مقابل 45% للإنفاق الاستثماري، وفي حين وصلت إلى 85% للإنفاق الاستهلاكي مقابل 15% للإنفاق الاستثماري في 2021، الأمر الذي يشكل تهديدا حقيقيا للاقتصاد من حيث تأكل العناصر الإنتاجية وعدم تشغيلها وعدم القدرة على سداد الديون الخارجية حيث قدّر البنك الدولي في تقريره الصادر نهاية 2022، إجمالي قيمة الدَّين الخارجي لسورية بنحو خمسة مليارات دولار حتى نهاية عام 2021، بزيادة على عام 2020، إذ سجلت قيمة الدَّين حينها نحو أربعة مليارات و763 مليون دولار أمريكي[19]، وبالتالي تمويل الإنفاق الاستهلاكي من خلال الديون الخارجية وضعف الاستثمار في المشاريع ذات القيمة المضافة، ما يؤثر سلبا على حجم الإنفاق العام وتآكل الموازنة العامة نظرا لارتباط تمويل النفقات بالإيرادات، وعجز الإيرادات مرتبط بعجز الإنتاج والاستثمار، ومن ثم الاعتماد على التمويل بالعجز عن طريق الاقتراض، ونظرا لضعف الاستثمار، سيكون من الصعب سداد القروض التي ستتحول لإنفاق استهلاكي، وبالتالي نحن أمام فجوة وحفرة يزداد عمقها مع استمرارية العقلية السياسية الاقتصادية بنفس الطريقة، وبالتالي بطء أو ثبات دوران العجلة الاقتصادية ومواجهة الانكماش الاقتصادي ومن ثم الوصول للركود.

  • التغير السنوي النسبي في الإنفاق العام

يعرض الجدول أدناه التغير السنوي النسبي في الموازنة العامة لاقتصاد النظام السوري خلال الفترة 2010 – 2022

بيانات الموازنة العامة -التغير السنوي النسبي – سورية
العام حجم الإنفاق العام بالدولار الإنفاق العام الاستهلاكي الإنفاق العام الاستثماري % التغير السنوي في الإنفاق العام % التغير السنوي في الإنفاق العام الاستهلاكي % التغير السنوي في الإنفاق العام الاستثماري
2010 14,632,253,056 8,194,061,712 6,438,191,345      
2011 12,497,193,744 6,748,484,622 5,748,709,122 -15% -18% -11%
2012 12,056,737,589 8,560,283,688 3,496,453,901 -4% 27% -39%
2013 8,546,269,118 6,837,015,294 1,709,253,824 -29% -20% -51%
2014 5,611,400,428 4,096,322,312 1,515,078,116 -34% -40% -11%
2015 3,817,947,301 2,825,281,002 992,666,298 -32% -31% -34%
2016 4,221,478,370 3,123,893,994 1,097,584,376 11% 11% 11%
2017 6,073,059,361 4,554,794,521 1,518,264,840 44% 46% 38%
2018 7,276,255,708 5,384,429,224 1,891,826,484 20% 18% 25%
2019 4,567,058,824 3,288,282,353 1,278,776,471 -37% -39% -32%
2020 3,169,572,108 2,155,309,033 1,045,958,796 -31% -34% -18%
2021 4,489,041,458 3,681,013,995 808,027,462 42% 71% -23%
2022* 1,755,775,578 1,492,409,240 263,366,336 -61% -59% -67%

الجدول (2) من إعداد الباحث بناء على بيانات وزارة المالية وأسعار مصرف سورية المركزي 2010 – 2021، *بيانات الإنفاق لعام 2022 من موقع kassioun.org

بالاستفادة من البيانات أعلاه يمكن تحليل التغير النسبي وفق الآتي:

الإنفاق العام:

يُلاحظ انخفاض كبير في الإنفاق العام خلال الفترة من عام 2012 إلى عام 2021، حيث تراجع الإنفاق العام بنسبة تصل إلى -69%في عام 2021 مقارنة بعام 2010. (4,489-14,632) /14,632 = -69%، وتسبب هذا التراجع في تقليل النفقات الاستهلاكية والاستثمارية بشكل ملحوظ، وفي سياق تجدر الإشارة إلى أن الحجم الكلي العام للإنفاق في انخفاض كما رأينا مع ارتفاع النسبة العامة للإنفاق الاستهلاكي على حساب الإنفاق الاستثماري.

الإنفاق الاستهلاكي:

يُلاحظ نمط متقلب في الإنفاق الاستهلاكي خلال الفترة المذكورة، حيث تراوحت نسبة التغير السنوي بين -40% إلى 71%. مع انخفاض وصل ل 55% من عام 2010 لغاية عام 2021 (3,681-8,194) /8,194 = -55%، تشير الأرقام إلى تقلبات كبيرة في نفقات الاستهلاك على مدى السنوات، ما يُظهر عدم وضوح الرؤية الاقتصادية التي هي أساس السياسات الاقتصادية دون أن ننكر أن الأوضاع الأمنية وجائحة كورونا لها نصيب من ذلك.

الإنفاق الاستثماري:

يتضح أن الإنفاق الاستثماري قد تأثر بشكل كبير خلال الفترة الماضية، حيث شهد تراجعًا ملحوظًا في الفترة من عام 2012 إلى عام 2022، يشير التراجع الحاد في الإنفاق الاستثماري إلى قلة الاستثمار في المشاريع الإنمائية والبنية التحتية، مما يمكن أن يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي والاستقرار الاقتصادي بشكل عام، حيث تراجع الإنفاق الاستثماري من عام 2010 حتى 2021 بنسبة -696 % حسب المعادلة (808-6,438) /808 = – 696%

  • موازنة 2024

في ديسمبر 2023، بلغت قيمة الموازنة العامة للعام 2024 وبحسب بيان للبرلمان السوري 35500 مليار ليرة سورية، موزعة على 26500 مليار ليرة للإنفاق الجاري و9000 مليار ليرة للإنفاق الاستثماري، في حين زاد إجمالي العجز في الموازنة عن 9404 مليارات ليرة. (الدولار 14100 ليرة).[20]

الشكل رقم (3): من إعداد الباحث بناء على بيانات وكالة سانا للأنباء.

ووفق مشروع الموازنة، بلغت قيمة الدعم الاجتماعي 6210 مليارات ليرة، منها 50 ملياراً للصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، و75 ملياراً لصندوق دعم الإنتاج الزراعي، و2000 مليار لدعم المشتقات النفطية، و103 مليارات للخميرة، و7 مليارات لصندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية، و50 ملياراً لصندوق التحول إلى الري الحديث، كما تم رصد مبلغ 75 مليار ليرة لدعم المناطق المتضررة من الزلزال.[21]

  • الناتج المحلي الإجمالي (GDP)
إجمالي الناتج المحلي (بالأسعار الجارية) – سورية
العام إجمالي الناتج المحلي
(بالأسعار الجارية للعملة المحلية)
دولار / ليرة (13/12)
الرسمي حسب المركزي
إجمالي الناتج المحلي
(بالأسعار الجارية للعملة الدولار)
نمو إجمالي الناتج المحلي بالعملة المحلية
(الجارية) (% سنوياً)
نمو إجمالي الناتج المحلي
بالدولار (الجارية) (% سنوياً)
2010 2,834,517,000,000 47.17 60,091,520,034 12% 12%
2011 3,252,720,000,000 55.89 58,198,604,402 15% -3%
2012 3,024,842,000,000 77.74 38,909,724,723 -7% -33%
2013 2,937,560,710,384 142.22 20,655,046,480 -3% -47%
2014 3,612,014,850,520 181.43 19,908,586,510 23% -4%
2015 4,783,661,000,000 313.99 15,235,074,365 32% -23%
2016 6,128,044,000,000 500.06 12,254,617,446 28% -20%
2017 8,348,139,000,000 438 19,059,678,082 36% 56%
2018 9,580,729,000,000 438 21,873,810,502 15% 15%
2019 11,620,863,000,000 438 26,531,650,685 21% 21%
2020 17,266,450,000,000 1262 13,681,814,580 49% -48%
2021 25,936,805,000,000 1262 20,552,143,423 50% 50%

الجدول (3) من إعداد الباحث بناء على بيانات البنك الدولي[22]

يعتبر الناتج المحلي الإجمالي (GDP) مقياساً لقيمة السلع والخدمات النهائية التي تنتجها دولة ما خلال فترة زمنية معينة داخل حدودها، ويُعتبر الناتج المحلي الإجمالي مؤشرًا مهمًا لحجم الاقتصاد والنشاط، يمكن ملاحظة أن التغيرات في قيمة الليرة مقابل الدولار تؤثر على قيمة الناتج المحلي بالدولار، مما يجعل التحليل الدولاري أداة مفيدة لفهم الوضع الاقتصادي بشكل أوسع.

الشكل رقم (4): من إعداد الباحث بناء على بيانات البنك الدولي. 
الشكل رقم (5): من إعداد الباحث بناء على بيانات البنك الدولي.

يُظهر الجدول (2) والأشكال (4) و(5) التباين السنوي بين الناتج المحلي الإجمالي بالليرة والدولار حيث تظهر التحليلات ارتفاع الناتج بالليرة مقابل انخفاضه بالدولار، مع تقلبات جوهرية من سنة لأخرى من حيث الحجم أو السعر أو كلاهما، ما يعكس التخبط في السياسات الاقتصادية، حيث نجد زيادة كبيرة في الناتج المحلي الإجمالي (GDP) على مدار السنوات بالليرة، حيث ارتفع الناتج بشكل كبير من 2.8 تريليون ليرة في عام 2010 إلى 25.9 تريليون ليرة في عام 2021، مقابل ذلك ونظراً لتغيرات سعر الصرف، انخفض الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار عام 2010 إلى 20.5 مليار دولار عام 2021  أي بنسبة -66%، تجدر الإشارة إلى أن حجم النمو والتغييرات السنوية للناتج تم احتسابها على أساس الأسعار الجارية، لذا فإن تغير الناتج من عام لأخر هو لا يعني بالضرورة عن تغيرات الكميات فقط، وإنما يحمل في طياته تغيرات الأسعار وتضخمها، وحتى يتضح التحليل بشكل أدق لا بد من تحليل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة وفق الآتي:

إجمالي الناتج المحلي (بالأسعار الثابتة 2000) – سورية
العام إجمالي الناتج المحلي
(بالأسعار الثابتة للعملة المحلية)
دولار / ليرة (13/12)
الرسمي حسب المركزي
إجمالي الناتج المحلي
(بالأسعار الثابتة للعملة الدولار)
نمو إجمالي الناتج المحلي – دولار
(الثابتة) (% سنوياً)
2010 1,494,595,000,000 47.17 31,685,287,259 5%
2011 1,537,191,000,000 55.89 27,503,864,734 -13%
2012 1,132,310,000,000 77.74 14,565,346,025 -47%
2013 834,511,477,370 142.22 5,867,750,509 -60%
2014 748,470,507,528 181.43 4,125,395,511 -30%
2015 717,186,000,000 313.99 2,284,104,589 -45%
2016 671,246,000,000 500.06 1,342,330,920 -41%
2017 666,391,000,000 438 1,521,440,639 13%
2018 675,675,000,000 438 1,542,636,986 1%
2019 683,923,000,000 438 1,561,468,037 1%
2020 682,676,000,000 1262 540,947,702 -65%
2021 691,549,000,000 1262 547,978,605 1%
**2022 703,000,000,000 2525 278,415,842 -49%
**2023 715,000,000,000 12625 56,633,663 -80%

الجدول (4) من إعداد الباحث بناء على بيانات البنك الدولي[23] – عام 2022 + 2023 بيانات تقديرية[24]

يمثل الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة أداة اقتصادية فعالة لقياس النمو الاقتصادي المبني على القيمة السوقية للكميات المنتجة للسلع والخدمات النهائية المبنية على أسعار سنة الأساس، وبالتي يعزل ارتفاع الأسعار والضغوط التضخمية ويعبر بشكل أدق عن حجم الناتج المحلي الإجمالي خاصة مع تدهور سعر الصرف للعملة المحلية.

من خلال مقارنة الناتج بالأسعار الجارية والثابتة حيث بلغ إجمالي الناتج المحلي
(بالأسعار الثابتة للعملة الدولار)  عام 2021 قيمة 547,9 مليون دولار مقارنة مع 20.5 مليار دولار للناتج المحلي الإجمالي بالدولار بالأسعار الجارية لنفس العام، الأمر الذي يعكس حجم التضخم الكبير من خلال قياس معامل انكماش الناتج المحلي الإجمالي عام 2000 لغاية 2021 (20.5/0.5479 = 3650%) نسبة لعام الأساس 2000، وهو ما يعزز ضعف الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (الثابتة)، وتم استخدام عام 2000 كعام أساس لاعتباره المعتمد في حسابات الرقم القياسي للأسعار وتوفر بيانات منسوبة له.

ومن خلال مقارنة الإنفاق الحكومي مع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي يمكن استنتاج معدلات النمو وفق الآتي:

بيانات الموازنة العامة -مع الناتج المحلي الإجمالي – سورية
العام حجم الإنفاق العام بالدولار إجمالي الناتج المحلي
(بالأسعار الجارية للعملة الدولار)
% التغير السنوي في الإنفاق العام نمو إجمالي الناتج المحلي
بالدولار (الجارية) (% سنوياً)
2010 8,194,061,712 60,091,520,034
2011 6,748,484,622 58,198,604,402 -18% -3%
2012 8,560,283,688 38,909,724,723 27% -33%
2013 6,837,015,294 20,655,046,480 -20% -47%
2014 4,096,322,312 19,908,586,510 -40% -4%
2015 2,825,281,002 15,235,074,365 -31% -23%
2016 3,123,893,994 12,254,617,446 11% -20%
2017 4,554,794,521 19,059,678,082 46% 56%
2018 5,384,429,224 21,873,810,502 18% 15%
2019 3,288,282,353 26,531,650,685 -39% 21%
2020 2,155,309,033 13,681,814,580 -34% -48%
2021 3,681,013,995 20,552,143,423 71% 50%

الجدول (5) من إعداد الباحث بناء على بيانات البنك الدولي[25] – عام 2022 + بيانات وزارة المالية [26]

يؤدي الإنفاق العام الاستثماري إلى حدوث زيادة مباشرة في الناتج المحلي الإجمالي، كما أن الإنفاق العام الاستهلاكي يؤدي أيضاً إلى زيادة المقدرة الإنتاجية.[27] وبالتالي يرتبط الإنفاق الحكومي بالناتج المحلي الإجمالي، ويساهمان في النمو الاقتصادي والقدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية وإدارتها والخروج منها، ومن خلال قراءة في المعدلات الجدول (5)، نجد أن النمو السنوي بالناتج (2011 – 2012 – 2013 -2014-2015-2016 -2020) سلبي ومتجاوز حجم التغير في الإنفاق العام السنوي، ومرده إلى السياسات الاقتصادية الاستهلاكية على حساب السياسات الاقتصادية الاستثمارية واقتصاد الظل والفساد، وأثر ذلك على انخفاض حجم الإنتاج وانكماش الاقتصاد، إن النمو السلبي في الناتج المحلي الإجمالي واستمراريته هو محصلة من محصلات السياسات الاقتصادية المتبعة والتناقضات في القرارات منها الدعم الحكومي على حساب الإنفاق وانعكاس ذلك على الفرد، فيما يلي نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي (بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي):

الشكل رقم (6): من إعداد الباحث بناء على بيانات البنك الدولي[28]

حسب بيانات البنك الدولي انخفض نصيب الفرد من الناتج بشكل كبير بسبب السياسات الاقتصادية التي ركزت على الاستهلاك العام على حساب الاتفاق الاستثماري إضافة للتضخم وتقلبات العملة.

  • التضخم والرقم القياسي للأسعار

لعل العنوان الاقتصادي العريض للفترة الزمنية 2011 – 2024 هو التضخم الاقتصادي وتبعاته، فقد ارتفع المستوى العام للأسعار خلال الفترة 2011-2024 بنسب تتجاوز في بعضها 100% على أساس سنوي، حيث وصل معدل التضخم 139.46% عام 2020 وفق النشرات الرسمية لاقتصاد النظام السوري[29].

الشكل رقم (7): من إعداد الباحث بناء على بيانات مصرف سورية المركزي

أما وفق بيانات المركز السوري للأبحاث، فخلال الفترة من عام 2019 إلى النصف الأول من عام 2022 ارتفع الرقم القياسي العام لأسعار سلع المستهلك في سورية (وفق مؤشر باش 2021) بمقدار يقارب 6 أضعاف وارتفاع الأسعار الغذائية بمقدار 6.7 ضعفاً، وسجل الرقم القياسي العام للأسعار تضخماً سنوياً (Y-O-Y) بنسبة 110.9% لعام 2021، وتضخم نصف سنوي بنسبة 55.71% للنصف الأول من عام 2022. وتظهر تمايزات الأسعار ومستويات التضخم بشكل واضح فيما بين مناطق سيطرة القوى المختلفة (مناطق النظام، قسد، الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ)؛ فاتسمت مناطق النظام بأعلى مستوى للتضخم العام والغذائي، تليها مناطق قسد ومن ثم مناطق المؤقتة والإنقاذ. [30] وهنا تجدر الإشارة إلى أن انخفاض المساحة التي تنتشر عليها موارد النظام رافقها انخفاض في عدد القاطنين ضمن مناطقه، والعكس صحيح.

الشكل رقم (8): تطور التضخم العام والغذائي في سورية – المرجع السابق

تعكس معدلات التضخم المرتفعة التي رصدها المركز السوري للأبحاث واقع اقتصاديات النزاع، والتدهور الحاد في الأداء الاقتصادي ومستويات المعيشة والارتفاع الكبير في خطوط الفقر الوطنية للأسرة (المدقع، والأدنى، والأعلى)؛ فقد بلغ خط الفقر المدقع للأسرة 645 ألف ليرة سورية شهرياً، وخط الفقر الأدنى مليون ليرة سورية شهرياً، وخط الفقر الأعلى 1.4 مليون ليرة سورية شهرياً في النصف الأول من عام 2022 وفق دليل المركز. [31]

وواجه سوق العقارات في سورية حالة ركود غير مسبوقة، وشللاً شبه تام يسيطر على حركة بيع وشراء الشقق السكنية، نتيجة ارتفاع أسعار مستلزمات البناء والإكساء وأجور العمالة التي ارتفعت 3 مرات خلال العام الماضي بنسب مضاعفة.[32]

الفصل الثالث: الاستنتاجات

  • إن عدم التكامل بين السياسة النقدية والمالية في ظل حالة عدم الاستقرار الأمني، ساهم في تدهور قيمة الناتج المحلي الإجمالي وانعكاس ذلك على تدنى مستوى التنمية الاقتصادية.
  • عدم أتمتة العمليات المالية من سداد وتحصيل بين الأفراد ومقدمي الخدمات الحكومية والخاصة، زاد من التكاليف والسرقات والفساد بالشكل الذي رفع المستوى العام للأسعار والتسرب من الاقتصاد لصالح اقتصاد الظل والعمليات التجارية خارج إطار القانون.
  • إن أي ارتفاعات في قيمة الناتج المحلي خلال الفترة 2010 – 2023 هي ارتفاعات ظاهرية وعلى العكس، انخفض الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقة المبنية على الأسعار الثابتة، وأدى لانكماش الاقتصاد ومع استمرار ضعف الناتج من سنة لأخرى دخل الاقتصاد مرحلة الركود الاقتصادي.
  • انخفاض النفقات العامة سبب مباشر لانخفاض الناتج المحلي الإجمالي وهذا أدى إلى دوران العجلة الاقتصادية سلباً واتساع دائرة الفقر.
  • إن زيادة نسبة الإنفاق الاستهلاكي على حساب الإنفاق الاستثماري
    أدى إلى تآكل الموازنة العامة خلال فترة التحليل، وأضعف قدرة النظام الاقتصادية على مواجهة الأزمات سواء الأمنية أو الاجتماعية أو الوبائية، نظرا لهشاشة القاعدة الاقتصادية أمام أي متغيرات تعيق عمليات التنمية.
  • مع ضعف الإنتاج وانخفاض الإنفاق الاستثماري في الموازنات العامة بقيت الأسعار بارتفاع مطَّرد دون تدخل حقيقي فني يمكن حل هذه المشكلة، وساهم ذلك بخلق معدلات عالية من التضخم لتكون مرحلة الركود التضخمي هي السائدة خاصة في السنوات الأخيرة المدروسة.
  • يظهر التغير السنوي النسبي نمطًا متقلبًا أيضًا على مدى السنوات، وبالتالي التقلب والتذبذب في القرار الاقتصادي، ويمكن اعتبار السياسات المتبعة بأنها سياسات اقتصادية تجريبية تخبطية أكثر من كونها سياسات اقتصادية جدية.
  • إن السياسات المتبعة في الدعم الحكومي بدلا من الإنفاق (تقليل الحركة الاقتصادية) وتعزيز الإنفاق الاستهلاكي على حساب الإنفاق الاستثماري هي سبب أساسي لشل الحركة الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط.

[1] السياسة النقدية في سورية (مقترحات وحلول) – بدون تاريخ – – شوهد بتاريخ 28/03/2024

[2] السياسة النقدية والمالية في سورية تشخيص ومقترحات حلول، جمعية العلوم الاقتصادية السوريةـ إبريل 2015– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[3] الليرة السورية إلى قاع جديد.. هل أخفق المصرف المركزي في السيطرة على سعر الصرف؟ 14/07/2023– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[4] مكافحة الفساد في القطاع العام – المبادئ العشرة لمكافحة الفساد وتطبيق معاهدة الأمم المتحدة ضد الفساد 15/11/2020 – شوهد بتاريخ 29/03/2024

[5] واقع السياسة المالية في سورية بين عامي 2011 و 2019 – مجلة جامعة تشرين للعلوم الاقتصادية والقانونية 2021– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[6] سياسة الدعم في سورية : اقتراب نهاية تجربة شجاعة! -3/08/2023 – شوهد بتاريخ 28/03/2024

[7] إمكانية الانتقال من الدعم العيني الشمولي إلى الدعم النقدي الاستهدافي في ظل تداعيات الحرب على سورية– إبريل 2022 – شوهد بتاريخ 29/03/2024 04/2024

[8] خطوة ضرورية لمواجهة العجز المالي.. رؤى إستراتيجية لتصويب مسارات الدعم بتوقيع خبراء.. نفقات أقل وجدوى أفضل بحاجة لقرار جريء 29/02/2024– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[9] ما التضخم وكيف يحدث؟ وهل له أنواع؟ وما معنى الركود التضخمي؟ 07/03/2015– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[10] ماذا يعني ركود الاقتصاد؟ 29/08/2022– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[11] الركود التضخمي.. السيناريو الأسوأ الذي لا يتمناه أحد في أي اقتصاد 15/02/2023– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[12] قصة انهيار الليرة السورية.. إليك الأسباب والنتائج 05/08/2023– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[13] الليرة السورية إلى قاع جديد.. هل أخفق المصرف المركزي في السيطرة على سعر الصرف؟ 14/07/2023– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[14] بالأرقام: أجر 2010 كان على حدّ الجوع.. والأجر اليوم يجب ألّا يقل عن 490 ألف ليرة 01/07/2020– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[15] رغم زيادتها بنسبة 50%.. نيران الغلاء تلتهم رواتب السوريين 14/02/2024– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[16] سورية  – معدل البطالة – شوهد بتاريخ 29/03/2024

[17] ما وراء أرقام الموازنة 2022 … الاقتصاد السوري مصاب بالسكتة 14/08/2022– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[18] نشرة السوق الرسمية (المبيع – الشراء) – موقع مصرف سورية  المركزي– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[19] “المركزي السوري”: سجل الدولة المالي شبه خالٍ من الديون 01/08/2023– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[20] موازنة سورية تأكل نفسها: انخفاض بـ 48% وعجز ولا موارد 14/12/2023– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[21] المجلس الأعلى للتخطيط: 35500 مليار ليرة سورية الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة لعام 2024 – 23/10/2023– شوهد بتاريخ 28/03/2024

[22]  GDP (current LCU) – Syrian Arab Republic موقع البنك الدولي– شوهد بتاريخ 28/03/2024   

[23]  GDP (current LCU) – Syrian Arab Republic موقع البنك الدولي– شوهد بتاريخ 28/03/2024    

[24] سورية  – الأسعار الثابتة للناتج المحلي الاجمالي – موقع Trading economics  – شوهد بتاريخ 28/03/2024

[25]  GDP (current LCU) – Syrian Arab Republic موقع البنك الدولي – شوهد بتاريخ 28/03/2024

[26]الموازنة العامة للدولة – موقع وزارة المالية – سورية  – شوهد بتاريخ 28/03/2024

[27] أثر الإنفاق العام في الناتج المحلي الإجمالي – موقع جامعة دمشق – 03/2011 – شوهد بتاريخ 28/03/2024

[28] GDP per capita (current US$) – Syrian Arab Republic – شوهد بتاريخ 28/03/2024

[29] تقارير التضخم الشهرية – موقع مصرف سورية  المركزي – شوهد بتاريخ 28/03/2024

[30] دليل المركز السوري لبحوث السياسات لأسعار المستهلك في سورية للفترة (تشرين الأول 2020-حزيران 2022) 08/12/2022 – شوهد بتاريخ 28/03/2024

[31] المرجع السابق

[32] “ركود غير مسبوق منذ 100 عام”.. شلل يصيب سوق العقارات في سورية 07/02/2024 – شوهد بتاريخ 28/03/2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى