اقتصاد

إجراءات النظام السوري المحتملة لتجنب خطر الانهيار الاقتصادي

31آب/أغسطس 2023

اقتصاد

المقدمة:

يعاني النظام من أزمة اقتصادية خانقة ظهرت بوادرها منذ كارثة الزلزال التي ضربت شمال غرب سورية في شهر شباط 2023 وتصاعدت بعد لقاء بشار الأسد مع قناة سكاي نيوز في 8 آب/أغسطس 2023، وفشل مسار التطبيع العربي بعد حضور بشار الأسد للقمة العربية في جدة شهر أيار/مايو 2023 ورفض النظام الالتزام بشروط المبادرة العربية بما يخص عودة اللاجئين ووقف تدفق شحنة المخدرات وتقليص النفوذ الإيراني في سورية وتحريك مسار الحل السياسي الأممي.

وقد تصدرت سورية قائمة “مؤشر البؤس” لعام 2023، الذي أعدّه الاقتصادي الأمريكي ستيف هانكي في بداية شهر شباط 2023، لتكون بذلك ثالث أكثر دولة بؤسًا عالميًا، بعد زيمبابوي وفنزويلا.

و يتعرض النظام السوري إلى موجة احتجاجات متصاعدة بدأت في مناطق الساحل ودرعا ودمشق وأخذ زخمها يشتدّ في السويداء من بداية شهر آب/أغسطس 2023 وتطور الاحتجاج في السويداء إلى درجة مطالبته برحيل النظام ودخول شيخ عقل الطائفة حكمت الهجري على الخط المؤيد للاحتجاجات، في الوقت الذي يعاني الشعب السوري من أزمة اقتصادية خانقة  لقد أعطى بشار الأسد رسائل سلبية للشعب السوري ووضعهم أمام أفق مغلق وأعدم كل الحلول أمامه إلا حل الصمود والرفض لأي مبادرة لا تأتي على مزاج النظام  واليوم قفز سعر الدولار 13600 ل. س مع ما رافق ذلك  كله من عجز حكومي واضح في تأمين المواد والخدمات الأساسية للشعب الذي يرزح تحت سلطته.

لكن أمام هذا الانسداد في خيارات النظام وتعطل مسار التطبيع العربي وغياب أي أمل في التغيير ما هي المعالجات المتوقعة من النظام السوري للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها؟ في هذا التقرير سنقف عند استعراض أسباب حالة الانهيار الاقتصادي التي يعاني منها النظام والحلول التي يمكن أن يلجأ إليها ومناقشة هذه الحلول من حيث فائدتها وقدرتها على الحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية.

أولاً: استعراض الأسباب المحتملة للانهيار الاقتصادي في سورية:

هناك العديد من الأسباب التي عمقت الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها النظام السوري يأتي على رأسها:

– الحرب الشاملة التي شنها النظام على الشعب السوري منذ عام 2011 حتى اليوم والتي استنزفت موارد الدولة وسخرت كل الإمكانيات الاقتصادية لآلة الحرب السورية ضد الشعب حيث تم إنفاق ميزانية الدولة على هذه الحرب طوال الفترة الماضية وتدمير البنية التحتية والمنشآت الاقتصادية وضرب السوق الاستهلاكية المحلية وهروب اليد العالمية وقد كلفت عشر سنوات من الحرب في سورية 1.2 تريليون دولار أمريكي وفقًا لمنظمة World Vision [1]

– فقد العملة السورية لقدرتها الشرائية حيث أصبح راتب الموظف في سورية يعادل ما بين 10 – 20 دولاراً أمريكياً في أحسن الأحوال وهو ما تسبب بنقمة الموظفين في الجهاز البيروقراطي للنظام وعناصر الأمن والجيش التي كانت تعود ضعف المرتبات الشهرية باقتصاديات الحرب والتخريب والحواجز ونهب ممتلكات الشعب السوري التي لم تعد متوفرة حالياً. [2]

– كما تسببت الإجراءات التي فرضها النظام السوري على التجار والمستثمرين السوريين والأجانب من الضرائب وتحديد سعر الصرف من قبل البنك المركز السوري وفرض التسعيرة بدون مراعاة لتكلفة الاستيراد والإنتاج وتسلط رجال الأمن والميليشيات على التجار إلى هروب المستثمرين السوريين إلى خارج البلاد حيث 30 ألف رجل أعمال سوري وقد ساهموا بتأسيس أكثر من 1254 شركة برأس مال قدره أكثر من 200 مليون دولار، وذلك وفق الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الحكومة المصرية.[3]  كما قامت كل من تركيا والإمارات بتجنيس العشرات من رجال الأعمال والمستثمرين السوريين.

– كما أدت الأزمة الاقتصادية اللبنانية في عام 2019 إلى خسارة المودعين السوريين لأموالهم التي نقلوها من سورية إلى لبنان مع بداية الأزمة السورية إلى خسارة حوالي 30 مليار دولار. [4]

– سيطرة الولايات المتحدة على منطقة شرقي الفرات والتي تحتوي على سلة الغذاء السورية وموارد الماء والكهرباء والثروة النفطية والغازية التي تشكل ثلث الاقتصاد السوري إلى تفاقم أزمة النظام

– كما ضاعف التضخم العالمي الذي بدأ مع جائحة كورونا واشتد مع الحرب الروسية الأوكرانية إلى مضاعفات عالمية أثرت على الاقتصاديات الهشة ومنها اقتصاد النظام السوري [5]

– العقوبات الاقتصادية التي فرضت على النظام من خلال قانون قيصر من قبل العديد من الدول والمنظمات الدولية، هذه العقوبات تقييدية وتؤثر على القدرة على الحصول على تمويل وموارد من الخارج وعلى القطاعات المختلفة من الاقتصاد لكن لا يعني رفع العقوبات أن الشعب السوري سيستفيد منها لأن النظام يحاول دائماً تحميل الشعب السوري تبعات العقوبات التي تستهدفه لتوجيه الاحتقان تجاه الدول التي فرضت العقوبات.

 

ثانياً: تحليل الإجراءات المحتملة للنظام من أجل مواجهة خطر الانهيار الاقتصادي:

باستعراض الإجراءات الاقتصادية المحتملة التي يمكن أن ينتهجها النظام السوري لتجنب الانهيار الاقتصادي، يمكن الوقوف على عدد منها:

استهداف أثرياء الحرب

ربما يستمر النظام السوري باستهداف رجال الأعمال والشبيحة الذين جمعوا ثروتهم خلال سنوات الحرب من التهريب وبيع مقدرات الدولة وأعمال السلب والنهب والتسلط على التجار وممارسة أعمال الخطف وطلب الفدية وتجارة النفط المهرب وتحولوا إلى أثرياء جدد في الحالة الاجتماعية السورية، وهنا قد لا يجد النظام بداً من استهداف هؤلاء تحت شعار معلن هو مكافحة الفساد لكن بالحقيقة هو لتأميم الفساد واستخدام هذه الأموال لتثبيت أركان النظام وملءِ خزانته وبناء شبكة اقتصادية يتم التحكم بها من أسماء الأسد شخصياً بعد إزاحة رامي مخلوف [6]

بيع عقود الاستثمار والأراضي السورية والثروات والأصول الاقتصادية:

خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في شهر أيار/مايو 2023 وقع النظام العديد من العقود مع إيران تخص الاستثمار في مجال الطاقة والبناء والصناعة والزراعة والاتصالات والمصارف مع بيع عدد من الأراضي مقابل تأجيل الديون الإيرانية وهنا قد يقدم النظام على المزيد من هذه الخطوات والتنازل عن ملفات سيادية مقابل الحصول على المساعدات الإيرانية لإنقاذ الاقتصاد السوري المنهار [7]

زيادة الجباية والضرائب على التجارة والمغتربين والوثائق الرسمية وذلك من خلال

– زيادة التعرفة الجمركية على السلع المستوردة لزيادة الإيرادات الحكومية.

– بدلات الخدمة العسكرية للمغتربين: تم فرض رسوم على الخدمة العسكرية للمغتربين كوسيلة لتوليد إيرادات إضافية.

– تعزيز الإيرادات من خلال فرض رسوم مرتفعة للحصول على جواز السفر السوري.

– تسخير نشاطات التهريب لتحقيق إيرادات غير رسمية من خلال معابر ومرافئ غير شرعية.

– فرض رسوم على الحواجز الداخلية بين المناطق التي تخضع لسيطرة النظام كوسيلة لتحقيق إيرادات إضافية.

– فرض رسوم على الخروج والدخول من وإلى البلد بالإضافة إلى رسوم زيارة المعتقلين والأسرى.

– الاستيلاء على المعونات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة وإعادة بيعها في السوق السوداء لتحقيق أرباح للنظام.

– فرض رسوم على حوالات المهجرين الواردة من الخارج كوسيلة لزيادة الإيرادات.

تعزيز التجارة الإقليمية

يحاول النظام السوري من خلال فتح معبر نصيب مع الأردن وفتح طريق M4 – M5 مع تركيا إلى تنشيط التجارة الخارجية لتنشيط الاقتصاد وتأمين دخل أجنبي وفتح أسواق للبضائع السورية خارج السوق المحلي لكن حتى الآن لم يحقق النظام نتائج مرضية بسبب ارتفاع نسبة البضائع الأردنية الداخلة إلى سورية مقارنة بالبضائع السورية الداخلة إلى الأردن ورخص البضائع السورية مقارنة بالبضاعة الأردنية إضافة لضعف مستوى التبادل الذي لم يتجاوز 150 مليون دولار ودخول شحنات المخدرات إلى الأردن  [8]

استغلال مشاريع التعافي المبكر

قام النظام السوري بتدشين عدد من محطات التوليد الكهربائي كما يحاول الضغط على الأمم المتحدة لتسريع مشاريع التعافي المبكر في مناطق سيطرته لتحسين أداء البنية التحتية لكن حتى الآن لم تصرف إلا أموال بسيطة بسبب الفيتو الأمريكي الذي يشترط وجود تقدم في العملية السياسية مواز لتفعيل مشاريع التعافي المبكر [9]

تحسين القطاع المالي: قد يتضمن ذلك تقوية النظام المصرفي وتحسين سياسات النقد والتسليف.

حيث قام المصرف المركزي بدمشق، بعد تراجع التحويل اليومي إلى ما دون 4 ملايين دولار، وبهدف استقطاب التحويلات بالقطع الأجنبي التي تذهب للأسواق المجاورة وتعود بالليرة لداخل سورية، قد رفع سعر صرف الليرة السورية إلى 9900 ليرة مقابل كل دولار، و10905.84 مقابل كل يورو، أما بالنسبة لنشرة السوق الرسمية، فقد حدد المصرف سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار بـ8500 للشراء، و8585 للمبيع، والوسطي بـ8542، في حين حدد سعر صرف الليرة السورية مقابل اليورو في النشرة ذاتها بـ9363.05 للمبيع، و946.68 للشراء، والوسطي 9409.87.[10]

كما قد يلجأ النظام إلى فتح المجال للاقتراض بفوائد قليلة لشريحة واسعة من الموظفين في القطاع الحكومي والمزارعين وأرباب المشاريع الصغيرة لتخفيف حالة الاحتقان.

بناء واجهة اقتصادية وشبكة تدير الأموال في السوق الأسود خارج قنوات المراقبة.

ما يقوم به النظام السوري على الصعيد الاقتصادي منذ اندلاع الثورة الشعبية ضده وحتى الآن يندرج تحت مسمى اقتصاد الفوضى الذي يجيد النظام اللعب عليه نتيجة خبراته السابقة في لبنان والعراق، فطريقة إدارة النظام لشؤونه الاقتصادية كشفت النظام بوصفه عصابةً بكل المقاييس من خلال الأدوات والأساليب التي لا تستعملها سوى العصابات، ويشمل اقتصاد الفوضى العديد من الأفعال غير المشروعة والتي يتساوى فيها النظام مع كل الحركات المارقة والعصابات الإجرامية على مستوى العالم ومنها:

– فساد العاملين ضمن المنظومة الأسدية (رشاوي، محسوبيات) وبيع الوثائق الرسمية للمواطن مثل جواز السفر وشهادات الميلاد وكشف العلامات

– تجارة المخدرات والجنس وعمليات التهريب المتنوعة وغيرها من أنواع التجارة غير المشروعة

– تجارة النفط، تجارة السلاح، البورصة، أندية القمار، غسيل الأموال[11]

تشجيع الشرائح الغاضبة على الهجرة ومنع اللاجئين من العودة

من الواضح أن النظام بات يشعر بقلق من وجود الشريحة الغاضبة في مناطق سيطرته لذلك يسعى لتشجيعها على الهجرة بتسهيل حصولها على جواز السفر حيث يؤدي خروجها إلى تحفيف الضغط على قطاع الخدمات وتخفيف حركة الاحتجاج وتحولها مع اللاجئين إلى شريحة موردة للحوالات المالية التي ترفذ خزينة النظام بالقطع الأجنبي. [12]

الخاتمة والنتائج والتوصيات:

 

من الواضح أن النظام السوري يتجاهل أن الأزمة الاقتصادية في سورية هي أزمة ذات منشأ سياسي وأزمة بنيوية داخل النظام ولا يمكن حلها من خلال إجراءات اقتصادية فقط وهو ما لا يريد النظام السوري الاعتراف به

ولازال النظام السوري يحاول ابتزاز دول الإقليم بالفوضى الناتجة عن الأزمة الاقتصادية وتحولها إلى تحد أمني يمكن أن تمتد لكل دول المنطقة.

الأزمة البنيوية داخل النظام والفساد المستشري ووقوع المؤسسات السورية تحت السيطرة الروسية الإيرانية يجعل من أي مساعدة اقتصادية للنظام غير ذات جدوى أو فائدة لأن منظومة الفساد المتوحشة قادرة على جعل النتيجة والتأثير على معاش المواطن السوري صفراً وهو ما يتطلب حلول أكثر نجاعة.

إن النظام السوري حالياً لا يمتلك حلولاً ذاتية فثرواته خارج سيطرته وحلفاؤه يرفضون تقديم المساعدات المالية له إلا بشروط تتعلق بمزيد من مساحات النفوذ على الثروات والمقدرات السورية والدول العربية لها شروط واضحة لتقديم أي مساعدات والولايات المتحدة والغرب لن ترفع العقوبات عن النظام إلا بتحقيق تقدم ملموس في مسار الحل السياسي وهو ما لن يقدم عليه النظام في حال من الأحوال.

لذلك من المتوقع أن يستمر النظام بتصدير أزمته الاقتصادية على شكل خطر أمني إرهابي للمحيط العربي والإقليمي وزيادة تدفق شحنات المخدرات وبناء شبكة عالمية مرتبطة بشبكة إيران وحزب الله الاقتصادية لإدارة الاقتصاد ودفع الكتلة السكانية الغاضبة نحو اللجوء والهجرة للضغط على أوروبا والغرب.

لذلك لابد من معاملة النظام بأسلوب العصا والجزرة حتى يأتي إلى استحقاق الحل السياسي وعدم الاكتفاء بتقديم المحفزات الاقتصادية التي يستغلها النظام لتقوية أركانه وحماية نفسه من السقوط.

————————————————————————————————————————————

[1] موقع World Vision  راجع الرابط

[2] موقع الجزيرة الإنكليزي راجع الرابط

[3] موقع الأورينت راجع الرابط

[4] موقع BBC عربي راجع الرابط

[5] موقع United nations    راجع الرابط

[6] موقع قناة الحرة راجع الرابط

[7] موقع نون بوست  راجع الرابط

[8] موقع عنب بلدي  راجع الرابط

[9] مؤسسة فريدريش إيبرت راجع الرابط

[10] موقع العربي الجديد راجع رابط

[11] موقع العربي راجع الرابط

[12] الشرق الأوسط راجع الرابط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى