أبحاث

العلاقات الإيرانية الأمريكية نطاق التخادم وحدود الاشتباك

 

المقدمة:

منذ وصول الخميني إلى حكم إيران وتأسيسه لنظام هجين من الحكم الديني والمدني عام 1979 أخذ شكل العلاقات الإيرانية الأمريكية يكتسي طابعاً من الغموض والتعقيد لا يمكن فهمها وفق مبادئ التحليل السياسي البسيط بحيث ينظر لها البعض على أنها علاقة من نوع المؤامرة على العرب وأن الولايات المتحدة وإيران متفقون على تنفيذها ضدهم وبين من يراها علاقة عداء متجذرة لا يمكن الشك في ذلك.

في هذه الدراسة نطرح إشكالية التوصيف والتعريف لنوع العلاقة بين الولايات المتحدة بعيداً عن التنابز بالألقاب “محور الشر ” و ” الشيطان الأكبر ” وذلك في أطر جديدة من التحليل على أساس فهم الدور الوظيفي للنظام الإيراني في المنطقة والتخادم المتبادل بين إيران والولايات المتحدة وسياسة الاحتواء التي انتهجتها الإدارة الأمريكية مع إيران خلال حرب الخليج الأولى، وفهم مسحات التخادم المتبادل وحدود الاشتباك بينهما.

في يوم 28 كانون الثاني /يناير 2024 قتل 3 جنود أمريكيين وجرح 34 بعد هجوم بطائرات من دون طيار على قاعدة عسكرية أمريكية تعرف بـ “البرج 22” في منطقة الركبان بمديرية الرويشد، شمال شرقي الأردن قرب الحدود السورية، وتبني المقاومة الإسلامية في العراق للعملية في نفس اليوم نقطة تحول مهمة في مسار الاستهداف المستمر للقواعد الأمريكية في سورية والعراق من قبل الأذرع الإيرانية وخروجاً عن قواعد الاشتباك المنضبطة بتجنب قتل جنود أمريكيين.

بعد هذه العملية نشرت وكالة رويترز يوم 1شباط/فبراير 2023 أن إيران قامت بعملية انسحاب جزئي لضباطها في سوريا ودعا وليم بيرنز إلى التعامل مع إيران كمفتاح لأمان إسرائيل والمنطقة، مما يشير إلى أهمية حل القضايا مع إيران. ليعلن حزب الله العراقي يوم 31 كانون الثاني /يناير 2024 عن وقف عملياته ضد القواعد الأمريكية مترافقاً كل ذلك مع النقاش داخل واشنطن عن الانسحاب من العراق وسورية، والذهاب إلى هدنة في غزة.

لكن في يوم 7 فبراير / شباط 2024 شنت قوات القيادة المركزية الأمريكية ضربة أحادية الجانب في العراق ردا على الهجمات على أفراد الخدمة الأمريكية، أسفرت عن مقتل قائد في كتائب حزب الله العراقي وسام محمد صابر الساعدي وأركان الساعدي المسؤولين عن التخطيط المباشر للهجمات على القوات الأمريكية في المنطقة.[1] وبذلك تكتفي الولايات المتحدة باستهداف وكلاء إيران.

هذه الأحداث والتطورات والرد الأمريكي الباهت على الجراءة الإيرانية أعاد للذاكرة السؤال المركزي حول سر العلاقة بين إيران والولايات المتحدة وكيفية إدارة الاشتباك بينهما في المنطقة مع تحاشي الانزلاق إلى المواجهة الشاملة والاكتفاء بإدارة حرب الوكالة باحترافية عالية مع الإبقاء على قنوات التفاوض الأمنية ضمن خط ساخن مفتوح:

 

نهدف من هذه الدراسة إلى تشريح ملفات التخادم ودور كل من إيران والولايات المتحدة في خدمة استراتيجية الطرف الأخر ثم تفسير كيف تنزلق العلاقة أحياناً نحو التوتر وما يتبعها من سياسة التصنيف والتدخل الأمريكي الخشن لضبط مسار التخادم والمحافظة على قواعد الاشتباك.

أولاً: الدور الإيراني الخادم للاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط:

نجحت إيران باعتماد سياسة الصبر الاستراتيجي الذي لا يعير أهمية لكلفة الوقت مقابل التقدم نحو الأهداف والقبول بلعب دور وظيفي في المنطقة مقابل التقدم لبلوغ الهدف من خلال استغلال ثنائية ما تفرزها الانتخابات الأمريكية من الجمهوريين والديمقراطيين لتحقيق مصالحها، حيث تدخل في حالة الكمون والانكفاء وبناء أذرعها في المنطقة والتظاهر بالانكماش والسعي للتفاهم مع دول المنطقة في ولاية الجمهوريين للتكيف مع سياسة الضغط القصوى التي كان ينتهجها ترامب، وتسعى لتوسيع رقعت التمدد والذهاب نحو المواجهة والجرأة في عهد الإدارات الديمقراطية التي تنهج سياسة العقوبات مع تقديم الحوافز لدفع إيران نحو التفاهم كما تعمل إيران على الاستثمار بجماعة الضغط الإيرانية في واشنطن المقربة من الإدارة الديمقراطية للتأثير على السياسات الأمريكية في المنطقة .

وهنا قبل الحديث عن الدور الوظيفي التخادمي الذي تقوم بها إيران لصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لا بد أن نحدد المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة التي تدركها إيران تماماً وتتحرك في ضوئها وتحرص على التخادم معها والتي تتلخص بـ:

  • حماية أمن إسرائيل وتطبيع وجودها في الشرق الأوسط عبر بناء منظومة تحالف بين العرب وإسرائيل
  • ضمان الربط الاستراتيجي لبيع النفط بالدولار كعامل مهم في تعزيز الهيمنة الأمريكية وبقائها كقطب أوحد في العالم.
  • عدم السماح بظهور قوة في المنطقة متفوقة على إسرائيل يمكن أن تشكل مركزية استراتيجية خارج السيطرة الأمريكية.
  • ضمان ألا تذهب المنطقة إلى حيز النفوذ الصيني عبر خلق بيئة غير مستقرة ومتوترة بالصراعات الطائفية والإثنية لا تسمح للصين بالاستثمار والهيمنة الاقتصادية.
  • إضافة لمصالح تتعلق بأمن الطاقة وأمن المعابر المائية وسلاسل التوريد. [2]

وهنا يأتي الدور الإيراني لتعزيز كل هذه المصالح من خلال العديد من الأدوار الوظيفية التي تقوم بها إيران ومنها:

1)    تغذية الحروب الطائفية

ضمن استراتيجية الحرب بالتكلفة الصفرية تعتمد إيران في مد نفوذها على الميليشيات الإيديولوجية المحلية وبذلك تلعب إيران الدور الأكبر في إشعال الحروب الطائفية بالمنطقة وتغذي الصراع الشيعي السني من خلال تشكيل الميليشيات الشيعية الطائفية لتشكل منها أدوات عنيفة في تنفيذ المشروع الإيراني وهذا الدور يخدم الاستراتيجية الأمريكية ” الفوضى الخلاقة ” لإعادة تشكيل ورسم خارطة الشرق الأوسط [3]ومفيد في قيام هذه الميليشيات بدور المواجهة مع تنظيم داعش والقاعدة كشركاء محليين للولايات المتحدة على الأرض حيث تقوم إيران وعبر أذرعها الشيعية بتشكيل قوة محلية قادرة على محاربة تنظيم داعش والقاعدة بدون أن تتورط الولايات المتحدة بتدخل على الأرض، لكن بالتوازي مع هذه الدور تقوم إيران بتدمير الحواضر السنية بحجة الحرب على الإرهاب كما هو الحال في مدن حلب والموصل وحمص التي فرغت من سكانها وبذلك يتم تدمير الكمون العربي المهدد لإسرائيل ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة . [4]

2)    تشكيل العامل المهدد لدول الخليج العربي:

بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق وجدت دول الخليج نفسها في مواجهة مباشرة مع الخطر الإيراني وبين مخالب إيران التي تحيط بها في اليمن وسورية والعراق و كذلك الطموح الإيراني لتصدير الثورة والتمدد الجيوسياسي في الخليج العربي وسعي إيران لامتلاك التكنولوجيا النووية .

إن مكمَن الخطر في العقيدة العسكرية الإيرانية هو أنها باتت تتصرف بمنطق الدولة الإمبراطورية، وهو ما صرَّح به علي يونسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني في مارس 2015م قائلًا إن ” إيران أصبحت إمبراطوريةً كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليًا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا، وهو بيتنا اليوم كما في الماضي” فسعي إيران لاستعادة أمجادها الإمبراطورية الفارسية الساسانية دفعها لإعادة مفهوم أمنها القومي انطلاقًا من الخليج ليصل إلى البحر الأحمر والبحر المتوسط، عبر السيطرة على أربع عواصم عربية هي: بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء [5]هذا الخطر الجاثم كان يدفع دول الخليج باستمرار إلى طلب الحماية الأمريكية وعقد صفقات التسلح بمليارات الدولارات مع الولايات المتحدة وتشكيل تحالفات عسكرية خليجية على شكل درع الجزيرة أو على شكل تحالف عربي ومشروع الناتو الخليجي. [6]

3)     دفع العرب للتحالف مع إسرائيل:

شكل الخطر الإيراني على الدول العربية مع تقاعس الولايات المتحدة عن الاستجابة عن الطلب الخليجي بالحماية حافزاً للبحث على شراكة تخادمية مع إسرائيل لتشكيل توازن استراتيجي مع إيران وهو ما عبرت عنه بعض دول الخليج بذهابها نحو التطبيع مع إسرائيل وتأسيس ما يسمى المشروع الإبراهيمي.[7]

إن هذه التحركات الخليجية تجاه التطبيع كانت تعكس الرغبة في بناء نظام إقليمي أمني واقتصادي بديلٍ عن ذلك النظام الإقليمي الجديد الذي نشأ منذ الربيع العربي عام 2011. وبعد ما يقرب من عقد من الزمان، أصبحت المصلحة المشتركة في احتواء قوة الخصوم المارقين وخاصة “إيران” التي كانت بمثابة المحرك الأساسي لهذا التطبيع. [8]

4)    زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط:

إن خلق بيئة غير مستقرة في الشرق الأوسط يحد من قدرة الصين على الاستثمار الاقتصادي بها لذلك تدير الولايات المتحدة استراتيجية الفوضى الخلاقة من خلال ثلاثة مشاريع وظيفية في المنطقة تشكل بمجموعها عناصر المبضع الذي يعمل على إجهاض أي نهضة أو تحول ديمقراطي وهي: المشروع الصهيوني كقاعدة عسكرية متقدمة للغرب ومشروع الاستبداد العربي كقوة أمنية ضابطة للشعوب والمشروع الإيراني الذي يعتبر أهم مولدات الصراع الطائفي وإثارة الفوضى والضغط والابتزاز على الأنظمة العربية لدفعهم نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني ودفع مقدراتهم المالية للولايات المتحدة لقاء الحماية من الخطر الإيراني كما أن الفوضى الأمنية تمنع الصين من تمديد مشاريعها الاقتصادية في الشرق الأوسط.[9]

ثانياً: الدور الأمريكي الخادم للاستراتيجية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط

رغم كل التراشق الإعلامي وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين على إثر أزمة الرهائن الأمريكيين في عام 1980 بعد نجاح الثورة الإيرانية إلا أن الولايات المتحدة نفذت العديد من السياسات وأخذت الكثير من القرارات والإجراءات التي صبت في المصالح الإيرانية منها:

1)    تدخل الولايات المتحدة في لبنان (1983):

بعد الحرب الأهلية في لبنان أخذت إدارة الرئيس رونالد ريغان قراراً بالتدخل في لبنان، وتم نشر قوات أمريكية في بيروت للمساعدة في استعادة الاستقرار والدعم للحكومة اللبنانية. ولكن، في أكتوبر 1983، وقع تفجير مقرّ مشاة البحرية الأميركية في بيروت، أسفر عن مقتل 241 جنديًا أمريكيًا، مما أدى في نهاية المطاف إلى سحب القوات الأمريكية من لبنان  [10]ومن هنا بدأ التحالف بين النظام السوري وإيران من خلال دعم حليفهم المشترك حزب الله الذي يتفرد في إدارة المشهد الأمني والسياسي في لبنان حتى اليوم.

2)    احتلال أفغانستان بدأت في أكتوبر 2001.

بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، قادت الولايات المتحدة وحلفاؤها حملة عسكرية في أفغانستان لإزاحة نظام طالبان، الخطر المحتمل على إيران في حدودها الشرقية بحجة أن طالبان قدمت المأوى للقاعدة لكن بنفس الوقت لم تتعرض إيران لأي ضغط من الولايات المتحدة رغم أنها استضافت قيادة القاعدة لأكثر من 10 سنوات على أرضيها وقدمت لهم الدعم اللوجستي والحماية.[11]

3)    إسقاط نظام صدام في العراق (2003):

في السنة الثانية للثورة الإيرانية شنت إيران حرباً استمرت 8 سنوات على العراق استخدمت خلالها الولايات المتحدة سياسة الاحتواء المزدوج لكلا الدولتين لكن مع الغزو الأمريكي في عام 2003 تدخلت في العراق بدعوى التهديد النووي والكيماوي الذي ادعته الإدارة الأمريكية، وأدى هذا التدخل إلى إسقاط نظام صدام حسين وانتهى بذلك عامل التوازن والاحتواء بين العرب وإيران مع ما تبع ذلك من تشكيل سلطة إدارية مؤقتة في العراق، وتعيين بول بريمر كحاكم عسكري للعراق والذي كان أول قراراته هو حل الجيش العراقي وهو ما أنهى قدرة العراق على ردع إيران حتى اليوم[12]

4)    تشكيل الميليشيات الشيعية في العراق

مع اندلاع الحرب في العراق، بدأت ميليشيات شيعية بالظهور كأجنحة عسكرية للأحزاب السياسية وتكوين لجان شعبية لدعم الحكومة الشيعية الناشئة ومقاومة القوات الأمريكية. وقد ساهمت الولايات المتحدة بخلق البيئة المناسبة لتولد هذه الميليشيات من خلال حل الجيش العراقي واعتمادها كشريك محلي فيما بعد في الحرب على الإرهاب وقدمت لها الدعم المالي والدعم بالسلاح حتى غدت قوة أكبر من الجيش العراقي نفسه. [13]

5)    انسحاب القوات الأمريكية من العراق:

في يوم 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2011 أعلن أوباما انسحاب القوات الأمريكية من العراق، ليبقى العراق بلداً مهشماً منهوب الثروة تستعر فيها الحرب الطائفية وتجتاحه التنظيمات المتطرفة وتمسك إيران بكل تلابيبه مع إفراز طبقة سياسية فاسدة تدين بالولاء لإيران أكثر من العراق.[14]

6)    توقيع الاتفاق النووي مع إيران:

في 14 يوليو 2015 قامت إدارة الرئيس باراك أوباما مع إيران الاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية عنها وقد احتوى الاتفاق على تفاهمات غير معلنة منها إطلاق يد إيران في سورية  مع تغيير الأولوية من إسقاط الأسد إلى محاربة الإرهاب ورفع الحماية الأمريكية عن الخليج من التهديدات الإيرانية حيث باتت صواريخ الحوثي تصل للرياض وأبو ظبي.[15]

7)    قانون جيستا ومساءلة السعودية:

في الوقت الذي كانت ترفع فيها العقوبات عن إيران كان يعد قانون جيستا لمعاقبة السعودية حيث صدر القانون في كانون الأول/ سبتمبر 2016 في دارة الرئيس باراك أوباما والقانون يسمح بمقاضاة الدولة السعودية فيما يتعلق بهجمات 11 سبتمبر 2001. [16]

8)    سياسات الولايات المتحدة في اليمن:

بعد وصول الرئيس جو بايدن للحكم في يناير 2021 وفي إطار جهود التفاوض والرغبة في إعادة الالتزام بالاتفاق النووي مع إيران، قامت إدارة بايدن بإعادة النظر في السياسات الإقليمية، بما في ذلك تقديم الدعم الأمني وتوريد السلاح للتحالف العربي في اليمن ضد الحوثيين و تمت إزالة الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية وتجميد الدعم الاستخباراتي لعمليات التحالف. والتركيز على الانتهاكات الإنسانية للتحالف العربي وهو ما يعكس رغبة إدارة بايدن للعودة إلى التفاوض مع إيران. [17]

 

ثالثاً: حدود الاشتباك بين الولايات المتحدة وإيران

 

تعتقد إيران أن الانزلاق إلى الحرب المباشرة مع الولايات المتحدة سينهي كل مكتسباتها بالهيمنة والتمدد في المنطقة، وكذلك تعقد الولايات المتحدة أن سقوط النظام في إيران سيكون له منعكسات استراتيجية لا تصب في صالحها، لذلك يحرص الطرفان على المراعاة الدقيقة لقواعد الاشتباك وضبط إيقاع الاحتكاك وفق مجموعة من القواعد.

1)    قواعد الاشتباك بين الولايات المتحدة وإيران

  • لا يجوز أن يقتل جنود أمريكان أثناء استهداف القواعد الأمريكية من قبل الميليشيات الإيرانية فبعد حرب 6 أكتوبر في غزة استهدفت الميليشيات المرتبطة بإيران القواعد الأمريكية ب 165 هجوما ولم يقع قتلى من الجنود الأمريكان إلا باستهداف القاعدة T22 في الأردن. [18] ويبدو أن القتلى وقعوا عن طريق الخطأ وأن المستهدف هو الأردن أكثر من القاعدة الأمريكية نفسها .
  • سورية والعراق هي ساحة المواجهة البديلة لإيران والولايات المتحدة فلم يحدث أن نفذت الولايات المتحدة أي عملٍ أمنيٍ أو استهداف عسكري داخل الأراضي الإيرانية.
  • غالباً ما تقوم إسرائيل بالاستهداف المباشر للقواعد الإيرانية في سورية بالتنسيق مع الولايات المتحدة حيث كشفت صحيفة “جروزاليم بوست” الإسرائيلية، أن طائرات سلاح الجو الإسرائيلي ضربت 1200 هدف بأكثر من 5500 قنبلة خلال 408 مهمة كل ذلك خلال آخر خمس سنوات أي منذ عام 2017 حتى نهاية 2022. [19]
  • الرد الأمريكي على إيران في الغالب هو ضرب الوكلاء والميليشيات المرتبطة بها بدون استهداف مباشر للحرس الثوري الإيراني وما فعلته إدارة ترامب من استهداف قاسم سليماني عام 2020 شكل خروجاً عن قواعد الاشتباك ولم يتكرر بعدها وفي ردها الأخير حرصت الولايات المتحدة على تنسيق عمليتها ضد حزب الله العراقي مع الحكومة العراقية وإيران قبل التنفيذ.
  • بكل الأحوال لا تسعى الولايات المتحدة أن يتطور الاشتباك إلى درجة إسقاط النظام الإيراني حيث تدرك الولايات المتحدة أن سقوط النظام الإيراني هو نسف لأهم أعمدة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة إضافة لما قد ينتهي إليه بتقسيم إيران إلى أكثر من 5 دول مع موجة من الفوضى واللجوء في محيطها الحيوي لذلك لم تتخذ الولايات المتحدة أي موقف جدي في دعم الحركات الاحتجاجية المدنية في إيران رغم تبنيها لشعارات ليبرالية والديمقراطية والاكتفاء بالدعم الإعلامي فقط.

2)    الخطوط الحمراء التي تدفع الولايات المتحدة للتدخل الخشن ضد إيران:

  • تهديد أمن إسرائيل: حيث تعتبر إسرائيل من أقوى حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وأي تهديد لأمنها قد يدفع الولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات قوية. هذا يمكن أن يشمل تبني سياسات عقوبات اقتصادية أو تحركات عسكرية، لكن بنفس الوقت تدرك الولايات المتحدة أن إيران تضغط على إسرائيل عبر وكلائها من أجل التفاوض على توسيع دورها الإقليمي وليس من أجل مسح إسرائيل عن الخارطة وهنا يمكن تفسير الدفع الإيراني لزيادة التوتر خارج البيئة الاستراتيجية لحرب غزة و قتل الجنود الأمريكان في الأردن بأنه رسالة إيرانية واضحة أن ضمان عدم توسع نطاق الحرب خارج غزة لن يكون بلا ثمن، وإذا ما أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على قواعد الاشتباك ضمن غزة فعليها أن تدفع الثمن السياسي المناسب لإيران وإلا فإن إيران قادرة على توسيع المواجهة و تغيير قواعد اللعبة.[20]
  • تعطيل الملاحة الدولية في مضيق هرمز وباب المندب: هذان المضيقان يعدان ممرًا حيويًا لنقل النفط والبضائع العالمية، وأي تعطيل للملاحة فيهما قد يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي. الولايات المتحدة قد تكون مستعدة للتصدي لأي محاولة لتعطيل الملاحة في هذه المناطق، لذلك في كل مرة كانت إيران تستهدف الملاحة في الخليج العربي كانت الولايات المتحدة تلوح مباشرة بالقوة وتوجيه الضربات العسكرية للحوثي في اليمن يدخل في هذا السياق. [21]
  • تحاول إيران من خلال قبولها بالدور الوظيفي وعلاقة التخادم مع الولايات المتحدة مرحلياً أن تتحول في لحظة استراتيجية ما إلى قطب إقليمي والانتقال من دور صناعة الفوضى و تفجير بؤر الصراع إلى دور إدارة الاستقرار بسيادتها على المنطقة والسيطرة على الطرق التجارية والوصول لموانئ المتوسط في سورية ولبنان مروراً بالعراق ومد أنابيب الغاز والسيطرة على الممرات المائية والتحكم بأمن خطوط الملاحة في المنطقة.

وهنا تكون إيران قد اقتربت من الخطوط الحمراء بالنسبة للولايات المتحدة وخرجت عن الدور المرسوم لها أمريكياً خصوصا بعد أن غيرت الولايات المتحدة نظرتها للنظام الإيراني من كونه طفل مشاغب يحاول تعزيز نفوذه الإقليمي للدخول بشراكة مع الغرب، إلى كونه أهم أعمدة المشروع الروسي والصيني في المنطقة[22]

  • امتلاك سلاح نووي: إذا سعت إيران لامتلاك سلاح نووي سيكسر ذلك عقيدة التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة وسيجعل من إيران لاعباً مزعجاً للولايات المتحدة وبالتالي تعمل الولايات المتحدة عبر العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي لثني إيران عن مشروعها النووي حيث وقع الرئيس بايدن تعهداً مع إسرائيل عام 2022 يقضي بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.[23]

الخاتمة والنتائج

 

في الخلاصة عندما تقترب إيران من المناطق الحساسة وتستهدف المصالح الحيوية للولايات المتحدة فإن الأخيرة لا تتردد في اتخاذ إجراءات رادعة على شكل عقوبات اقتصادية حازمة أو استهداف شخصيات أمنية وقيادية لتعديل سلوكها ودفعها نحو الانضباط بقواعد الاشتباك المتواضع عليها.

ويمكن القول إن الاستثمار الأمريكي بالنظام الإيراني في مرحلة إدارة الفوضى والصراع الطائفي لا يعني أن هذا النظام هو المعتمد أمريكياً لإدارة حالة الاستقرار والتنمية الاقتصادية في المنطقة بالحالة التي تكون فيها إيران شريكة مع الصين وروسيا ولا يمكن السماح لإيران بتحويل انتصاراتها الأمنية والعسكرية إلى استثمار سياسي واقتصادي استراتيجي.

كما لا يمكن حصر العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران بثنائية حلفاء أو أعداء لكنها علاقة مركبة ومعقدة تجتمع فيها أوصاف العدو المفيد أو الفاعل الوظيفي والعلاقة التخادمية وتتخذ إيران فيها أسلوب المشي على حافة الهاوية والرقص على رؤوس الأفاعي واللعب بذيل الأسد أساليب واضحة في المناورة والإقلاق للويلات المتحدة.

ولا شك أن الولايات المتحدة في السابق ومنذ الاحتلال الأمريكي للعراق في2003 مدت الحبل للنظام الإيراني في العراق ومع الربيع العربي تحركت إيران في العديد من دول الربيع العربي دون أدنى اعتراض من الولايات المتحدة وإسرائيل وبدأت مشروعها بطحن العرب السنة في سورية والعراق واليمن ولبنان وتدمير البيئة الاستراتيجية المقاومة لإسرائيل وأحدثت تغييرا ديموغرافياً في سورية والعراق يمنع العرب السنة من تجميع أوراق قوتهم لأي دور سياسي في هذه المنطقة وهذا الأمر خدم بشكل كبير المصالح الأمريكية ورؤيتها التجزيئية للمنطقة بناء على المقولة التي تقول إن الغموض الاستراتيجي الأمريكي يعرف بما هو عليه الواقع بالفعل وليس بما يصرح به الساسة والمسؤولون الأمريكيون في الإعلام .

[1] – البيان على موقع القيادة المركزية للقوات الأمريكية على منصة X

[2]– مركز راند: U.S. Strategic Interests in the Middle East and Implications for the Army ومركز: Middle East Institute  المصالح العامة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأولويات السياسة   

[3] – مقال Give War a Chance  للكاتب الأمريكي : Edward N. Luttwak

[4] – معهد كارنجي : المعضلات الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية: عندما تتصادم الإستراتيجية وسياسة الهوية

للباحث أفشون أوستوفار

[5] – العربية نت، “إيران: أصبحنا امبراطورية عاصمتنا بغداد” الكاتب صالح حميد

[6] – المعهد الدولي للدراسات الإيرانية ” الترتيبات الأمنية ومواجهة الخطر الإيراني في منطقة الخليج العربي ” الكاتب د. بن بخيتي عبد الحكيم

[7] – د. جمال الدين، هبة  الدين الإبراهيمي وصفقة القرن، ط الدار المصرية اللبنانية .

[8] – تحليل الكاتب تحليل جوناثان هوفمان على الواشنطن بوست ” لماذا تقوم دول الخليج بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل؟

 

 

[9] – موقع Carthago deleda est : مقال : الصين تغلق باب «الفوضى الخلاقة» في الشرق الأوسط، وتفتح باب الاستقرار .

[10] – موقع معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى : مقال “أصداء تفجيري بيروت عام 1983 في التصعيد الحالي لوكلاء إيران” للكاتب “ماثيو ليفيت ” .

[11] – موقع مركز مكافحة الإرهاب: دور إيران الغامض في أفغانستان

[12] –  وكالة الاناضول، تقرير الجيش الأمريكي: يقول “إيران الرابح الوحيد من غزو العراق

[13] – موقع مركز الاناضول لدراسات الشرق الأوسط : الحشد الشعبي | ملابسات التأسيس ومستقبل المواجهة مع الأمريكان

[14] – معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ” انسحاب الولايات المتحدة من العراق عام 2011: أهميته بالنسبة إلى سوريا اليوم                 جمس جفري

[15] – الترجمة الكاملة لمقابلة رئيس الولايات المتحدة مع “أتلانتك” مركز إدراك ” عقيدة أوباما السياسية

[16] – موقع سكاي نيوز: نص قانون جيستا

[17] – موقع الجزيرة ” إستراتيجية إدارة بايدن في اليمن.. ماذا تخبئ سياسة القنوات الخلفية لأطراف الصراع؟

[18] – SWI swissinfo.ch: تنديد سوريا والعراق بالضربات الأميركية على أراضيهما شباط/3 فبراير 2024

[19] – موقع الأناضول: إسرائيل شنت نحو ألف غارة على سوريا خلال آخر 5 سنوات

[20] – موقع درج ميديا: مقال هل تقاضت إيران 10 مليار دولار أميركي ثمن عدم توسيع حرب غزة للكاتبة هلا نهاد نصرالدين 29كانون الأول/ديسمبر 2023

 

[21] – المراكز الأوربي لدراسة مكافحة الإرهاب والاستخبارات: أمن البحر الأحمر والخليج العربي ـ الوجود العسكري

[22] – مجلة البيان: الاستراتيجية الإيرانية عوامل القوة والضعف .

[23] موقع BBC عربي: الرئيس الأمريكي يوقع تعهدا مشتركا مع إسرائيل بمنع حصول إيران على سلاح نووي

 

مركز كاندل للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى