اقتصاد

التحول للدعم النقدي في مناطق سيطرة النظام السوري .. إصلاح اقتصادي أم خطوة نحو تفاقم الأزمة المعيشية؟

تقرير تحليلي
محمد غزال – مركز كاندل للدراسات

مقدمة

منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، تعاني سوريا من تدهور اقتصادي حاد نتيجة عدم نزول سلطة النظام السوري عند مطالب الشعب، مرافقاً للدمار الواسع للبنية التحتية، والعقوبات الدولية، وسوء إدارة الملف الاقتصادي وتفشي الفساد، أدت هذه العوامل إلى تضخم غير مسبوق، وانهيار العملة المحلية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، النظام السوري؛ والذي يُعتبر على نطاق واسع فاسدًا وغاصبًا للسلطة، فشل في تقديم حلول فعّالة للأزمة الاقتصادية المتفاقمة، مما أدى إلى تدهور مستوى المعيشة للمواطن السوري العادي في مناطق سيطرته، والبحث في حلول اقتصادية هي أقرب للتجريب من مفهوم السياسة الاقتصادية، والتي كان آخرها التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي للأسر المستفيدة من الدعم في مناطق سيطرته، في هذا المقال التحليلي سيتم تسليط الضوء على أسباب ودوافع هذا التحول، مع استعراض لتجارب الدعم النقدي عالمياً، وبيان آثار ونتائج تلك التحولات على الاقتصاد والمواطن السوري في مناطق سيطرة النظام السوري، مع التأكيد بأن الآثار الناتجة عن التحول، قد تمتد وتظهر خلال فترة تتعدى الفترة قصيرة الأجل.

أهمية التقرير:

تأتي أهمية التقرير من خلال الأثر الذي سيتركه التحول في الدعم من العيني للنقدي على الاقتصاد والمجتمع في مناطق سيطرة النظام السوري، ولذلك تم طرح السؤال البحثي والذي نحاول الوصول إلى إجابة عليه من خلال هذا التقرير وهو “هل التحول للدعم النقدي في مناطق سيطرة النظام السوري إصلاح اقتصادي أم خطوة نحو تفاقم الأزمة المعيشية؟”

سياق الأزمة الاقتصادية في سوريا

منذ بداية الثورة السورية، تعرضت البلاد لأضرار جسيمة في بنيتها التحتية ناتجة على التعامل بالقوة مع مطالب شعبية، مع تدمير واسع للمدن والقرى، مما أدى إلى توقف النشاط الاقتصادي في العديد من المناطق، وفقًا لتقديرات البنك الدولي، خسر الاقتصاد السوري ما يقرب من 226 مليار دولار أمريكي من الناتج المحلي خلال السنوات الست الأولى من عام 2011، أي نحو أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي السوري عام 2010[1]، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي من 60 مليار دولار عام 2010 إلى 20.5 مليار دولار عام 2021، أي بنسبة -66%، مما أدى إلى انكماش الاقتصاد إلى مستوى غير مسبوق.[2]

علاوة على ذلك، تسبب نزوح ملايين السوريين داخل سوريا وخارجها ضغطًا هائلًا على الموارد المحدودة، وتعاني الأسواق من نقص حاد في السلع الأساسية، وارتفاع تكاليف الإنتاج والاستيراد نتيجة العقوبات الدولية، وحيث إن الحكومة السورية، التي تواجه صعوبة في تأمين الإيرادات اللازمة، تلجأ إلى سياسات نقدية غير فعّالة تزيد من تفاقم التضخم الذي وصل إلى معدل 139.46% عام 2020 وفق النشرات الرسمية لاقتصاد النظام السوري ومعدلات البطالة التي تجاوزت 15% عام 2021[3]

وتدهورت قيمة الليرة السورية بشكل كبير، من 50 ليرة مقابل الدولار في عام 2010 إلى أكثر من 13000 ليرة في عام 2024، مما أدى إلى تضاعف أسعار السلع الأساسية والخدمات، هذا التدهور في قيمة العملة أدى إلى زيادة حادة في تكاليف المعيشة وتفاقم معدلات الفقر، وفقًا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، أصبح أكثر من 12.9 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي بحلول عام 2024، مما يشكل تحديًا كبيرًا أمام السياسات الحكومية.[4]

أما السياسات الاقتصادية الحكومية، التي غالبًا ما اتسمت بالتخبط وعدم الاتساق، لم تقدم حلولاً تعتمد على تحفيز الإنتاج والاستثمار وزيادته وإنما هروباً نحو الدعم، وبالتالي لم تنجح في تقديم حلول فعالة للتخفيف من حدة الأزمة، والتي آخرها إجراءات تقشفية وتخفيضات في الدعم العيني للسلع الأساسية، والذي يُعد بحد ذاته سبباً في زيادة المعاناة، ففي نهاية مارس/آذار 2023، عقد بشار الأسد اجتماعًا مع أساتذة الاقتصاد المنتمين لحزب البعث، حيث ناقشوا تعميق التوجه الليبرالي الجديد لاقتصاد البلاد وتبرير التدابير التقشفية، ما أثار مخاوف تأثيرات سلبية متزايدة على المواطنين السوريين.[5]

في مناطق سيطرة النظام السوري، كانت الحكومة تدعم مواداً أساسية مثل الخبز والسكر والشاي، إضافةً إلى المشتقات النفطية مثل المازوت والبنزين، بأسعار مخفضة عبر البطاقة الذكية التي فُرضت في عام 2019، بدأ استخدام البطاقة في بيع المواد التموينية بداية من عام 2021، ومع مرور الوقت، فرضت الحكومة قيودًا جديدة على مستفيدي الدعم، ما أدى إلى استبعاد آلاف العائلات بحجة امتلاكها لسيارات أو استخدامها لأغراض تجارية، مؤخراً، قررت الحكومة التحول إلى الدعم النقدي كبديل للدعم التمويني،[6] في حين يضطر السوريون المستبعدون من الدعم إلى الحصول على المواد والخبز والوقود بالأسعار المرتفعة.

في سبيل ذلك، اتخذت حكومة النظام السوري عدداً من القرارات، بدءاً من إزالة جزء من الدعم عن شريحة واسعة من المواطنين، وما رافقها من ارتفاع الأسعار وأزمة مواصلات ومحروقات، ثم رفع الدعم عن بعض المواد وتحريرها، وصولاً إلى زيادة رواتب الموظفين.[7] وفي ظل انتهاج الحكومة السورية سياسة لتقليل الدعم الحكومي، والتحول للدعم النقدي، في يونيو 2024 طالبت حاملي البطاقات الإلكترونية بفتح حسابات مصرفية باسمهم خلال 3 أشهر[8]، هذا الإجراء يأتي في إطار تحول الدعم من المواد الأساسية مثل الخبز والوقود إلى دعم نقدي تدريجي، ما يسمح للحكومة بتحرير الأسعار والتخلي عن دعمها، مما قد يؤدي لارتفاع كبير في الأسعار، ونقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام السوري أن الحكومة تعتزم رفع سعر ربطة الخبز إلى 3000 ليرة سورية بدلاً من 400 ليرة الحالية، وتحول الفارق إلى حسابات الأسر المستحقة بعد فتح حسابات بنكية جديدة، وإن الدعم المتوقع للأسرة الواحدة يبلغ 8.875 مليون ليرة سنويًا، والتسارع في رفع الدعم يعكس تدهور القدرة الشرائية وتفاقم الفساد، مما يؤثر سلبًا على الأمن الغذائي للمواطنين السوريين في مناطق النظام.[9]

في هذا السياق، التحول نحو الدعم النقدي كإجراء إصلاحي يمكن أن يساعد في تحسين توزيع الموارد وزيادة فعالية الإنفاق الحكومي، ومع ذلك، تتطلب هذه الخطوة دراسة دقيقة واستراتيجية تنفيذ مُحكمة لضمان تحقيق الأهداف المرجوة دون التسبب في تفاقم الأزمة المعيشية والاستئثار بالدعم دون الإنتاج.

مفهوم الدعم النقدي وأنواعه وتطبيقاته:

الدعم النقدي هو نوع من أنواع المساعدات التي تقدمها الحكومات للأفراد مباشرة على شكل مبالغ مالية بدلاً من تقديم الدعم العيني مثل المواد الغذائية أو الوقود، يهدف الدعم النقدي إلى توفير الحماية الاجتماعية للأفراد والأسر الفقيرة أو المحتاجة، ويتميز بالمرونة والقدرة على الاستهداف بشكل أدق مقارنة بالدعم العيني، هناك عدة أنواع من الدعم النقدي، والتي يمكن تفصيلها كالتالي:

النوع التعريف حالات تطبيقية دولية
دعم غير مشروط الدعم غير المشروط هو نوع من الدعم النقدي الذي يتم تقديمه للمواطنين أو لفئات محددة من السكان دون أي شروط مسبقة. الهدف من هذا النوع من الدعم هو تحسين مستوى المعيشة لجميع المستفيدين بغض النظر عن تصرفاتهم أو ظروفهم. يتميز هذا النوع بالسهولة في التطبيق ويقلل من البيروقراطية، لكنه قد يفتقر إلى الكفاءة في استهداف الفئات الأكثر حاجة. فنلندا (2017-2018): نفذت فنلندا تجربة للدخل الأساسي الشامل حيث تم اختيار 2000 عاطل عن العمل لتلقي مبلغ 560 يورو شهريًا لمدة عامين. لم يكن هناك أي شروط تتعلق بكيفية إنفاق المال أو متطلبات للحصول على المبلغ.[10]
دعم مشروط الدعم المشروط يرتبط بتلبية شروط معينة يجب على المستفيدين الوفاء بها للحصول على الدعم. هذا النوع من الدعم يُستخدم كأداة لتشجيع سلوكيات معينة مثل التعليم والرعاية الصحية، مما يساهم في تحقيق أهداف تنموية أوسع. برنامج بولا فاميليا في البرازيل: يقدم الدعم النقدي للأسر الفقيرة بشرط إرسال الأطفال إلى المدارس والحصول على الرعاية الصحية، كانت تحويلات البرنامج في عام 2017 مسؤولة عن إخراج 3.2 مليون شخص من خط الفقر المطلق و3.4 مليون شخص من خط الفقر. تشير البيانات إلى أن معدل الفقر المطلق انخفض بنسبة 15% بين عامي 2001 و2017، نتيجة لتحويلات البرنامج، بالإضافة إلى ذلك، انخفضت نسبة الفقر المدقع إلى النصف من 12% إلى 6% خلال نفس الفترة.[11] وتعتبر من أبرز الأمثلة على نجاح الدعم النقدي المشروط

برامج التحويلات النقدية المشروطة في المكسيك (Progresa/Oportunidades): تشترط حضور الأطفال للمدارس وحصول الأسر على الرعاية الصحية الأساسية.

دعم مؤقت الدعم المؤقت يتم تقديمه لفترة محددة استجابة لأزمات طارئة أو كجزء من برامج إصلاحية محددة. يهدف هذا النوع من الدعم إلى تقديم المساعدة الفورية للأسر المتضررة من الأزمات أو لتحفيز الاقتصاد خلال فترات الركود. الدعم النقدي خلال جائحة كوفيد-19: قدمت العديد من الحكومات حول العالم تحويلات نقدية مؤقتة للأسر المتضررة من الإغلاق الاقتصادي.

برامج المساعدات الطارئة: يتم تقديمها للأسر المتضررة من الكوارث الطبيعية مثل الزلازل أو الفيضانات.

في المقابل، هناك تجارب أخرى لم تحقق النجاح المرجو بسبب سوء الإدارة أو الفساد، على سبيل المثال، في بعض الدول الإفريقية، تم تقديم الدعم النقدي في سياق سياسي مضطرب، مما أدى إلى سرقة الأموال أو توزيعها بشكل غير عادل، وبالتالي بدون نظم فعالة للمراقبة والمساءلة، يمكن أن يؤدي الدعم النقدي إلى تفاقم عدم المساواة وزيادة التوترات الاجتماعية، وهذا ما يحاكي حالة الدعم في مناطق سيطرة النظام السوري.

الفصل الثاني: التحول للدعم النقدي في سوريا (الأسباب والدوافع):

يمثل الدعم الحكومي التكلفة المالية التي تتحملها الموازنة العامة للدولة نتيجة الفروقات السعرية في أسعار السلع والخدمات عن أسعارها السوقية، تعتمد معظم الدول على تقديم الدعم بأشكال مختلفة تنفيذًا لسياسات اقتصادية واجتماعية متنوعة، في مناطق سيطرة النظام السوري، أظهرت نتائج مسح الأمن الغذائي لعام 2020 وتحديثات 2022 أن 95% من الأسر السورية غير آمنة غذائيًا وتستحق الدعم، مما يعني أن الموازنة العامة ستتحمل تكلفة كبيرة لتغطية هذا الإنفاق الاستهلاكي، اقتصادياً يجب أن تكون سياسة الدعم متوازنة مع الاستثمار والإنتاج، بحيث يتم تغطية الدعم عبر الإيرادات الضريبية وغير الضريبية، وليس من خلال الاقتراض الذي يجب أن يوجه نحو العمليات الاستثمارية، وبمقارنة حجم الإيرادات الضريبية بين 2011 و2021، يعادل الدعم الحكومي 138% من هذه الإيرادات[12]، إن النقطة المهمة في الدعم هو مصداقية وصول الدعم لمستحقيه والتي تمثل تحديًا كبيرًا، حيث أثبتت التجربة السورية في مناطق النظام أن الفساد يمنع وصول الدعم إلى الفقراء الحقيقيين، الأمر الذي وضع النظام بين مطرقة محاربة الفساد وسندان التمويل، مما دعاه إلى إعادة هيكلة الدعم وتصنيف الأسر المستحقة، ويمكن تحليل أسباب ودوافع التحول إلى الدعم النقدي بدلاً من العيني في السياق السوري كحاجة للنظام السوري، الذي يواجه ضغوطًا متزايدة لإصلاح نظام الدعم غير المستدام ماليًا نتيجة انخفاض الموارد وزيادة التكاليف، وفق الآتي:

  • تخفيض التكاليف وتحسين كفاءة التوزيع والإدارة الاقتصادية:

الدعم النقدي يمكن أن يقلل من التكاليف الإدارية والتوزيعية المرتبطة بالدعم العيني، مما يتيح للنظام توجيه الموارد نحو أهداف أخرى، النظام حالياً يواجه عجزاً مالياً كبيراً، والدعم النقدي يمكن أن يساعد في تقليل النفقات وتبسيط عمليات التوزيع، حيث يحد من الإجراءات البيروقراطية المرتبطة بالدعم العيني، مما يقلل من التكاليف الإدارية ويحسن كفاءة النظام اللوجستي للتوزيع.

  • استهداف أكثر دقة:

إمكانية توجيه الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجًا بشكل مباشر، مما يعزز من شرعية النظام في نظر بعض الفئات، يوجد حاجة لدى النظام السوري لتحسين صورته أمام المجتمع الدولي من خلال تقديم الدعم لمستحقيه وفقاً لمعايير خاصة حسب تقييماته، بشكل يظهر وكأنها محاولة جادة لحل أزماته الاقتصادية ومدخلاً لطلب الدعم المادي الخارجي من خلال إظهار النظام قدرته على تتبع المبالغ المالية المسندة إليه كدعم للأسر السورية عبر ربط الدعم النقدي من خلال الحوالات المالية عبر البنوك المحلية والتي ترتبط بشبكة البنوك العالمية من خلال الآيبان (IBAN) والسويفت كود(SWIFT CODE).

  • محاولة الحد من الفساد:

يسعى النظام السوري لتقديم نفسه كنظام سياسي اقتصادي قادر على إدارة الملفات الاقتصادية بشفافية وضبط من خلال التحول للدعم النقدي، الأمر الذي يُمَكن النظام والجهات الخارجية من المراقبة على استخدامات الأموال الممنوحة إليه إضافة للأموال التي قد تُمنح مستقبلاً في خطوة تعتبر استجابة للتحديات الاقتصادية الحالية وضغوطات السياسة النقدي، في مقابلة مع تلفزيون النظام السوري، قال وزير الاقتصاد لدى حكومة النظام سامر الخليل: إن تحويل دعم الخبز إلى دعم نقدي يهدف إلى تخفيف الهدر والحد من الفساد، مبرزًا أن سياسات الدعم الحالية غير فعّالة، في حين أكد الصناعي عصام تيزيني أن تلك الخطوة  تقلل من الفساد بنسبة 50% وتحقق كفاءة أكبر في دعم الجيوب نقدًا، مؤكدًا أهمية اعتماد قانون العرض والطلب والمنافسة الحرة لتعزيز الفعالية.[13]

  • الانسجام مع مشاريع التعافي المبكر

يستفيد النظام السوري من أموال التعافي المبكر عبر التحول نحو الدعم النقدي، وذلك بتحويل المساعدات الإنسانية إلى حسابات مصرفية لـ 5 ملايين شخص، إن رفع الدعم عن السلع الاستهلاكية، يجعله المستفيد الأكبر من الأموال النقدية المحولة، حيث يحتفظ النظام بالدولار المخصص للدعم ويضع ما يقابله بالليرة السورية بسعر صرف محدد، مستفيدًا من الفارق، كما يخطط لدعم السلع الأساسية عبر البطاقات البنكية واستبدال أموال الدعم المقدمة من خزينة الدولة بالدعم الدولي لمشاريع التعافي المبكر.[14]

الفصل الثالث: تحليل أثر التحول للدعم النقدي

 الأثر على الاقتصاد الكلي السوري

  • كفاءة الاقتصاد:

التحول للدعم النقدي المدروس يؤدي إلى تحسين كفاءة تخصيص الموارد الاقتصادية وتوجيهها نحو الاستثمارات التي تعزز النمو، ويساهم في تقليل الهدر وتحسين الاستفادة من الموارد المالية المحدودة، وبالمقابل يؤدي زيادة السيولة النقدية في السوق إلى ارتفاع الأسعار، مما قد يبطل الأثر الإيجابي للدعم، الأمر الذي يتطلب مراقبة السوق والأسعار بشكل دقيق لتجنب هذه المشكلة، ولكن بناءً على تجربة النظام السوري في الدعم النقدي عام 2011 والتوقف عن الاستمرار به بعد ثاني عملية توزيع لضعف الكفاءة وتجربة البطاقة الذكية والتعديلات المتلاحقة عليها والانتقال للدعم النقدي وبالتالي التغيير في الآليات والسياسات النقدية والمالية تعكس حجم التخبط بالقرار الاقتصادي وأثر ذلك هو استمرار للأثر الماضي والحالي لتلك السياسات من التضخم المرتفع والركود التضخمي والاتجاه نحو تعزيز الإنفاق من خلال الدعم النقدي وليس من خلال زيادة الإنتاج وتحريك العجلة الاقتصادية.

  • تخفيض العجز المالي:

الدعم النقدي المدروس يساهم في تقليل العجز المالي للحكومة من خلال خفض الإنفاق على الدعم العيني غير الفعال، هذا يمكن أن يساعد في تخفيف الضغط على الموازنة العامة، وتقليل العجز المالي وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، لكن هذه الفوائد تعتمد بشكل كبير على شفافية ونزاهة إدارة البرنامج. ومع ذلك، في ظل نظام فاسد وغاصب للسلطة، قد لا يتم توجيه الموارد بشكل صحيح، ويؤدي الفساد إلى استغلال الدعم النقدي بطرق غير مشروعة، مما يقلل من فعاليته الاقتصادية، وعدم الشفافية والمساءلة يؤدي إلى تبديد الموارد وزيادة التفاوت الاجتماعي، وازدياد الفجوة بين الإيرادات والنفقات العامة وتراكم العجز في الموازنة العامة.

  • زيادة التضخم:

التحول للدعم النقدي سيحرر السعر للكثير من السلع المدعومة مسبقاً وازدياد الكتلة النقدية المتداولة، وبالتالي سيواجه المواطن السوري في مناطق سيطرة النظام ارتفاعاً في أسعار السلع الضرورية والكمالية، الأمر الذي سيَحول دون جدوى فعالية التحول النقدي بالشكل المطروح، وهو ما سيُضعف القوة الشرائية للفئات غير المستهدفة في الدعم.

الأثر على المعيشة والفقراء

  • القدرة الشرائية:

الدعم النقدي يزيد من الدخل الاسمي للأسر الفقيرة المستحقة للدعم ويساهم في تحسين ظروفهم المعيشية ظاهرياً، ومع تراجع الدخل الحقيقي والقدرة الشرائية نظراً لارتفاع الأسعار بعد تحريرها وتعويض فارق السعر عبر الدعم النقدي، الأمر الذي سيرفع سعر بعض المواد غير المدعومة والتي تعتمد على سلع مدعومة سواءً في الإنتاج أو في الاستهلاك، إضافة لنقل الأعباء المعيشية للأسر غير المتلقية للدعم في حال كانت مستحقة واقعياً ومعيشياً.

  • الفئات الهشة وتعزيز الفارق الطبقي:

إذا لم يتم استهداف الدعم بشكل دقيق، ستتأثر الفئات الأكثر هشاشة بشكل سلبي، خاصة في المناطق الريفية والنائية، النظام الحالي قد يستغل البرنامج لدعم قواعده السياسية بدلاً من الفئات الأكثر حاجة، وبشكل عام، مع تطبيق النظام الجديد للدعم في مناطق سيطرته، سيكون هناك تفاوت بين الأسر التي تتلقى دعمًا نقديًا يعادل الفارق بين سعر المواد المدعومة والسعر الحر، وبين الأسر التي لا تتلقى الدعم، هذا التحول يعكس التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع السوري، مما يزيد من الانقسامات بين الطبقات المختلفة ويؤثر على القدرة الشرائية للأسر غير المدعومة، وتحملها غلاء الأسعار ومضاعفات السياسات التجريبية، إضافة لاحتمالية أن يتم توزيع الدعم بناءً على الولاءات السياسية بدلاً من الحاجة الفعلية، مما يمكن أن يزيد من التوترات الاجتماعية ويعمق الفجوات الاقتصادية بين الفئات المختلفة.

الفصل الرابع: الاستنتاجات

  • الدعم النقدي في مناطق سيطرة النظام السوري يحمل في طياته فُرصًا لتحسين الكفاءة الاقتصادية وتقليل الهدر، لكنه يتطلب إدارة دقيقة وسياسات مكملة لتجنب الآثار السلبية على الفئات الفقيرة والمحتاجة، وتكاملاً في السياسات الاقتصادية.
  • التجارب الدولية تشير إلى أن نجاح هذا التحول يعتمد بشكل كبير على تصميم البرامج وتطبيقها الفعال، ومع ذلك، في سياق النظام السوري الحالي، هناك شكوك كبيرة حول القدرة على تحقيق هذه الأهداف بفعالية نظرًا للفساد والاستبداد المتفشي.
  • لتحقيق الفعالية المطلوبة من الدعم النقدي، وبناء على التجارب الدولية، يجب أن يكون الدعم مشروطاً بمعايير اجتماعية تعود على المجتمع بالفائدة .
  • اعتبار الدعم النقدي وسيلة بديلة عن الدعم العيني لن يحقق الجدوى المرجوة من الدعم، وإن عملية التكامل بين الدعم العيني والنقدي هي الأساس مع ظل عجلة اقتصادية تتكون من الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الاستثماري بنسب متوازنة تلبي متطلبات النمو الاقتصادي، وهذا ما يفتقده النظام السوري في سياساته الاقتصادية، مما يعزز تفاقم الأزمة المعيشية في مناطق سيطرة النظام السوري.
  • باعتبار أن السياسات المتبعة سياسات تجريبية، ستكون مخاطر الدعم النقدي السلبية جداً كبيرة نظراً لملامستها رغيف الخبز اليومي والسلع الأساسية والضرورية اليومية، وسيكون لها أثر مباشر على السوق والأسر.
  • بناءً على تجارب النظام السابقة في السياسات الاقتصادية، لم يتمكن النظام من تطبيق السياسات الاقتصادية بشكل نزيه أو عادل، وبالتالي فإن الدعم النقدي سيكون مجرد وسيلة جديدة لاستغلال الموارد واستمرار الهيمنة على السلطة، وتبييض الصفحة السوداء للنظام السوري في إدارة الموارد الاقتصادية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

[1] خسائر الحرب: التبعات الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا – البنك الدولي – 10.07.2017 – شوهد بتاريخ 14.07.2024

ذ[2] اقتصاد النظام السوري من السياسات الاقتصادية التخبطية إلى الركود التضخمي – مركز كاندل للدراسات – 31.03.2024 – شوهد بتاريخ 14.07.2024

[3] سوريا – معدل البطالة  ( TRADING ECONOMICS) – Seen on 14.07.2024

[4] الأمم المتحدة: 12.9 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي – موقع وكالة الأناضول للأنباء – 22.03.2024 – شوهد بتاريخ 14.07.2024

[5] السياسات الاقتصادية السورية نحو مزيد من التقشف والظلم الاجتماعي – موقع المجلة 28.04.2024 – شوهد بتاريخ 14.07.2024

[6] الدعم النقدي في سوريا: خطوة أخيرة لتخلي النظام عن مسؤولياته الاجتماعية – 04.07.2024 – شوهد بتاريخ 14.07.2024

[7] السياسات الاقتصادية السورية نحو مزيد من التقشف والظلم الاجتماعي – موقع تلفزيون سوريا – 27.06.2024

[8] خبر صحفي بخصوص التوجه الحكومي لتحويل الدعم السلعي إلى دعم نقدي – موقع مصرف سوريا المركزي – بدون تاريخ

[9] في سوريا رفع أسعار مرتقب مع بدء آلية جديدة لحاملي البطاقات الذكية – موقع قناة الجزيرة – 29.06.2024

[10] كاتب يستكشف الدخل الأساسي في فنلندا، عن تجربة شخصية – هذه فنلندا – وزارة الخارجية الفنلندية – بدون تاريخ – شوهد بتاريخ 14.07.2024

[11]آثار برنامج بولسا فاميليا البرازيلي على الفقر وعدم المساواة – سبتمبر 2019 – شوهد بتاريخ 14.07.2024

 

[12]  اقتصاد النظام السوري من السياسات الاقتصادية التخبطية إلى الركود التضخمي – مركز كاندل للدراسات – 31.03.2024  – شوهد بتاريخ 14.07.2024

[13] “هدفه تخفيف الهدر والحد من الفساد”.. النظام يطلق تبريرات جديدة لتحويل الدعم إلى “نقدي” – شبكة شام الإخبارية – 14.07.2024

[14] ماذا وراء قرار النظام السوري بالتحوُّل نحو الدعم النقدي؟ – 03.07.2024 – شوهد بتاريخ 14.07.2024

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى