احتمالية الانسحاب الأمريكي من سورية و “صراع سد الفراغ ” المؤشرات – مصالح الفاعلين – السيناريوهات
تقدير موقف
الباحث : عبد الرحمن جليلاتي
مقدمة:
بعد أن تسربت معلومات كشفتها مصادر في الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع (البنتاغون)، أن واشنطن تدرس إمكانية سحب قواتها بشكل كامل من سورية [1] باتت فرضية الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سورية فرضية تستحق الدراسة والتحليل وذلك بالرغم من نفي “نولاند” وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية، في مقابلة مع شبكة ” CNN ترك” بأن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من سوريا.[2] فالنفي والتأكيد المتضارب يعكس أنه ثمة جدل حاصل في المؤسسات الأمريكية حول جدوى البقاء العسكري في سورية أمام تصاعد احتمال تعرض حياة هؤلاء الجنود للخطر.
تأتي أهمية الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سورية إنْ حصل لكونه سيخلق فراغاً جواستراتيجياً في المنطقة، ما سيدفع الكثير من الفاعلين الدوليين والإقليمين لسد الفراغ عبر تحريك وكلائهم المحليين وهو ما قد يتسبب بالعودة إلى سيناريو الحرب وتجدد الصراع على الجغرافية السورية في ظل عطالة الحل السياسي، وهو ما يعني إعادة ترتيب مشهد توزيع السيطرة لصالح بعض القوى، وربما يدفع بفتح مسارات جديدة للتفاهم على طريقة سد الفراغ بالتوافق بين الدول المتدخلة في سورية.
في هذه الورقة سنقوم برصد أهم المؤشرات الميدانية والسياقات الدولية والقياس على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان ودراسة تأثير الحرب في غزة وزيادة الاحتكاك الإيراني الأمريكي، مع تشريح مصالح الفاعليين المحليين والإقليميين والدوليين من الانسحاب ووضع أهم السيناريوهات المحتملة لشكل المشهد بعد الانسحاب.
أولاً: مؤشرات الانسحاب الأمريكي من سورية
هناك العديد من المؤشرات التي ترجح احتمالية الانسحاب الأمريكي من شمال شرق سورية على المدى البعيد :
1) المؤشرات الميدانية:
حدثت خلال شهري 11 – 12 من عام 2023 عدةٌ من المؤشرات التي تدل على عدم رسوخ الانتشار العسكري الأمريكي في سورية منها:
- تقييد الكونغرس الأمريكي للنفقات العسكرية في سورية والتحول من الإقرار السنوي لميزانية المشاريع التي تنفذ في سورية من سنة إلى ثلاث أشهر من قبل الإدارة الأمريكية، وهو ما يعني أن الانتشار العسكري سيتم تقييمه كل ثلاثة أشهر من أجل تمديده.[3] فرغم كل العمليات التي قامت بها الميليشيات الإيرانية ضد القواعد الأمريكية لم يقم الجيش الأمريكي بتطوير نوعية التسلح الموجودة ولا زيادة عدد الجنود بشكل ملحوظ.
- القواعد العسكرية في شمال شرق سورية هي فرع تابع للقاعدة العسكرية في الكويت وليست قاعدة قائمة بذاتها ذات مركزية مستقلة.
- عدم تطوير نوعية التسليح في سورية والبنية العسكرية التحتية لاستقبال أسلحة متطورة مثل مدارج الطيران الحربي أو قواعد صواريخ الباتريوت أو نشر منظومات الكروز، فالقوات الأمريكية لم تُعِد بناء قاعدة بديلة عن قاعدة “الجلبية” على الحدود السورية التركية (وهي واحدة من أهم ثلاث قواعد في سورية – التنف ، رميلان ، الجلبية) والتي تختص بنقل المعدات الثقيلة والأسلحة الاستراتيجية بفضل المدرج الجوي الخاص الذي بنته القوات الأمريكية فيها قبل أن تنسحب و تدمره عام ٢٠١٩ في عهد ترامب وعدم الاستعاضة عنه ببديل حتى لو مؤقت.
من هذه المؤشرات يتضح لنا أن الانتشار العسكري الأمريكي في سورية تكتيكي وغير استراتيجي.
2) التسريبات الإعلامية اختبارية لتهيئة أجواء الانسحاب:
نشر مركز الاستخبارات المفتوحة المصدر [4] لمراقبة الصراعات في جميع أنحاء العالم الخبر التالي نقلاً عن العديد من مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية: أن الاستعدادات جارية الآن لانسحاب كلي أو جزئي للقوات الأمريكية وقوات التحالف من شمال شرق سوريا والعراق بسبب الضغط والتصعيد المستمر من قبل الجماعات المدعومة من قبل إيران بما في ذلك كتائب حزب الله فالأولوية هي إيصال كامل أفراد الجيش الأمريكي إلى “بر الأمان” وذلك قبل اندلاع أي حرب إقليمية، قد يستغرق السحب الكامل ما يصل إلى 90 يومًا، وذلك يعتمد على حجمه ونطاقه ومدى الحاجة المستعجلة إليه.
3) بحث إنهاء ملف انتشار التحالف الدولي في العراق مع الحكومة العراقية:
بدأت بغداد وواشنطن نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2024 محادثات تهدف لإنهاء مهمة التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق، وكيفية استبداله بعلاقات ثنائية، حيث تنشر الولايات المتحدة 2500 عسكري في العراق لتقديم المشورة ومساعدة قواته في منع ظهور تنظيم الدولة الإسلامية مجدداً، بعدما سيطر على مساحات شاسعة من البلاد في عام2014. [5]
ومن المرجح أن يؤثر الانسحاب الأمريكي من العراق على الانتشار في سورية حيث شكلت قاعدة عين الأسد في العراق مركز دعم لوجستي وأمني للقوات الأمريكية المنتشرة في سورية وفي حال الانسحاب ستبقى هذه القوات في حالة انكشاف أمام الميليشيات الإيرانية.
4) زيادة النشاط الإيراني في استهداف القواعد الأمريكية:
شهدت الفترة ما بعد حرب 7 أكتوبر 2023 في غزة زيادة في هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على القواعد الأمريكية في العراق وسورية، وتمدد الاستهداف إلى درجة قتل جنود أمريكيين في القاعدة 22 Tفي الأردن، وهو ما يشير إلى احتمالية وصول إيران إلى معلومات عن ضغط داخل المؤسسات الأمريكية للانسحاب من سورية فتعمل من خلال التصعيد على تعزيز هذا التوجه من خلال رفع معدل احتمال الخطر الذي قد يتعرض له الجنود الأمريكيين.
5) التوجه العام في أمريكا للانسحاب من العالم كما حصل في أفغانستان.
يعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في شهر نيسان/إبريل 2021 نقطة تحول هامة في تبدل الاستراتيجية الأمريكية من سياسة الانتشار العسكري التي أضرت بمصالح الولايات المتحدة وعززت من النفوذ الصيني في العالم إلى الانكفاء والاعتماد على الشركاء المحليين، حيث بدأت الولايات المتحدة تقييم وجودها العسكري في كل دول العالم كما صرح في شهر شباط/فبرير 2021 وزير الدفاع الأمريكي أوستن. [6]
ثانياً: الانعكاسات والنتائج المحتملة للانسحاب
بناءً على أهمية الانتشار العسكري الأمريكي في سورية والدور المهم الذي كان يلعبه في توزيع النفوذ بين الأطراف، فسيكون للانسحاب منعكساته على ملف الإرهاب، والتفاهم على سد الفراغ، واحتمالية نشوب صراعات جديدة، ونظرة دول المنطقة لدور الولايات المتحدة.
1) تأثير انسحاب القوات الأمريكية على محاربة الإرهاب:
ساهم التدخل الأمريكي في سورية عام 2015 وتشكيل التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في انحسار تنظيم داعش وخسارته للكثير من مناطق نفوذه، لذلك فإنه من المحتمل أن ينتعش التنظيم الذي تأثرت قدراته بالضربات الأمريكية المركزة، حيث تفتقد الدول الأخرى للتكنولوجيا المتطورة لمواجهة التنظيم وهو ما يعني أن التنظيم سيحاول الانتقال من حرب العصابات والكر والفر إلى محاولة الإمساك ببقعة جغرافية لإعادة هيكلة نفسه كمنظومة دولة وهو ما يعني أن دول المنطقة ستتحمل كلفة الحرب على الإرهاب [7].
2) إمكانية حدوث صراعات إقليمية جديدة من أجل سد الفراغ:
في حال قامت الولايات المتحدة بانسحاب غير مرتب أو مرتب مع كل طرف على حدة، فيمكن لهذا الانسحاب أن يتسبب بتفجير العديد من التدافع بين الأطراف المتدخلة في سورية سيكون النفط والمياه والطرق الدولية هي أهم محاور هذا التدافع.
ستجد تركيا فرصتها للقضاء على قسد، وستجد إيران فرصتها لاستخدام قسد وميليشياتها لاستهداف الانتشار التركي في الشمال، كما سيحاول النظام السوري توسيع نطاق نفوذه والعودة إلى حيز الثروات في شمال شرق سورية والضغط لإخراج تركيا من شمال سورية بناء على أساس اتفاقية أضنة، كذلك ستجد داعش فرصتها لاستهداف كل الأطراف الأخرى من أجل إعادة تشكيل نفسها من جديد.
أما بالنسبة لروسيا فإنها ستجد نفسها مضطرة للعب دور الولايات المتحدة في تنظيم تدخل تركيا وإيران في سورية ولعب دور الوسيط بين النظام وتركيا لبناء تفاهمات جديدة فيما يتعلق بأمن الحدود.
3) مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والدول العربية:
سيسهم هذا الانسحاب إلى تراجع النفوذ الأمريكي ليس في الملف السوري فحسب وإنما في المنطقة ككل وهو ما سيعزز الفرصة أمام الصين وروسيا لزيادة نفوذهما وتبادل الأدوار حيث تتمدد روسيا عسكرياً وتتمدد الصين اقتصادياً.
4) صراع بين القوى المحلية ورعاتهم الإقليميين على الموارد:
من المتوقع إعادة طرح توزيع واردات النفط على مناطق النفوذ الثلاثة (شمال شرق وشمال غرب ومناطق النظام) بطريقة عادلة[8] كذلك سيتم البحث في مستقبل إدارة المعابر الدولية، التي تربط سورية بجوارها معبر “باب الهوى” ومعبر “باب السلامة” على الحدود التركية ومعبر “سيمالكا” ومعبر “اليعربية” على الحدود العراقية وسيعاد طرح قضية فتح الطرق الدولية التي تسيطر عليها المعارضة السورية M4 كما سيشتد التنافس الروسي الإيراني على موانئ البحر المتوسط في اللاذقية وطرطوس، كما من المحتمل أن تتجه تركيا لاستخدام ورقة المياه في دجلة والفرات للتفاوض على مصالحها في سورية.
ثالثاً: تحليل مصالح وأضرار الفاعلين الأساسيين
مع تزايد المؤشرات، يزداد احتمال انسحاب القوات الأمريكية من سورية، ويبقى السؤال حول كيفية إدارة هذا الانسحاب وتأثيره على المنطقة.
1) النظام السوري:
يعتبر النظام السوري أكثر المستفيدين من الانسحاب الأمريكي المحتمل فمن شأن هذه الخطوة أن تحل المعضلة الأكبر للنظام وهي أزمته الاقتصادية الخانقة وحرمانه من الوصول إلى موارد سورية المتركزة في تلك المنطقة من النفط والغاز والقمح والمياه والكهرباء إلخ … وهو أحد أهداف التدخل الأمريكي العسكري في سورية حيث كان حرمان النظام من موارده مع تشديد العقوبات الاقتصادية عليه من قبل الولايات المتحدة هو الاستراتيجية الأمريكية لدفع النظام نحو التعاطي الإيجابي مع مسار الحل السياسي الأممي. [9]
2) تركيا:
طالبت تركيا الولايات المتحدة أكثر من مرة بالانسحاب من شمال شرق سورية[10] حيث تنظر تركيا للانتشار العسكري الأمريكي بأنه شكل المظلة الحامية في توليد قوة مصنفة إرهابياً لدى أنقرة، لتسيطر على أجزاء واسعة من سورية وتشكل تهديداً للأمن القومي التركي، باعتبار أن أغلب قيادات قسد هم من قيادات حزب العمال الكردستاني التركي لذلك فإن لدى تركيا مصلحة كبرى بهذا الانسحاب الأمريكي. [11]
3) إيران:
يعتبر الانسحاب الأمريكي بمثابة الهدية الأمريكية لإيران التي ترى أن كل مشاريعها الاستثمارية والتوسعية في سورية معطلة بسبب الوجود الأمريكي الذي يزود إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية عن مواقعها الأمنية ويعطل مد إيران طرقها التجارية من طهران إلى بغداد إلى دمشق وبيروت وساحل المتوسط في سورية لذلك كانت إيران تضغط عبر ميليشياتها على القواعد العسكرية الأمريكية لخلق رأي ضاغط داخل الإدارة الأمريكية يطالبها بالانسحاب وعدم تعريض حياة الجنود الأمريكيين للخطر. [12]
4) روسيا:
لا شك أن انسحاباً أمريكياً من سورية سيشكل بالنسبة لروسيا انتصاراً سياسياً ويؤكد رواية أن التدخل الروسي حمى سورية من مشروع التقسيم الأمريكي لكن لا تملك روسيا الكثير من المصالح الجيوسياسية في المنطقة الشرقية بعد أن ركزت وجودها في الساحل السوري وسيطرت على الموانئ السورية ذات الأهمية الاستراتيجية لروسيا حيث تستطيع من خلالها التحكم في معابر الطاقة الدولية في البحر المتوسط [13]
5) الأردن:
رغم أن الخطة الأردنية التي تم تقديمها عام 2021 للحل في سورية تشمل انسحاب جميع القوات غير السورية[14] من البلاد لكن سيكون الانسحاب الأمريكي من قاعدة “التنف” مع بقاء إيران وميليشياتها بمثابة مؤشر خطر كبير على الأردن الذي يعاني من تدفق شحنات المخدرات من حدوده الشمالية والقادمة من سورية إضافة إلى انتشار الميليشيات الموالية لإيران على طول الحدود العراقية والسورية، وهو ما سيفرض على الأرض مزيداً من التحديات الأمنية، ربما تنزلق إلى موجهات مستمرة بين الجيش الأردني وهذه الميليشيات.
6) إسرائيل:
تسعى إسرائيل لإعلان دولتها دولة يهودية خالصة، وحتى لا تكون ككيان منبوذ في محيطها السياسي فهي تسعى لخلق كيانات عرقية وإثنية وطائفية حولها، لكي يكون وجودها طبيعياً وسط هذه الكيانات، فمنذ أن تشكلت قسد بدأت خطوط الاتصال المباشرة وغير المباشرة بينها وبين إسرائيل لتنسيق الجهود السياسية بين اللوبيات الضاغطة على المؤسسات الأمريكية[15] وذلك بغية تثبيت الوضع القائم أطول فترة ممكنة حيث من الممكن أن يتطور إلى وضع دائم ما يعني تقسيم سورية، لذلك سيكون الانسحاب الأمريكي بدون ضمانات لمستقبل قوات سورية الديمقراطية سلبياً بالنسبة لإسرائيل، فهو سينهي مشروع التقسيم الذي ترعاه إسرائيل وتدفع باتجاهه كما ستجد نفسها في مواجهة مستدامة مع الميليشيات الإيرانية. [16]
7) قسد:
تعتبر قوات سورية الديمقراطية “قسد ” أكثر المتضررين من الانسحاب الأمريكي حيث أدى الانسحاب الجزئي من رأس العين وتل أبيض عام 2018 إلى خسارة قسد حيزاً جغرافياً كبيراً لصالح الجيش الوطني وتركيا، ناهيك أن وجود قسد كمشروع وإدارة ذاتية ارتبط وجودياً بالحماية والدعم الأمريكي، وقد طرح البنتاغون خطة لحلفائه الأكراد السوريين في الحملة ضد تنظيم “داعش” للدخول في شراكة مع النظام السوري، كجزء من مراجعة متجددة لسياسة الولايات المتحدة في سوريا والتي تجري في وزارة الخارجية وفي الولايات المتحدة.[17]
لذلك ستكون قسد مضطرة إلى إبرام تفاهمات مباشرة مع النظام للحفاظ على بعض كينونتها مقابل التنازل للنظام عن إدارة الثروات في شمال شرق وهو ما لن تقبل به تركيا، وهنا يرى البعض احتمالية أن تدعم إيران قسد بشكل غير مباشر كورقة ضغط على تركيا.
8) فصائل المعارضة السورية:
لا يبدو أن فصائل الجيش الوطني أمام ما تعانيه من ضعف تنظيمي وانحسار خياراتها قادرة أن تحدث أي تغيير في المعادلة بدون غطاء ودعم تركي، وبالتالي لا يمكن توقع أي قرار أو توجه لدى الجيش الوطني وتحرير الشام بعيداً عن تركيا.
رابعاً: ً السيناريوهات المحتملة
السيناريو الأول الانسحاب بترتيب مع قوة دولية أو إقليمية:
لا يتوقع أن يكون الانسحاب الأمريكي بتنسيق مع روسيا أو إيران لكن من الممكن أن يجري تنسيقاً جزئياً مع تركيا لتأمين جنودها إلى قاعدة أنجرليك في تركيا ولضمان عدم ذهاب تركيا إلى شن حرب استئصال ضد قسد، والتنسيق مع قسد لترتب تفاهمات مع النظام وروسيا تضمن لها عدم تعرضها للاستئصال من قبل تركيا.
ويمكن أن يتم إشعار إسرائيل لأخذ احتياطاتها الأمنية حيال أي تحرك من وكلاء إيران لاستهدافها. لكن بالتأكيد لن تخرج الولايات المتحدة بترتيب كامل للمشهد قبل انسحابها
السيناريو الثاني الانسحاب بدون تنسيق:
وهو السيناريو المتوقع على الطريقة الأفغانية حيث ستكتفي الولايات المتحدة بالتنسيق مع الدول التي ستساعدها في إخراج جنودها من المنطقة مثل الأردن في التنف وتركيا في الشمال.
فقد تخشى الولايات المتحدة من تعرض جنودها لاستهداف أثناء الانسحاب وهو ما قد يعطل عملية الانسحاب.
أو أن تقوم قسد بإطلاق سجناء داعش لخلط الأوراق والضغط تجاه عدم الانسحاب.
بكل الأحوال يبقى خيار الانسحاب المفاجئ مع عدم الترتيب هو الخيار الأكثر اتساقاً مع الاستراتيجية الأمريكية في سورية في استنزاف جميع الأطراف ودفع المنطقة للتوتر، وتفجير بؤر الصراع، وتسليم روسيا وإيران وتركيا ورقة مكلفة تزيد من عنائهم بدلاً من تعزيز نفوذهم .
الخاتمة والتوصيات
يأتي احتمال الانسحاب الأمريكي من سورية ضمن سياقات كثيرة عززت من عدم ثقة شركاء الولايات المتحدة بها في المنطقة ككل، حيث عكس موقف الولايات المتحدة من حرب اليمن وحرب غزة والملف النووي الإيراني والحرب في سورية حالة من الامتعاض والغضب من كل الفاعليين الإقليميين ومن شركاء الولايات المتحدة بشكل خاص.
فلم تعمل الولايات المتحدة على وقف الحرب في غزة ولا تحقيق السلام في سورية ولا كبح الطموح النووي الإيراني، وأرخت الحبل للحوثي في اليمن، وهو ما أشعر كل الأطراف بثقل وعبء الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، حيث لم يعد أحد يطالب ببقاء هذه القوات إلا بعض الميليشيات وإسرائيل بشكل أساسي.
ومن الواضح أن المشكلة لدى دول المنطقة مثل تركيا والسعودية وإيران ليست بالوجود العسكري الأمريكي بقدر ما هي بالإدارة السياسية لهذا الوجود الذي لم يسهم بتحقيق الاستقرار ولم يشعر حتى الدول المستضيفة له بالأمن والحماية. وكذلك الأمر في سورية.
لقد كان الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في شهر نيسان/إبريل 2021 نقطة تحول مهمة في تبدل الاستراتيجية الأمريكية من سياسة الانتشار العسكري إلى الانكفاء وبدء الانعزال حيث بدأت الولايات المتحدة تقييم وجودها العسكري في كل دول العالم كما صرح بذلك وزير الدفاع الأمريكي
حيث بات الانتشار الأمريكي مضراً بالمصالح التركية والروسية والإيرانية وهو ما دفع هذه الدول للتعاون بينها لإنهاء هذا الوجود.
لكن لا شك أن الانسحاب الأمريكي سيكون له من الكلفة والخسارة الاستراتيجية كما كان للانتشار من مكاسب بالنسبة للولايات المتحدة، وسيسهم إعادة رسم المشهد في سورية وإعادة رسم لخارطة النفوذ إما بالتفاهم بين هذه الدول أو بالحرب، وبكل الأحوال فإن كلا المسارين الحرب والحل سينتهيان إلى تنحية شركاء الولايات المتحدة المحليين “قسد” عن المشهد، وتقاسم تركتها بتفاهم ما لم تكن تركيا خارجه.
لكن بالتأكيد لن يساعد الانسحاب الأمريكي بتسريع مسار الحل السياسي في سورية ولن يخرج الولايات المتحدة من دائرة التأثير في الملف السوري نظراً للكثير من الأوراق التي تمتلكها الولايات المتحدة في دفع عجلة الحل أو تعطيلها.
مركز كاندل للدراسات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
[1] – مجلة “فورين بوليسي”. أمريكا تخطط للانسحاب من سوريا وخلق كارثة بقلم الباحث تشارلز ستر زميل في معهد الشرق الأوسط، نشر في 24 كانون الثاني / يناير 2024، الساعة 9:20 صباحًا
[2] – صحيفة الشرق الأوسط: مسؤول أمريكي كبير ينفي وجود خطط للانسحاب من سوريا
[3] . مصدر خاص لمركز كاندل للدراسات
[4] .مركز الاستخبارات المفتوحة: رابط الخبر على حساب X
[5] . فرنسا 24 : واشنطن وبغداد بصدد بدء محادثات لإنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في العراق ، النشر 2024
[6] . Secretary of Defense Lloyd J. Austin: رابط التصريح على موقع X
[7] . مجلة Foreign Policy : أمريكا تخطط للانسحاب من سوريا وخلق كارثة النشر 2019 .
[8] . BBC NEWS : أردوغان يدعو إلى استخدام عائدات نفط سوريا لإعادة توطين اللاجئين النشر 2019
[9] . مجلة التاريخ الأكاديمي والبحوث: الوجود الأمريكي في منطقة شرق الفرات الدوافع والاحتمالات النشر 2022 .
[10]. عربي BBC: أردوغان، على واشنطن الانسحاب من مناطق شرق الفرات في سوريا ووقف دعم “الجماعات الإرهابية” النشر 2022 .
[12]. مركز كاندل: الاستراتيجية الإيرانية للاستفراد بالنفوذ في سورية: الملامح والمؤشرات ، الباحث ماهر عبد الهادي النشر 2023 .
راجع أيضاً ورقة بحثية : العلاقات الإيرانية الأمريكية نطاق التخادم وحدود الاشتباك ، الباحث عباس شريفة النشر 2024 .
.[13] معهد كارينغي للشرق الأوسط: المصالح الروسية في سورية نشر 20214
[14]. صحيفة الشرق الأوسط: وثيقة أردنية سرية تقترح “تغييراً في سلوك” النظام السوري نشر في تشرين الأول /أكتوبر 2021.
[16]. راجع موقع THE JERUSALEM POST لماذا تعتبر روج آفا مهمة بالنسبة لإسرائيل؟ للكاتبة بقلم جونا ناجي نشر 2019.
[17] . المونتير: البنتاغون يطرح خطة لحلفائه الأكراد السوريين للدخول في شراكة مع الأسد ضد داعش الكاتبة أمبرين زمان النشر 2022 .