الدراسات والبحوثتحليلات

مسار التطبيع مع نظام الأسد

المبررات – عوامل الفشل- البدائل
خاص كاندل
10 آب/أغسطس 2023

مقدمة

بعد التدخل الروسي في سورية نهاية 2015 وتجميد الولايات المتحدة للملف السوري على حساب أولوية محاربة الإرهاب بدأت العديد من الدول العربية ذات التأثير في الملف السوري تعيد حساباتها، وتموضعها في هذه الأزمة وبدأت دراسة خطوات جدية لفتح قنوات تواصل مع النظام على شكل تنسيق أمني لحماية حدودها من الإرهاب والمخدرات ثم تطور هذا التواصل إلى مسار انفتاح ثنائي من بعض الدول على رأسها الإمارات والأردن وتسارع الأمر بعد كارثة الزلزال التي ضربت شمال سورية في شهر شباط 2023 ثم توج المسار بدعوة رأس النظام السوري إلى حضور قمة جدة في منتصف أيار 2023، لكن كل هذه الخطوات لم تحقق أي تقدم ملموس على مستوى التنسيق الأمني وحل مشكلة اللاجئين ومكافحة المخدرات.

خلال الشهرين الماضيين من حزيران يونيو /وتموز/يوليو 2023 بدأت تظهر مؤشرات الارتداد عن هذا المسار  بشكل واضح  من بعض الدول مثل الأردن الذي هدد بالتدخل العسكري لمكافحة عصابات المخدرات وفشل زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بداية شهر تموز/يوليو إلى دمشق حيث لم تحقق لجنة المتابعة العربية الخاصة بالتزام النظام  بتحقيقها أي تقدم خصوصاً في ملف اللاجئين والمخدرات كذلك جمدت السعودية خطواتها مع النظام ولم تعلن عن تعين سفيرها في دمشق ، كذلك بدأت تركيا تشدد من شروطها للتطبيع مع النظام بعد الانتخابات التركية وقد انخفضت قيمة الليرة السورية إلى أكثر من 11 ألف مقابل الدولار، وبدأ النظام حملة إعلامية ضد الدول العربية التي أوقفت تقديم معوناتها المالية .

في هذا التقرير سندرس دوافع التطبيع العربي والتحديات وأسباب فشل المسار والخيارات البديلة.

أولاً: الدوافع التي حفزت الدول العربية والإقليمية لتطبيع علاقاتها مع النظام

تختلف دوافع الدول العربية لتطبيع العلاقات مع نظام الأسد باختلاف الظروف والمصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية لكل دولة على حدة حيث لم تنطلق هذه الدول أساساً من دافع واحد لتطبيع العلاقات، ولكن كل دولة كان لها أهدافها الخاصة ورؤيتها المستقلة مما جعلها تسبب تبايناً واضح حتى بين الدول المطبعة:

  • الاقتصاد والتجارة:

بعض الدول العربية مثل الأردن والعراق ولبنان دخلت مسار التطبيع لتعزيز العلاقات التجارية وتوسيع فرص الاستثمار والتبادل التجاري ومد خط الغاز العربي بحكم موقع سورية المهم في محاور خطوط الطاقة إضافة لحاجة الأردن ولبنان إلى البضاعة السورية الرخيصة في ظل الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها كل من الدولتين كما أن السعودية كانت تسعى لتحقيق الاستقرار في سورية لضمان نجاح مشروع 20/30 لولي العهد محمد بن سلمان.

  • مكافحة التطرف والإرهاب والمخدرات:

كانت الأهداف المعلنة لتركيا والأردن من أجل تعزيز التعاون في مجال مكافحة التطرف والإرهاب حيث باتت ميليشيا قسد المحمية أمريكياً تشكل تهديداً للأمن القومي التركي والتي تنتشر على الحدود التركية الجنوبية وكذلك الميليشيات الإيرانية الشيعية التي تتوسع في جنوب سورية وعلى الحدود الأردنية كما شكلت تجارة المخدرات التي باتت سورية مصدرها الأول تحدياً كبيراً للأردن والخليج للتواصل الأمني مع النظام السوري.

  • توجيه رسالة إلى القوى الإقليمية والدولية:

بعض الدول العربية قد تستخدم تطبيع العلاقات مع سوريا لتوجيه رسائل إلى القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، قد يكون هذا جزءًا من الجهود للحفاظ على مكانتها وتأثيرها في المنطقة وكانت السعودية وتركيا تحاول من خلال التطبيع التقارب مع المحور الروسي على حساب المحور الأمريكي الغربي

  • التوازن الإقليمي والعلاقات الدبلوماسية

سعت الإمارات إلى لعب دور دبلوماسي بين النظام السوري وبين العديد من الأطراف خصوصاً مع إسرائيل في قضية توقيع اتفاق سلام مقابل تخلي النظام عن إيران كما كانت بعض الدول تتصور أن احتضان النظام السوري في البيت العربي سيؤدي إلى افتكاكه من ربقة النفوذ الإيراني المتوغل في بنية النظام كما كان دافع الجزائر هو بناء محور مضاد يوازن محور التطبيع العربي مع إسرائيل التي تشكل المغرب أحد أركانه.

  • القضايا الإنسانية والإغاثة:

قد تكون هناك دوافع إنسانية لتطبيع العلاقات، مثل تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثة للشعب السوري الذي عانى من النزاع الدائر منذ سنوات إضافة لكارثة الزلزال التي بررت أخلاقياً للكثير من الدول لزيادة انفتاحها على النظام السوري كما استغل النظام كارثة الزلزال لجعلها مناسبة لحملة علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول.

  • التأثير على المفاوضات السياسية:

انطلقت الأردن بالتحديد من مبادرة الخطوة مقابل خطوة وهي مبادرة لا تتناقض مع القرار الدولي 2254 لكنها تدفع النظام لأخذ خطوات ضمن مسار الحل السياسي مثل قضية عودة اللاجئين وإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة مقابل أن تتخذ الدول العربية والدول الموافقة على المبادرة خطوات سياسية واقتصادية تجاه النظام وتنتهي المبادرة بحل سياسي للأزمة السورية.

  • مشكلة اللاجئين:

كان ملف عودة اللاجئين إلى سورية محوراً مركزياً بالنسبة للعديد من الدول المحتضنة للاجئين والتي تعرضت لأزمات اقتصادية وسياسية بسببهم وعلى رأسهم تركيا والأردن ولبنان، كما كان الاتحاد الأوربي يرغب بفتح قنوات مع النظام وعمل مشاريع تنموية لتخفيف تدفق اللاجئين تجاه دول الاتحاد الأوربي.

 ثانياً: تحديات مسار التطبيع مع النظام السوري وأسباب فشله

واجه مسار التطبيع مع النظام العديد من التحديات التي يمكن أن تكون قد أثرت على نجاحه أو فشله، من بين هذه التحديات:

  • الضغوط الداخلية والرأي العام

لم تكن الشعوب العربية والغربية راغبة بإعادة العلاقات مع النظام السوري وهو ما سبب حرجاً أخلاقياً للكثير من هذه الأنظمة في الكثير من الدول، يمكن أن يواجه القادة السياسيون معارضة قوية من قبل الرأي العام والأحزاب السياسية والمجتمع المدني، مما يجعل من الصعب تنفيذ سياسة التطبيع.

  • القضايا الأخلاقية وحقوق الإنسان:

إن تطبيع العلاقات مع النظام الذي ارتكب انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان خصوصاً باستعماله للسلاح الكيماوي ضد المدنيين كان مصحوباً لدى بعض الأنظمة بالخوف من إثارة قضايا أخلاقية وقانونية لدى بعض الدول والمنظمات الدولية.

  • الضغوط الإقليمية والدولية:

كان الضغط الأمريكي أحد أهم العوائق التي واجهت مسار التطبيع مع النظام فبعد قانون قيصر وتوسيع دائرة الشخصيات المعاقبة أمريكاً من النظام تم إقرار قانون مكافحة المخدرات و يتم حالياً التجهيز لقانون مكافحة التطبيع وتأسيس محكمة دولية لمعاقبة مجرمي الحرب في سورية وهو ما منع العديد من الدول أن تحصر تعاونها الاقتصادي مع النظام في حدود الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية بدون أن يتطور ذلك إلى مشاريع اقتصادية استثمارية حقيقية.

  • تحول القضية السورية إلى ورقة مساومة بين الدول:

بات الملف السوري بالنسبة للكثير من الدول هو ملف مقايضة سياسية وليس قضية مركزية للحل فروسيا تحاول مقايضة سورية بأوكرانيا، وإيران تحاول المساومة على ملفها النووي في سورية، وإسرائيل تساوم على بقاء النظام مقابل تخليه عن إيران، والعرب يساومون روسيا على النظام من أجل الضغط على الولايات المتحدة، والحكومة التركية تتجه للتطبيع لسحب الورقة من المعارضة التركية وضمان عودة اللاجئين وهكذا

  • عدم وجود ضمانات ملموسة:

لم تستطع روسيا رغم كل ما قدمته من وعود للدول العربية أن تضمن تجاوب النظام في قضية اللاجئين والمخدرات ورغم كل خطوات التطبيع والدعم المالي للنظام والمساعدات الإنسانية فإن النظام السوري لم يعد اللاجئين السوريين ولم يوقف شحنات المخدرات التي تستهدف الأردن والخليج وبالتالي لم يعد هناك ضامن حقيقي لالتزام النظام بمبدأ الخطوة مقابل الخطوة.

  • ضعف النظام السوري ووقوعه تحت تأثير النفوذ الإيراني والروسي:

الوضع الداخلي في سوريا لا يزال معقدًا وغير مستقر بسبب النزاع المستمر والأوضاع الاقتصادية والإنسانية الصعبة، هذا قد يؤثر على جدوى التطبيع وعلى قدرة النظام على الوفاء بالتزاماته.

  • عدم سيطرة النظام السوري على كامل أراضي سورية وعدم قدرته على ضبط ميليشياته:

تقع سورية حالياً تحت نفوذ خمس جيوش أجنبية هي روسية وتركيا والولايات المتحدة وإيران والتحالف الدولي إضافة للضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة وبالتالي فإي خطوة تجاه النظام لن تنعكس على كافة التراب السوري وستضطر الدول لمفاوضة كل قوة إقليمية ومحلية لوحدها في مناطق نفوذها لحل أي مشكلة أمنية أو اقتصادية.

كما إن النظام السوري لا يسيطر على مؤسساته العسكرية والأمنية التي باتت تحت تجاذب النفوذ الروسي والإيراني وبالتالي فأي مسألة ستطلب من النظام لابد من مفاوضة روسيا وإيران عليها بالدرجة الأولى.

  • رفض اللاجئين السوريين العودة الطوعية

في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مناطق سيطرة النظام والعقلية الأمنية والتخويف ورفض النظام عودة اللاجئين السوريين فإن أغلب اللاجئين يرفضون العودة إلى مناطق النظام قبل إجراء حل سياسي يحقق الاستقرار المستدام

  • محاولة النظام السوري استغلال مسار التطبيع للتنصل مع الحل السياسي والقرارات الأممية

يحاول النظام السوري استغلال الانفتاح العربي للتنصل من القرارات الدولية والضغط بملف اللاجئين والمخدرات لإجبار الدول العربية والإقليمية على التطبيع الاقتصادي والسياسي مع النظام مقابل هذين الملفين وربط التجاوب بهذين الملفين مع الشروع بإعادة الإعمار في سورية عبر الشركات الإيرانية والروسية حصراً

ثالثاً: الخيارات البديلة للتعامل مع النظام السوري في حالة فشل مسار التطبيع وبقي الجمود في مسار الحل السياسي:

هناك العديد من الخيارات البديلة التي يمكن اعتمادها لأطر النظام على الحل السياسي في حال استمر فشل مسار التطبيع مع النظام وبقي المسار السياسي معطلاً، وهنا يمكن اعتبار العديد من الخيارات البديلة التي تشكل في مجموعها وتركيبها استراتيجية هجينية تعتمد على سياسة العصا والجزرة وتقوية المعارضة وتفكيك بنية النظام الداخلية وجبهته الخارجية واستغلال ضعف المحور الداعم له للضغط عليه من خلال تحالف عدد من الدول الراغبة في انتهاج استراتيجية بديلة تجاه النظام:

  • دعم المعارضة السورية:

يمكن للدول العربية والغربية زيادة دعمها السياسي والعسكري للمعارضة السورية وتقديم هذا يمكن أن يشمل توفير التدريب والمعدات للقوات المعارضة، ودعم الجهود السياسية لتوحيد المعارضة وتحقيق تسوية سياسية وعدم ترك المعارضة في علاقة حلف أحادية مع الجانب التركي فقط.

  • فرض عقوبات إضافية:

يمكن للمجتمع الدولي فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على النظام السوري وأفراده المرتبطين بانتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، هذا قد يؤدي إلى زيادة الضغط على النظام وتحفيزه على تحقيق تغييرات وتفعيل قانون محاسبة مجرمي الحرب ومكافحة المخدرات.

  • تعزيز الجهود الدبلوماسية والحوار:

يمكن للدول العمل على تعزيز الجهود الدبلوماسية من خلال التوسط والحوار مع النظام السوري والجهات المعنية الأخرى، بهدف التوصل إلى حلٍّ سياسيٍّ للأزمة.

  • إقامة مناطق آمنة وحظر جوي:

يمكن للمجتمع الدولي إقامة مناطق آمنة داخل سوريا لحماية المدنيين وتوفير المساعدات الإنسانية. كما يمكن النظر في فرض حظر جوي لمنع الهجمات الجوية على المناطق المدنية وإقامة أحزمة أمنة في شمال وجنوب سورية وشرقها لتأمين المأوى الآمن للشعب السوري كخيار بديل عن الهجرة التي بات النظام يستغلها للضغط على الدول.

  • تعزيز العمل الإنساني:

يمكن تعزيز الدعم الإنساني للسوريين المتأثرين من النزاع من خلال تقديم المساعدات الغذائية والطبية والإيواء، هذا يمكن أن يخفف من الأوضاع الإنسانية الصعبة ويساعد في بناء الثقة بين الشعب السوري والمجتمع الدولي لكن مع الحرص على عدم استفادة النظام من الدعم الإنساني لتعزيز قدراته العسكرية والأمنية خصوصاً عبر المنظمات المدنية التي تشكل واجهة إنسانية للنظام السوري والتي تدار عبر أذرع تابعة له.

  • العمل مع الشركاء الإقليميين:

يمكن للدول العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتطوير استراتيجيات مشتركة للتعامل مع الأوضاع في سورية بحيث تكون هذه الجبهة منطلقة من تصور واضح وخطة عامل مشتركة تكون الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي وتركيا و دول الخليج ومصر والأردن على رأسها  ويمكن ان يكون التحرك هو عمل عسكري يعيد رسم خارطة النفوذ على الأرض من أجل موازنة الطاولة السياسية المائلة باتجاه النظام بعد ان فقدت المعارضة كل أرواقها على الأرض  .

الخاتمة والنتيجة

انطلقت  معظم الدول التي انخرطت في مسار التطبيع مع النظام من فرضية أنه ثمة أزمات كبيرة في سورية و تعتبر أزمة بقاء النظام أو رحيله هي الأزمة الأصغر  من بينها وبالتالي لا بد من التحول في الأولويات والاهتمام من التركيز على إنجاز الحل والانتقال السياسي إلى تجزئة الأزمة والشروع في معالجة قضية اللاجئين والأزمة الإنسانية وتجارة المخدرات ودعم مشاريع التعافي المبكر، ولكن غاب عن الكثيرين أن العُقد في الأزمة السورية هي عُقد  تراتبية وليست عشوائية وبالتالي لا يمكن حل أي عُقدة منها في حبل العُقد السورية إلا بفك العُقدة الأولى وهي الازمة السياسية  التي يمن أن تحقق إجماعاً سورياً ودولياً لموجهة الأخطار والأزمات الأخرى بعد ضمان الحل السياسي وتحقيق بيئة الاستقرار السياسي القادرة على تشكيل حامل وظني ينهض لعلاج باقي الأزمات الأخرى ذات المنشأ السياسي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى