مسار التطبيع التركي مع النظام السوري الدوافع التحديات السيناريوهات

12أيار/مايو 2023
مركز كاندل للدراسات
إعداد :صالح الحموي

مقدمة:

تعتبر تركيا الفاعل الأكبر والأقوى في الملف السوري، بإيوائها 4 مليون سوري على أراضيها، و 5 مليون في المناطق المحررة، ولوجود 27 ألف جندي تركي لفرض سيطرتها المطلقة ولاحتضانها المؤسسة الشرعية الوحيدة للمعارضة (الائتلاف الوطني؛ والحكومة المؤقتة).

لذا يعتبر تطبيع تركيا مع النظام هو الأخطر، لأنها القادرة على تغيير المعادلات على الأرض، بامتلاكها الأدوات اللازمة.

ومنذ انعطافة تركيا تجاه التطبيع مع النظام كتبت العديد من الأوراق البحثية والمقالات، لكنها لم تستطع تحديد، هل خيار تركيا تكتيكي يتعلق بالانتخابات التركية؛ أم استراتيجي يتضمن رؤية شاملة للحل السياسي؛ وهذا ما ستناقشه هذه الورقة. تمهيد:

أطلق وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أول تصريح بخصوص التسوية مع النظام؛ داعيًا المعارضة للمصالحة معه بتاريخ 11 / 8 / 2022 م ⁽¹⁾؛ وإثر هذه التصريحات اندلعت مظاهرات في نفس الليلة في ريف حلب الشمالي الخاضع للسيطرة التركية؛ وقاموا بحرق العلم التركي مما جعل وزارة الخارجية التركية تصدر بيانًا لاحقًا توضح فيه أنها لم تقصد تسوية أو مصالحة، بل قصدت اتفاق مع النظام، عندها توالت التصريحات الرسمية من كبار المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس أردوغان بخصوص المصالحة مع النظام؛ بل صرح الرئيس أردوغان بشكل صريح بأنه يود ويطلب لقاءً مع بشار الأسد رأس النظام السوري⁽²⁾؛ ثم توجت هذه التصريحات باجتماع موسكو على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا والنظام.

طبعًا هذا الاجتماع سبقه اجتماعات تقنية على مستوى الاستخبارات؛ تم أحدها في قاعدة حميميم بين حقان فيدان وعلي مملوك الذي رسم خارطة المفاوضات بين الطرفين ⁽³⁾.

بحث المجتمعون في حميميم ثلاثة ملفات أساسية هي:

1- الوجود العسكري التركي في سوريا.

2- التعاون في مجال محاربة ميليشيا قسد.

3- موضوع اللاجئين.

أولاً – أسباب التطبيع:

١) داخلية:

1- الأزمة الاقتصادية الداخلية والتي يرى الناخب التركي أن سببها مشكلة اللاجئين، وكذلك يرى الناخب التركي أن حل مشكلة اللاجئين تكون عبر التفاوض مع النظام لإعادتهم.

وهذا فحوى برنامج المعارضة التركية؛ مما حذا بالحكومة سحب هذه الورقة من المعارضة وفتح حوار تفاوض مع النظام، لتقول للناخب التركي بدأنا بحل مشكلة اللاجئين عن طريق مفاوضات مع النظام.

2- حل مشكلة الأمن القومي والتهديد القادم من الحدود عبر ميليشيا قسد، خاصة بعد تفجير شارع الاستقلال في إسطنبول؛ إذ ترى الحكومة التركية أن النظام لديه سيطرة على جناح كبير داخل قيادات ميليشيا قسد وPKK، والتفاوض معه يساعد تركيا في هذا الأمر، وبالفعل شهدنا قصفاً تركياً بعمق أكثر من 40 كم، واغتيال قيادات رفيعة في ميليشيا قسد بعد بدء مفاوضات تركيا مع النظام (بدأ استهداف تلك القيادات بتاريخ 20/11/2022)؛ وهذا سببه تزويد النظام بإحداثيات تلك الأهداف للحكومة التركية.

3- الحكومة التركية كانت بأمس الحاجة لتثبيت سعر صرف الليرة؛ وهذا يحتاج لضخ عملة صعبة في البنك المركزي، وهذا ما فعلته روسيا، بإيداع أكثر من 15 مليار $ مع نقل أموال الشركات الروسية المعاقبة غربيًا؛ لكن كان المقابل بدء تطبيع تركيا لعلاقتها مع النظام، وقد أكدت صحيفة (وول ستريت جورنال) إيداع روسيا هذه المبالغ في البنك المركزي التركي ⁽⁴⁾.

 2) خارجية:

1 – تنظر الحكومة التركية على أن أمريكا لا تريد حل الملف السوري، وتريد إبقاء ملف ميليشيا قسد ورقة ضاغطة على تركيا؛ والمجتمع الدولي لم يمتلك أدوات تطبيق القرار 2254؛ والعقوبات لم يثمر عنها رضوخ النظام وروسيا.

لذا فإن تركيا تجد أنها قادرة مع الأطراف الثلاث الأخرى (روسيا وإيران والنظام) على إيجاد مقاربة شاملة في سوريا، بعيدًا عن أمريكا، أو على الأقل هذه الأطراف قادرة على تفكيك مشروع ميليشيا قسد.

2 – ينظر أصحاب القرار في الحكومة التركية؛ أنّ أمريكا تصعّد ضد تركيا عبر تزويد اليونان بطائرات F35، وإلغاء صفقة F35  مع تركيا، وهذا ما جعل اليونان تعيد تسليح الجزر الاثني عشر المتنازع عليها مع تركيا.

وجبهة اليونان هي ذات أولوية استراتيجية لتركيا أكثر من سوريا؛ لذا فإنها تريد إغلاق الملف السوري لتتفرغ لاحقًا لجبهة اليونان.

ثانيًا – تسلسل المفاوضات زمنياً:

بعد اجتماع حميميم حدث لقاء ثانٍ في بغداد على مستوى نائبي رئيسي استخبارات البلدين؛ ثم اجتماع سري بتاريخ 9/9/2022 بين حقان فيدان وعلي مملوك ولم يتم تحديد مكان الاجتماع ⁽⁵⁾؛ وبعده اجتماع آخر في أنقرة ثم توجت هذه اللقاءات على المستوى الأمني باجتماع وزراء الدفاع ورؤساء استخبارات الدول الثلاث (روسيا وتركيا والنظام) في موسكو بتاريخ 28/12/2022 ⁽⁶⁾.

بدأت المفاوضات بالملفات الاستراتيجية مثل الانسحاب التركي من سوريا؛ حيث طرح النظام النقاط التالية:

– الانسحاب التركي من سوريا.

– توقف دعم المعارضة.

– التعاون في مكافحة الإرهاب.

في حين طرحت تركيا:

– تأمين بيئة طوعية وآمنة لعودة اللاجئين.

– عمل مشترك ضد ميليشيا قسد.

– البدء بتفعيل المسار السياسي.

ووصل الطرفان لطريق مسدود باستثناء ملف التعاون ضد ميليشيا قسد؛ حيث تعتبر عدوًا مشتركًا للطرفين؛ وهنا ضغطت موسكو على دمشق لترحيل الملفات الاستراتيجية والخلافية مثل الانسحاب التركي وإيقاف دعم تركيا للمعارضة؛ والتفاوض على الملفات المشتركة مثل وحدة الأراضي السورية؛ وميليشيا قسد وفتح الطرق التجارية (طريقي M4 وM5).

ثالثًا – تعثر المفاوضات

تعثرت المفاوضات ووصلت لانسداد قبيل انخراط إيران فيها؛ ووصلت عند نقطة تمسك النظام بمطالبة تركيا بجدول زمني لانسحابها من سوريا؛ ورفض تركيا لذلك؛ لكنها طرحت بديلًا هو توسيع اتفاقية أضنة من 5 كم إلى 32 كم؛ واشترط النظام جدولًا زمنيًا للموافقة على الانسحاب (يمتد لثلاث سنوات)؛ وفرض سيادته في إدلب؛ عبر مربعات مدنية على شاكلة المربعات الأمنية في مناطق قسد ^{(7 – 8)}.

وتجسد تعثر المفاوضات بتصريحات بشار الأسد بعد زيارته لموسكو بتاريخ كذا إذ هاجم تركيا بشدة وسماها بالاحتلال التركي، ووضع شروطًا مسبقة لأي مفاوضات؛ وتتمثل بخروج (قوات الاحتلال التركي)؛ ووقف دعم الإرهاب (ويقصد المعارضة السورية) ⁽⁹⁾.

ثم تبعه بعد ذلك تصريح وزير الخارجية التركي؛ وأعلن بشكل علني وصريح رفض تركيا للانسحاب من سوريا؛ بل طلب أكثر من ذلك؛ حيث طالب النظام بتطبيق القرار 2254؛ والبدء بالحل السياسي؛ رغم استمرار الاجتماعات الفنية والتقنية بين النظام وتركيا ⁽¹⁰⁾.

كذلك من دلائل تعثر المفاوضات تأجيل اجتماع وزراء الخارجية أكثر من 3 مرات؛ حتى عقد بتاريخ 9/5/2023؛ رغم أن وزير الخارجية التركي صرح سابقًا أنه سيعقد منتصف شهر يناير.

رابعًا – عوائق التطبيع

1)      عسكرية:

وجود 27 ألف جندي تركي ينتشرون من جرابلس إلى الكبينة؛ يعتبر أكبر عائق أمام التطبيع، فلا تركيا موافقة على الانسحاب ولا النظام قادر على إجبار تركيا عسكريًا على الانسحاب؛ كذلك النظام غير قادر على شن هجوم لفرض سيادة الدولة السورية على مناطق خارجة عن سيطرته في إدلب ومنطقتي درع الفرات وغصن الزيتون؛ بسبب التزام روسيا باتفاقيات ثنائية مع تركيا وتمنعه من ذلك.

2)      بنيوية:

تحكم تركيا 9 مليون سوري (4 مليون لاجئ على أراضيها و5 مليون في المناطق المحررة)؛ وهي من أسست الجيش الوطني والجبهة الوطنية ودربتهم؛ وتدفع لهم رواتب ومخصصات لـ 86 ألف عنصر.

وشكلت الحكومة المؤقتة وجميع مكاتبها على الأراضي التركية؛ وأتبعت منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون إداريًا للولايات التركية؛ وشكلت مجلس قضاء وشرطة عسكرية ومدنية؛ وأجهزة أشبه بأجهزة دولة متكاملة؛ وهذا العائق البنيوي يمنع أي تطبيع لأن النظام يريد إتباع كل هذه المؤسسات له؛ في حين تريد تركيا البناء على هذه المؤسسات لتشكيل حكومة شراكة وطنية (مثل انضمام الجيش الوطني لجيش النظام بعد إعادة هيكلته؛ والمؤسسات الخدماتية؛ في المناطق المحررة مع وزارات النظام بعد إعادة هيكلتها) وهذا لا يقبل به النظام نهائيًا.

3)      سياسية:

في كل التصريحات الرسمية للمسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس أردوغان؛ وآخر تصريح لوزير الخارجية التركي بعد اجتماع موسكو بأن تركيا مصرة على تطبيق القرار 2254 والذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي؛ في حين النظام يرى هذا القرار بأنه شأن سيادي داخلي؛ يتعلق بمفاوضات ثنائية بين النظام والمعارضة؛ ولا تتم هذه المفاوضات إلا بعد فرض سيادة الدولة السورية على جميع الأراضي الخارجة عن سيطرتها.

ترى تركيا أن شكل الحكم يجب أن يكون بالتشارك بين النظام ومؤسساته والمعارضة ومؤسساتها؛ في حين يرى النظام أن المعارضة ومؤسساتها يجب أن تتبع لمؤسسات النظام.

فلا يوجد أي نقاط سياسية مشتركة بين الرؤية التركية ورؤية النظام؛ وهذا من أكبر عوائق التطبيع على المستوى الاستراتيجي.

4)      اقتصادية:

هدف النظام الأول من التطبيع، رفع العقوبات عنه، وتحسين وضع الليرة السورية، وهذا يحتاج لفتح الطرق التجارية من تركيا إلى معبر نصيب ثم إلى الخليج، كذلك يحتاج لضخ أموال من الشركات التركية لإعادة الإعمار، في حين ماطلت تركيا كثيرًا في الموافقة على هذين الأمرين تجنبًا لعقوبات قانون قيصر من جهة، وحتى تضمن قيام النظام بتنازلات في الملفات التي تريدها، وهي اللاجئين وميليشيا قسد من جهة أخرى.

كذلك قامت تركيا باستثمار مئات ملايين الدولارات، سواء في الجيش الوطني أو في شبكة البنى التحتية، من طرق ومشافي ومراكز صحية ومدن، وقامت بإعمار ثلاث مدن متكاملة للاجئين من الطوب، إضافة للمجالس المحلية، فلن تدع هذه الاستثمارات وهذه الأموال للنظام بالمجان.

اجتماع موسكو الرباعي:

نجحت روسيا بالضغط على النظام لتغيير لغته تجاه تركيا، وعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية (وكان تأجل أكثر من مرة)، وكانت لغة النظام السوري في هذا الاجتماع هادئة نسبيًا، وفي نفس الوقت صرح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أنه تم الاتفاق على تشكيل غرفة عمليات ميدانية رباعية في سوريا، ولم يحدد آليتها ومكانها ⁽¹¹⁾.

خامسًا – سيناريوهات مآلات التطبيع

أولاً: في حال فوز الحكومة:

بعد اجتماع موسكو الأخير؛ وتصريحات وزير الدفاع التركي حول تشكيل غرفة العمليات الميدانية؛ وبعد انحسار تداول ملف اللاجئين في الانتخابات التركية خاصة بعد الزلزال؛ واستمرار تركيا في مسار التطبيع؛ هذا يرجح أن توجه تركيا نحو التطبيع استراتيجي وتكتيكي في نفس الوقت؛ فإن استجاب النظام لطلباتها؛ ستستمر حتى بلورة حل شامل للملف السوري؛ وإن نجحت الحكومة الحالية بالانتخابات؛ وإن تعثرت المفاوضات من جديد ورفض النظام تقديم أي تنازل لتركيا؛ وهذا ما يحاول فعله بضغوط إيرانية؛ لكنه يضطر للاستجابة بعد الضغوط الروسية؛ عندها تكون تركيا استفادت تكتيكيًا من ملف التطبيع مع النظام؛ وسحبت ورقة اللاجئين من المعارضة التركية، ووفقًا لهذه التحديثات نستطيع بلورة سيناريوهات التطبيع في المرحلة القادمة وفق الآتي:

·         السيناريو الأول:

تنازل تركيا عن جنوب طريق M4؛ ووضع جدول زمني للانسحاب؛ وإرغام الفصائل على الابتعاد عن طريق M4 مسافة 6 كم؛ مقابل دخول النظام وإيران وروسيا مع تركيا في غرفة عمليات مشتركة ضد ميلشيا قسد وهذا نعطيه 65%.

·         السيناريو الثاني:

رفض النظام للعرض التركي؛ وإصراره على جدولة انسحاب كامل لتركيا؛ وبالتالي جدولة المفاوضات؛ وهذا نعطيه 35%.

 ثانياً: في حال فوز المعارضة:

لا يوجد إلا سيناريو واحد في حال فوز المعارضة؛ إذ ستعلن انسحاب جيشها تدريجيًا من سوريا؛ وهذا ما أعلنته المعارضة بشكل صريح على لسان زعيمها كمال كيليشدار أوغلو في مناسبات عدة؛ ثم ستطلب من النظام ضمانات شكلية لعودة اللاجئين وتبدأ بحملة ترحيل تدريجية خلال عامين؛ لإعادة أكثر من 80% من اللاجئين السوريين؛ وستبدأ بتطبيع العلاقات الدبلوماسية بشكل مباشر مع النظام السوري.

خاتمة

بعد اجتماع موسكو الأخير؛ وتصريحات وزير الدفاع التركي حول تشكيل غرفة العمليات الميدانية؛ وبعد انحسار تداول ملف اللاجئين في الانتخابات التركية خاصة بعد الزلزال؛ واستمرار تركيا في مسار التطبيع؛ هذا يرجح أن توجُّه تركيا نحو التطبيع استراتيجي وتكتيكي في نفس الوقت؛ فإن استجاب النظام لطلباتها؛ ستستمر حتى بلورة حل شامل للملف السوري؛ وإن نجحت الحكومة الحالية بالانتخابات؛ وإن تعثرت المفاوضات من جديد ورفض النظام تقديم أي تنازل لتركيا؛ وهذا ما يحاول فعله بضغوط إيرانية؛ لكنه يضطر للاستجابة بعد الضغوط الروسية؛ عندها تكون تركيا استفادت تكتيكيًا من ملف التطبيع مع النظام؛ وسحبت ورقة اللاجئين من المعارضة التركية.

 

 

المصادر والمراجع:

• https://www.aljazeera.net/news/2022/8/11/
• https://www.aljazeera.net/news/2023/1/6
• مصادر صحفية وناشطين
• https://www.wsj.com/articles/turkeys-unsustainable-economic
• https://www.google.com/amp/s/ahvalnews.com/ar/lqa-sry-byn-hakan-fydan-wly-mmlwk-brayt-rwsya
• https://www.google.com/amp/s/arabic.cnn.com/amphtml/middle-east/article/2022/12/28/syria-russia-turkey-defence
• مصدر خاص للباحث
• مصدر خاص للباحث
• https://www.alaraby.co.uk/politics
• https://www.google.com/amp/s/www.enabbaladi.net/archives/639838/amp
• https://www.google.com/amp/s/www.alaraby.co.uk/politics