الدراسات والبحوثتحليلات

خطة الرد الإيرانية على العملية الأمريكية المحتملة في شرق سورية

ورقة تحليلية
إعداد الباحث صالح الحموي

لم يعد السؤال هل ستكون هناك عملية أمريكية ضدّ الميليشيات الإيرانيّة في سوريا أم لا، بل السؤال متى ستكون هذه العملية؟ وهناك أكثر من 5 مؤشّرات تؤكّد هذا الأمر:

  1. وصول طائرات (F16 & F15) إلى القواعد العسكرية في المنطقة([1])، وطائرات F22 إلى قاعدة “موفق السلطي” شمال الأردن.([2])
  2. وصول طائرات F35 الشبحيّة وقيامها بطلعات جويّة في سوريا لأوّل مرّة منذ عام 2011.([3])
  3. وصول بارجات حربيّة أمريكية إلى بحر الخليج العربي لتعزيز أمن الملاحة الدوليّة، وإعلان أمريكا عن نيّتها وضع مقاتلين على ظهر السفن الأمريكية لحماية السفن التجارية في المنطقة.([4])
  4. قيام قوّات التحالف الدولية بإجراء سلسلة لقاءات مع التشكيلات العربية المقاتلة تحت مظلّة قسد وهي: (لواء ثوار الرقة، والصناديد، ومجلس دير الزور العسكري)[5] وعقد اجتماع خاص بين هذه التشكيلات وقيادة جيش سوريا الحرّة بدون حضور قسد[6].
  5. التعزيزات المتواصلة لقوّات التحالف قادمة من العراق إلى سوريا، وإعطاء الضوء الأخضر لكتيبة الهندسة للقيام بعمليّة مسح جوّي وأرضي لمنطقة البوكمال والحدود السورية – العراقية.([7])

أولاً – أهداف أمريكا من العملية العسكرية:

تتنوّع أهداف أمريكا من هذه العملية بين أهداف جيوسياسيّة، وسياسيّة، وعسكريّة، وأمنيّة، ويمكن اختصارها بما يلي:

  1. قطع الشريان البرّي بين طهران وبيروت عبر سوريا.
  2. تحجيم النفوذ الإيراني وتغيير الخريطة الميدانيّة ممّا يساهم بتحريك الملف السياسي السوري.
  3. استخدام مطار دير الزور العسكري في حال شملته العملية كقاعدة انطلاق جيواستراتيجية متقدّمة ضدّ إيران، حيث المطار مهيّأ لاستقبال طائرات الشحن العسكريّة الضخمة.
  4. تحجيم دور قسد في العملية وهذا يؤدي إلى تقارب أكثر مع تركيا التي طالبت بإصلاحات حقيقيّة داخل قسد وتكثيف الوجود العربي، وهذا هدف بعيد المدى لأمريكا إذ تريد إبعاد تركيا عن المحور الروسي – الإيراني وجذبها إلى المحور الغربي.
  5. الانتخابات الأمريكية القادمة وحاجة إدارة “بايدن” لأصوات اللوبي اليهودي والتي حاولت إسرائيل مراراً إقناع إدارة البيت الأبيض بضرب المنشآت النووية الإيرانية أو أذرع إيران في المنطقة فاختارت إدارة “بايدن” العملية ذات التكلفة الأقل وهي ضرب أذرع إيران في المنطقة انطلاقاً من سوريا.

ثانياً – الردّ الإيراني:

استبقت إيران التحرّكات الأمريكية باكراً للقيام بعدد من الخطوات الجريئة تحسبّاً للعملية العسكرية الأمريكية، نستعرضها بشكل مختصر:

  1. إرسال قوافل عسكرية ضخمة إلى مناطق غربي نهر الفرات.
  2. زيادة التنسيق العملياتي مع حلفائها (روسيا والنظام السوري) إذ طلبت اجتماعاً لكبار القادة العسكريين في قاعدة حميميم جرى بين الحرس الثوري الإيراني، والنظام السوري، وضباط روس.([8])
  3. تشكيل غرفة عمليات واسعة بين النظام وميليشياتها في دير الزور، حيث التقى وزير دفاع النظام السوري “علي عباس” وجميع قادة الميليشيات الإيرانيّة والحرس الثوري في زيارته إلى المنطقة بتاريخ 11/7/2023.([9])
  4. إرسال أقوى تشكيلات ميليشيا الحرس الثوري الإيراني وهي “فرقة الحسين” والتي تمتلك طائرات درونز مسيّرة، وصواريخ أرض أرض، وهي من نفّذت عمليات ضدّ قاعدة التنف وضدّ القواعد الأمريكية في حقل العمر وكونيكو، والمتموضعة بالأصل على الحدود الإسرائيلية في الجنوب السوري، فنقلها إلى دير الزور له دلالات كثيرة.([10])

الرد العسكري:

وضعت إيران خطّة متكاملة للردّ العسكري على العملية الأمريكية المُرتقبة، وتشمل:

  • قصف صواريخ أرض أرض وطائرات درونز للقواعد الأمريكية في سوريا، وهي: حقل العمر وكونيكو والشدادي.
  • قصف مستوطنات إسرائيلية انطلاقاً من الأراضي السوريّة عبر فصيل حزب الله السوري، إذ تريد إظهار المواجهة على أنّها فصائل محليّة سوريّة وليست إيرانية.
  • قصف قاعدة التنف كما فعلت ذلك في عام 2019 و2020.
  • تحريك ما يُسمّى الجبهات المتعدّدة وتشمل قطاع غزّة، وجنوب لبنان، والحوثيين في اليمن ضدّ إسرائيل والقواعد الأمريكيّة في الخليج العربي.
  • زيادة التعاون العسكري مع روسيا ودعمها بالذخائر والمُسيّرات في حربها على أوكرانيا.

الرد الأمني:

القيام بأعمال انتقامية ضدّ ضباط الموساد وضباط أمريكيين في الشرق الأوسط مثل: أربيل، وقبرص، حيث نجحت إيران سابقاً باغتيال بعض المسؤولين الأمنيين هناك.([11])

الرد الاقتصادي:

احتجاز ناقلات نفط في الخليج العربي واستهداف ناقلات نفط خليجيّة وغربيّة بعمليات عِبر زوارق تتبع للحرس الثوري، وهذه نجحت سابقاً حيث احتجزت ناقلة نفط بريطانيّة، ويونانيّة، وكوريّة، وغيرها.

استهداف شركة آرامكو بطائرات درونز مُسيّرة وصواريخ مجنّحة كما حدث في عمليّة منشأة “بقيق” في السعودية عام 2019.([12])

الرد السياسي:

من الممكن أن تُقدّم إيران تنازلات في اتفاقها النووي مع أمريكا لتجنّب العملية العسكرية المُرتقبة، وما يدفعها لهذا الخيار سياستها الأخيرة بتصفير المشاكل مع دول الجوار، واستنزافها في العقوبات الاقتصادية الغربية، وخشية تلقّيها ضربة موجعة أمريكية بسبب تفاوت القدرات العسكريّة بين أمريكا وإيران، والحرص على عدم إفشال المفاوضات السريّة الثنائيّة في سلطنة عمان حيث عقدت ثلاث جولات مفاوضات هناك، بالإضافة إلى عدم إعطاء فرصة لتقارب تركي – أمريكي على حساب إيران في سوريا.([13])

ثالثاً – السيناريو المُرجّح:

أثناء زيارة وزير دفاع النظام السوري الى البوكمال قام بعرض صفقة على قسد، وهي: انسحاب النظام السوري من مدينة البوكمال وتسليمها لقسد تجنّباً للعمليّة العسكريّة الأمريكيّة، مع الاحتفاظ بمربع أمني وإبقاء رفع علم النظام على المؤسسات الخدميّة، لكن إيران أجبرت النظام على سحب هذا العرض من قسد وعلى المقاومة والتصدّي لأي معركة قادمة.([14])

المفاوضات الإيرانيّة الأمريكيّة بشأن الاتفاق النووي هي بالأصل متعثّرة، وقيام إيران بعمليّات أمنيّة سريّة دون تبني ضدّ ضبّاط الموساد هو بالأصل مستمر ولم ينقطع، كذلك طبيعة الحشود والاستعدادات العسكريّة الإيرانيّة تحديداً “فرقة الحسين” المتواجدة جغرافياً في جنوب سوريا على الحدود الإسرائيلية والتي تملك صواريخ أرض أرض وطائرات درونز وقامت بعمليّات كبيرة ضدّ القواعد الأمريكية واستهدفت إسرائيل عام 2019، بالإضافة إلى أنّ البوكمال تعتبر عقدة الربط الأخطر استراتيجيّاً لإيران فخسارتها تعني خسارة مشروع السكك الحديدية بين إيران وسوريا ثمّ البحر المتوسط، كذلك مشروع أنابيب السلام الذي سينقل النفط الإيراني إلى أوروبا عبر العراق وسوريا.([15])

هذه العوامل بمجموعها تعطينا شكل السيناريو المُرجّح الإيراني للعملية العسكرية المرتقبة، وهو:

الاستماتة للدفاع عن مدينة البوكمال ومنع سقوطها، واستهداف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، وإشعال الجبهات الرباعية ضدّ إسرائيل حتى تمنع سقوط المدينة وعدم خسارة الشريان البرّي بين العراق وسوريا.

رابعاً – الاحتراز الأمريكي من الردّ الإيراني:

وفق التقييم الأمريكي للردّ الإيراني فإنّها تتوقّع أن يتم استهداف قاعدة عين الأسد في العراق، وجميع القواعد الأمريكية في سوريا على رأسها قاعدة التنف، وتحريك أذرع إيران لاستهداف مستوطنات الجليل في الشمال انطلاقاً من لبنان وانطلاقاً من سوريا، كذلك سيقوم الحوثيين باستهداف ناقلات النفط في الخليج العربي، وزوارق الحرس الثوري الإيراني ستستهدف ناقلات النفط في باب المندب.([16])

ووفقاً لهذا التقييم اتّخذت أمريكا عدّة إجراءات لتقليل الخسائر المُحتملة من الردّ الإيراني، وتشمل هذه الإجراءات:

  1. القيام بمناورات جويّة مع اسرائيل تعتبر الأهم في المنطقة.([17])
  2. تعزيز القواعد العسكريّة الأمريكية في سوريا بمنظومة “هيمارس” أرض أرض التي يصل مداها إلى 70 كم([18])، وزيادة منظومة باتريوت في دول الخليج العربي، والأردن.
  3. إجراء مناورات تدريبيّة عالية المستوى مع جيش سوريا الحرّة في قاعدة التنف، وتزويده بأسلحة وذخائر جديدة، وشملت المناورات التصدي لقصف طائرات درونز، وصواريخ موجهة.([19])
  4. تفعيل منظومات الدفاع الجوي في العراق في أربيل، وفي الأردن حيث سيتم استهداف أي عربة أو آليّة إيرانيّة من القامشلي وحتى التنف.([20])
  5. زيادة قدرات البحرية الأمريكية وتزويدها ببارجات حربيّة جديدة وستنشر أمريكا قوّات مارينز على السفن الحربية منعاً لسطو الحرس الثوري الإيراني على ناقلات النفط في باب المندب والخليج العربي.([21])

توصيات:

في الغارات الأمريكية السابقة للتحالف الدولي على البوكمال رأينا كيف هربت الميليشيات الإيرانيّة خلال دقائق معدودة وأنزلت أعلامها، ووضعت أعلام النظام على مقراتها خشية الاستهداف الأمريكي، وهذا يدل على ضعف الميليشيات الإيرانية أمام أي قصف جوي، حيث جميع معارك الميليشيات الإيرانيّة في سوريا خاضتها بغطاء جوّي روسي، ولم يقم الحرس الثوري في أي معركة منذ تأسيسه حتى الآن أمام جيش منظّم وسلاح جو في الطرف الآخر، فجميع عمليّاته عبارة عن حرب عصابات وكمائن وأعمال أمنيّة، أو تحت الغطاء الجوّي الأمريكي ضدّ داعش في العراق.

وفقا لهذا نوصي بما يلي:

  1. زيادة عدد المقاتلين ضمن التشكيلات العربيّة من خلال التجنيد من أبناء المنطقة داخل مناطق قسد، أو في التنف لتأمين المنطقة بعد تحريرها.
  2. زيادة الضغط على تركيا عبر القنوات الدبلوماسية لإرسال مقاتلي الفصائل من أبناء المناطق الشرقية في الجيش الوطني ومشاركتهم في العملية.
  3. قطع الطريق على إيران والنظام خلال دعمهما للتشكيلات العشائرية داخل مناطق قسد والتي ستستهدف الأمريكيين، وذلك بدعم وجهاء العشائر خاصة من أبناء منطقة دير الزور والذي لهم تأثير حقيقي على الأرض.
  4. إشراك دول الخليج العربي في غرفة عمليات موحّدة تضم أمريكا والخليج ولا يُمنع من إدخال إسرائيل في الغرفة بشكل غير معلن كون تلتقي مصالح جميع هذه الأطراف بقطع أذرع إيران وتحجيمها في المنطقة.
  5. إشراك الأردن في غرفة العمليات لتحفيزها على استنساخ هذه العملية في المناطق الجنوبية في سوريا والمحاذية للأردن التي تعاني من تدفّق المخدرات من الميليشيات الإيرانيّة هناك، كذلك لقطع طريق تطبيع الأردن مع النظام بعد الخلافات المتزايدة بينهما في الآونة الأخيرة.
  6. فتح قنوات مع التشكيلات العشائرية السنّية في العراق المحاذية للحدود السوريّة وخاصةً الأنبار لتشكيل جيش عشائري على غرار التشكيلات العربيّة العشائرية السوريّة الحاليّة، لتحرس الحدود من الطرف العراقي، وتقطع الطريق على أي عمليات للميليشيات الإيرانيّة هناك.

خاتمة:

تقييمنا لإيران أنّها نمِرٌ من ورق وأنّها تعاني من أزمات متعدّدة على المستوى العملياتي والعسكري والأمني والاقتصادي والتمويل، وأسلحتها غير دقيقة نهائياً سواء الصواريخ البالستيّة وطائرات الدرونز، لكنّها استغلّت ضعف إدارة “بايدن” من جهة، وقامت بإرهاب دول الخليج عبر قصف آرامكو من جهةٍ ثانية لتفرض قواعد اشتباك في المنطقة على أمريكا والقوى المحليّة والإقليميّة.

لذا نعتقد أنّ تكلفة مواجهة إيران ستبقى أقل من تكلفة احتوائها، فهي استفادت من عدم الرد عليها بزيادة تخصيب اليورانيوم وزيادة مخزونها من الصواريخ الاستراتيجيّة، وزيادة قدرات حزب الله الصاروخيّة، ودعم الفصائل الفلسطينية لفتح جبهات عديدة على إسرائيل، وهذا جعل أمريكا وإسرائيل تعيد حساباتها، وتَشكُّل قناعات داخل الإدارة الأمريكية ومنهم رئيس هيئة الأركان الأمريكية أنّه آن الأوان لمواجهة إيران وإعادة ردعها وفرض قواعد اشتباك جديدة عليها في المنطقة.

————————————————————————————————————-

([1]) https://bit.ly/45dk2vW

([2]) https://bit.ly/3qgvfgx

([3]) https://aso-network.com/archives/34989

([4]) https://bit.ly/45egjhz

[5] https://cutt.us/InaCs

[6] مصدر خاص للباحث

([7]) مصدر خاص للباحث

([8]) https://bit.ly/3OrKzii

([9]) https://eyeofeuphrates.com/ar/news/2023/07/13/9120

([10]) https://bit.ly/45gS3LT

([11]) https://bit.ly/43YCjw6

([12]) https://cnn.it/45kIfkd

([13]) https://bit.ly/3qd7ndN

([14]) مصدر خاص للباحث

([15]) https://bit.ly/3qgvfgx

([16]) مصدر خاص للباحث

([17]) https://bit.ly/3KqqiZi

([18]) https://bit.ly/3qgvfgx

([19]) https://bit.ly/3QrdmGk

([20]) مصدر خاص للباحث

([21]) https://lana.gov.ly/post.php?lang=ar&id=283699

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى