تقدير موقف

تحرير الشام أمام أزمة ثلاثية الأبعاد

التفاعلات - السيناريوهات

تحرير الشام أمام أزمة ثلاثية الأبعاد التفاعلات – السناريوهات

تقدير موقف

الملخص التنفيذي

لقد كانت أزمة خلية العملاء الأخيرة التي بدأت تفاعلها في بداية عام 2023 داخل تحرير الشام والتي طالت بالاتهام والتحقيق حوالي 600 شخص من الهيئة وغيرها بتهمة العمالة الأخطر منذ تأسيسها فقد تسببت الأزمة بهز الثقة من قبل عناصر الهيئة ومن قبل المجتمع الأهلي في شمال غرب بقيادة الهيئة للمنطقة.

تطورت الأزمة الداخلية في تحرير الشام عبر خمس مراحل، المرحلة الأولى: بدء موجة اعتقالات طالت 400 شخص من الجناح العسكري بتهمة العمالة، في منتصف شهر حزيران /يوليو 2023، والمرحلة الثانية بدأت مع الإعلان رسمياً من قبل الهيئة عن ضبط خلية العملاء في منتصف شهر تموز/يوليو 2023، والمرحلة الثالثة مع إطلاق الهيئة حملة أمنية ضد جهاد عيسى الشيخ ” أبو أحمد زكور”، المنشق عنها بعد اتهامه بالضلوع في ملف العمالة، والمرحلة الرابعة مع إعلان جهاز الأمن العام إحباط مخطط أمني واستكمال التحقيقات في يوم 15كانون الثاني يناير 2024، والمرحلة الخامسة الإفراج عن معظم المعتقلين في قضية التجسس، دون معرفة مصير الاتهامات بعد الأسبوع الأول من شهر شباط 2023.

أدت هذه الأزمة الداخلية في هيئة تحرير الشام إلى نشوب أزمة جديدة مع المجتمع الأهلي الذي تحرك على إثرها بالمظاهرات التي امتدت لأغلب مدن وبلدات مناطق شمال غرب وصدور العديد من البيانات والمبادرات التي تطالب بتنحي تحرير الشام وقائدها عن قيادة المحرر مما أوقع الهيئة بأزمة مركبة من بعد داخلي وبعد محلي وبعد إقليمي كان سببها نشاط تحرير الشام للتمدد في مناطق سيطرة الجيش الوطني عبر تأسيس تجمعات عسكرية تتبع لها بدون موافقة الجانب التركي.

تحركت قيادة تحرير الشام على كافة المستويات وحاولت احتواء الأزمة الداخلية عبر إطلاق مبادرة لحل الأزمة وتشكيل اللجنة القضائية الخاصة  للنظر في ملف تعذيب العسكريين المتهمين بالعمالة والتلويح بالاستقالة والهروب إلى الأمام من قبل الجولاني وإصدار اللجنة القضائية مجموعة من القرارات في هذا الخصوص كما أصدرت حكومة الإنقاذ قراراً بالعفو العام ومجموعة من القرارات   المتعلقة بسياسة الضرائب لامتصاص النقمة من المجتمع الأهلي إضافة لتكثيف النشاط الإعلامي للهيئة خلال الأزمة وإطلاق مبادرات الحوار مع الناشطين والأكاديميين والشرعيين للخروج بمقررات الإصلاح الناتجة عن حوارات تحرير الشام مع الشرائح الاجتماعية والتي قوبلت بالرفض من المجتمع الأهلي الذي استمر بالتظاهر ومطالبة تحرير الشباب بترك قيادة المنطقة.

هذه الأزمة الداخلية العميقة والاحتجاجات يمكن أن تذهب في مآلاتها إلى سيناريوهين:

السيناريو الأول: بقاء الجولاني قائداً لتحرير الشام مع المحافظة على تماسكها الداخلي والتفاف العناصر مجدداً حول الجولاني وهو ما يعني تعزيز فرصة بقاء تحرير الشام تسيطر على إدارة منطقة شمال غرب مع تقديم بعض التنازلات والإصلاحات التي تتعلق بسلوك الهيئة وحكومة الإنقاذ بدون التأثير على البنية والدور.

السيناريو الثاني: هو تنحي الجولاني عن قيادة تحرير الشام نتيجة لعمق الأزمة الداخلية  وخروج بعض الكتل العسكرية وانحيازها لمطالب المجتمع الأهلي وهو ما يعني خروج الهيئة عن مشهد  إدارة منطقة شمال غرب وما يتبعها بإحداث تحولات في بنية ودور الهيئة وحكومة الإنقاذ ربما ينتهي باستبدال نموذج الإدارة بنموذج جديد منفك عن التبعية لتحرير الشام .

المقدمة

منذ أن تأسست هيئة تحرير الشام عام 2017 من اندماج جبهة النصرة مع عدد من الفصائل الإسلامية الأخرى، واجهت الهيئة صراعات داخلية متكررة أدت إلى انشقاق مجموعة كبيرة من الكتل، لكن أزمة خلية العملاء الأخيرة التي بدأت في بداية عام 2023 والتي طالت بالاتهام والتحقيق حوالي 600 شخص من الهيئة وغيرها كانت الأخطر منذ تأسيسها فقد تسببت الأزمة بهز الثقة من قبل عناصر الهيئة ومن قبل المجتمع الأهلي في شمال غرب سورية بقيادة الهيئة وبالمفصل الأمني للهيئة وقدرته فعلاً على حماية المنطقة من الاختراق والاستهداف إضافات لمئات من حالات الاعتقال السياسي من فصائل وتيارات أخرى شكلت قناعة لدى الكثيرين أن السلوك الأمني للهيئة هو سلوك قمعي لا ينبع من عقيدة أمنية واضحة ولا أسلوب احترافي في إدارة الملف الأمني إضافة لذلك تسببت المشكلة بحالة من الاستقطاب الحاد داخل الهيئة كان أبرز أطرافه قيادة المفصل الأمني وقيادة المفصل العسكري كما تسببت المشكلة في هز الثقة في شخص قائد الهيئة “أبي محمد الجولاني ” واعتباره أحد المتسببين في هذه الأزمة .

تعود جذور الأزمة ليس فقط إلى التناقضات بين الجناح العسكري، الذي يطالب بدور أكبر في صنع القرار، والجهاز الأمني، الذي يسيطر عليه الجولاني ونائبه أنس خطاب “أبو أحمد حدود” ومجموعته المقربة، وإنما على النموذج الإداري الهجين الذي تنتهجه الهيئة في إدارة المنطقة وسلسلة التصفيات للأجنحة المعارضة التي بدأت بخروج تيار عبد الله المحيسني وكتلة الجزراوية ثم تبعه انشقاق تيار أبي العبد أشداء والزبير الغزي ثم خروج تيار أبي شعيب المصري ثم خروج جماعة الفرغلي وانتهاءً بانشقاق جماعة جهاد عيسى الشيخ “أبي أحمد زكور على إثر الأزمة الأخيرة.

كما تأتي الأزمة الأخيرة في سياق محلي كانت الهيئة تعمل خلاله على التمدد إلى مناطق الجيش الوطني ومحاولتها بناء أذرع عسكرية تسيطر على المنطقة وتكون تابعة لها حيث شنت الهيئة بين عام 2022 وعام 2023 أربع معارك في الشمال، معركتين منها ضد الجبهة الشامية ومعركتين ضد فرقة السلطان مراد بمشاركة مباشرة منها وعبر أذرعها المحلية لتعزيز نفوذها على معبر الحمران وهو ما أظهر الهيئة كقوة متمردة على التوجهات التركية، وغير منضبطة.

كما حركت أزمة الهيئة الداخلية وأزمتها الإقليمية المجتمع المحلي للخروج بمظاهرات احتجاجية آخذة بالتوسع ومطالبة بتنحي الهيئة وقيادتها عن قيادة منطقة شمال غرب سورية.

في هذه الورقة سنسرد مراحل تطور أزمة خلية العملاء والإجراءات التي قامت بها قيادة تحرير الشام لاحتواء الأزمة والحراك المجتمعي والأهلي ضد قيادة تحرير الشام من المظاهرات والمبادرات والبيانات ومواقف الفاعليين مما يحدث، وسنناقش المآلات المحتملة لهذه الأزمة المركبة على مستقبل الهيئة ودورها في إدارة المنطقة.

أولاً: مسار تطور الأزمة الداخلية في تحرير الشام

يمكن تقسيم مراحل أزمة ملف العملاء إلى خمس مراحل أساسية حتى الآن هي:

المرحلة الأولى: البدء بموجة اعتقالات طالت 400 شخص من الجناح العسكري بتهمة العمالة.

في منتصف شهر حزيران /يوليو 2023 بدأ جهاز الأمن العام سلسلة من الاعتقالات بتهمة العمالة للتحالف الدولي كانت قد حصلت على المعلومات من طرف استخباراتي خارجي وشملت عدداً من القياديين منهم شداد الأمني مسؤول القوة التنفيذية لمدينة سرمدا و أبو مسلم آفس المسؤول العسكري للواء أبو بكر الصديق واعتقل معه الهُمام ابو عرب طيبه مرافقه، وخيرات معارة النعسان مسؤول التدشيم وعبد الحميد سحاري من طعوم ابن أخت أبو عبيدة منظمات محمد قرمو وأبو حميد الشمالي وأبو الزبير سرايا أبو محجن الحسكاوي المسؤول الأمني لمدينة إدلب ومدير المنطقة أبو أسامة العدني، والمسؤول الأمني للمنطقة الوسطى رواد الغوطاني والمسؤول الأمني لمنطقة سلقين بتار الحمصي وشيخ عشيرة البكارة الشيخ يوسف عربش، مسؤول الدراسات في المنطقة الوسطى، والأمني أبو سلام المعروف بالشيخ أبو جابر من الغوطة الشرقية وأبو خديجة الصوراني والقيادي في لواء طلحة أبو الحسن وأبو سعيد راس الحصن و “أمين جربار أبو حسن” مسؤول القوة التنفيذية في جهاز الأمن العام و أبو معاوية علداني مرافق أبو حفص بنش والمسؤول العسكري للواء عثمان، “أبو أسامة منير” و أبو حسن البدوي، وهو ابن عم مغيرة بنش وأبو حفص و القيادي أبو ذر محمبل والقيادي أبو أسامة منير والقيادي في تحرير الشام أحمد كنة و القيادي في لواء عمر محمود جمال ديبو من بلدة السحارة وشخصيات أخرى .

وفي هذا السياق بدأ الصراع داخل هيئة تحرير الشام منذ شهر حزيران /يونيو 2023 بعد تعيين أبو محمد الجولاني للقحطاني وأبي أحمد زكّور لقيادة ملف تمدد الهيئة باتجاه ريف حلب الشمالي، بعد أكثر من سنتين من التهميش والإقصاء لهذين الشخصين، هذا الأمر سمح لجناح بنِّش ممثلاً بشخصيات أبرزها المُغيرة (قتيبة بدوي)، المسؤول عن الشؤون الاقتصادية، وأبو حفص بنِّش، أمير الحدود ومسؤول معبر باب الهوى بالصعود والتفرد بالنفوذ الأقوى داخل هيئة تحرير الشام.

في حين أظهر القحطاني وزكور كفاءة عالية في مهامهما خلال معارك ريف حلب الشمالي، حيث استثمر الأول في العلاقات القائمة مع عشائر المنطقة الشرقية، بينما استفاد الثاني من خبرته السابقة كأمير لقطاع حلب في تعزيز التحالفات مع فصائل المنطقة.

ويعتقد أن صعود جناح الشرقية (القحطاني وزكور) بعد معارك ريف حلب الشمالي قد أثار حفيظة جناح بنِّش الذي يمتلك تأثيرات أخرى تمتد إلى القطاع العسكري والمكتب الإعلامي بفضل شقيقي قتيبة بدوي وأبو حفص بنِّش اللذان يعملان هناك، بالإضافة إلى الدعم الكبير الذي يتلقاه من عبد الرحيم عطّون، الشرعي العام للهيئة، الذي ينحدر من بلدة الطعوم المحاذية لبنِّش، ومن الجولاني نفسه نظراً إلى صلة القرابة التي تربطه بعائلة بدوي، وكذلك دعم أبو أحمد حدود، نائب الجولاني، الذي يُظهر معارضة لـأبي ماريا و زكّور، مما أدى إلى دعمه لجناح بنِّش في مواجهة جناح الشرقية.

في إطار الصراع بين جناحي الهيئة، شرع جناح بنِّش في جمع المعلومات عن جناح الشرقية وعلى رأسه القحطاني، حيث ساعد تجسس جناح بنِّش على الاتصالات اللاسلكية لأبي ماريا القحطاني بالإضافة إلى نشر معلومات من عناصر مزدوجة الولاءات مثل أبو عمر شدادي، على تعزيز قدرة جناح بنِّش على الإطاحة بأبي ماريا ثم إضعاف جناح الشرقية عبر الوصول لأدلة استخباراتية تدين القحطاني أمام أبي محمد الجولاني.

وقد أسفرت هذه التحركات عن شكوى من قبل القحطاني إلى الجولاني بشأن تصرفات جناح بنِّش الأمر الذي دفع الجولاني إلى تأنيب جماعة بنِّش وإظهار تحيزه نحو القحطاني، وذلك نظرًا للاعتماد على الأخير في ريف حلب الشمالي، لكن بعد أن وصلت تسجيلات صوتية للقحطاني إلى الجولاني يتحدث فيها الأول عن نيته القيام بعمل انقلاب على الجولاني وجه الأخير إلى اعتقال القحطاني في 14 آب/أغسطس 2023 بتهمة العمالة. [1]

المرحلة الثانية: الإعلان رسمياً من قبل الهيئة عن ضبط خلية العملاء.

في منتصف شهر تموز/يوليو 2023، أعلنت هيئة تحرير الشام رسمياً، ضبط خلية تعمل لـ صالح جهات معادية، وجاء الإعلان عبر المتحدث الرسمي باسم جهاز الأمن العام ضياء العمر، قال فيه إنّهم ضبطوا خلية جاسوسيّة تعمل لصالح جهات معادية ” لم يسمّها ” بعد ملاحقة استمرت 6 أشهر

تمكن جناح بنِّش من استخدام ملف الاختراق الأمني للإطاحة بجناح الشرقية، إلا أن النتيجة الأشد تأثيراً على مستقبل الهيئة كانت استهداف رأس هذا الجناح القحطاني شخصياً بما يحمله من كاريزما وحضور ودور شرعي وعلاقات مع العشائر وفصائل الجيش الوطني.

نجح جناح بنِّش بالحصول على تسجيلات تثبت التواصلات الخارجية للقحطاني وتم تسليمها للجولاني، ليتم توقيف القحطاني والتحقيق معه من قبل الجولاني شخصياً فاستدعت هيئة تحرير الشام القيادي العراقي في صفوفها القحطاني للتحقيق معه واتهمته بإجراء عمليات تواصل مشبوهة.

فتح توقيف القحطاني يوم 14 آب 2023 الباب على مصراعيه أمام تحركات متضاربة داخلية وخارجية يطالب بعضها بمعاقبة القحطاني فيما يطالب الآخر بالإفراج عنه الأمر الذي يطرح عدة سيناريوهات حول مصير القحطاني ومصير الهيئة وسط تزايد الانقسامات داخلها بنتيجة الصراعات بين أجنحتها من جهة والتخلخل البنيوي الناجم عن تقويض شبكات اختراق متغلغلة بمفاصل مهمة في جسم الهيئة،

فضلاً عن الضغوطات المحلية من خارج الهيئة عليها من أجل عدم التساهل بالتعامل مع ملف العملاء.

في 17 آب 2023 توصلت لجنة التحقيق إلى أن القحطاني قد أخطأ في إدارة تواصلاته دون اعتبار لحساسية موقعه أو ضرورة الاستئذان وإيضاح المقصود من هذا التواصل، وفقاً للبيان. وأوصت اللجنة، بتجميد مهام القيادي العراقي وصلاحياته، من دون ذكر مزيد من التفاصيل.[2]

لكن تبين لقيادة الهيئة أن القحطاني لم يقم بمجرد التخابر مع جهات خارجية وإنما يقوم بالتحضير لانقلاب داخل الهيئة وأنّ التهمة المعلنة ليست هي السبب الحقيقي الذي دفع هيئة تحرير الشام لاعتقال “القحطاني”، إنما المخاوف من تحركاته من دون تنسيق مع قيادة الهيئة، والتي سبّبت قلقلاً لقيادات متنفذة مثل نائب القائد العام “أبو أحمد حدود”، وقيادي آخر متنفذ يدعى “المغيرة البدوي” وهو ابن حماه لأبي محمد الجولاني.[3]

ومن الواضع أن القحطاني عمل من بداية عام 2023 على تكثيف التواصل مع قيادات ضمن الجيش الوطني السوري، وقادة سابقين في حركة أحرار الشام، وجميع الأطراف الناقمة على الهيئة، وحاول إقناعهم في فتح صفحة جديدة والتنسيق المشترك مع الهيئة مع تقديم وعود بإحداث تغيير في قيادة الهيئة.

المرحلة الثالثة: حملة أمنية ضد جهاد عيسى الشيخ ” أبو أحمد زكور”.

في هذه الأثناء وبعد أن أعلن زكور أنه مستهدف من قبل الهيئة على خلفية قضية القحطاني خرج إلى الشمال مع عائلته وبدأ بترتيب أموره للانشقاق عن الهيئة وتشكيل فصيل لطرد الهيئة من الشمال.

في يوم 20 كانون الثاني/ ديسمبر 2023 شنت تحرير الشام هجوماً عنيفاً بالأسلحة المتوسطة والثقيلة على مقار عسكرية تابعة للقيادي المنشق عن الهيئة زكور في مدينة إعزاز وبعد إلقاء القبض عليه تم تخليصه من الدورية التي اعتقلته عبرة فرقة الحمزة بتوجيه من قبل الأتراك.

في 15 كانون الأول /ديسمبر أعلنت الهيئة عبر حساب الأمن العام أنها أحبطت المخطط الأمني الذي استهدف المحرر وتم الانتهاء من الملف [4] وفي 21 ديسمبر كانون الأول/ديسمبر 2023 أصدر الشرعي العام لتحرير الشام عبد الرحيم عطون بياناً جاء فيه ” بعد اعتقال أبي مارية، في سياق التحقيقات الجارية في قضية خلايا الاختراق لصالح بعض الدول تبين لنا ضلوع أبي ماريا في العديد من قضايا الفساد والابتزاز المالي لعدد من التجار في المحرر، وقد قمنا بالجلوس مع كثيرٍ من التجار، لنتبين الحقيقة، ونعيد الحقوق لأصحابها، وقد قمنا بإرجاع الحقوق في كل ما وصلنا من قضايا، وتبين لنا فيها استحقاق أصحابها” [5]

وتابع عطون يقول في أثناء ذلك؛ ورد اسم أبي أحمد زكور إلى جانب أبي مارية فيما يخص بعض قضايا الفساد المالي، وقد كان زكور لا يزال مقيمًا في مناطقنا، فتم استدعاؤه ومساءلته، ثم جرى عزله من منصبه في سياق الترتيب لمحاكمته، كما ورد اسمه عقبها مباشرةً في سياق التحقيقات الأمنية الجارية، ففرّ إلى ريف حلب الشمالي ورفض الحضور، وبدأ بإظهار نفسه بصيغة وصورة جديدة، تقوم على تجميل نفسه من خلال ذمّ الجماعة، وحين رفض المجيء قررنا اعتقاله “[6]

المرحلة الرابعة: إعلان جهاز الأمن العام إحباط مخطط أمني واستكمال التحقيقات.

في يوم 15كانون الثاني يناير 2024 أعلن جهاز الأمن العام التابع لـتحرير الشام عن طي ملف العملاء داخل الهيئة لصالح جهات خارجية، وذلك عبر بيان نشره بعنوان “إحباط مخطط أمني وتعزيز القوة والاستقرار في المناطق المحررة”.[7]

ذكر الجهاز في بيانه، أنه تمكن خلال الأشهر القليلة الماضية، من إحباط مخطط أمني تقف خلفه جهات معادية، يهدف إلى تجنيد بعض الأفراد والعمل من خلالهم على بث الفتنة وشق الصف وزعزعة الأمن والاستقرار في مناطقنا المحررة، وفق وصفه.

في يوم شباط 2024 خرج الجولاني” بكلمة له يتحدث عن تفاصيل “قضية العملاء” والنجاح النوعي في إحباط أكبر مؤامرة تتعرض لها إدلب وتفكيك أكبر شبكة عملاء مرتبطة بالخارج

وقال الجولاني إن أحد العناوين العريضة لـ “ملف العمالة” داخل الهيئة، يتمثل في سيطرة قوات النظام السوري وداعميها على مدينة إدلب، ومنطقة جنوب طريق الـ M4، مشيراً إلى أن الهيئة لها أيضاً خلايا في مناطق سيطرة النظام لتنفيذ عدة مهام.[8]

المرحلة الخامسة الإفراج عن معظم المعتقلين في قضية التجسس، دون معرفة مصير الاتهامات.

بعد الأسبوع الأول من شهر شباط 2024 هددت مجموعة محمبل باقتحام سجون الأمن العام لإخراج القيادي “أبو ذر محمبل” وتحت الضغط قام الجولاني بتوجيه الأمن العام لإطلاقه وعندما خرج سرد لعناصره كل ما حصل له أثناء الاعتقال من تعذيب وضرب تعرض له مع رفقائه

هنا هدد مفصل حماه بالانشقاق إذا لم يقم الجولاني بإطلاق سراح المعتقلين وبدأ الغضب يشتد عند عناصر الهيئة وبدأت تروج أن شبكة العمالة هي مجرد كذبة من اختراع الأمن العام تم إلصاقها بالقادة تحت الضرب والتعذيب.

وهنا ومن أجل احتواء الموقف قام الجولاني بتوجيه الأمن العام لإطلاق كل الموقوفين بهذه القضية بعد تحسين حالتهم الصحية لتخفيف الاحتقان وإطلاق حتى من ثبتت عليه العمالة و قام الجولاني بزيارة ميدانية لكل من تم الإفراج عنهم لتهدئة نفوسهم وامتصاص حالة الغضب مع دفع مبالغ مالية لكل من خرج من السجن .

ثانياً: التحركات الاجتماعية على قضية المعتقلين بتهمة العمالة

أدت قضية ملف العملاء داخل هيئة تحرير الشام إلى حراك أهلي على شكل مظاهرات رافضة لتجاوزات الأمن العام وتحمل قائد تحرير الشام المسؤولية وتطالب بإصلاحات جذرية في إدارة المحرر كما أصدرت عدة جهات وتجمعات بيانات منها ما هو مؤيد للمظاهرات ومنها ما يقدم مطالب ومبادرات للخروج من حالة الاحتقان السائدة لدى الشارع وبذلك أصبحت الهيئة في مواجهة أزمة مركبة، أزمة داخلية تتعلق في تحمل مسؤولية تعذيب العسكريين وأزمة مع المجتمع الأهلي الرافض لحكم الهيئة للمنطقة وأزمة مع الإقليم والمجتمع الدولي بعد أن أظهرت الهيئة سلوكاً غير منضبط تجاه تحركاتها في الشمال .

1)    المظاهرات

أدى انكشاف قضية ملف العملاء إلى حراك من بعض النخب الشرعية والأكاديمية والمنشقين عن تحرير الشام وتحريض العدد من خطباء الجمعة ضد الأمن العام والجولاني كما خرج العديد من الناشطين والصحفيين بمظاهرات مطالبة بإقالة الجولاني ومطالبة من بعض الأكاديميين بخطة إصلاح شاملة لقيادة المنطقة المحررة كما ظهرت مؤشرات على تدني مستوى الثقة من الحاضنة الشعبية بتحرير الشام كنموذج للحوكمة والإدارة وتم فتح الكثير من الملفات المتعلقة بسياسة الضرائب والتراخيص وشراء المواد الإغاثية من مناطق الجيش الوطني وانشقاق محمد أبو الصادق من مجلس الشورى العام الممثل للمناطق المحررة ومشاركته في المظاهرات يوم 8 أذار/مارس 2024 كما أصدر عدد من المشايخ فتاوى وبيانات تؤكد على شرعية المظاهرات وأنها داخلة في واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. [9]

·       أسباب المظاهرات

كانت قضية ملف العملاء الذي طال حوالي 600 عسكري وإداري بمثابة السبب المباشر لخروج المظاهرات والدعم الخافي من قبل المفصل العسكري لهذه المظاهرات التي خرجت للضغط على قيادة الهيئة. كم شكل الضغط الاقتصادي الذي تمارسه الهيئة وحكومة الانقاذ على المجتمع المدني بسبب سياسة الضرائب المرتفعة على المواد الغذائية ومواد البناء في منطقة مدمرة بقصف النظام وتعرضت للزلزال سابقاً والتعسف في إعطاء رخص البناء وابتزاز مالكي العقارات.

كذللك انعدام الثقة وغياب الأفق بحل ذاتي يمكن أن يأتي من قيادة الهيئة وممارسات الأمن العام وانتهاكاته بحق الكثير من المعتقلين بما فيهم المدنيين وإضعاف حضور المجتمع المدني عن الإدارة المحلية وسيطرة الأمن العام على الإدارة من الخلف وملفات الفساد الاقتصادي التي تدور حول العديد من أمراء الهيئة كل هذه شكلت الأسباب المحركة للمظاهرات لكن جاءت قصة كشف مقتل المقاتل عبد القادر الحكيم من “جيش الأحرار ” أثناء التحقيق معه في الأمن العام ودفنه في مكان مجهول دون علم أهله ثم نبش قبره يوم 24 شباط/فبراير 2024 بمثابة الحدث الذي أجج مشاعر الغضب ضد الأمن العام وقيادة الهيئة .

·       الشرائح التي تخرج في المظاهرات.

هناك شرائح من اتجاهات عديدة تشارك في المظاهرات ضد تحرير الشام منهم هناك شرعيون كانوا مع الهيئة سابقاً كذلك ذوي المعتقلين من القادة العسكريين الذين تعرضوا للتعذيب وذوي المعتقلين الذين لم يفرج عنهم حتى الآن وبعض أنصار حزب التحرير ونساء المعتقلين من حزب التحرير وناشطين كانوا سابقا محايدين بالنسبة للهيئة ونسبة بدأت تكبر أسبوعياً من المجتمع الأهلي وآخذة بالتصاعد وقلة من المتعاطفين مع حراس الدين، وبعض العسكريين وعدد من الإعلاميين والأكاديميين .

·       الشعارات التي رفعتها المظاهرات.

تركزت أغلب الشعارات التي تم رفعها في المظاهرات حول أربع مطالب

  1. تنحي الجولاني عن قيادة المنطقة المحررة والمطالبة برحيله ومحاسبته.
  2. تشكيل مجلس أعلى لقيادة المنطقة المحررة.
  3. تشكيل مجلس شورى يمثل الشعب في المحرر.
  4. إخراج معتقلي الرأي وتبييض السجون.[10]

لكن اللافت أن المظاهرات لم تتعرض لحكومة الإنقاذ ولم تتعرض للمفصل العسكري في تحرير الشام وحصرها للمسؤولية في المفصل الأمني وقيادة الهيئة. [11]

·       حجم المظاهرات وانتشارها

أخذت المظاهرات بالتوسع فقد بدأت في الأسبوع الأول 1أذار/مارس 2024 ب 6 نقاط ثم توسعت في الجمعة الثانية يوم 8 أذار/مارس 2024 إلى أكثر من 16 نقطة في مدينة، تفتناز ومدينة كللي ومركز محافظة إدلب ومدينة بنش والسحارة والأتارب وترمانين والفوعة وأطمة وبابكة وجسر الشغور وطعوم وحزانو وحربنوش وأرمناز ومدينة معر تمصرين ومدينة دارة عزة ومدينة الدانا وبلدة زردنا والمخيمات في أطمة وبلدة إبين إضافة للمظاهرات المساندة لمظاهرات إدلب في مناطق سيطرة الجيش الوطني .

من الواضح أن حجم المظاهرة آخذ بالاتساع والمجتمعات المحلية يزداد حجم مشاركتها، رغم وقوع بعض الحوادث الأمنية مثل الاعتداء على المتظاهرين في مدينة دارة عزة ومضايقة المتظاهرات النساء في طريقهم إلى إدلب.

2)    المبادرات التي أطلقت لحل الأزمة.

·       . مبادرة العلماء

في يوم 30 كانون الثاني / يناير 2024 أُطلقت مبادرة العلماء ووقع عليها الشيخ عبد الرزاق المهدي مع أحد عشر شيخاً يطالبون تحرير الشام بتشكيل لجنة قضائية مستقلة برئاسة القاضي إبراهيم شاشو من اجل إعادة النظر في ملف العملاء والتحقيق مع العناصر الذين تم الإفراج عنهم وهي المبادرة التي تدعو إلى تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في قضية ملف العملاء[12]

·       مبادرة الأكاديميين

في يوم 9أذار/مارس 2024 أصدر مجموعة من الأكاديميين والشرعيين مبادرة تضم عدداً من النقاط العامة تحدثت عن تأييدها للحراك الشعبي ومطالبتها بالإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري مع إسقاط الطغمة الفاسدة والوقوف بجانب المجاهدين ودعت المبادرة إلى التنسيق مع الحراك الشعبي ووعدت بتقديم خطة تفصيلية للإصلاح [13]

·       مبادرة إنقاذ الثورة

في يوم 12أذار/مارس أطلق مجموعة من الناشطين والشرعيين والأكاديميين والمجتمع المدني مبادرة إنقاذ الثورة والتي نصت على:

إصلاح مجلس الشورى العام ليكون ممثلا لشرائح المجتمع كافة، وفق آلية انتخابية عادلة وشفافة والعمل على تشكيل مجلس قيادة أعلى وفق معايير وضوابط تضمن المشاركة الفاعلة والحقيقة الهادفة متابعة ما قامت لأجله الثورة في ٢٠١١، ومراجعة القوانين والقرارات الصادرة عن بعض الوزارات والمتعلقة في الرسوم والمجالس المحلية والعمل على تعديلها ومراجعة وتغيير السياسات الاقتصادية بما يراعي أحوال كافة الطبقات الاجتماعية ووضع الخطط التي تحد من البطالة وتؤمن فرص العمل [14]

·       بيان المجلس الإسلامي السوري

أصدر المجلس الإسلامي السوري بياناً في يوم 10آذار /مارس 2024 تضمن ثلاث نقاط

  • تأييد الحراك الشعبي بكل أشكاله من مظاهرات واعتصامات واحتجاجات سلميَة، باعتباره حقاً مشروعاً لكل المواطنين أنَى وجد الظلم والاستبداد والفساد
  • أكد المجلس على تجريم كل مظاهر الظلم من سجن بغير حق وتعذيب وفرض ضرائب ومكوس، وتجاوز صلاحيات القضاء النزيه العادل.
  • طالب المجلس اختيار قيادة كفؤة منبثقةٍ عن الإرادة الحرّة للشعب. [15]

مبادرة الكرامة

في يوم 13 آذار /مارس 2024 ورداً على المقررات الإصلاحية التي قررتها حكومة الإنقاذ أطلقت مجموعة من الأكاديميين والناشطين مبادرة الكرامة التي تنص على عشرة نقاط أهمها

عزل أحمد الشرع (الجولاني) عن الواجهة السياسية والعسكرية لإدلب، ورفع القبضة الأمنية المتوغلة في مفاصل الحكومة والمجتمع وإسناد مهام حفظ الأمن لوزارة الداخلية ريثما يتم تشكيل الحكومة الجديدة وحل مجلس الشورى الحالي وتشكيل مجلس شورى جديد يمثل بشكل فعلي جميع أطياف المجتمع واعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال ريثما يتم تشكيل الحكومة الجديدة بتكليف من مجلس الشورى الجديد، تعمل بكل استقلالية، وتحت رقابة مجلس الشورى ويشكل مجلس الشورى عاجلا لجنة مختصة لإطلاق سراح معتقلي الرأي وأي مظلوم آخر وتشكيل مجلس قضاء أعلى مستقل من أعضاء يملكون الكفاءات المعتبرة في قول الحق والصدع به[16]

كما خرجت عدة كلمات من القادة العسكريين في تأييد الحراك والمظاهرات وتبني مطالبهم [17]

ثالثاً: تفاعلات الأزمة داخل تحرير الشام

قامت قيادة تحرير الشام بمجموعة من الخطوات لحل الأزمة المزدوجة على صعيد ترتيب البيت الداخلي وترتيب العلاقة بين المجتمع الأهلي والهيئة وتخفيف حضورها في الشمال لتجنب زيادة النقمة التركية ومن هذه الخطوات.

·       محاولة احتواء الأزمة

في منتصف شهر شباط فبراير 2024 اجتمع الجولاني مع العسكريين الذين تم اعتقالهم لدى الأمن العام لوقت طويل وأخبرهم بأنه لا يتحمل مسؤولية ما حصل لهم، وألقى بالمسؤولية على قائد الجناح العسكري أبو الحسن 600 بأنه لم يدافع عنهم وسلمهم للجهاز الأمني كما عرض على العسكريين التعويض المادي والمعنوي، وبعد هذا الاجتماع مع العسكريين قام الجولاني بعزل القائد العسكري العام أبو الحسن 600  باعتباره المسؤول عما جرى للقادة العسكريين وعيّن نفسه “العسكري العام ” لهيئة تحرير الشام، اعترض العسكريين الذين خرجوا من الاعتقال ورفضوا التغييرات في الجناح العسكري وهددوا بالانشقاق إذا لم يتراجع عن قرارته.[18]

·       إطلاق مبادرة لحل الأزمة

في يوم 1آذار /مارس أطلقت تحرير الشام مبادرة لاحتواء الأزمة الداخلية ضمن صفوفها المتعلقة بأزمة العسكريين مؤلفة من 7 نقاط:

  1. إطلاق سراح جميع من ثبتت براءتهم من العسكريين، بعد إظهار براءتهم بشكل واضح.
  2. توقيف المحققين الذين تولوا التحقيق في تلك القضية، وكذا من طلبت اللجنة القضائية توقيفه لاحقًا.
  3. تشكيل “لجنة قضائية” تنظر في حقوق الموقوفين المفرج عنهم، وفيما تعرضوا له، وتحاسب كل من يثبت تورطه وتجاوزه، وتحقق -عبر لجنةٍ تختارها- في أسباب الخلل والتجاوز في التحقيق، وتحاسب وفق ذلك.
  4. وقد شارفت اللجنة على الانتهاء من سماع الدعاوى، كما قامت بتشكيل اللجنة المعنية بالتحقيق في الأسباب، تحت إشرافها.
  5. عقد سلسلةٍ من اللقاءات والجلسات مع مختلف الجهات والشرائح؛ المدنية والعسكرية، لوضعهم في صورة آخر المستجدات، وسماع آرائهم ونصائحهم ووجهات نظرهم.
  6. في الجانب الأمني: تم عقد عدة جلسات على مستويين: – مستوى المعنيين في جهاز الأمن العام فيما بينهم. – مستوى قيادة المحرر مع المعنيين في جهاز الأمن العام، بهدف إجراء مراجعة شاملة للإجراءات الأمنية، بغية اتخاذ جملةٍ من الخطوات والإصلاحات التي تضمن عدم تكرار ما حدث من جهة، وتعمل على تحسين ظروف التوقيف والتحقيق والحكم ونحو ذلك.
  7. زيارة السجون الأمنية، للاطلاع على واقعها، وحال الموقوفين بالعموم.
  8. دراسة إصدار عفوٍ عامٍ، مع اقتراب حلول شهر رمضان.[19]

·       تشكيل اللجنة القضائية الخاصة

وافق الجولاني على مطالب العسكريين بتعيين شخصيتين عسكريتين ضمن لجنة التحقيق بداية ورفض العسكريون طلب الجولاني أن يكون الأمني العام أبو أحمد حدود عضواً داخل اللجنة كما اقترح الجولاني، ثم تم اقتراح إدخال إبراهيم شاشو مع اثنين من حكومة الإنقاذ باللجنة من قبل العسكريين لكن الجولاني رفض الأمر بحجة أنها أزمة داخلية.

اقترح الجولاني لجنة شرعية مؤلفة من أبو عزام الجزراوي رئيس اللجنة/ قاض في المفصل الأمني ومقرب من أبي أحمد حدود، أبو هيثم الديري / مقرب من مظهر الويس، أبو عبد الله طعوم/ مقرب من عبد الرحيم عطون رئيس المجلس الشرعي، مظهر الويس مشرف/ مقرب من الجولاني ولم يُسمح بدخول ممثل عن الجناح العسكري إلى اللجنة وتم اعتماد هذه اللجنة والموافقة عليها من كل الأطراف.

·       الاستقالة والهروب إلى الأمام

في يوم 5 آذار/مارس 2024 وبعد اشتداد الاحتجاج من الشارع والعسكريين قام الجولاني بعقد اجتماع لعناصر وقيادة الجناح الأمني وعناصر وقيادة الجناح العسكري مع بعض الوزراء وبعض الاقتصاديين وبعض الشرعيين وقدم استقالته وطلب من الحضور اختيار بديلٍ عنه لقيادة المرحلة لكن قام عدد من القيادات مثل أبو محجن الحسكاوي ومظهر الويس وأبو حسين الأردني وأبو الحسن 600 بمعارضة الطرح وطلبوا من الجولاني البقاء في القيادة بسبب عدم وجود البديل لكن الجولاني أصر على أن تكون عودته للقيادة مشروطة بوقف كل أجنحة الهيئة والحكومة معه وعلى هذا تم الاتفاق [20]

·       مباشرة اللجنة القضائية الخاصة مهامها للنظر في ملف تعذيب القادة العسكريين

في يوم 4 آذار /مارس 2024 باشرت اللجنة القضائية عملها باتخاذ عدة إجراءات أهمها: سماع الدعاوى المقدمة من المتضررين، اعتقال من ثبت عليه التعدي والتجاوز، كما شكلت لجنة تحقيق لمعرفة حجم الخلل وأسبابه، شكلت لجنة طبية لتقييم الحالات، شكلت لجنة مالية للنظر في حجم الخسائر المادية التي وقعت على المتضررين، وقد استكملت اللجنة القضائية السماع لدعاوى 155 شخصاً، لتنتقل إلى مرحلة تحرير الادعاءات وتحديد المسؤولين عن الضرر ودرجة مسؤولية كل شخص توجهت إليه الدعوى.[21]

ويبدو من الواضح أن اللجنة ذاهبة نحو حلول تصالحية ودفع تعويضات مادية للمتضررين بدون أي محاسبة فعلية للمسؤولين عن الأزمة.

قررت اللجنة القضائية يوم 8 آذار /مارس 2024 إخلاء سبيل القيادي في الهيئة أبي ماريا القحطاني ميسرة الجبوري [22]

·       إصدار حكومة الإنقاذ لقرار العفو العام ومجموعة من القرارات

أصدرت حكومة الإنقاذ العديد من القرارات والمراسيم، كان أهمها إصدار عفو عام خرج بموجبه 420 معتقلا أمس دفعة أولى ووعدت بإخراج المستفيدين من العفو تباعا في الأيام المقبلة، ممن انطبقت عليهم شروط مرسوم العفو كحسن السيرة والسلوك وعدم تعلق حقوق شخصية بذمة الموقوف.[23] لكن هناك الكثير من معتقلي الرأي لم يكونوا بين المفرج عنهم كما وعدت الهيئة.

كما اجتمع ممثل إدارة الشؤون السياسية “عبيدة الأرناؤوط” مع النقابات لتعديل دورها في الأزمة [24]

كذلك تم تفعيل مجلس الشورى العام وتقسيمه إلى 8 لجان موزعة على مدينة إدلب والمنطقة الوسطى والمنطقة الشمالية ومنطقة حارم ومنطقة سرمدا ومنطقة أريحا ومنطقة أطمة ومنطقة جسر الشغور من أجل إجراء لقاءات ميدانية مع المجتمع المحلي والوقوف على شكاويهم وطلباتهم ورفع تقارير فيها إلى مجلس الوزراء [25]

·       النشاط الإعلامي للهيئة خلال الأزمة

في يوم 7 آذار /مارس2024 أصدرت إدارة الشؤون السياسية للمناطق المحررة بياناً تحدثت فيه عن تأسيس هيئة الرقابة العلية لتلقي الشكاوى وإجراء الإصلاحات الضرورية. [26]

في يوم 12 آذار مارس عقد الجولاني لقاءً موسعاً مع الشرعيين والقادة العسكريين وشخصيات مستقلة عن الهيئة هدد خلال الاجتماع بمواجهة أي نشاط يقترب من الخطوط الحمراء ويحاول تخريب المكتسبات التي تحققت، وفي نفس اليوم أصدر حوالي 150 قيادياً عسكرياً على صلة بقضية العملاء في الهيئة بياناً تضمن القبول باللجنة القضائية وما يصدر عنها والحفاظ على تماس الهيئة ورفض استغلال قضيتهم لأهداف تخريبية.

كما نشط العديد من قادة أحرار الشام المتحالفين مع الهيئة أمثال عامر الشيخ وحسن صوفان والشرعي أيمن هارووش ومجموعة من الإعلاميين والناشطين المقربين من الهيئة لتسويق فكرة عدم استبدال قيادة الجولاني للمحرر بسبب عدم وجود البديل والمآلات الخطيرة لهذه الخطوة وركزت كلماتهم على المقارنة بين مناطق إدارة الهيئة ومناطق إدارة الجيش الوطني ومراعاة حالة الاشتباك مع النظام والحذر من الذهاب نحو الفوضى.

·       إخراج مقررات الإصلاح الناتجة عن حوارات تحرير الشام مع الشرائح الاجتماعية.

في يوم 13 آذار /مارس 2024 ذاع قائد تحرير الشام مخرجات اجتماع القوى الثورية والمؤسسات العامة وفعاليات المجتمع المدني في المناطق المحررة وهي:

  • تشكيل مجلس استشاري أعلى من أهل الشوكة والرأي والاختصاص للنظر في السياسات العامة والقرارات الاستراتيجية في المناطق المحررة.
  • إعادة تشكيل جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ السورية.
  • دعوة لانتخابات مجلس الشورى العام في المناطق المحررة وإعادة النظر في القانون الانتخابي وتوسيع التمثيل للأهالي والشرائح والفعاليات، وتعزيز الدور الرقابي لمؤسسة الشورى لتحقيق ضبط وكفاءة ونزاهة المؤسسات التنفيذية العاملة على الأرض.
  • تشكيل ديوان المظالم والمحاسبة.
  • تشكيل جهاز رقابي أعلى.
  • إعادة النظر في السياسات الاقتصادية، ومكافحة الفساد ومنع الاحتكار.
  • تفعيل دور المجالس المحلية والنقابات المهنية[27]

لكن هذه المقررات لقيت رفضاً واسعاً من شرائح كثيرة باعتبارها التفاف على مطالب المظاهرات التي تدعو لتنحي الجولاني وخرجت مظاهرات غاضبة على إثر البيان في كل من بلدة طعوم وتفتناز وزردنا في نفس اليوم.

رابعاً: مصالح الأطراف الفاعلة من تطورات أزمة الهيئة الداخلية والسيناريوهات المحتملة

1)    مصالح الفاعلين

·       تركيا:

من الواضح أن المؤشرات تدل على توجه تركي للحفاظ على استدامة الاستقرار في منطقة خفض التصعيد الرابعة “شمال غرب ” وعدم الانجرار للفوضى في منطقة حساسة على حدودها أما عن فرضية استفزاز تركيا من تواصلات تحرير الشام مع جهات خارجية بدون علم تركيا فهو لا يشكل هاجساً بالنسبة لتركيا في الوقت الحالي، ولا يمكن إغلاقه بتغيير شخص الجولاني أو تفكيك الهيئة في الوقت الحالي وكلفة إغلاقه أعلى من ضرره بالنسبة لتركيا لكن من الواضح أنه ثمة توجه تركي لإنهاء تمدد الهيئة في الشمال وإضعاف قبضة الهيئة على إدلب بعد أن ظهرت الهيئة بمظهر الفصيل المتمرد وغير المنضبط بالنسبة لتركيا من خلال المعارك التي شنتها الهيئة على بعض فصائل الشمال وبناء أذرع عسكرية تابعة لها في مناطق سيطرة الجيش الوطني .

·       الولايات المتحدة:

لا ترغب الولايات المتحدة في هذا الظرف بأي زعزعة للاستقرار في منطقة خفض التصعيد الرابعة بإدلب وهي تحرص ألا تؤثر الأحداث على بقاء دور تركيا الضامن في إدلب، وبالوقت نفسه لا ترغب الولايات المتحدة بعودة التنظيمات الأكثر تطرفاً للنشاط في إدلب مثل القاعدة وحراس الدين وداعش في حال ضعفت قبضة الهيئة الأمنية.

·       النظام:

يسعى النظام من خلال حملته الإعلامية إلى إقناع حاضنته المجتمعية أن الوضع في مناطق سيطرة المعارضة كارثة للغاية ولا يقارن أبداً بوضعهم، كما كثف النظام والميليشيات الإيرانية من الهجمات بالطائرات الانتحارية على المنطقة، لكن حتى الآن لا يوجد مؤشرات على عمل عسكري للنظام على إدلب

·       الجيش الوطني:

بالنسبة للجيش الوطني ليس من مصلحة الجيش الوطني أن تتسع المظاهرات أكثر من ذلك فهناك تخوف أن تمتد مثل هذه المظاهرات إلى الشمال السوري الذي يعاني فيه المجتمع المحلي من ممارسات الفصائل التي لا تقل عن ممارسات الهيئة، كما أن الكثير من الفصائل باتت مرتبطة بمصالح كبيرة مع تحرير الشام ، لكن يبدو أن الجيش الوطني يحبذ أن تنتهي الأزمة بإضعاف حضور وهيمنة تحرير الشام في الشمال وانكفائها على مناطق إدلب بعد الأزمة فهو يعزز من استقلالية الجيش الوطني ويسمح له بمعاملة تحرير الشام بندية ويمنعها من مشاركة الجيش الوطني بموارد الشمال .

2)     السيناريوهات المحتملة

في هذه السيناريوهات سنناقش تأثير الأزمة على مستقبل الجولاني في قيادته لتحرير الشام ومستقبل قيادة الهيئة للمناطق المحررة في منطقة شمال غرب سورية.

السيناريو الأول بقاء الجولاني قائداً لتحرير الشام وبقاء تحرير الشام تسيطر على إدارة منطقة شمال غرب.

لاتزال ديناميات تفاعل الأزمة داخل تحرير الشام ترجح بقاء الجولاني على رأس الهيئة رغم حالة السخط العامة لدى العناصر على القيادة، لكن رغم ذلك لا تمتلك قيادة الصف الثاني في الهيئة إمكانية الاجتماع على شخصية بديلة عن الجولاني حالياً ولا تمتلك القدرة على بناء جبهة معارضة للقيادة، فقد استطاع خلال معالجته للأزمة أن يبدي كفاءة عالية في الاحتواء عبر سياسة العصا والجزرة فقد وضع عناصر تحرير الشام أمام خطرين؛ خطر فقدان البديل وهو ما حرص الجولاني عليه طيلة الفترة السابقة من عدم السماح ببروز شخصية يمكن أن تشكل بديلاً عنه وهو ما يعني التفكك والضعف وخطر سيطرة الجيش الوطني والجبهة الوطنية على إدلب وبالتالي خسارة كل المكتسبات الاقتصادية لعناصر الهيئة والمتحالفين معها.

وفي حال حافظت الهيئة على تماسكها الداخلي ولم يحدث انقسام عمودي داخل الهيئة بحيث تنحاز قوة عسكرية من داخلها لتبني مطالب المظاهرات التي تنادي بإسقاط الجولاني عند ذلك ستتعزز أوراق القوة لديها لإبقاء السيطرة على قيادة إدلب واحتواء المجتمع المحلي عبر إصلاحات شكلية من خلال تعزيز المشاركة السياسية وتقديم بعض الإصلاحات الاقتصادية والحد من توغل جهاز الأمن العام وتخفيف الضرائب ويبدو أن هذا السيناريو هو السيناريو المرجح على المدى القريب لكن تفاعلات الأزمة الداخلية والأزمة الخارجية للهيئة المستمرة على المدى البعيد يمكن أن تدفعنا إلى ترجيح السيناريو الثاني.

السيناريو الثاني: تنحي الجولاني عن قيادة تحرير الشام وخروج الهيئة عن إدارة منطقة شمال غرب.

بالرغم من كل الإجراءات التي قام بها الجولاني لرأب الصدع الداخلي في الهيئة لكن المؤشرات على السخط العام لازال يتفاعل داخل الهيئة على شكل دعم الحراك الشعبي والمظاهرات من قبل بعض العسكريين وعدم الحديث العلني عن انتهاء المشكلة إضافة لخروج القحطاني من السجن بحكم براءة بدون أن يحضر ولا جلسة علنية مع الجولاني وهو الشخصية المتميزة بقدرتها على التواصل الخارجي والحشد والتأثير ضمن كتلة كبيرة داخل الهيئة وتحالفه مع “زكور” يرشحه ذلك للقيام بأعمال انتقامية من الجناح الأمني الذي تسبب له بالاعتقال والإهانة وهو ما يمكن أن يتسبب بحركة تمرد كبيرة داخل الهيئة تنهي قيادة أبي محمد الجولاني والذهاب إلى تشكيل الكتل المناطقية مع تشكيل مجلس قيادة وقائد عام لا يتمتع بنفس المركزية .

وهو ما قد يدفع بالهيئة إلى تقديم عربون مصالحة مع الحراك الشعبي الذي يطالب بتنحي الهيئة عن إدارة إدلب والذهاب إلى تعزيز صلاحيات حكومة الإنقاذ في الفترة الأولى ثم فتح المجال لدراسة تشكيل المجلس العسكري مع الجبهة الوطنية والجيش الوطني برعاية تركية ودمج الحكومة المؤقتة مع حكومة الإنقاذ وتوحيد شمال حلب مع إدلب في جسم إداري واحد.

خاتمة:

من الواضح أن ما يحصل داخل تحرير الشام هو نتيجة أسباب ذاتية تتعلق بطريقة الإدارة والبنية الداخلية المتمحورة حول شخص الجولاني إضافة للسياسات الأمنية تجاه المجتمع الأهلي وسياسة الجباية المفرطة وأسباب خارجية تتعلق بسياسات إقليمية ودولية تحاول الضغط لإجراء تحولات في سلوك الهيئة وبنيتها وإعادة دمجها.

أمام هذه الأزمة ذات الأبعاد الثلاثة التي تشهدها تحرير الشام يبدو أن مستقبل إدلب يكتنفه الغموض واستشرافه يعتمد على العديد من العوامل منها، التطورات المتسارعة واليومية داخل هيئة تحرير الشام والموقف الدولي والإقليمي حيث لاتزال الهيئة وإدلب بشكل خاص تحت نظر واهتمام المجتمع الدولي والموقف التركي الحاسم تجاه إبقاء الاستقرار وإضعاف دور تحرير الشام وعلى نية روسيا والنظام المباشرة بعمل عسكري على المنطقة وإمكانية أن تتوقف الهيئة عن التدخل في الشمال بطريقة مباشرة أو عبر الأذرع التي تبنيها .

أما بالنسبة للحراك الأهلي المعارض للهيئة فلازالت المظاهرات والاحتجاجات لا تعبر عن حالة رفض واسعة وهي محدودة الانتشار ومعدودة الأصوات وفيها بذور الانشقاق والاختلاف فهي خليط من كل الساخطين على الهيئة من بعض المنشقين عن الهيئة وبقايا من المتعاطفين مع حراس الدين ونساء من حزب التحرير وأهالي القادة الذين تعرضوا للاعتقال وبعض الناشطين المحليين الساخطين على بعض سياسات الهيئة وبالتالي لا يوجد قيادة رمزية للحراك حتى الآن ولا خطة واضحة ولا أهداف مكتوبة رغم مشاركة بعض المشايخ أصحاب الرمزية في المظاهرات، لكن بالرغم من ذلك فثمة تطور يومي للاحتجاجات من حيث اتساع مشاركة المجتمع الأهلي وبروز بعض القيادات للحراك وتقديم المبادرات للحل وعدم الانتظار لما ستقدمه الهيئة لكن سيبقى تطور الاحتجاجات مرتبط بالطريقة التي سينظم فيها الحراك نفسه وقدرته على التعبير عن مطالب الشريحة الأوسع من المحتجين واستطاع تقديم البديل المقنع عن الهيئة والمتعلق بسياسة الهيئة في احتواء أو استفزاز المجتمع المحلي والذهاب لسيناريو الاعتقال واستخدام العنف وافتعال الحوادث الأمنية لتبرير قمع المظاهرات .

مركز كاندل للدراسات

[1] – راجع دراسة لمركز كاندل للدراسات بعنوان ” هل ينذر الصراع بين أجنحة تحرير الشام بتفككها داخلياً؟ “

[2] – بيان حول التهم الموجهة للقحطاني على قناة رئيس المجلس الشرعي للهيئة

[3] – مصدر خاص لمركز كاندل

[4] – البيان على قناة رئيس المجلس الشرعي في الهيئة عبد الرحيم عطون

[5]قناة عطوان ، تلغرام

[6] نفس المصدر السابق

[7]قناة جهاز الأمن العام على التلغرام

[8] – كلمة الجولاني عن ملف العملاء لأول مرة تلفزيون سورية قناة اليوتيوب

[9] – صدر هذا الموقف من محمد أبو الصادق الشرعي العام السابق لاحرار الشام وعبد الرزق المهدي المنشق عن تحرير الشام وفي بيان جامع لأكثر من 25 طالب عالم من التيار الجهادي

[10] – دعوة نشطاء الثورة للتظاهر على قناة مبادرة الكرامة

[11]مظاهرات في مدينة إدلب ضد الأمن العام و الجولاني

[12] – قناة عبد الرزاق المهدي على التلغرام

[13]نص المبادرة كما جاءت على قناة حسام طرشة

[14]نص مبادرة إنقاذ الثورة

[15] – نص البيان على موقع قناة المجلس الإسلامي

[16] – راجع قناة السوري الحر

[17] – كلمة محمد زيتون أبو عدنان زبداني قائد تجمع دمشق على قناته

[18] – مصدر خاص لمركز كاندل .

[19] – نص المبادرة على قناة رئيس المجلس الشرعي للهيئة عبد الرحيم عطون

[20] – مصدر خاص لمركز كاندل

[21] – موقع بلدي  : إدلب.. “لجنة الهيئة القضائية” تصدر بيانها الأول بخصوص قضية العمالة

[22]قرار اللجنة القضائية ببراءة أبي ماريا القحطاني

[23] نص بيان العفو على قناة حكومة الإنقاذ

[24] كلمة ممثل إدارة الشؤون السياسية أبو عبيدة الأرناؤوط قناة حكومة الإنقاذ

[25] – البيان على قناة مجلس الشورى العام

[26] – البيان على قناة حكومة الإنقاذ

[27] – راجع قناة إدلب بوست الخاصة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى