تقدير موقف
5أيلول/سبتمبر 2023
مقدمة
اعتقلت قوات سورية الديمقراطية “قسد” يوم 28آب/أغسطس 2023 قائد المجلس العسكري في دير الزور أحمد الخبيل المعروف “أبو خولة ” ولم يكن لاعتقاله أي ردة لدى عشيرة العكيدات حتى تلتها قسد بعملية دهم واقتحام لمقرات المجلس العسكري والدخول إلى البلدات والبيوت مما أدى إلى تطور الأحداث وتوسع دائرة الاشتباكات العنيفة شمال دير الزور حيث هاجمت العشائر نقاطاً لقسد وسط اشتباكات عنيفة بين الطرفين، اعتُقلت مجموعة من عناصر قسد من أحد الحواجز في بلدة العزب ووقع اشتباكات وهجوم على مناطق ميليشيات قسد في بلدة الحصين شمال دير الزور مع انتشار لعناصر مجلس دير الزور العسكري في مدينة البصيرة وبريهة شرق دير الزور في الشوارع وقطع للطرقات التي تشير إلى غضب واحتقان لدى المكون العشائري العربي ضد إدارة قسد للمنطقة ولا تزال الاشتباكات المسلحة بين العشائر وقوات سورية الديمقراطية تتطور حتى الآن، كما تحاول الولايات المتحدة الدخول في وساطة بين العشائر وقيادة قوات سورية الديمقراطية للحفاظ على الأمن والاستقرار والتخوف من تسلل النظام وإيران إلى المنطقة .
في هذا التقرير سنتعرف على الأسباب الكامنة وراء انفجار الوضع في دير الزور ومصالح الفاعليين المحليين والإقليمين والسيناريوهات المحتملة للمواجهات
أولاً أسباب الانتفاضة
هناك أسباب بعيدة لانتفاضة عشائر دير الزور ضد قسد تتعلق بتاريخ تأسيس مجلس دير الزور العسكري وانضمامه لقوات سورية الديمقراطية حيث لم يكن انضمام هذه العشائر لقسد عن رضًى وطواعية، و إنما رفضاً لداعش والنظام السوري وضغط التحالف الدولي على العشائر العربية لتكون جزءاً من قسد . [1]
وهناك أسباب متراكمة وكامنة تسببت بانتفاضة العشائر العربية ضد قسد:
- تكرر اعتقال أبناء العشائر العربية بتهمة الدواعش، وخضوعهم للابتزاز والإذلال على يد الجهاز الأمني لقسد.
- تفرد قسد بالسيطرة على الثروات النفطية في منطقة دير الزور وهي حقل العمر النفطي وحقل التنف وحقل كونيكو للغاز والتصرف بواردات النفط بعيداً عن الشفافية ونهب قيادة قسد لثروات شرق الفرات وتمويل قيادة قنديل منها، بالمقابل لا يصل إلا الفتات لأبناء المنطقة الذين يعانون من الفقر والتهميش.
- فرض المنهاج التعليمي لقسد على المدارس العربية وفصل المعلمين الذين لا يلتزمون بالمنهاج الذي يستهدف محو الهوية العربية.
- الاتفاقات الأمنية السرية بين قسد والميليشيات الإيرانية والنظام السوري والاجتماعات الأمنية الدورية التي لا يتم إطلاع المكون العربي على فحواها.
- يضاف لها عمليات الاغتيال التي نفذتها قسد ضد رموز العشائر العربية والشيخ مطشر الهفل عام 2020 وتوجيه الاتهام باغتياله إلى قسد إضافة لقيام قسد بتصفية أغلب قادة الجيش الحر في المنطقة بحجة الارتباط بداعش.
- وحملات التجنيد القسري لأبناء العشائر في قوات قسد والسوق إلى الجندية الإجبارية للخدمة خارج مناطق العشائر العربية والدفع بأبناء القبائل إلى الواجهة في كل حروب قسد مع داعش أو مع الجيش الوطني لحصر الخسائر البشرية ضمن المكون العربي.
- غياب عدالة التمثيل حيث يشكل الكرد القسديون حولي ٣٠ % من قسد ويتحكمون ب ٧٠ % من العشائر العربية الذين لا يمثلون بشكل عادل في المفاصل الأمنية والاقتصادية والعسكرية بوزنهم الحقيقي .
- تسليط الفاسدين من قادة المجلس العسكري على المكون العشائري في المنطقة، ومنع أي تواصل مباشر بين القبائل العربية والتحالف الدولي لعرض شكاوي القبائل والاستماع لمطالبهم إضافة لإنتاج سياسة القمع ضد أي احتجاج يخرج من المكون العربي.
ثانياُ مصالح الفاعلين
تتباين مصالح الفاعلين المحليين والدوليين تجاه الأحداث الأخيرة بين العشائر العربية وقسد وهنا نذكر جملة من هذه المصالح
1) الولايات المتحدة
لم تكن الولايات المتحدة وراء تفجر الأوضاع في دير الزور، ولم تتضح مصالح الولايات المتحدة بشكل كاف خصوصاً مع سياسة الغموض التي تنتهجها الولايات المتحدة ومسك العصا من الوسط والاكتفاء بإصدار البيانات الداعية للتهدئة وضبط إيقاع المواجهات لكيلا تخرج عن السيطرة، لكن لا شك أن الولايات المتحدة لن تسمح بفوضى أمنية في المنطقة تعيد ظهور تنظيم داعش كما أنها ستستغل ما حدث لإعادة هندسة المشهد وتقليص نفوذ قسد لكن دون أن تتخلى عنها وذلك لعدة أسباب منها فشل قسد بتمثيل كل المكونات الكردية، وعدم التقدم بالحوار الكردي الكردي مع المجلس الوطني الكردي منذ سنوات والغضب العربي من تسلط قسد على المكون العربي في المنطقة وتنسيق قسد الأمني مع روسيا وإيران كما يوجد تفاهمات تركية أمريكية لتحجيم قسد وإعادة توزيع النفط في منطقة الجزيرة لتمويل مشاريع التعافي المبكر في جميع أنحاء سورية بما في ذلك مناطق الشمال ومناطق سيطرة النظام، بالنهاية لا ترغب الولايات المتحدة بأي سيناريو يفضي إلى نزع أوراق تأثيرها على الملف السوري والتأثير فيها خصوصاً السيطرة على ثروات الجزيرة السورية .[2]
2) قوات سورية الديمقراطية “قسد”
هناك العديد من المصالح لقيادة قوات سورية الديمقراطية المرتبطة بقيادة قنديل لتنظيم PKK في هذه المواجهات مع المكون العشائري:
- أن تبقى قيادة قسد الكردية هي بوابة التواصل والعلاقة مع التحالف الدولي وعدم السماح بإدارة عربية مستقلة في منطقة الجزيرة خارج سيطرة قسد.
- التحكم بالثروات الباطنية في منطقة دير الزور خصوصاً حقل عمر النفطي وحقل التنف وحقل الغاز ومحطة كونيكو.
- أن تكون قسد هي المخول الشرعي في تعيين وعزل أعضاء المجلس العسكري لدير الزور ضمن التراتبية العسكرية ورفض تعيين المجلس من قبل المكون العشائري.
- كما تتخوف قسد من أي استغلال للحدث من قبل النظام أو العشائر المحسوبة على الجيش الوطني لتمدد إلى مناطق سيطرتها. [3]
3) العشائر العربية
لم تحمل تحركات العشائر العربية أي مدلول سياسي يتجاوز مناطق تواجدها وكان هذا واضحاً في بيانات العشائر التي أكدت على مطالب في الإدارة الذاتية لمناطقهم بعيداً عن قسد وبالتنسيق مع التحالف الدولي، وحق تشكيل وتعيين مجلس العشائر العسكري المستقل عن قسد ورفض وجود إيران وداعش والنظام السوري في مناطقهم وتشكيل مجلس من أعيان العشائر للتمثيل السياسي ومنع تسلط الفاسدين على أبناء القبائل من أمثال المجلس العسكري السابق الذي جاء تعيينه من قسد[4]
4) تركيا
لا يبدو أن تركيا ستتدخل في هذا الصراع بشكل مباشر لعدة أسباب:
- البعد الجغرافي وعدم وجود حدود وتماس مباشر بين العشائر العربية في دير الزور وتركيا
- الخوف من استفزاز روسيا وأن يؤثر التدخل المباشر على التفاهمات الروسية التركية في شرق الفرات
لكن من المرجح أن تستغل تركيا حراك العشائر للضغط على الولايات المتحدة التي ترعى مشروع قسد وإظهار قسد بأنها لا تمثل المكونات القومية في منطقة الجزيرة السورية وبالتالي لا بد من العمل على تقليص نفوذ قسد في المناطق ذات الأغلبية العربية كما ستفتح تركيا ملف النفط السوري وضرورة أن يوزع النفط بطريقة عادلة على جميع مناطق النفوذ في سورية لدعم التعافي المبكر وعدم إبقائه بيد قسد التي تمول تنظيم PKK عدو تركيا التقليدي منه، ومع ذلك فإن تركيا لم تمنع المكون العشائري في شمال وشمال غرب سورية من مناصرة أبناء عمومتهم في دير الزور من خلال القيام ببعض العمليات ضد مواقع قسد على جبهات منبج وتل رفعت ومنطقة نبع السلام [5]
5) النظام السوري
يتحرك النظام السوري ومعه حلفاؤه روسيا وإيران على عدد من الاتجاهات:
الاتجاه الأول هو منع العشائر العربية في شمال سورية والمرتبطة بالنفوذ التركي من التقدم على خطوط منبج تل رفعت وتل أبيض ورأس العين لمنع أي تغيير في المعادلة لصالح تركيا أو القوى المرتبطة بها في هذا الصراع وذلك من خلال القتال المباشر لجنود النظام مع قوات قسد على هذه الجبهات وتدخل الطيران الروسي
الاتجاه الثاني يحاول النظام اختراق الحراك العشائري في شمال نهر الفرات من خلال القوى العشائرية المرتبطة بروسيا وإيران في جنوب نهر الفرات وتحويل الحراك من حراك لأجل حقوق محلية وتصحيح العلاقة بين قسد والمكون العشائري في منطقة الجزيرة إلى حركة مقاومة للاحتلال الأمريكي والمشروع الانفصالي من أجل الوصول إلى النفط والغاز في هذه المنطقة لحل الأزمة الاقتصادية لدى النظام وإظهار أن المكون المحلي في هذه المنطقة هو مكون موال للنظام.
6) الجيش الوطني
تحاول المكونات العشائرية العاملة ضمن الجيش الوطني أن تتحرك بالضغط على الجبهات في منبج ورأس العين لتخفيف الضغط عن العشائر العربية في دير الزور التي تتعرض لحملة عسكرية من قسد، وتهدف إلى إيجاد عمق لها في الجزيرة السورية، لكنها تواجه تحديات تتعلق بالقصف الجوي الروسي لمنع تقدمها وامتناع تركيا عن تقديم الدعم لها ومعاناتها من نقص الذخائر وطول طرق الإمداد [6]
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة لهذا الحراك
هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة للنزاع الحاصل بين العشائر العربية وقسد في شرق الفرات
السيناريو الأول: عودة قسد للسيطرة على مناطق العشائر العربية:
تعاني العشائر العربية من نقص في الذخيرة والإمداد كما أنها تقع في جيب محاصر من النظام وقسد وتنظيم داعش وإمكانية وصول إمداد من مناطق سيطرة الجيش الوطني مستبعدة للغاية وهناك العديد من القبائل التي لم تحسم موقفها للوقوف بجانب عشائر دير الزور والتي تقع في منطقة سيطرة قسد في الجزيرة العليا مثل عشيرة طي وشمر وجبور، إضافة للموقف الموارب للتحالف والولايات المتحدة وحشد قسد لقوة كبيرة ضد العشائر، لكن يبقى لهذا السيناريو أثاره الكارثية في حال هزيمة العشائر وقيام قسد بأعمال انتقامية تزيد من الشرخ الاجتماعي وتدفع العشائر لحرب عصابات ضد قسد .
السيناريو الثاني: استقلال إداري جزئي للمكون العشائري
ربما لا تحصل العشائر العربية في دير الزور على إدارة ذاتية مستقلة عن قسد تماماً كما تطالب، لكن ربما يدفع الحراك بالولايات المتحدة إلى إعطاء بعض الاستقلالية لعشائر دير الزور مثل تعيين المجلس العسكري والاستقلال بالتعليم وجعل الخدمة العسكرية لأبناء المنطقة في نفس منطقتهم لكن على أن يبقى ذلك ضمن التبعية العامة لقوات سورية الديمقراطية مع استبعاد بعض الشخصيات الإشكالية مثل إبراهيم الهفل والاعتماد على شخصيات مقربة من التحالف مثل أبو جبر الشعيطي أو أبو الحارث الشعيطي وذلك خشية تمدد النظام السوري أو عودة نشاط داعش إلى المنطقة وهو السيناريو الأقرب للتحقق في ظل الظروف والمعطيات وقراءة موقف التحالف وانحيازه لقسد.
السيناريو الثالث: انزياح سيطرة قسد لصالح تغلغل النظام وإيران.
في حال تأخرت حلول التحالف الدولي واستمرت قسد بهجمتها العسكرية على المناطق العربية في دير الزور مع ميل الميزان العسكري لصالح قسد من حيث العدد والعتاد والتدريب فمن الممكن أن تدخل العشائر العربية في جنوب نهر الفرات على الخط وتقبل عشائر شمال الفرات بالمساعدة منها لمواجهة ضغط قسد وقبول الإمداد بالذخائر ودخول عناصر منها لمساندتها واستغلال النظام لذلك من أجل تعزيز مواقعه شمال النهر.
الخاتمة والنتائج
بالرغم من أن حراك العشائر بإمكانياتها البسيطة ضد قسد أظهر مدى الضعف والهشاشة لإدارة قسد وانعدام مشروعيتها في تمثيل المكون العربي، لكن من الواضح أن ميزان القوة يميل لصالح قسد ولا تمتلك العشائر العربية أي طريق إمداد مع الشمال السوري لتعديل ميزان القوة وكل السيناريوهات مرتبطة بموقف التحالف الدولي والولايات المتحدة التي لا تزال متمسكة ببقاء كل الجزيرة السورية بإدارة قسد وعدم السماح بولادة كيانات مستقلة ربما تشكل ثغرة لدخول النظام إلى المنطقة.
وعليه فمن الأفضل للعشائر العربية أن تستجيب للمبادرات السياسية والوساطات التي يقوم بها التحالف الدولي لتحقيق الحد الأدنى من مطالبها وتخفيف قبضة قسد على المنطقة كهدف مرحلي يمكن تحقيقه في ظل الظروف المعقدة التي تعيشها المنطقة وتعدد الفاعليين المحليين وانقسام القرار العشائري وغياب أي حليف إقليمي أو دولي حقيقي يمكن أن يشكل رافعة للمكون العربي.
إن من شأن الموافقة على مبادرات التحالف والوساطة للحل، أن يجنب المنطقة هجمات قسد على العشائر العربية مما يدفع العشائر الموالية للنظام وإيران في غرب النهر أن تتمدد إلى شمال دير الزور وتسيطر على حقل عمر وحقل التنف مما يتسبب بكسب استراتيحي ومجاني للنظام في حال قرر التحالف التخلي عن المنطقة بذريعة المخاوف الأمنية على جنوده.
[2] – راجع تلفزيون سورية : الرابط راجع موقع فرنسا 24 الرابط
[4] – راجع موقع عربي بوست: الرابط
[5] – راجع موقع روسيا اليوم : الرابط
[6] – تصريح قائد حركة التحرير والبناء العقيد حسين الحمادي : الرابط