تحركات قطرية ترسم ملامح اليوم التالي للحرب على غزة
تقرير تحليلي
تمهيد
نـشـرت شـبـكـة NOMISMA الإخبارية اليونانية وكذلك موقع LIBERAL في 24 مايو2024 أن رئيس جمهورية قـبـرص الـيونانية نيكوس خريستودوليديس سيـعـقـد اجتماعا مع أمير قطر في إطار زيارته الرسمية لقبرص في 28 مايو2024 حيث سيبحث معه العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية
القضايا المطروحة على جدول الزيارة
- مبادرة “أمالثيا” لنقل المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين بالنظر إلى العلاقات بين الدوحة وحماس.
- القضية القبرصية باعتبار العلاقات القوية بين قبرص اليونانية وقطر.
- بالإضافة إلى القضايا المتعلقة بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وقطر.
سياقات الزيارة الإقليمية
تأتي هذه الزيارة بعد إعلان الإدارة الأمريكية في 8 مارس 2024 أنها ستقيم ميناءً مؤقتاً أمام ساحل غـزة لتُنقل إليه المساعدات الإنسانية لسكان غـزة بعد أن وصلت أزمة المعابر البرية سواء الصهيونية أو المصرية في رفـح إلى طريق مسدود وقد ارتبط إنشاء هذا الميناء المؤقت بنشوء دور لـقـبرص اليونانية التي اعتبرت محطة إمداد وتموين للميناء الأمريكي ومنه لـــغزة وهي العملية التي أطلق عليها القبارصة مُسمى مبادرة “أمالثيا” أو”initiative Amalthia ” وهي المبادرة التي قدمها الرئيس القبرصي اليوناني نيكوس كريستودوليديس في القمة الإنسانية الدولية للسكان المدنيين بغزة التي عقدت في 24 مارس 2024
المراحل الخمس التي تتكون منها مبادرة أمالثيا وهي:
- نقل وجمع المساعدات الإنسانية في لارنكا.
- مساعدات التفتيش والتسجيل والتخزين.
- التحميل الآمن على السفن والطائرات في لارنكا.
- الطريق عبر ممر بحري آمن أو جوًا بسفن ترافقها سفن حربية تابعة للبلدان المشاركة في عملية تقديم المساعدات.
- تفريغ واستلام وتوزيع على السكان المدنيين في قطاع غزة، تحت إشراف الأمم المتحدة.
تمويل المشروع
أعلن الرئيس القبرصي اليوناني نيكوس خريستودوليديس في 26 مايو 2024 عقب اجتماع لمجلس الوزراء القبرصي عن إنشاء صندوق لمشروع “أمالثيا” بهدف جمع الدعم المالي اللازم لاستمرار مهمة المساعدات الإنسانية إلى غزة عن طريق البحر، وقد حصلت المبادرة على تعهدات بقيمة 80 مليون يورو
هل تطمح قطر للعلب دور وساطة في القضية القبرصية أم للبحث عن دور في غزة:
على الرغم من أن قطر وقعت في5 أبريل 2017 اتفاقاً للشراكة بين شركة Mobil الأمريكية وQatar Petroleum القطرية مع حكومة القبارصة اليونانيين بموجبه حصلتا على امتياز الاستكشاف للغاز واستغلاله بالقطاع البحري رقم 10، إلا أن الحيز المُتاح للوسطاء المُحتملين في القضية القبرصية لا يكفي لممارسة مثل هذا الدور بعد سلسلة طويلة من محطات التفاوض بشأن هذه القضية والتي وصلت الآن لنقطة يمكن القول إنها حاسمة، علماً أن رئيس جمهورية شمال قبرص التركية إرسين تتار صرح في 5 أبريل 2024 بعد عودته من نيويورك للقاء الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بدعوة منه قوله : ” إنه من غير الواقعي بدء عملية التفاوض دون تأكيد الوضع الوطني المتساوي في قبرص وأنه ينبغي رفع الحظر المفروض على بلاده وأنه يجب الآن أن تتغير قواعد اللعبة في قبرص وأنه ليس من الواقعي بالنسبة لنا أن نبدأ عملية التفاوض مرة أخرى قبل تأكيد المساواة في السيادة والوضع الوطني المتساوي”، فقضية قبرص شديدة التعقيد بالإضافة إلى أن لا الأمريكيين معنيين بالدخول إلى مفاوضات جديدة الآن ولا الأتراك واثقين من قدرات قطر على النهوض بعبء مفاوضات كهذه بالإضافة إلى نقطة مهمة وهي أن مفاوضات طالبان في قطر كان طرفاها الحقيقيان هما الولايات المتحدة الأمريكية وطالبان
بناء على ما تقدم فالمـرجـح تـمـامـاً أن يكون الدور القبرصي اليوناني في الأزمة الإنسانية في غـزة والمؤسـس على مبادرة “أمالثيا” initiative Amalthia لنقل المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في غـزة هو الموضوع المحوري والهدف الرئيسي من زيارة أمــيـر قــطــر
هل المشروع يستهدف الدور المصري من خلال إيجاد بديل عن معبر رفح؟
إن مـــعبر رفح كان بمثابة الرئة الوحيدة التي تتنفس من خلالها غـــزة وتبقي على مظاهـر الـحيـاة وعمل جيش الاحتلال الصهيوني على استئصالها بغلقها بعد تعرضها لإطلاق النار عليه وفي محيط المعبر وأكمل جيش الاحتلال مخططه بما يتجاوز إغلاق هذا المعبر باحتلال القوات الصهيونية مــحــور فيلادلفيا (محور صلاح الدين) وهو شريط حدودي ضيق داخل أراضي قطاع غزة يمتد بطول 14 كم من حدود قطاع غزة مـع مصر ووفقاً لأحكام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في 26مارس 1979 وكذلك “اتفاقية أوسلو 2” لعام 1995 فبناء عليهما وافقت إسرائيل على الإبقاء على المحور بطول الحدود كشريط آمنٍ إلى أن احتلته القوات الصهيونية ففصلت مـصر برياً وجــغرافياً عن غـزة ومن غير المُتيقن منه إن كان هذا الاحتلال سيحيله الكيان الصهيوني إلى موضوع تفاوضي أم سيجلو عن المحـور بمجرد الاتفاق على وقف نهائي للحرب في غـزة لكني أحـــتمل أن الكيان الصهيوني يستهدف خفض قوة تأثير علاقة أكبر بلد عــربي في القضية الفلسطينية ككل وفي غـــزة على نحو خاص خاصة وأن الكيان الصهيوني لم يعثر على أي رد فعل مصري جاد على اعتداءاته ليس عن غـزة فحسب بل على الأراضي المصرية في مـعبر رفح ومحور فيلادلفيا.
إسرائيل تخرق اتفاقية كامب ديفيد بدون أي رد مصري:
صحيح أن استيلاء إسرائيل على معبر رفح الحدودي مع مصر أثار الغضب لكنه الــغـضــب فقط ولم يجدِ تحذير الحكومة المصرية (وكان الأنسب على الأقل الإعلان عن تعليق العمل بهذه الاتفاقية) من أن إسرائيل تعرض للخطر اتفاقيات كامب ديفيد والتي أدت إلى تطبيع العلاقات بين البلدين وعلى الرغم من اللهجة المتزايدة الانتقاد للحرب الإسرائيلية على غزة فقد نسقت السلطات المصرية بشكل وثيق مع إسرائيل في القرارات المتعلقة بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح والسماح للفلسطينيين بالخروج من غزة كذلك في لقائه بنظيره اليوناني جورج جيرابيتريتيس وزير الخارجية سامح شكري في 20 مايو2024 جدد التأكيد على رفض ( بدون إجراء عملي جاد) مصر المطلق لسيطرة إسرائيل على معبر رفح الأمر الذي يمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة مشددًا على ضرورة تحمل إسرائيل مسؤولياتها باعتبارها القوة المحتلة .
هل يمكن أن تكون السلطة الفلسطينية بديلاً عن حماس في إدارة معبر رفح؟
نشر موقع ســوا الإخباري في 25 مايو2024 نقلاً عن قناة القاهرة الإخبارية في 24 مايو2024 أن مصدراً مصرياً رفيع المستوي قال إن مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الأزمة الإنسانية الكارثية الطاحنة في قطاع غـزة وأضاف أن معبر رفح هو معبر مصري / فلسطيني ومصر ستعيد إدخال المساعدات من خلال آلية يتم الاتفاق عليها بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية (تعلم مصر أن هذه السلطة الفلسطينية تعمل خفيراً لدى جهاز الأمن الصهيوني ولا حول لها ولا قوة) وأن مصر ستظل تتصدى لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو لـعـزل قــطاع غـزة عن الـعالم وأوضح أن مصر والولايات المتحدة تتفقان علي إدخال المساعدات مشيراً إلى أن مصر تحرص على التخفيف من وطأة نقص المساعدات من خلال إدخالها عبر معبر كرم أبو ســـالـم ولحـين عودة مـعـبر رفـح للعــمـل بشكل طبيعي وهذا يعني أن ضرورات العدوان الصهيوني على غـزة مُـقدمة على الضرورات الإنسانية لشعب غـزة
السيناريو الأسوأ: هو فصل الحدود المصرية عن غزة وإغلاق معبر رفح
فيما يتعلق بأمن الدول القومي يجب الأخذ بأسوأ السناريوهات والسيناريو السيئ في حالتنا هذه أن يقوم الكيان الصهيوني بفصل غـزة جــغرافياً عن مصر حتى يحكم عزلتها في الاتفاق التفاوضي بشأن سيناريو اليوم التالي لحرب غـزة وجماع القول أن الكـــيان الـصهيوني لم يتحرك لاحتلال محور فيلادلفيا وإنما لتضمين هذا الاحتلال لترتيبات الوضع العام لـغزة في مستقبل الأيام أي في سيناريو اليوم التالي لحرب غزة تماما كما فعل الأمريكيون بالاتفاق مع الصهاينة على إقامة ما يُسمى بالميناء المؤقت لـغزة مع أن فتح الممرات البرية متاح للولايات المتحدة لكنها لم تفعل لغرض في نفس يعقوب، وبناء على ذلك فستكون قبرص وفقاً لأسوأ السيناريوهات هي البديل الأنسب طويل المدى لرفح التي ستتحول لآخر نقطة حدود مـصـرية بدون مـنـفـذ مع رفــح الفـلسطـيـنيـة، وقـــطـــر ربـــمــا تـتـحـسب لذلك وهذا ما دعا أمـير قطر للتوجه صوب قـبـرص لـترتيب أوراق المـستقـبل فيما يتعلق بتمويل غـزة ومـرحـلة إعـادة إعــمــار غـزة فلن يتجاوز دور قبرص ذلك .
مرجحات هذا السيناريو:
أُعـلن في 7 أبريل2024 أن قبرص تفتتح مركز تدريب أمني للشرق الأوسط يُدعي بـمركز قبرص لأمن الأراضي والبحار المفتوحة والموانئ (CYCLOPS) وذلك بتمويل أمريكي وقالت الحكومة القبرصية إنه تم اختيارها لأن الجزيرة تقع في الطرف الجنوبي الشرقي للاتحاد الأوروبي وتتمتع بعلاقات جيدة مع دول الشرق الأوسط بما في ذلك مصر والأردن ولبنان وإسرائيل وحضرت المسؤولة الكبيرة في وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند الحفل الذي أقيم في منشأة التدريب ذات التقنية العالية التي تعزز علاقات قبرص المزدهرة مع الولايات المتحدة وقال وزير الخارجية القبرصي يوانيس كاسوليديس خلال حفل الافتتاح “إن هذه المنشأة المتطورة التي افتتحناها رسميا اليوم هي تاج تعاوننا الأمني “وشكر الولايات المتحدة على مشاركتها التي لا تقدر بثمن في إنشاء المنشأة , وتسمح CYCLOPS للولايات المتحدة بتقديم المساعدة الفنية المتعلقة بالأمن والسلامة بما في ذلك مراقبة الجمارك والصادرات وأمن الموانئ والأمن البحري والأمن السيبراني ويوفر المرفق الجديد منصات تدريب بما في ذلك معبر حدودي بري وهمي ومنطقة فحص الركاب ومختبر تدريب متنقل على الأمن السيبراني .
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تـعد قــبرص لدور يتناسب مع تداعيات حــرب غــزة ويـخدم الأغراض الدفاعية / الهجومية الوقائية لمرحـلة ما بـعد حـرب غـزة.
الخلاصة
إن زيارة أمـير قــطــر لـقـبرص الـيونانــية في إطــارهـا الأعــم لا تـقـتـصـر فقط على مبادرة “أمالثيا” أو”initiative Amalthia فهـو إطـار ذو عـــلاقة بترتيبات تتخذ حـالــيــاً لـمرحلة اليوم التالي لحرب غـزة ويُــشــار في هـذا الـصـدد إلى أن هـذه الـعلاقة وتلك الــتـرتــيــبـات تـجري في فـلك الـعلاقــات الأمـريكـية القطـرية حيث للولايات المتحدة خــبرات ســابقة في الاعتماد على قـــطــر في أزمـات دولية من أهمها الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كما أن لــقطـر خبرة سابقة في التعامل مع الكيان الصهيوني .
من الثابت أن للكيان الصهيوني إزاء رام الله وغزة أهداف مرحلية يريد تحقيقها فمن أهدافه مثلاً في غزة حرص الكيان على تجنب تحويلها لجزء ميت مُلقىً بجانب الأراضي الفلسطينية السليبة أي أراضي الكيان الصهيوني لأن ذلك أمر ضار للأمن الصهيوني بإبقاء غزة ” كياناً ضعيفاً” ومن ثم فإن الكيان الصهيوني لا يُمانع بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بل يُشجعه للوفاء باحتياجات غزة الحياتية عند مستوى يحدده لتحقيق هذا الهدف المرحلي.