الصراع التركي الإسرائيلي في ضوء رؤية نتنياهو.. هل يصبح النظام السوري أداة إسرائيلية؟
المقدمة:
في 22 سبتمبر 2024، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خطابًا في الأمم المتحدة أطلق فيه رؤيته لتشكيل “شرق أوسط جديد”.[1] استعرض نتنياهو خريطتين تُقسمان المنطقة إلى دولتين متناقضتين: الأولى تضم دولًا وصفها بأنها “لعنة” على إسرائيل، وهي الدول المرتبطة بمحور المقاومة بقيادة إيران (إيران، سورية، العراق، لبنان، اليمن)، والثانية تضم دولًا تعتبر “نعمة” لإسرائيل، وهي الدول المطبعة مع إسرائيل أو القريبة من إقامة علاقات علنية معها، وعلى رأسها السعودية ومصر.
ما لبثت الأحداث أن تسارعت في المنطقة، حيث اغتالت إسرائيل الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في 27 سبتمبر 2024، ما أدى إلى تصعيد كبير في المنطقة، وبالنظر إلى أن البرلمان التركي عقد جلسة مغلقة في 8 أكتوبر 2024 لبحث تهديدات إسرائيل، تظهر ملامح بداية صراع استراتيجي تركي-إسرائيلي جديد على الساحة الإقليمية، النظام السوري هو أداته الرئيسية، تهدف هذه الورقة إلى تحليل هذه التطورات واستعراض الدور المتوقع للنظام السوري في إطار هذه الرؤية الإسرائيلية لشكل الشرق الأوسط في المستقبل، بالإضافة إلى تفسير أسباب القلق التركي والإعلان عن حالة التأهب السياسي لمواجهة التحركات الإسرائيلية.
أولاً: رؤية نتنياهو للشرق الأوسط الجديد:
لا يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تاب توبة نصوحة من عقيدة بن غوريون السياسية التي تستند على نظرية “المركز والمحيط” والتي تقوم على اعتماد إسرائيل في حماية أمنها على بناء شبكة من التحالفات الإقليمية لمواجهة الأخطار التي تهددها وهنا يمكن الحديث عن ثابت ومتحول في النظرية، الثابت هو أن شعوب بلاد الشام ومصر والعراق هي شعوب معادية والمتحول هو استبدال الحلفاء بالمتخادمين مع إسرائيل وهنا يمكن أن يكون المتخادمين هم أنظمة تحكم شعوب هذه الدول مثل نظام الأسد وحتى نفهم هذه الفرضية علينا التفريق بين مصالح النظام السوري كنظام طائفي وظيفي وبين مصالح الشعب السوري المختلفة تماماً مع مصالح النظام وهنا يصبح دور النظام تبديد مصالح الشعب السوري لصالح حكومة نتنياهو مقابل بقائه في السلطة وهنا نحن أمام تطبيق محدث لنظرية بن غوريون مع اختلاف في اعتماد المتخادمين وبقاء أصل الاستراتيجية وهنا تأتي رؤية نتنياهو التي تعتمد على تقسيم المنطقة إلى “أعداء” و”أصدقاء”؛ حيث يرى أن الدول المطبعة أو القريبة من التطبيع مع إسرائيل يمكن أن تشكل ركيزة لإقامة شرق أوسط مستقر يخدم المصالح الإسرائيلية، بالمقابل فإن دول “محور الشر” وعلى رأسها إيران وسورية، تشكل التهديد الأكبر لأمن إسرائيل وتحتاج إلى تحييد أو إضعاف عبر ضربات عسكرية أو تحالفات إقليمية.
لكن مع تحول النظام السوري من محور المقاومة إلى محور التطبيع يدخل حسب رؤية نتنياهو ضمن أصدقاء إسرائيل خصوصاً أن بوادر تحول النظام بدأت منذ بداية حرب 7 أكتوبر 2023 بين إسرائيل وحماس واتخاذه لسياسة النأي بالنفس، بل ذهب النظام إلى حد تقديم التعاون الأمني مع إسرائيل لاستهداف المراكز الإيرانية في سورية. [2]
ثانيًا: موقع النظام السوري في خطة نتنياهو:
- التحالف العلوي مع إسرائيل:
في ظل رؤية نتنياهو لتشكيل الشرق الأوسط الجديد، يبرز النظام السوري كأداة مهمة في خدمة الأجندة الإسرائيلية لتحقيق الاستقرار الأمني للكيان، فالنظام يعتمد على الطائفة العلوية في حكمه كشوكة وعصبة للحكم، ومن خلال الموقع الجغرافي لسورية يمكنه أن يلعب دورًا محوريًا عبر “تحالف الأقليات”، الذي يضم العلويين والشيعة وتنظيم قسد والتحالف الماروني – الشيعي في لبنان حيث تهدف إسرائيل من خلال هذا التحالف – الذي تقاومه القوى الوطنية ضمن هذه الطوائف – أن يلعب دوراً مفصلياً في منع انبعاث قوة العرب السنة في سورية والعراق وقيام كيان وطني قوي يمكنه تعصيب بلاد الشام والعراق وهنا تنتظر إسرائيل من النظام السوري العديد من الأدوار التي يمكنه القيام بها.
- أدوار النظام السوري المحتملة:
- تشكيل حاجز يمنع اتصال إيران وحزب الله:
في السنوات الأخيرة، أدى التدخل الإيراني في سورية إلى توسيع نفوذ حزب الله اللبناني وزيادة التوتر مع إسرائيل، من المتوقع أن يسعى النظام السوري، تحت ضغط إسرائيلي ودولي، إلى قطع خطوط الإمداد بين إيران وحزب الله لتقليص نفوذ الحزب ومنع إعادة ترميم قدراته العسكرية وتشكيل نطاق أمني يبعد إيران عن المحيط الحيوي لإسرائيل.
- السيطرة على لبنان:
بعد اغتيال نصر الله، ومع ضعف الدولة اللبنانية وخطر انزلاق لبنان إلى الحرب الأهلية قد يعود النظام السوري بموافقة إسرائيلية إلى الساحة اللبنانية عبر أدواته الأمنية والسياسية، محاولًا فرض سيطرة جزئية على المشهد اللبناني بما يخدم مصالح إسرائيل، خاصة في المناطق الحدودية.
- استثمار الورقة العلوية والكردية ضد تركيا :
رغم أن حرب المشاغلة التي تحظى باهتمام مراكز الدراسات هي بين إسرائيل وإيران لكن حقيقة الأمر أن الهدف الرئيسي لإسرائيل هو تقويض القوة التركية المتطورة تكنولوجياً والتي تحظى بموقع جيواستراتيجي في غاية الأهمية وهي القوة المرشحة لتكون القوة الأكبر في الشرق الأوسط وهو العقدة التي تخشى منها إسرائيل وهنا يأتي دور النظام التخادمي مع إسرائيل على تحريك النزاعات الطائفية والقومية داخل تركيا عبر دعم النظام السوري في استغلال الورقة العلوية في جنوب غرب تركيا، بالإضافة إلى دعم القوى الكردية التي تسعى للانفصال في جنوب شرق تركيا وبذلك، يمكن أن يصبح النظام السوري ورقة ضغط فعالة على تركيا، مما يضعف قدرتها على التصدي لأي تدخل إسرائيلي في المنطقة وهو ما يفسر الرفض المتكرر من رأس النظام السوري لدعوات اللقاء المتكررة مع الرئيس التركي وانتظار النظام لعقد بازار سياسي أكثر فائدة مع إسرائيل التي تمتلك بحسب ظن النظام القدرة والنفوذ لرفع العقوبات عنه وإعادة تأهيله السياسي كنوع من المكافأة على موقفه من حرب غزة حتى ولو لم يكن هناك تطبيع للعلاقات بين النظام وإسرائيل، فما يهم إسرائيل هو الدور الوظيفي للنظام وليس تطبيع العلاقات ويبدو أن هذه المخاطر هي ما دفعت بتركيا لقرع نواقيس الخطر والاستنفار بعد بدء عملية الاجتياح البرية الإسرائيلية للبنان.
- منع عودة اللاجئين السوريين السنة:
يعتبر اللاجئون السنة من أكبر التهديدات للنظام السوري وإسرائيل التي ترى في العرب السنة امتداد ديمغرافي للشعب الفلسطيني وهي تريد قطع الشعب الفلسطيني عن محيطه الحيوي لتصفية القضية الفلسطينية، لذا يمكن أن يلعب النظام دورًا في منع عودتهم إلى سورية، مما يساهم في تغيير التركيبة السكانية لتحويل سورية إلى دولة أقليات موالية للنظام.
- إقصاء الأغلبية السنية والقوى الوطنية عن دوائر التأثير والقرار في سورية
يمكن أن يسعى النظام، بدعم إسرائيلي، إلى منع الأغلبية السنية من استعادة أي دور سياسي في سورية، وبذلك يُبقي النظام ضعيفًا فاقداً للشرعية يسهل ابتزازه والضغط عليه ويجعله أكثر مطاوعة في تنفيذ الأدوار الوظيفية لقاء بقائه في السلطة ويمنع بروز أي تهديد سياسي أو عسكري من قبل الأغلبية السنية.
- عرقلة مشاريع الاتصال الاقتصادي بين تركيا والخليج:
أحد الأدوار التي يمكن أن يلعبها النظام السوري ضمن الأجندة الإسرائيلية عرقلة المبادرات الاقتصادية التي تربط تركيا بدول الخليج، مما يزيد من عزلة تركيا إقليميًا وضمان إبقاء الفرصة أمام المشاريع الاقتصادية التي تعزز من أهمية إسرائيل كعقدة اقتصادية بين أوروبا والشرق الأوسط كما يظهر ذلك في مشروع طريق الهندو – إبراهيمي.
- النظام السوري كضامن أمني لإسرائيل: يمكن للنظام السوري أن يصبح جزءًا من شبكة أمنية إقليمية تحمي حدود إسرائيل، حيث يتعهد بضمان عدم وجود أي تهديد مباشر من الأراضي السورية لإسرائيل.
ثالثًا: مخاوف تركيا وتحركها العسكري:
الجلسة المغلقة في البرلمان التركي:
في يوم 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2024 عقد البرلمان التركي جلسة مغلقة لمناقشة التهديدات التي تواجه تركيا جراء التحركات الإسرائيلية الأخيرة والتوتر المتصاعد في الشرق الأوسط، قدم خلالها وزيرا الخارجية والدفاع إحاطة للبرلمان بشأن الهجمات الإسرائيلية والتطورات في الشرق الأوسط وتدابير أنقرة إزاء ذلك..
وجاءت هذه الجلسة في ظل تصاعد التحركات الإسرائيلية العسكرية في لبنان ويبدو أن تركيا باتت متوجسة من تمدد النفوذ الإسرائيلي إلى حدودها عبر النظام السوري وهو ما يمثل تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي. وتشير التقارير إلى أن تركيا تخشى من تحريك إسرائيل للورقتين العلوية والكردية لزعزعة استقرارها الداخلي، مما يهدد وحدتها الوطنية.[3]
أسباب قلق تركيا:
- الورقة العلوية: في ظل تواجد أقلية علوية كبيرة في الجنوب التركي مترابطة مع الكتلة العلوية في سورية، قد تحاول إسرائيل استخدام النظام السوري لإشعال نزاعات طائفية تؤدي إلى تفكيك النسيج الاجتماعي في المنطقة.
- الورقة الكردية: تتخوف تركيا من استمرار دعم النظام السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) والقوى الكردية الانفصالية الأخرى من أجل إثارة نزاعات انفصالية داخل تركيا.
- التهديد الاقتصادي: إذا تمكن النظام السوري من عرقلة المبادرات الاقتصادية بين تركيا ودول الخليج، فقد يؤدي ذلك إلى أضرار اقتصادية كبيرة لتركيا، مما يفاقم الأزمات الداخلية.
- ورقة اللاجئين: حيث تخشى تركيا من أن تصاعد العنف في المنطقة سيؤدي إلى تعرض تركيا لموجة جديدة من اللاجئين ربما تؤدي إلى أزمة سياسية في الداخل التركي.
الخاتمة:
في ظل ممانعة الولايات المتحدة لإنهاء دور منظومات ما دون الدولة والتأكيد على ضرورة إبرام تفاهمات مع إيران واحتواء الأزمات في الشرق الأوسط بدون السعي لحلها تتضح رؤية نتنياهو لتشكيل “الشرق الأوسط الجديد” من خلال تقسيم المنطقة إلى “أعداء” و”أصدقاء”، حيث يسعى لتحقيق مصالح إسرائيل عبر تحالفات إقليمية وتحييد القوى التي يعتبرها تهديدًا، مثل إيران وسورية، ضمن هذه الرؤية، يلعب النظام السوري دورًا وظيفيًا مهمًا في خدمة الرؤية الإسرائيلية، سواء عبر منع التواصل بين إيران وحزب الله أو بضمان استمرار تحالف الأقليات لضمان عدم بروز أي كيان وطني عربي قوي في سورية والعراق، كذلك يمكن للنظام السوري أن يشكل تهديدًا لتركيا باستخدام الورقتين العلوية والكردية لإثارة النزاعات الداخلية، مما يفسر قلق تركيا وإعلانها حالة التأهب السياسي.
حالياً تركيا تدرك حجم المخاطر القادمة من تمدد النفوذ الإسرائيلي عبر النظام السوري بعد انكفاء الدور الإيراني وتشعر بأن استقرارها الداخلي ووحدتها الوطنية مهددان، لذلك تأتي تحركاتها العسكرية كاستجابة استباقية لمحاولات إشعال نزاعات طائفية وقومية داخل حدودها، وعرقلة المبادرات الاقتصادية مع دول الخليج.
في المجمل، يُظهر هذا السيناريو كيف تسعى إسرائيل لإعادة رسم خارطة التحالفات والعداوات في المنطقة، حيث يعتمد بقاء النظام السوري في السلطة على القيام بأدوار وظيفية تخدم مصالح إسرائيل، وتعرقل تطلعات القوى الإقليمية الأخرى كتركيا، ما يساهم في تحقيق أهداف نتنياهو لإنشاء “شرق أوسط جديد”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1] . موقع الاستقلال: ما هو “الشرق الأوسط الجديد” الذي يريد نتنياهو فرضه عبر الحروب؟ نشر 4/10/2024 .
[2] . الجزيرة: “عقيدة المحيط” الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟ نشر 26/4/ 2024.
[3] . التلفزيون العربي: هل تضرب إسرائيل تركيا؟.. جلسة سرية للبرلمان التركي لمناقشة التهديد . نشر 9/10/2024.