اقتصاد

تكليف الجلالي بتشكيل حكومة النظام السوري.. قراءة في السيناريوهات المحتملة

محمد غزال 

تقدير موقف – مركز كاندل للدراسات

  • مقدمة:

وفقا لوكالة سانا للأنباء، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد بتاريخ 14/09/2024 مرسوما بتكليف الدكتور محمد غازي الجلالي بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، التي ستخلف الحكومة السابقة التي تولت مهام تصريف الأعمال منذ الانتخابات البرلمانية التي جرت في يوليو الماضي، يُعتبر الجلالي، الذي وُلد في دمشق عام 1969، شخصية بارزة في النظام رغم شهرتها المتواضعة، حيث شغل عدة مناصب مثل وزير الاتصالات والتقانة، وله دور أكاديمي كأستاذ ورئيس الجامعة السورية الخاصة.

في ظل التوجه للخصخصة وتعميق التعاون الاقتصادي مع الجانب الإيراني، ينظر إلى تعيين الدكتور محمد غازي الجلالي رئيسا للحكومة السورية كإشارة واضحة على استمرار النظام في تجاهل مطالب الإصلاح والتغيير الجوهري، الجلالي، الذي شغل مناصب مهمة في الحكومة السابقة وكان له دور بارز في قطاع الاتصالات، ويُعتبر جزءاً من النخبة الاقتصادية التي ارتبطت بالفشل في معالجة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالبلاد.

الاعتماد على شخصية مثل الجلالي، ذات خلفية قوية في النظام وعلاقات وثيقة بالدوائر الحاكمة، يعزز من الشعور بأن التعيين ما هو إلا تجميل سياسي غير مجدٍ، يهدف إلى الحفاظ على الوضع القائم دون تقديم حلول حقيقية للمشكلات الاقتصادية المتفاقمة، بدلا من إحداث تغيير حقيقي، يبدو أن النظام يستمر في استخدام نفس الوجوه التي ارتبطت بالفشل والفساد، وهو ما يعكس عدم استعداد النظام للاستجابة لمطالب الشعب بالتغيير.

كما أن تعيين الجلالي يعكس أيضا استمرار النظام في استغلال علاقاته الإقليمية لتعزيز موقفه، من خلال تعزيز التعاون مع إيران والدول الداعمة له، بينما يظل الشعب السوري يواجه معاناة متزايدة بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

  • حكومة حسين عرنوس المنتهية ولايتها

بعد أكثر من شهرين من فوز بشار الأسد بولاية رئاسية جديدة عام 2021، أصدر مرسوما بتشكيل حكومة جديدة برئاسة حسين عرنوس، ورغم أن الحكومة الجديدة تضم 29 وزيرا، فقد حافَظَ الأسد على غالبية التشكيلة السابقة مع إدخال تعديلات محدودة على خمس وزارات فقط.

عقب توليها، وفي جلسة لمناقشة البيان الحكومي في سبتمبر 2021، برر عرنوس ضعف الأداء بـ “الظروف الموضوعية الخارجة عن إرادة الدولة”، وهي حجة تستخدم بشكل متكرر لتبرير الفشل في تحقيق الإصلاحات الضرورية.

يبدو أن التغيير الحكومي وقتها ليس سوى تجميل للواقع السياسي، واستمرارية نفس السياسات التي فشلت في معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية متعمدة على الدعم الحكومي وتقليص الإنفاق الاستثماري وغياب الرقابة والشفافية، وفي يوليو 2023 أظهرت صور نشرتها مواقع محلية موالية لنظام الأسد أن أعضاء ما يسمى بـ “مجلس الشعب” التابع للنظام قد وقعوا على طلب لاستجواب حكومة عرنوس تمهيدا لحجب الثقة عنها، مما يعكس حالة الاستياء وعدم الثقة التي تواجهها الحكومة.

في السنوات القليلة الماضية، تحمّلت الحكومة مثل سابقاتها، مسؤولية التدهور الاقتصادي، دون أن يتمكن أي من التعديلات أو الإقالات السابقة من إحداث تغيير حقيقي، فعلى الرغم من إقالة رئيس الوزراء قبل السابق عماد خميس وعدد من الوزراء، لم يطرأ أي تحسن ملموس على الوضع الاقتصادي، بل تواصل تراجع سعر صرف الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، مما زاد من معاناة المواطنين.

وبعد انتخابات “مجلس الشعب” في يوليو الماضي، أصبحت حكومة حسين عرنوس حكومة تصريف أعمال بحكم المستقيلة.

  • ما وراء تعيين محمد غازي الجلالي:

تعيين الدكتور محمد غازي الجلالي رئيسا للحكومة السورية والموضوع ضمن قائمة العقوبات الأوربية منذ عام 2014 لمسؤوليته عن القمع العنيف الذي مارسه النظام ضد السكان المدنيين، يحمل دلالات تتجاوز مجرد التغيير في المناصب، يعكس هذا التعيين استراتيجية سياسية واقتصادية تتداخل فيها علاقات الجلالي مع أبرز الأسماء والجهات المرتبطة بالنظام السوري داخليا وخارجيا، في سياق سياسي يعزز استمرارية النظام بدلا من معالجة الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري في ظل ارتفاع معدلات الفقر إلى أكثر من 70% وبطالة تتجاوز 37%، بالإضافة إلى بطالة مقنعة تصل إلى 85%.

  1. التعيين السياسي:

    سبق أن أعلن ما يسمى “مجلس الشعب” السوري، في 22 من أغسطس الماضي، فوز حمودة الصباغ بالتزكية رئيسا لـ”مجلس الشعب” بدوره التشريعي الرابع، وذلك بأمر من القيادة المركزية لحزب “البعث” الحاكم، يأتي تعيين محمد غازي الجلالي بعد اجتماع بين بشار الأسد وقيادة حزب البعث أيضا، مما يبرز أن النظام ما زال يعتمد على شخصيات من دائرته الضيقة لضمان استمراره في السلطة، هذا الاختيار يعكس تجاهل النظام لمطالب الشعب السوري بالتغيير السياسي الحقيقي، ويعزز سيطرة النظام على مؤسسات الدولة دون تغيير جوهري في السياسة.

  2. علاقة وثيقة برامي مخلوف:

    الجلالي، المولود في دمشق عام 1969، تخرج من كلية الهندسة المدنية بجامعة دمشق عام 1992، حيث زامل رامي مخلوف، أحد أبرز الشخصيات المرتبطة بالنظام، هذه الزمالة ساعدت الجلالي في الارتقاء إلى منصب عضو مجلس إدارة شركة سيريتل، المملوكة لمخلوف، حتى عام 2020، ما يعكس عمق علاقاته بالنظام، وثقة النظام به كواجهة اقتصادية في قطاع الاتصالات رغم تخصصه بالهندسة المدنية.

  3. أدواره الحكومية السابقة:

    شغل الجلالي منصب معاون وزير الاتصالات ومدير المؤسسة العامة للبريد من 2008 إلى 2014، ومن ثم وزيرا للاتصالات بين 2014 و2016، خلال هذه الفترة، كانت هناك صفقات فساد كبيرة في قطاع الاتصالات، بما في ذلك بيع شركات الخليوي بثمن بخس، مما يدل على دوره في تسهيل عمليات الفساد.

  4. رئاسته للجامعة السورية الخاصة:

    منذ سبتمبر 2023، يتولى الجلالي منصب رئيس الجامعة السورية الخاصة، حيث يرتبط مع إيهاب مخلوف أحد أعضاء مجلس الأمناء في الجامعة، وهذا المنصب يعزز من دوره كواجهة للنظام في المجال الأكاديمي.

  5. التعاون الاقتصادي مع الإمارات:

    في ديسمبر 2018، زارت شركة داماك العقارية الإماراتية دمشق، حيث عقدت اجتماعا مع شركة الديار الدمشقية بعد شهرين فقط من تأسيسها، التي يمتلكها الجلالي مع شريكه أحمد كوكش رئيس فرع نقابة المهندسين بدمشق، وكذلك مع مجموعة تلسا المتخصصة بالاتصالات والتكنولوجيا التي يديرها ماهر برهان الدين إمام وطرف تجاري إيراني في فندق الفورسيزونز بدمشق، هذا اللقاء يعكس محاولة لكسر الحصار الدولي عن النظام السوري من خلال شراكات اقتصادية.

  6. التوافق الإيراني-الإماراتي:

    يُعتبر الجلالي جزءاً من التوافق الإيراني-الإماراتي، الذي يسعى إلى تحقيق مصالح استراتيجية في المنطقة، يعزز هذا التوافق من قدرة النظام السوري على إعادة تعويم نفسه دوليا، حيث يلعب الجلالي دورا مهما في تنفيذ هذه الاستراتيجية خصوصا مع توجه إيران للقيام بمشاريع مهمة وحيوية في سوريا منها مشروع يتعلق بالباصات التي تعمل على الكهرباء، وآخر لمعالجة النفايات الصلبة، ومشروع مترو أنفاق تحت مدينة دمشق.

  • السيناريوهات المحتملة الناتجة عن تعيين الجلالي رئيسا للوزراء

  • السيناريو الأول: التوجه نحو الخصخصة

من المتوقع أن يقود الجلالي عمليات الخصخصة التي يروج لها النظام، والتي ستستفيد منها النخبة الحاكمة، هذه الخطوة ستتيح للنظام استغلال القطاعات المهمة على حساب الشعب، مما يزيد من ثروات النظام بينما يتحمل المواطنون تبعات الأوضاع الاقتصادية المتدهورة وارتفاع معدلات التضخم وتدني نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، إن الخصخصة في هذا السياق تعتبر وسيلة لتعزيز قبضة الأسد ومقربيه على الاقتصاد، وتعميق معاناة المواطنين، واستمرار في المأساة الاقتصادية.

  • السيناريو الثاني: تعزيز علاقات النظام الاقتصادية مع حلفائه الدوليين وخاصة إيران

يتميز الجلالي بتخصصه في النزاعات وإدارة التفاوض، وهو ما سيعزز علاقات النظام مع حلفائه الدوليين خاصة إيران والإمارات، سيعمل الجلالي على إدارة الديون وعقد اتفاقيات دولية تصب في مصلحة النظام، دون أن تكون لها فوائد ملموسة للشعب السوري، هذه الاتفاقيات تهدف إلى تأمين الدعم الخارجي وتعزيز السيطرة الاقتصادية والسياسية للنظام.

  • السيناريو الثالث: التسويق للتعافي الاقتصادي للنظام السوري

من خلال علاقته وتخصصه في إدارة التفاوض والنزاعات، يُتوقع أن يتخذ النظام السوري عبر الجلالي خطوات ملموسة لتحسين سمعته الخارجية عبر الترويج لمبادرات تعافي اقتصادي، ومن المحتمل أن يشمل ذلك إطلاق مشاريع كبيرة لتحسين البنية التحتية وإصلاحات اقتصادية تهدف إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز العلاقات التجارية مع الدول الداعمة، ستُركز هذه المبادرات على تقديم صورة إيجابية عن النظام، مما يهدف إلى تحسين العلاقات الدولية وتعزيز موقفه في المحافل العالمية، رغم ذلك، قد تظل هذه الإجراءات قاصرة عن تحقيق تغيير حقيقي في الوضع الاقتصادي الداخلي، حيث تبقى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية قائمة.

  • الخاتمة

تعيين الجلالي يعكس استمرارية النهج الحالي للنظام السوري الذي يركز على تعزيز سلطته بدلاً من معالجة الأزمات الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية، إذا كان النظام يسعى إلى تحسين الاقتصاد، فإن هذه المحاولات لا تتعدى كونها مضيعة للوقت ما لم يتم تحقيق تغيير سياسي حقيقي وإصلاحات جذرية، استمرار النظام في هذا الاتجاه يشير إلى أن أي جهود لتحسين الوضع الاقتصادي ستكون غير مجدية دون إصلاحات حقيقية، وإن التعافي الاقتصادي لا يمكن تحقيقه دون التعافي السياسي المتمثل بتغيير شامل لنظام الحكم الأسدي في سوريا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى