هل يكون تصنيف الهيئة سبباً لتعثر الانتقال السياسي أم يسهم الانتقال السياسي في رفع تصنيفها؟
مقدمة
وفق قـرار مجلس الأمن رقم [1] 2254 تعد هيئة تحرير الشام منظمة إرهابية، وهو القرار الذي اعتمده المجلس بالإجماع عام 2015، ودعا فيه جميع الدول إلى منع وقمع الأعمال الإرهابية وخاصة المرتكبة من عدة جماعات منها هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة، وقد كانت “هيئة تحرير الشام” تُعرف سابقًا باسم “جبهة النصرة”، التي كانت الجناح الرسمي لتنظيم “القاعدة” في سورية حتى قطع العلاقات مع التنظيم في عام 2016، منذ مايو 2014، أُدرجت الهيئة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيم “القاعدة” و”داعش”، مما أدى إلى فرض تجميد عالمي للأصول وحظر على الأسلحة.
وكانت الحكومة الأمريكية، في عام 2013، وضعت أحمد الشرع بقائمة الأشخاص المطلوبين دوليا، وخصصت مكافأة تقدر بـ 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عنه أو يساهم بالقبض عليه، وفقا للأمر التنفيذي رقم 13224، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية الصادر في 16 مايو 2013.[2]
لكن مع إسقاط إدارة العلميات العسكرية لنظام الأسد يوم 8 ديسمبر 2024 وملاحظة التغيرات الإيجابية لتحرير الشام التي تقود الإدارة الجديدة بدأ يطرح على لسان بعض المسؤولين الغربيين والدوليين ضرورة التواصل مع أحمد الشرع ودراسة إمكانية رفع تحرير الشام عن قوائم الإرهاب.
في هذا التقرير سنتحدث عن الإجراءات القانونية والشروط السياسية لرفع التصنيف عن تحرير الشام وعن الآثار والانعكاسات السياسية في حال بقيت تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع على قوائم الإرهاب وتأثيرها على عملية الانتقال السياسي
أولاً: الإجراءات القانونية رفع عقوبات الأمم المتحدة عن تحرير الشام
هناك سوابق كثيرة لرفع تصنيف بعض التنظيمات المصنفة على قوائم الإرهاب بما فيها تلك التي كانت تتبع لتنظيم القاعدة مثل ” مجلس شورى المجاهدين ” في القدس [3] يمكن لأي دولة عضو في الأمم المتحدة تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيم “داعش” و”القاعدة” التابعة لمجلس الأمن الدولي، الذي يتكون من 15 دولة.
إجراءات رفع العقوبات:
- تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي “داعش” و”القاعدة” التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.
- الإجماع من قبل اللجنة الدولية المتخصصة في وضع الجماعات والأفراد على قوائم الإرهاب وذلك إذا جاء الطلب من دولة لم تكن هي من اقترحت فرض العقوبات في البداية، فإن اللجنة ستتخذ قرارها بالإجماع.
- طلب من الدولة المقترحة للعقوبات: إذا كانت الدولة التي اقترحت فرض العقوبات هي التي تقدمت بطلب الشطب من القائمة، فيتم إزالة الاسم بعد 60 يوماً، ما لم يتفق أعضاء اللجنة بالإجماع على إبقاء التدابير المفروضة.
- عدم التوصل إلى إجماع: في حالة عدم التوصل إلى إجماع، يمكن لأحد الأعضاء طلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.
- العقوبات على جبهة النصرة: حتى الآن، لم تتضح الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة النصرة وأبو محمد الجولاني.
- طلب من الخاضعين للعقوبات: يمكن أيضاً للشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يقدم طلباً لإزالة التدابير من خلال التواصل مع أمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009 لمراجعة هذه الطلبات.
- توصيات أمين عام المظالم: إذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجًا، أما إذا أوصى بإزالة الاسم، فإن العقوبات سترفع بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، إلا إذا اتفقت اللجنة بالإجماع على اتخاذ إجراء أسرع أو إحالة الأمر للمجلس للتصويت.[4]
ثانياً: مواقف الدول من تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع بعد إسقاط النظام السوري
مع وصول إدارة العمليات العسكرية بقيادة “هيئة تحرير الشام” إلى دمشق وسقوط نظام الأسد، بدأت المواقف تتغير في العواصم الغربية.
حيث أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه “سنبقى يقظين”، في إشارة إلى أن “بعض جماعات التمرد لديها سجل في الإرهاب”، وأضاف: “نتابع تصريحات القادة السوريين الجدد، وهي تبدو جيدة حتى الآن، ونراقب أفعالهم أيضاً”.
وفي سياق مماثل، أكد مسؤولان من فرنسا وألمانيا أن معاملة “هيئة تحرير الشام” للأقليات في سوريا ستحدد موقف بلديهما منها.
من جهة أخرى، كشف وزير شؤون مجلس الوزراء البريطاني، بات مكفادن، أن المملكة المتحدة قد تدرس رفع الحظر عن الجماعة، وفي تصريحات لشبكة “بي بي سي”، قال: “أعتقد أنه يجب أن يكون قرارا سريعاً نسبياً، وبالتالي يجب بحثه بسرعة كبيرة بالنظر إلى سرعة الوضع على الأرض”.
وفي هذا الصدد، قال لاري كورب، مساعد وزير الدفاع الأمريكي الأسبق وكبير الباحثين في مركز التقدم الأمريكي، لموقع الحرة إن الولايات المتحدة قد تضطر للتعامل مع الجولاني من أجل تحقيق أهدافها الأمنية.[5]
ووصل وفد تركي-قطري إلى دمشق يضم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن ورئيس جهاز أمن الدولة القطري خلفان الكعبي برفقة فريق استشاري موسّع” إلى دمشق للقاء مع أحمد الشرع يوم 12 /ديسمبر 2024. [6]
كما زار المبعوث الدولي إلى سوري بيدرسون دمشق يوم 16/ديسمبر 2024 والتقى مع قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع وتباحث معه إمكانية تطبيق القرار 2245 لتحقيق الانتقال السياسي في سورية.
رغم ذلك فإن كل هذه الزيارات لا تخرج عن التعامل وفق المقاربة الأمنية مع تحرير الشام وكل هذه التصريحات لا تخرج عن كونها نوع من الاشتراطات السياسية على الهيئة لأجل النظر في قضية التصنيف وبيان ما يجب على الهيئة فعله لرفع التصنيف.
ثالثاً: الشروط الأمريكية والأوروبية والأممية لرفع هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب
تشترط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة العديد من الشروط السياسية والأمنية والإنسانية للنظر في رفع تحرير الشام عن قوائم الإرهاب وهي بشكل أساسي.
- ضمان مصير الأسلحة الكيميائية وتأمين المخزون الحالي، وضمان تدمير الأسلحة الكيميائية بشكل كامل.
- التعاون ضد التنظيمات الإرهابية والالتزام بمكافحة الإرهاب مع تقديم ضمانات واضحة للمواجهة الفعالة مع التنظيمات الإرهابية والتعهد بعدم الانضمام لتنظيمات متطرفة والابتعاد عن التعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية أو فروعه.
- تأسيس حكومة مسؤولة والالتزام بعملية انتقال سياسي شامل بقيادة سورية، وتأسيس حكومة تمثل جميع فئات الشعب السوري، احترام حقوق الأقليات.
- طمأنة الجوار الإقليمي وتقديم ضمانات إقليمية للدول المجاورة (تركيا، الأردن، إسرائيل) بشأن الاستقرار في المنطقة.
- التعاون في القضايا الإنسانية كالتعاون في حماية النازحين وتقديم المساعدات الإنسانية.
هذه الشروط تمثل النقاط الأساسية التي يجب على هيئة تحرير الشام الالتزام بها لتحقيق رفع اسمها من قوائم الإرهاب من قبل الولايات المتحدة.[7] – [8]
الخاتمة والنتائج
لا يقتصر سبب رفع التصنيف عن تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع على المسوغ القانوني وتحقيق الشروط القانونية من القطيعة مع التنظيمات الإرهابية والامتناع عن أي نشاط عسكري خارج الحدود وتفكيك تنظيم تحرير الشام -كما أعرب عن ذلك أحمد الشرع- بدون تقديم أثمان سياسية مطلوبة من أحمد الشرع تقديمها للولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة لرفعه عن التصنيف ويبدو أن هذا الثمن السياسي يتعلق بقيادة عملية سياسية تشاركية مع كافة المكونات السياسية وتطبيق حد معين من القرار 2254 رغم انعدام أحد أركان العملية السياسية وهو النظام السوري كما جاء واضحاً في بيان العقبة [9]
ومن الواضح أن الاشتراطات التي يشترطها المجتمع الدولي على تحرير الشام وقائدها أحمد الشرع ستضع أحمد الشرع بين ضغط مزدوج من قواعده الطامحة لتطبيق الشريعة بعد هذا الانتصار الساحق على نظام الأسد ومن المجتمع الدولي الذي يضغط لأجل الذهاب إلى عملية سياسية تشاركية تنتهي بدولة مدنية ديمقراطية وهو ما سيضع تحرير الشام في تحديات صعبة للغاية.
إن إصرار تحرير الشام على قيادة عملية انتقال سياسية غير تشاركية وبشكل متفرد سيكون سبباً لاستبقاء العقوبات المفروضة على سورية من حقبة نظام الأسد مثل قانون قيصر وسيبقى التصنيف الدولي لها على قوائم الإرهاب وهو ما يعني أن التعامل الدولي مع أحمد الشرع والهيئة سيبقى تعاملاً أمنياً والتعامل مع الملف السوري من منطلق ضرورات أمنية وتقديم المساعدات الإنسانية بدون أي تقدم في الملف السياسي وهو ما يعني عدم استعادة مقاعد سورية في المنظمات الدولية والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وعدم تدفق أموال المستثمرين على سورية ولن يكون هناك شروع بعملية إعادة الإعمار وأكثر ما يمكن هو المضي بمشروع التعافي المبكر الذي يشمل إصلاح البنية التحتية بدون تحريك دورة الاقتصاد والاستثمار وهو ما يعني أن الملف السوري خارجياً سيكون أصعب مما قبل سقوط النظام حيث ستستمر العقوبات التي فرضت على النظام وتبعات التصنيف للهيئة لكن في المقال سيكون الوضع الداخلي أفضل تبعاً لسياسات الانفتاح الاقتصادي التي تتبعها حكومة الإنقاذ من خلال تحرير الاقتصاد من قبضة الدولة.
لكن لا شك أنه ثمة دول تسعى لرفع التصنيف عن تحرير الشام والعقوبات عن أحمد الشرع لكن هذا الأمر لن يمضي بدون مقابل وتنازلات مطلوب تقديمها من تحرير الشام وهذا الأمر متعلق بمدى قدرتها ورغبتها في تقديم مثل هذه التنازلات.
ــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1] . القرار ٢٢٥٤ (٢٠١٥) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته ٧٥٨٨، المعقودة في 18 كانون الأول/ديسمبر 2015.
[2] . مكتب التحقيقات الفيدرالية ( FBI) مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن زعيم جبهة النصرة نشر 10/5/ 2017.
[3] . U.S. DEPARTMENT of STATE : المنظمات الإرهابية الأجنبية التي تم رفعها من القائمة .
[4] . الشرق الأوسط : هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ نشر 13/12/2024 .
[5] . الحرة: الجولاني و“هيئة تحرير الشام”.. هل يمكن إزالتهما من “لائحة الإرهاب” الأميركية؟ نشر 9/12/2024.
[6] . (CNN) عربي : أول زيارة رفيعة المستوى منذ سقوط الأسد.. وفد تركي-قطري يصل إلى دمشق نشر 12/12/2024 .
[7] . FINANCIAL TIMES : يقول مبعوث الأمم المتحدة إن وصف حكام سوريا الجدد ب”الإرهابيين” سوف يحتاج إلى إعادة النظر.
[8] . the Guardain : الأمم المتحدة قد تحذف هيئة تحرير الشام من قائمة الإرهاب إذا توفرت الشروط . نشر 10/12/2024.
[9] . جريدة الغدر : البيان الختامي لاجتماع العقبة العربي بشأن سوريا.. احترام إرادة الشعب و إدانة التوغل الإسرائيلي . نشر 14/12/2024.