تحليلات

هل الضغط الإسرائيلي على النظام السوري لفك ارتباطه مع إيران أم مع المحور الإيراني؟

منذ بداية الثورة السورية كانت استراتيجية الحكومة الإسرائيلية في سورية هي التمسك بالأسد الضعيف وسورية الممزقة ولم تدعم تل أبيب أي توجه لإسقاط النظام واستبداله بحكومة وطنية يمكن أن تجعل من سورية دولة قوية بجوار إسرائيل، لكن كثافة الانتشار الإيراني في سورية عبر أكثر من 50 ميليشيا مسلحة شكل هاجساً أمنياً ملحاً لتل أبيب وهو ما حدا بها للقيام بعملية قصف كثيفة على النقاط الأمنية ومستودعات الأسلحة ومراكز التصنيع التي تستخدمها الميليشيات خصوصاً بعد التدخل الروسي في سورية نهاية أيلول/سبتمبر 2015 والاتفاق بين موسكو وتل أبيب على تنسيق نشاطهم العسكري في سورية مع تعهد موسكو لتل أبيب بالحد من النفوذ الروسي في سورية لكن موسكو لم تفِ بتعهداتها لتل أبيب التي أبرمتها في اتفاق القدس الأمني عام 2017 بين الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل الذي ينص على أن تقوم روسيا بإبعاد الميليشيات الإيرانية 80 كم عن الحدود الإسرائيلية، بعد اشتداد الحاجة الروسية للدعم الإيراني في الحرب الأوكرانية وهو ما دفع بتل أبيب لتوسيع نشاطها العسكري ضد إيران في سورية خصوصاً بعد عملية طوفان الأقصى  في 7 تشرين الأول /أكتوبر 2024، رغم أن النظام السوري نأى بنفسه عن أي موقف يمكن أن يفسر بأنه داعم لحركة حماس في عملية طوفان الأقصى .

في هذا التقرير التحليلي سنحاول بيان أهمية فهم ما إذا كانت سياسات الضغط الإسرائيلية-العربية قد تؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقة بين النظام السوري وإيران، وما إذا كان ذلك سيؤثر على ديناميكيات الصراع الإقليمي، واختبار فرضية ” أن الضغوط الإسرائيلية والحوافز السياسية العربية تهدف إلى فك ارتباط النظام السوري  بالميليشيات الإيرانية والمحور الإيراني وصياغة العلاقة بين النظام وإيران على أساس علاقات الدول والتخلي عن منظومات ما دون الدولة كأساس في هذه العلاقة وليس لفك الارتباط مع إيران كدولة .

أولاً: الضغوط الإسرائيلية على النظام السوري لفك ارتباطه مع منظومات ما دون الدولة الحليفة لطهران:  

لا تستهدف تل أبيب علاقات النظام مع إيران أساساً وإنما تضغط مع الدول العربية لإنهاء دور منظومات ما دون الدولة التي تشكل أذرع إيران في المنطقة والتي بانتهاء دورها ستحول إيران لدولة طبيعية وتجبرها على التصرف بمنعطف الدولة في علاقاتها مع دول المنطقة لذلك هي تتخذ نوعين من السياسة مع النظام السوري

1)    سياسة الضغط القصوى على أذرع إيران في سورية بدون استهداف لنظام الأسد:

مع بداية عملية طوفان الأقصى صعدت تل أبيب ضغطها على النظام السوري من خلال زيادة عملياتها في سورية ففي 1 أبريل/نيسان 2024 ضربت إسرائيل قنصلية إيران قرب سفارتها على أوتوستراد المزة في دمشق، مما أدى إلى مقتل 7 أشخاص، بينهم قائد “فيلق القدس” في سورية ولبنان محمد رضا زاهدي، وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 شنت إسرائيل غارات مكثفة على مدينة تدمر شرقي حمص، أسفرت عن مقتل أكثر 150 شخصًا وإصابة أكثر من 100 آخرين من الحرس الثوري وحزب الله والميليشيات الأخرى وجيش النظام.

ومع اتساع المواجهة بين تل أبيب وحزب الله في 23 أيلول سبتمبر 2024 باتت تل أبيب تؤكد على ضرورة أن يمنع نظام الأسد وصول السلاح إلى حزب الله عبر الأراضي السورية وهو ما دفعها لتكثيف غاراتها على طريق التهريب بين لبنان وسورية فقد تم استهداف معبر الجوسية ومعبر جسر غازي ومعبر عمار أبو جبل وحتى معبر المصنع على الحدود السورية اللبنانية لمنع تحركات الحزب بين سورية ولبنان.[1]

لم تكتف تل أبيب باستهداف أذرع إيران على الأراضي السورية لكنها أرسلت رسائل تهديد بشكل مباشر تحض النظام على أخذ إجراءات ضد الحزب والوجود العسكري الأمني والعسكري مع واستهداف مواقع الحزب في محيط دمشق حتى حلب خلال الأيام الماضية.[2]

2)    استخدام إسرائيل لسياسة تقديم الحوافر لتعديل سلوك النظام

ولم تقتصر تل أبيب على سياسة الضغط القصوى ضد النظام وإنما أتبعتها بسياسة تقديم الجزرة والمحفزات للنظام لكي يوقف وصول الإمداد العسكري والسلاح القادم من طهران إلى لبنان عبر الأراضي السورية ففي 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 كشفت صحيفة الجمهورية اللبنانية عن عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو على الأسد، عبر وساطة روسية، لوقف تهريب السلاح إلى حزب الله مقابل تخفيف العقوبات على النظام السوري[3] وهو ما يشير إلى أن الموقف الاستراتيجي لتل أبيب من القضية السورية هي ضد أي تغيير سياسي من شأنه أن ينهي نظام الأسد الذي شكل على مدى عقود ضمانة موثوقة للأمن الإسرائيلي، لذلك لا تتوقف إسرائيل عن محاولة جذب النظام لا لفك ارتباطه مع إيران فذلك ليس ما تريده من النظام وإنما فك ارتباطه مع الميليشيات ومنظومات ما دون الدولة التي شكلت التهديد الأكبر بالنسبة لتل أبيب وهو ما بدأ النظام يتخذ خطوات جادة فيه خصوصاً أن هذه المنظومات لم تعد تشكل ضمانة لحماية النظام وباتت عبئاً ثقيلاً على كاهله[4].

ثانياً: تكتيك النظام بين طهران وتل أبيب

يتبع النظام في علاقته مع طهران مبدأين أساسيين الأول توثيق العلاقة معها ضمن إطار علاقة الدول والثاني النأي بنفسه عن تحمل عبء منظومات ما دون الدولة.

1)    توثيق العلاقات مع طهران في إطار العلاقة الندية بين الدول

امتنع النظام السوري عن تقديم الدعم العسكري للميليشيات الإيرانية ضد تل أبيب خوفاً من استفزاز الأخيرة لكنه بنفس الوقت حافظ على دفء العلاقة مع إيران التي باتت متوجسة من سلوك النظام ومن تحول النظام إلى محور التطبيع[5] خصوصاً بعد اتهامات إيرانية للنظام بتزويد تل أبيب بمعلومات أمنية عن نشاطاتها في سورية [6]

و بعد لقاء بشار الأسد مع المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في شهر أيار/ مايو 2023  لتقديم العزاء بمقتل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، نشر الأخير تصريحات له على حسابه في تطبيق إكس أكد فيها وجود ما وصفه “محاولات لإخراج سورية من المعادلات الإقليمية بأساليب مختلفة، منها الوعود التي لم يفوا بها”، في إشارة على ما يبدو إلى إغراء النظام السوري برفع العقوبات عنه، وإنهاء عزلته الدولية[7] ,وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 نقل علي لاريجاني رسالة مباشرة من المرشد الإيراني علي خامنئي إلى بشار الأسد، تؤكد دعم المقاومة والشعب السوري وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2024: استقبل بشار الأسد وزير الدفاع الإيراني عزيز نصير زاده ووفده العسكري، وتحدث إعلام النظام السوري أن الجانبان بحثا التعاون الأمني والدفاعي لمواجهة الإرهاب ولم يأت على ذكر مواجهة العدوان الإسرائيلي وفي 20  نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وزير الخارجية السوري بسام الصباغ صرح من إيران بأن محاولات فصل سورية عن “محور المقاومة” لن تنجح، مؤكدًا أن العلاقات مع إيران تتوسع، ويبدو أن هذا الحراك الدبلوماسي بين طهران والنظام يعطي مجموعة من الرسائل الأولى هي أن النظام دولة مستقلة وليس أداة من الأدوات الإيرانية وبالنسبة لإيران فإن الرسالة واضحة وهي أن النظام لا يزال حليفاً لطهران وإن توجدها في سورية يحظى بشرعية موافقة النظام الشرعي في دمشق  .

2)    الامتناع عن تقديم أي دعم سياسي أو عسكري لحزب الله والميليشيات المرتبطة بإيران

في منطق النظام السوري وإيران من المفترض أن تقوم منظومات ما دون الدولة بحماية الدولة عند تعرضها للخطر وليس العكس لذلك كان موقف نظام الأسد من بداية حرب 7 أكتوبر 2023 هو عدم تقديم أي نوع من الدعم لحركة حماس وبعد تمدد الحرب إلى لبنان 23 أيلول سبتمبر 2024 لم يقدم النظام أي إسناد حقيقي لحزب الله من شأنه أن يدخله بمواجهة مباشرة مع تل أبيب سوى سماحه بتوصيل الدعم اللوجستي الإيراني عن طريق الأراضي السورية مجبراً على ذلك ولم يعزي بحسن نصر الله إلا عزاء بارداً بعد عدة أيام عبر رسالة خاصة لقيادة الحزب كما وجهت الكثير من الميليشيات الإيرانية انتقادها للنظام السوري الذي يمتنع عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية والاكتفاء بالتنديد[8]  رغم دخول الجيش الإسرائيل داخل الأراضي السورية وإزالة الأسلاك الشائكة .

يبدو أن النظام السوري بات يقرأ المشهد الإقليمي بشكل جيد ويدرك تماماً أنه ثمة توجه إقليمي تقوده تل أبيب لإنهاء منظومات ما دون الدولة وأن إيران تتخذ من هذه المنظومات أوراقاً للمفاوضات في سبيل مصالحها الاستراتيجية والملف النووي والدور الإيراني في المنطقة إضافة إلى أن هذه المنظومات لم تعد مفيدة للنظام في حربها على المعارضة السورية وهو بحاجة لأموال العرب والغرب لإعادة الإعمار أكثر من حاجته لإيران ثم إن هذه المنظومات منهم من ناصب النظام العداء مثل حماس ومنهم من هو بعيد ولم يقدم الدعم المطلوب للنظام مثل جماعة أنصار الله الحوثي التي سحب النظام منهم سفارة اليمن في دمشق وأعطاها لحكومة الشرعية [9] كثمن للتطبيع مع السعودية وحزب الله يعاني من ضعف شديد وغير قادر على الصمود أمام إسرائيل إضافة لحاجة النظام لإعادة تعريف دوره في المنطقة كمنظومة دولة لا تدير علاقاتها مع الأخرين عبر منظومات ما دون الدولة وهو جزء من ثمن التطبيع وإعادة التأهيل، ولا يبدو أن إيران قادرة على الضغط على الأسد الذي يمتلك ورقة إعطاء الشرعية للانتشار الإيراني في سورية باعتباره النظام الشرعي المعترف به دولياً  .

الخاتمة والنتائج

كل المؤشرات التي يتحدث عنها البعض كدلائل جازمة على تحول موقف النظام السوري من محور المقاومة إلى محور التطبيع، هي في الحقيقة مؤشرات على عجز النظام عن اتخاذ موقف واضح في هذه المعركة. بل تشير هذه المؤشرات إلى أن النظام السوري يفهم تمامًا ما هو مطلوب منه إسرائيليًا، والأساس ليس فك الارتباط بين النظام وإيران أو تحويل العلاقة معها من تحالف إلى قطيعة، كما يعتقد البعض.[10]

إن المطلوب إسرائيليًا هو فك ارتباط إيران والنظام السوري مع المنظومات ما دون الدولة، مثل حماس وحزب الله والميليشيات الإيرانية الأخرى، وهذا لا يعارضه النظام أصلاً، بل إنه يصب في مصلحته، إذ يرى أن دور هذه المنظومات قد تضخم على حساب دوره، الذي يسعى لاستعادته، وربما هنا يكمن الاختلاف بين إيران والنظام، لكن رغم ذلك، فإن النظام لا يمتلك القدرة على حماية هذه المنظومات، لكي تطالبه إيران بموقف داعم لها، كما أن إيران نفسها لا تنخرط في الصراع مع إسرائيل لحماية أدواتها، وفي الوقت ذاته لا يملك النظام القدرة على طرد هذه المنظومات من أرضه، كما تطالبه إسرائيل، لذلك فإن حالة “اللاموقف” بالنسبة للنظام مقبولة إسرائيليًا وإيرانيًا في الوقت نفسه.

عمليًا، لا يوجد حتى الآن أي تغير استراتيجي في مستوى ونمط العلاقة بين النظام السوري وإيران، وكل ما يحدث من خلافات هو نوع من الخلاف الذي يدور ضمن المحور الواحد، وليس بين محورين متصارعين.

النظام السوري لم يتعرض حتى الآن للجذب الذي قد يسحبه إلى محور التطبيع، ولم يواجه قوة الضغط التي تجبره على فك ارتباطه بإيران، لذلك، يحاول النظام السوري أن يلعب دورًا وظيفيًا مزدوجًا بين المحورين؛ فهو يشكل اختراقًا أمنيًا لصالح إسرائيل ومحور التطبيع داخل المحور الإيراني، وهو في الوقت نفسه مساحة لتمرير الاتصال والدعم اللوجستي بين طهران وأدواتها في سورية ولبنان. ولهذا، يراوح النظام استراتيجيًا ضمن مساحة المحور الإيراني، بينما يراوح تكتيكيًا مع محور التطبيع، إذ يرى أن بقاءه يستلزم الحماية والغطاء من المحورين معًا، خصوصًا أن الاستراتيجية الإسرائيلية في سورية لا تزال قائمة على فكرة سورية مقسمة بقيادة الأسد الضعيف أفضل من سورية موحدة بدون الأسد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

[1] . BBC  عربي : ما أبرز المعابر بين سوريا ولبنان، وكيف أصبحت هدفاً خلال الحرب؟  نشر 4 /11/2024 .

[2] . i24NEWS الشرق الأوسط :  تخلى عن دعمك لإيران”: تقرير – إسرائيل هددت الأسد، وشرخ بالعلاقات بين الرئيس وشقيقه ماهر، نشر 28/10/2024 .

[3] . LebanonOn  هذا ما تعهّد به نتنياهو للأسد لقاء ضبط الحدود؟ جورج شاهين صحيفة الجمهورية نشر 19/11/2024.

[4] . الحرة : الأسد والمحور الإيراني.. أسباب وأثمان “عدم الانخراط”  نشر 25/8/2024.

[5] . الشرق الأوسط : هل يفسد «طوفان الأقصى» العلاقات السورية – الإيرانية… أم هو سحابة صيف عابرة؟ نشر 6/5 / 2024.

[6] . الجريدة الكويتية  : طهران تتهم دمشق بالخيانة بعد ضربة القنصلية في دمشق ، نشر 4/4/2024 .

[7] . الحرة: بعد تحركاته وتصريحاته الأخيرة.. “رسائل تذكير وتوجيهات” خامنئي للأسد، نشر 13/5/ 2024.

[8] . انتقاد عبد الملك الحوثي للنظام السوري لعدم امتلاك استراتيجية رادعة للعدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية ، نشر 4/11/ 2024

[9] . العربية : سوريا تطرد ممثلي الحوثي من سفارة اليمن بدمشق ، نشر 11/10/2024 .

[10] . أنديبندت عربي : ابتعاد النظام السوري من “محور الممانعة”… استراتيجي أم تكتيكي؟ سوسن مهنا  نشر 24 /11/ 2024 .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى