تحليلات

اغتيال هاشم صفي الدين ضمن خطة تغيير سياسات حزب الله عبر تحييد النسق القيادي

تمهيد

أكّدت عدة مصادر أمنية وإعلامية، مقتل هاشم صفي الدين الأمين العام لحزب الله بغارة إسرائيلية على مكان اجتماعه في الضاحية الجنوبية في بيروت يوم 4 تشرين الأول/أكتوبر وذلك بعد أسبوع واحد من تصفية إسرائيل لزعيم حزب الله السابق حسن نصر الله الذي قتل يوم 27 أيلول/ سبتمبر 2024.
وقد صعّدت إسرائيل من سياسة تصفية قيادة الصف الأول في الحزب مع بداية تحول الحرب من قواعد الاشتباك في تبادل القصف إلى الحرب المفتوحة منذ منتصف شهر  أيلول/ سبتمبر 2024  في استراتيجية واضحة تهدف إسرائيل من خلال استثمارها لحجم الاختراق الأمني الذي حققته في مفاصل الحزب و كشفها حجم الأهداف العسكرية والقيادية واللوجستية على الدفع لإحداث خلل بنيوي في هيكل الحزب وإحداث فراغ على مستوى القيادات العليا، يسمح  بوصول نسق قيادي جديد إلى الصف الأول بعد تحييد قيادات الصف الأول والثاني في الحزب عبر سلسلة من العمليات التي استهدفت رأس الحزب القيادة العامة والقيادات العسكرية والأمنية يمكن أن يؤدي إلى تغيير عميق في توجهات الحزب الإيديولوجية ومصالحه السياسية والتخلي عن الدور الإقليمي والتحرر من التبعية المطلقة لإيران .

في هذا التقرير سنحاول تحليل تأثير غياب قيادات الصف الأول على البنية حزب الله ورؤيته الاستراتيجية وخيارته السياسية وهو ما اشرنا إليه مختصراً في  ورقة تحليلية سابقة لمركز كاندل بعنون ” مقتل نصر الله في إطار اختلاف الرؤية الإقليمية مع الدولية حول مستقبل منظومات ما دون الدولة[1]

أولاً: التجارب المشابهة لحزب الله في تحييد القيادات

الأمر نفسه للكثير من التنظيمات التي خسرت قيادتها في الصف الأول  مثل  حركة حماس التي أدى اغتيال قادتها الشيخ “أحمد ياسين” في 22 مارس 2004 وعبد العزيز الرّنتيسي بعده بشهر على يد إسرائيل، إلى الدفع بتيار جديد  ذهب للتقارب مع إيران واستمرهذا التيار بالصعود طوال تلك السنوات إلى المرحلة التي تم فيها تحييد خالد مشعل  وصعود الكتلة المحسوبة على يحيى السنوار الذي بقي قائدا للتنظيم في غزة حتى  وصل  إلى القيادة العامة لحركة حماس بعد معركة طوفان الأقصى و بعد اغتيال إسماعيل هنية في طهران نهاية شهر تموز /يوليو 2024 وهو ما انعكس على سياسات الحركة وتوجهاته وعودتها للتطبيع مع النظام السوري بعد قطيعة دامت عقداً من الزمن .

كذلك حصل الأمر في حركة فتح التي خسرت الكثير من قيادات الصف الأول مثل خليل الوزير “أبو جهاد”  – تم اغتياله في 16 نيسان/ أبريل 1988 في تونس وصلاح خلف “أبو إياد” الذي اغتيل في 14 كانون الثاني/ يناير 1991 في تونس وهو ما أحدث تغيراً في نهج الحركة ودفعها لوقف العمل المسلح والذهاب إلى إنتاج طريق المفاوضات والدبلوماسية حتى توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل في أوسلو 1993 ورغم ذلك استمرت إسرائيل بتحييد القيادات وانتهت بتحييد ياسر عرفات 11  تشرين الثاني/ نوفمبر 2004. وهو ما دفع بقيادة جديدة على رأسها “محمود عباس” الذي حول فتح ومنظمة التحرير الفلسطيني إلى مجرد ضابطة أمنية ضد أي عمل فلسطيني يستهدف إسرائيل.

ويبدو أن هذه الوصفة نفسها التي تريد إسرائيل تطبيقها على حزب الله  وهو ما يعني إمكانية وصول قيادات أكثر براغماتية قادرة على تقديم تنازلات تتعلق بتطبيق القرار 1701 والانسحاب من الجنوب اللبناني لصالح انتشار الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني وبذلك يتم إنهاء دور الحزب كمهدد لأمن إسرائيل.

ثانياً: الانعكاسات المتوقعة على حزب الله بعد تحييد قيادات الصف الأول

تعتبر العلاقة بين حزب الله وإيران علاقة معقدة تختلط فيها العلاقة الدينية بالسياسية ورغم التبعية الدينية  لإيران واعتبار الحزب علي خامنئي مرشد الثورة بمثابة ولي الأمر الذي تجب طاعته ويحرم الخروج عن طاعته وهو الإمام المقلد الذي يتم دفع الخمس لها من قبل حاضنة حزب الله وهو ما يعني أن علاقة التبعية بين الحزب وإيران هي علاقة تبعية دينة وليست مجرد علاقة تنظيمية أو إيديولوجية سياسية وهو ما يعني صعوبة إحداث تغيير جوهري في سلوك الحزب يتعلق بتخفيف الارتباط بإيران، لكن مع حدوث التغيرات البنيوية تبعاً لإحداث الفراغ القيادي وتقدم قيادة جديدة لا يستبعد حصول هذا الأمر الذي سيكون لها انعكاسات على كافة المستويات البنيوية والتنظيمية والرؤية والعلاقة مع الفاعلين المحليين والحلفاء الإقليمين.

·     البنية التنظيمية والهيكل الهرمي:

فقدان القوة التنظيمية: إن حزب الله يعتمد على هيكل تنظيمي مركزي وقوي، مبني على الروابط الدينية بين الشيخ والطالب. فقدان القيادة العليا قد يؤدي إلى إضعاف هذا الهيكل، حيث قد تجد القيادة الجديدة صعوبة في إدارة الحزب بنفس الكفاءة.

ضعف التنسيق الداخلي: إن القادة الجدد قد يفتقرون إلى المعرفة العميقة بمفاصل الحزب وآلياته، مما يضعف قدرتهم على توزيع الأدوار بفعالية.

·     القيادة الاستراتيجية:

فقدان الخبرة الاستراتيجية: حزب الله يعتمد على شبكة قيادية متعددة المستويات، لكن في حال غياب قائد كحسن نصر الله، سيظهر ضعف في القيادة الاستراتيجية، خاصة فيما يتعلق باتخاذ القرارات الكبرى على المستوى الإقليمي.

انعدام الثقة: مع دخول قيادات جديدة، قد تتعرض القيادة الاستراتيجية لضعف نتيجة للاختراقات الأمنية، وانعدام الثقة بين القيادات والقواعد الجديدة.

  • التنسيق مع إيران:

أزمة ثقة مع إيران: التنسيق مع إيران قد يتعرض لأزمة ثقة بسبب الاختراقات المزدوجة التي يمكن أن تؤثر على قنوات الاتصال بين الحزب وطهران. هذا قد يدفع الطرفين إلى تبني سلوك حذر في التعامل بينهما.

تراجع الدعم الاستراتيجي: إيران قد تقلل من دعمها العسكري والسياسي للحزب إذا شعرت بعدم الاستقرار في القيادة الجديدة، مما قد يضعف قدرة الحزب على الاستمرار في عملياته بشكل فعال.

·       التأثير على العمليات الميدانية:

استمرار العمليات العسكرية: العمليات الميدانية قد تتأثر بفقدان القيادة العليا، لكنها لن تتوقف بالكامل بسبب البنية الهيكلية للحزب. إلا أن مستوى التخطيط والتنفيذ قد يضعف.

تراجع الكفاءة الميدانية: ضعف القيادة الاستراتيجية يمكن أن يؤدي إلى تراجع الكفاءة في التخطيط والتنفيذ للعمليات الكبرى، مما قد يحد من قدرة الحزب على التعامل مع التهديدات الإسرائيلية أو المحلية.

·       التأثير على الحاضنة الشعبية:

زعزعة الثقة الشعبية: قد تفقد الحاضنة الشعبية لحزب الله ثقتها بالحزب بعد فقدان القيادة العليا، خاصة مع فشل الحزب في تقديم الدعم الاجتماعي للنازحين أو الردع ضد إسرائيل.

البحث عن بدائل: مع شعور الحاضنة بالضعف نتيجة النزوح والتهجير وفشل الحزب في حماية المجتمع، قد تتجه بعض الفئات إلى البحث عن ضمانات مستقبلية خارج معادلة الاعتماد على قوة الحزب.

·       الانعكاسات الاستراتيجية

تفكك التحالفات الإقليمية: مع التحديات الداخلية التي يعاني منها الحزب وسلوك النظام السوري سياسات تتعلق بمحاصرة الحزب والحد من نفوذ إيران في سورية قد نلاحظ في المدى البعيد تفكك محمور المقاومة ودفع الحزب للبحث عن مصيره بعيداً عن التعويل عن إيران وتبديل دوره في لبنان بناء على المعادلات الجديدة التي ستتركها الحرب.

تراجع النفوذ: إذا استمرت التحديات المتعلقة بالثقة، والقيادة، والدعم الإقليمي، قد يشهد الحزب تراجعاً في نفوذه، سواء داخل لبنان أو في إطار مشروعه الإقليمي والتحول إلى دور جديد يمكن أن يتحول إلى قوة مهادنة لإسرائيل في لبنان.

النتائج

يعاني الحزب اليوم من أزمة مركز لا تتعلق بفقد النسق القيادي بهذا الحجم فقط وإنما بفقد الحاضن المحلي الذي يدعمه ويثق به على مستوى الطائفة التي تجد نفسها اليوم في العراء وبلا مأوى وعلى مستوى تحالفاته المحلية في لبنان فالحزب اليوم بلا غطاء ولا حليف محلي وعلى مستوى العلاقة مع النظام السوري الذي بدأ ينأى بنفسه  عن الحزب ومعاركه وعلى مستوى الثقة بإيران التي لم تدافع عنه وهو ما سيفرض معادلات معقدة على القيادة الجديدة قد تدفعها للانكفاء وتقديم التنازلات القاسية مقابل السماح للحزب أن يبقى كحزب سياسي أو أن يتحول من حزب مهدد لأمن إسرائيل على الجبهة الشمالية إلى حزب يقوم بحماية أمن إسرائيل كما تفعل السلطة الفلسطينية اليوم في الضفة الغربية لكي  يتجنب خطر التفكيك وإنهاء وجوده خاصة أن الخطة الإسرائيلية  في مواجهة الحزب ترتكز على عدة مسارات. هي  قطع الحبل السري بين الحزب وإيران ومنع وصول أي إمداد للحزب عبر سورية أو البحر. وتصفية النسق القيادي من الصف الأول والدفع بنسق جديد للقيادة مختلف عن القيادة السابقة وتفكيك الحاضن الاجتماعي للحزب من خلال التهجر وتدمير كمون القوة لدى الحزب.

ــــــــــــــــــــــــ

[1] . مركز كاندل :  مقتل نصر الله في إطار اختلاف الرؤية الإقليمية مع الدولية حول مستقبل منظومات ما دون الدولة . نشر 30 /9/2024

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى