اقتصاد

مشاريع خطوط الطاقة العابرة من سورية – تشابك المصالح

الباحث:  عباس شريفة

تمهيد

تتميز سورية بموقع استراتيجي مهم في الشرق الأوسط، حيث تتقاطع فيها طرق التجارة والنقل بين أوروبا وآسيا، كما أنها تمتلك احتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي في البحر المتوسط مما يجعلها هدفًا للقوى الكبرى التي تسعى إلى السيطرة على مواردها.

لقد بدأت الصراعات على الجيبوليتيك السورية وخطوط الطاقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما بدأت الولايات المتحدة وبريطانيا في توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، حيث رأت الولايات المتحدة أن سورية يمكن أن تصبح قاعدة مهمة لها في المنطقة، خاصة بعد اكتشاف النفط في العراق وإيران.

ومن هنا كان الصراع على الجيبوليتيك السورية وخطوط الطاقة مباشرة بعد استقلال سورية عن الاحتلال الفرنسي في عام 1946، حيث رفض الرئيس السوري آنذاك، شكري القوتلي، مشروع خط أنابيب التابلاين الذي كان يهدف إلى نقل النفط من السعودية والخليج إلى لبنان عبر سورية، وردًا على ذلك، دبرت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية انقلابًا في سورية، أطاحت بالرئيس القوتلي، ونصبت بدلاً منه حسني الزعيم، الذي كان مواليًا للولايات المتحدة، لم يكن لدى الزعيم الوقت الكافي لحل البرلمان والموافقة على خط الأنابيب الأمريكي قبل أن يطيح به انقلاب سامي الحناوي، بعد مرور 14 أسبوعاً فقط على حكمه. [1]

بعد الوحدة مع مصر تم تعطيل مشروع إزنهاور ومشروع حلف بغداد وتحييد سورية عن المشاريع الإقليمية وهو ما استمر حتى مع حكم حزب البعث بعد انقلاب آذار 1963.

في عام 2009، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد عن استراتيجية الطاقة السورية، التي تهدف إلى جعل سورية مركزًا إقليميًا لنقل المواد الهيدروكربونية بين دول الخليج العربي والبحر الأسود وبحر قزوين والبحر الأبيض المتوسط لكن كل هذه المشاريع توقفت بعد الثورة السورية التي شكلت مناسبة لتدخلات دولية وإقليمية لحماية مصالحها في أنابيب الطاقة والطرق الدولية العابرة من سورية.

يبدو أن الصراع على الجيبوليتيك السورية وخطوط الطاقة سيستمر في المستقبل، حيث تسعى القوى الكبرى المتدخلة فيها إلى تعزيز نفوذها في سورية، مما سيؤدي إلى استمرار التوترات في المنطقة ورهن التقدم في مسار الحل السياسي وشكل النظام السياسي بتحقيق تفاهمات إقليمية ودولية حول دور سورية الجيوسياسي والاقتصادي في القنوات الخلفية ليس السوريون طرفاً فيها.

في هذا التقرير سنتعرف على أهم خطوط الطاقة العابرة من سورية والدول المستفيدة والدول المتضررة من هذه الخطوط  وتأثير ذلك على مفاعيل الصراع الإقليمي والدولي على سورية وتأثير كل ذلك على مسارات الحل السياسي في المستقبل .

أولاً: خطوط الطاقة العابرة من سورية

هناك أربع خطوط غاز أساسية تتنافس على الجغرافية السورية هي:

1)    الخط العربي لنقل الغاز

يمثل خط أنابيب الغاز العربي (AGP) نموذجًا فريدًا للتعاون الاستراتيجي العربي في مجال الطاقة الذي يشمل مصر والأردن وسورية ولبنان، وبالتالي فهو ذو أهمية خاصة لقطاع الطاقة السوري، بدأ مشروع خط الأنابيب في إطار الحوار الثنائي بين مصر والأردن في عام 2001، وتضمنت مذكرة التفاهم فيما بعد سورية ولبنان، كما وقعت إسرائيل وتركيا والعراق اتفاقيات للتعاون في مشروع خط الأنابيب العابر للإقليم، وكما هو مخطط له، كان من المفترض أن يكون لخط الأنابيب أهمية اقتصادية ليس فقط للمنطقة العربية، بل لأوروبا وآسيا وأفريقيا أيضًا، وكان من المقرر أن يمتد إلى الحدود السورية التركية وينضم إلى شبكة أنابيب الغاز في تركيا، ومن تركيا، سيتم بعد ذلك ربط خط أنابيب الغاز الطبيعي بخط أنابيب نابوكو.

وينقل خط الغاز العربي الذي يبلغ طوله 1200 كيلومتر الغاز المصري إلى الأردن، ولبنان وسورية وإسرائيل، تم الانتهاء من إنشاء القسم الأول من حقل الغاز الطبيعي، الذي يمتد بطول 265 كيلومترًا من حقل العريش للغاز الطبيعي في مصر إلى العقبة في الأردن في عام 2003 بتكلفة 200 مليون دولار. ويبلغ قطر خط الأنابيب 36 بوصة وسعة 10.3 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً.

أما القسم الثاني، ويبلغ طوله 390 كم، فيمتد خط الأنابيب في الأردن من ميناء العقبة مروراً بعمان إلى الرحاب (30 كم من الحدود الأردنية السورية) وتم تشغيله في عام 2005، وبلغت تكلفة المرحلة الثانية حوالي 300 مليون دولار أمريكي، الخط من الرحاب إلى حمص، الذي يمر بدرعا ودمشق، اكتمل عام 2008، ويبلغ طول هذا القسم 330 كم، وفي عام 2009، تم مد خط الأنابيب من حمص إلى بانياس في سورية وطرابلس في لبنان[2].

وفي عام 2008، تم تشغيل خط أنابيب العريش-عسقلان (إسرائيل) رسمياً، لا يعتبر هذا الجزء جزءاً من خط الغاز العربي.

على الرغم من عدم الاستقرار في سورية، تكتسب الأهمية الاستراتيجية لخط الغاز العربي في المنطقة زخماً، يوقع الأردن اتفاقيتين مع شركة فجر الأردنية المصرية للغاز الطبيعي، وتشمل الاتفاقيات ربط محطة العقبة للغاز الطبيعي المسال بخط الغاز العربي والسماح للغاز المستورد من الأسواق العالمية – بعد معالجته في محطة العقبة – بالمرور عبر الخط، إلى جانب الغاز المصري .

ومن المهم أن نلاحظ أن ما يقرب من نصف طول خط الغاز العربي يقع في سورية، وفي الفترة من 2010 إلى 2011، انخفضت واردات الغاز المصري بأكثر من 60 بالمائة وتوقفت تمامًا في عام 2012.

  • الدول المنتفعة منه

قد زاد اهتمام واشنطن بمشروع خط الغاز العربي المشروع لما يمكن أن يبنى عليه من مشروع التطبيع العربي ولتوفير الغطاء السياسي لمشروعي الغاز والكهرباء في لبنان، وأبلغ مسؤولون أميركيون نظراءهم العرب أن المشاريع ستكون معفاة من قانون قيصر الذي دخل حيز التنفيذ منتصف عام 2020، ولا تزال بيروت والقاهرة وعمان تطالب بضمانات مكتوبة، وأبلغ هوشستين المسؤولين اللبنانيين بالإعفاءات لكن الولايات المتحدة رفضت إعطاء ضمانات مكتوبة للإعفاء.

  • الدول المتضررة منه

لا شك أن كل من إيران وروسيا متضررتان من هذا الخط الذي من شانه أن يحول الاهتمام بالغاز الروسي والغاز الإيراني الواقعين تحت العقوبات الغربية إلى تفعيل موارد أخرى يمكن أن تكون بديلاً عنهما في البعد الاستراتيجي.

2)    خط الغاز القطري – التركي

في عام 2000، اقترحت قطر بناء خط أنابيب غاز طبيعي بقيمة 10 مليارات دولار بطول 1500 كيلومتر عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسورية ومن سورية يتفرع الخط إلى ثلاثة فروع فرع إلى طرابلس لبنان وفرع إلى اللاذقية السورية والفرع الثالث إلى تركيا، كان الهدف من الخط هو ربط قطر مباشرة بأسواق الطاقة الأوروبية، الأمر الذي من شأنه أن يمنح قطر هيمنة حاسمة على أسواق الغاز الطبيعي العالمية ويعزز قوة قطر الإقليمية كحليف أقرب للولايات المتحدة في العالم العربي.

ومع ذلك، رفضت سورية في عام 2009 السماح لخط الأنابيب بالمرور عبرها، مما أدى إلى فشل المشروع، كان هناك عدد من الأسباب لرفض النظام السوري، بما في ذلك:

  • العلاقات الوثيقة بين سورية وإيران، التي كانت تعتبر منافسًا للولايات المتحدة في المنطقة.
  • الخوف من أن يؤدي خط الأنابيب إلى تعزيز نفوذ المملكة العربية السعودية في سورية.
  • الرغبة في الحفاظ على علاقات جيدة مع روسيا، التي كانت مصدرًا رئيسيًا للغاز المورد لسورية.

كان فشل خط الأنابيب القطري العابر من سورية بمثابة ضربة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، حيث كان من شأنه أن يعزز أمن الطاقة في أوروبا ويحد من نفوذ روسيا في المنطقة، كما كان يمثل خسارة لقطر، التي كانت تأمل في أن يصبح الخط مصدرًا رئيسيًا للدخل لها.

  • الدول المنتفعة منه

كان خط الأنابيب مدعومًا بشدة من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذين كانا يتطلعان إلى تقليل اعتمادهما على روسيا لتوريد الطاقة، كانت تركيا أيضًا مؤيدة للخط، حيث كانت تأمل في إنهاء اعتمادها على روسيا ووضع نفسها كمركز للوقود الآسيوي إلى أسواق الاتحاد الأوروبي لكن مع استثمار الولايات المتحدة بالغاز الصخري لم تعد تهتم بوصول الغاز القطري إلى أوروبا حيث تسعى الولايات المتحدة لتعزيز اعتماد أوروبا على الغاز الأمريكي بدلاً من الروسي والأسيوي.

  • الدول المتضررة منه

كانت روسيا التي تبيع 70% من صادراتها من الغاز إلى أوروبا[3]، تنظر إلى خط الأنابيب بين قطر وتركيا باعتباره تهديداً وجوديا، وهو مؤامرة من حلف شمال الأطلسي لحرمان روسيا من موطئ قدمها الوحيد في الشرق الأوسط “سورية ” وخنق الاقتصاد الروسي وإنهاء النفوذ الروسي في سوق الطاقة الأوروبية، وفي عام 2009، أعلن الأسد أنه سيرفض التوقيع على اتفاقية السماح لخط الأنابيب بالمرور عبر سورية [4] كذلك تعتبر إيران المنافس الإقليمي لقطر في انتاج وتوريد الغاز المتضرر الأكبر من هذا المشروع الذي سيكون إنتاجه على حساب الغاز الإيراني الرازح تحت العقوبات الأمريكية .

3)    خط الغاز “الإسلامي” الإيراني

“خط الأنابيب الإسلامي” يمتد من الجانب الإيراني من حقل الغاز الإيراني في الخليج العربي مروراً بالعراق عبر سورية ثم يتفرع إلى ثلاثة فروع من حمص إلى اللاذقية ومن حمص إلى الشمال نحو تركيا ومن حمص إلى موانئ لبنان، ومن شأن خط الأنابيب الإسلامي أن يجعل إيران الولي الفقيه بدلاً من قطر السنية، المورد الرئيسي لسوق الطاقة الأوروبية، وأن يزيد بشكل كبير من نفوذ طهران في الشرق الأوسط والعالم.

  • الدول المنتفعة منه

لا شك أن دول ما يسمى محور المقاومة سورية وإيران ولبنان وإيران هي الدول المنتفعة بشكل كبير من هذا المشروع فهو يعزز الهيمنة السورية والإيرانية على لبنان ويحقق لمحور المقاومة الاكتفاء الذاتي بالطاقة ويوصل الغاز الإيراني إلى أوروبا.

  • الدول المتضررة منه

كانت إسرائيل عازمة على عرقلة خط الأنابيب الإسلامي الذي من شأنه أن يثري إيران وسورية ويعزز وكيليهما، حزب الله وكذلك الأردن التي صرح ملكها عام 2004 بوجود هلال شيعي يتشكل في المنطقة هو متضرر من هذا الخط لأنه سيكون على حساب الخط القطري الذي ستحصل الأردن الفقيرة بالطاقة على عائدات العبور [5] وبطبيعة الحال فإن قطر وتركيا والسعودية هي كذلك متضررة من هذا المشروع الذي سيكون منافساً لمشروع الخط القطري، وكجزء من العقوبات الغربية على إيران بسبب برنامجها النووي فإن الانتشار العسكري الأمريكي في شرق سورية يحمل في أهدافه منع مشروع الخط الإسلامي .

4)    خط كركوك بانياس (غاز)

عندما بدأ تطوير نظام نقل الطاقة الإقليمي عام 1952 في الشرق الأوسط تم الانتهاء من بناء خط أنابيب النفط الخام من حقل نفط كركوك في العراق إلى ميناء بانياس السوري ويبلغ طول خط الأنابيب حوالي 800 كيلومتر وتبلغ طاقته 300 ألف برميل يوميا، دمر الجيش السوري خط الأنابيب رداً على سيطرة البريطانيين والفرنسيين على قناة السويس في عام 1956، لكن أعيد بناؤه لاحقًا.

في عام 1972، بعد تأميم شركة نفط العراق (IPC)، والأصول في سورية والمفاوضات الصعبة اللاحقة بشأن زيادة التعريفات الجمركية لنقل النفط العراقي عبر الجزء السوري من خط الأنابيب، قرر العراق بناء خط أنابيب جديد، متجاوزًا سورية، وفي عام 1975، تم بناء خط الأنابيب الذي يربط كركوك بشبه الجزيرة العربية.

وفي عام 2003، دمرت الغارات الجوية الأمريكية خط الأنابيب، تم اتخاذ القرار لاحقًا بإعادة بنائه، في الفترة 2007-2009، لم تسفر المفاوضات مع شركة سترويترانسغاز حول إعادة بناء خط الأنابيب عن أي نتائج، وفي فبراير 2011، استأنفت حكومتا سورية والعراق المفاوضات حول إمكانية إعادة بناء خط أنابيب كركوك-بانياس.[6]

  • الدول المنتفعة منه

خط غاز كركوك بانياس لا يفيد إلا سورية والعراق ولبنان بشكل أساسي

  • الدول المتضررة منه

لا ترغب إيران أن يكون خط كركوك بانياس خطاً بديلاً عن خط الغاز الإسلامي لذلك تدفع إيران عبر وكلائها في العراق إلى تعطيل إعادة تفعيل هذا الخط وكذلك الولايات المتحدة بتموضعها في شمال شرق سورية تمنع من إعادة تفعيل هذا المشروع.

ثانياً: تشابك المصالح بين الدول المتدخلة في سورية

من الواضح أن طرق الغاز العابرة من سورية كان له الدور الأكبر في طبيعة الأدوار التي لعبتها الدول الإقليمية وطريقة تدخلاتها العسكرية في سورية والحيز الجغرافي الذي تنتشر فيه عسكرياً فمن خلال قراءة بسيطة لخارطة النفوذ العسكري نلاحظ أن الاشتباك بين هذه الدول واقع على ممرات خطوط الغاز والمعابر والطرق التجارية الدولية.

1)    روسيا

بالنسبة لروسيا المنتشرة بقوتها العسكرية على الساحل السوري وفي قاعدة حميميم فإن تنفيذ أياً من مشاريع خطوط الغاز القطري- التركي، أو الإسلامي، أو العربي، أو بانياس كركوك سيكون مضراً بالمصالح الروسية ومن ذلك فإن تموضع روسيا على الساحل السوري لا يمنحها إمكانية تعطيل الخطوط العابرة من سورية إلى أوروبا لكنه يسمح لها أن تتحكم باحتياط الغاز السوري في شرق المتوسط خصوصاً بعد توقيعها اتفاقية التنقيب في شهر ديسمبر 2013 [7] كما وقعت اتفاق استئجار ميناء طرطوس لمدة 49 سنة [8] حتى التدخل العسكري الروسي في سورية نهاية عام 2015 جاء رداً على توقيع إيران للاتفاق النووي مع الغرب والولايات المتحدة حيث اعتبرت روسيا أن إيران قد انتقلت بهذا الاتفاق للمعسكر الغربي ولا يمكن أن تحمي مصالح روسيا في سورية وهو ما يعني تدخلاً ضد المصالح الاقتصادية الإيرانية المتعلقة بملف الطاقة وليس فقط لحماية نظام الأسد .

2)    الولايات المتحدة

بالنسبة للولايات المتحدة التي تسعى ضمن استراتيجيتها لدفع أوروبا نحو الاعتماد على الغاز الأمريكي بدلا من الاعتماد على غاز آسيا وروسيا فإن مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية تكاد لا تختلف مع روسيا في هذه النقطة ضمن  الملف السوري حيث نفذت روسيا كل المصالح الأمريكية في سورية بما يتعلق بخطوط الغاز والطاقة وهو ما حدا بالولايات المتحدة إلى عدم ربط الملف الأوكراني بالملف السوري وعدم اتخاذ أي وسائل ضغط على روسيا في سورية بعد الاجتياح الروسي لشرق أوكرانيا وهو ما يفسر بشكل واضح تموضع الولايات المتحدة العسكري جنوب شرق سورية “قاعدة التنف” وشمال شرق سورية لتشكيل سد مانعٍ أما خط الغاز الإسلامي وخط بانياس كركوك ومنع إيران من تحويل انتصاراتها العسكرية في سورية إلى مكاسب اقتصادية وبالتالي فإن رؤية روسيا للحل السياسي التي تحافظ على نظام الأسد الضعيف تحت سيطرتها لا تختلف بالنتيجة مع رؤية الولايات المتحدة في حالة لا حل [9].

3)    إيران

بالرغم من كل الشعارات الإيديولوجية التي ترفعها إيران لتجنيد الميليشيات في سورية لكن المصالح الإيرانية في العمق هي مصالح جيوسياسية فإيران باتت صاحبة النفوذ الأكبر في مناطق سيطرة النظام السوري ولديها تحالف استراتيجي مع النظام ضمن محور ما يسمى المقاومة والممانعة وهي تأمل بالحصول على ثمن حمايتها للنظام من خلال اتفاقيات خطوط النقل البري وخطوط الغاز عبر سورية  وتحويل محور إيران العراق سورية لبنان من محور سياسي إيديولوجي إلى محور اقتصادي وهنا يأتي طريق طهران بغداد دمشق بيروت والربط السككي إضافة لخط الغاز الإسلامي العمود الفقري لهذا الربط وعليه يمكن فهم خارطة التمدد الإيراني والتموضع في سورية فهي تنتشر في منطقة البوكمال بوابة الحدود مع العراق والمنطقة القريبة من حقل كونيكو في دير الزور حتى دمشق وفي محيط لبنان واللاذقية، كما تعمل على التغلغل في حلب بوابة عبور الترانزيت مع تركيا ومعبر خطوط الطاقة بين سورية وتركيا وفي الجنوب تنتشر الميليشيات الإيرانية ليس فقط للضغط الأمني على إسرائيل ولكن من أجل الإمساك ببوابة خط الغاز العربي العابر من الأردن إلى سورية ثم إلى لبنان وتركيا، وتعمل ضمن استراتيجيتها على مقاومة الوجود الأمريكي المعطل للمشاريع الإيرانية[10] وإضعاف الوجود الروسي المنشغل في الحرب الأوكرانية، وربط النظام باتفاقيات تجارية واقتصادية تتيح لها التصرف بكامل الجغرافيا السورية وجعل نفسها بوابة أي تفاهم بين الدول العربية والنظام السوري . [11]

4)    تركيا

قبل الثورة السورية وصلت العلاقات التركية مع النظام إلى مستوى متقدم من التنسيق والاتفاقيات التجارية وتم تشغيل سكة حديد القامشلي للشحن تجاه العراق، ولم تكن مصالح تركيا متضررة بوجود النظام فموقع تركيا المتميز على البوابة الشرقية لأوروبا يسمح لها أن تلعب دوراً محورياً في أي اتفاق لنقل الطاقة، لكن مع اشتداد الثورة السورية ورفض النظام لخطة الإصلاح التركية التي قدمها أحمد داود أوغلو للنظام وخوف تركيا من أن تلقى مصير ليبيا حيث فقدت كماً كبيراً من مصالحها بسبب وقوفها مع القذافي بعد سقوط نظامه ولم تشأ أن تكرر الأمر في سورية مما دفعها للانحياز إلى الثورة، لكن مع تعقد الصراع في سورية تحولت الوجهة التركية من استراتيجية إسقاط النظام إلى التطبيع مع النظام لحفظ مصالحها الاقتصادية وإعادة تشغيل طريق m5  وضمن شراكتها في خط الغاز العربي وغاز المتوسط وعدم ترك سورية للنفوذ الإيراني لذلك كان التدخل العسكري التركي هو لمنع إقامة كركادور كردي انفصالي على حدودها الجنوبية يمكن أن يعطل مشاريع نقل الطاقة ويعزل تركيا عن العالم العربي.

5)    قطر

بعد مقتل الحريري ساهمت قطر بشكل كبير في فك العزلة عن النظام السوري وإعادة تأهيله عربياً ودولياً مع زيادة الخلافات بين السعودية والنظام بعد مقتل الحريري كما قامت قطر بتقديم دعم للكثير من المشاريع الاقتصادية والإنسانية خصوصاً بعد انهيار سد زيزون في سورية لكن بالرغم من كل التقارب القطري مع النظام رفض النظام السوري توقيع اتفاق مد خط الغاز القطري التركي عبر الأراضي السورية ومع بداية الثورة السورية كان الموقف القطري متأنياً في الوقوف مع الثورة بعد استنفاذ كل التحفيز والنصح للنظام بتقديم إصلاحات سياسية، لكن مع تعنت النظام واشتداد آلة القمع العسكرية انحازت قطر بشكل واضح ضد النظام وهي الدولة العربية الوحيدة التي لم تطبع حتى الآن مع النظام السوري، ويبدو أن القناعة لدى صانع القرار القطري أن المصالح القطرية لن تمر في سورية بوجود هذا النظام المنحاز كلياً لإيران المنافس الإقليمي الأقوى لقطر في سوق الغاز العالمي .

الخاتمة والنتائج

من الواضح أن سورية لا تعاني فقط من لعنة الجغرافيا والموقع الاستراتيجي على خارطة خطوط الطاقة الإقليمية والدولية وإنما من لعنة النظام السياسي الذي وظف هذه الجغرافيا في الصراعات الإقليمية من أجل البقاء على رأس السلطة حتى مع خسارة الموقع لصالح الدولة التي دخلت لحماية النظام.

ومن هنا يمكن أن نفهم عدم رغبة كل الدول المتدخلة في سورية من تقدم الحل وفق العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة قبل الحسم في الخلافات الجيواستراتيجية ودور سورية المستقبلي في الملف الاقتصادي الذي يشكل الغاز والطاقة عصبه المركزي.

وفي ظل ضعف النظام السوري والمعارضة فإن التفاهمات التي سترسم دور سورية المستقبلي ستحدده الدول المتدخلة وليس أطراف النزاع المحليين.

وهو ما يعني أن سورية باتت بحاجة لثورة تحرر اقتصادي ضد المشاريع الدولية والإقليمية التي تحاول اجتذابها والتي تشابه المشاريع الدولية التي عصفت بها في حقبة الخمسينيات من القرن المنصرم مثل مشروع حلف بغداد وإزنهاور وخطوط التابلين وما كان له من انعكاسات سياسية أدخل سورية في أتون الانقلابات العسكرية الذي انتهى إلى إعدام الحياة السياسية وإبقاء سورية تحت نظام شمولي طائفي لمدة نصف قرن.

ويبقى السؤال العالق كيف يمكن تمرير المصالح  الإقليمية والدولية المتناقضة والمشاريع الإقتصادية  المتعارضة على الجغرافيا السورية من خلال تفاهمات استراتيجية تراعي مصالح الجميع وتوقف الصراع الدولي على سورية .

YouTube player

المراجع:

[1] – إيكو واتش.  الرابط

[2] – وزارة البترول والثروة المعدنية، جمهورية مصر العربية: الرابط

[3] – راجع موقع The Economist  الرابط

[4] – راجع موقع Truthout   الرابط

[5] – راجع صحيفة Guardian News  الرابط

[6] – راجع موقع   RIAC | All rights reserved  الرابط

[7] – راجع موقع سكاي نيوز:  الرابط

[8] – راجع موقع الجزيرة: الرابط

[9] – راجع موقع cnn   : الرابط

[10] – راجع موقع REBAZ FM: الرابط

[11] – راجع موقع الجزيرة: الرابط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى