أبحاث

مستقبل علاقات النظام السوري وإيران أمام متغيرات العلاقات الإسرائيلية الإيرانية

مقدمة:

تنطلق إشكالية البحث من الاستحالة النظرية لقيام علاقة تحالف بين نظام سياسي ثيوقراطي ديني يقوم على أساس تصدير الثورة ويمارس النيابة على إمام غائب ويرى أن مرشد الثورة الإيرانية هو ولي أمر المسلمين وقائم مقام الإمامة العامة  للمسلمين ولا يعترف بالحدود الوطنية للدول، وبين نظام قومي علماني عسكرتاري مغلق، لكن من الناحية العملية شهدنا علاقة تحالف وثيقة بين النظام السوري والنظام الإيراني امتد لأكثر من أربعة عقود من الزمن وهنا يأتي السؤال البحثي عن الجذور التاريخية للعلاقة وتطورها عبر الفترات المختلفة؟ وهل يمكن للنظام السوري فك ارتباطه مع إيران أمام المتغيرات الإقليمية والحرب الإسرائيلية على الأذرع الإيرانية؟ وما هي العوامل التي تؤثر على مستقبل هذه العلاقة؟

كما تنطلق فرضية البحث من تقسيم مراحل العلاقة إلى ثلاث مراحل أساسية تطورت خلالها العلاقة بين سورية وإيران وهي (مرحلة التأسيس، مرحلة التوازن والمصالح المتبادلة، مرحلة التغول الإيراني). كما وضعنا في الورقة استشرافاً للعلاقة وفق أحد ثلاث سيناريوهات: عودة إلى التوازن، القطيعة، أو استمرار الهيمنة الإيرانية.

سنقوم في هذه الورقة بتحليل التاريخ والجذور التي قامت عليها العلاقة ودراسة الملفات والمصالح الرئيسية التي تجمع النظامين ومناقشة مستقبل هذه العلاقة ضمن عدة سيناريوهات محتملة.

الفصل الأول: التاريخ والجذور – ثلاث مراحل للعلاقة

  1. المرحلة الأولى: تأسيس العلاقة في عهد حافظ الأسد (1979–2000)

كانت العلاقة بين النظام السوري والنظام الإيراني قد بدأت من اليوم الأول الذي وصل فيه الخميني إلى السلطة بعد ثورة 1979 في إيران، كانت العلاقة تضع لبناتها الأولى في سياق إقليمي ودولي معقد فقد جاءت هذه العلاقة بعد أن قطع النظام السوري علاقته بمصر على إثر توقيع السادات لاتفاقية كامب ديف مع ملاحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي في نفس العام وتفضيل حافظ الأسد حالة اللاحرب واللاسلم  مع إسرائيل التي تضمن له البقاء في السلطة وجاءت هذه العلاقة مع وصول صدام حسين في العراق إلى السلطة في تموز/يوليو 1979، وإلغائه لميثاق العمل القومي المشترك مع النظام السوري[1] بعد اكتشاف نوايا حافظ الأسد الانقلابية في العراق وتوتر العلاقات بين العراق والنظام السوري ومع هذا السياق الدولي والإقليمي كانت هناك العديد من الصفات والمصالح المشتركة التي هيأت البيئة المناسبة لصياغة التحالف

فمن حيث الصفات كان كلا النظامين ينطويان على عقدة أقلوية دينية في المحيط العربي والإسلامي وهو ما لا يمكن أن يساعدهما على تبوء أي موقع قيادة أو زعامة في المشاريع الجيواستراتيجية الإسلامية أو العمل العربي المشترك وبالتالي كان النظامان يلعبان دوراً وظيفياً في تخريب المشاريع وخلق التوترات في المنطقة خوفاً على وجودهما.

كما كان كلاً من النظام السوري والإيراني يحظيان بدعم ورعاية فرنسية من منطلق الدور التاريخي لفرنسا في حماية الأقليات وتمكينهم من حكم الأكثرية في المنطقة العربية والإسلامية فالخميني كان لاجئاً في فرنسا وفرنسا كانت تستعمر سورية.

ومن حيث المصالح كان النظام السوري بحاجة لحليف إقليمي يعوضه عن خسارة علاقاته مع مصر والعراق كما كان تدخل النظام السوري في لبنان وتشكيل ميليشيا حزب الله “الشيعية” وطرد النفوذ العراقي من لبنان وتفجير السفارة العراقية مصلحة مشتركة للنظامين كما كان النظام السوري يرى في الحرب العراقية الإيرانية التي بدأت عام 1982 فرصة للتخلص من خطر نظام صدام حسين الخطر الأكبر على النظام السوري لذلك قام الأسد الأب بتقديم صواريخ سكود لإيران في هذه الحرب إضافة لاشتراك النظامين في الموقف والعداء من أنور السادات إضافة لتخوف النظام السوري من تركيا التي جمعتها معها علاقة سيئة كما كان موسى الصدر المولود في إيران والذي أفتى بأن الطائفة العلوية جزء من الشيعة الإمامية صديقاً شخصياً لكل من حافظ الأسد والخميني.

بالنسبة لإيران كانت سورية هي بوابة التمدد في العالم العربي الذي نظر للثورة الخمينية بعين الريبة وكان استهداف الطائفة العلوية في سورية هدفاً مركزياً في مشروع تصدير الثورة فقد نشطت جمعية الإمام المرتضى التي تأسست عام 1981 بتشييع الطائفة العلوية جزءاً من العشائر السورية قبل أن يغلقها النظام عام 1983 خوفاً من توغل النفوذ الإيراني في سورية، كانت سورية مهمة لإيران فهي الجسر الذي سيسمح لإيران بتمديد نفوذها إلى لبنان وهي تعتبر مساندة في محاصرة العراق وجزء في مشروع تحالف الأقليات الذي يشكل النظام السوري ونظام الخميني نواته الأساسية ضد المحيط السني وهكذا ترسخت هذه العلاقة منذ زيارة الأسد الأب إلى طهران عام 1982 واستمرت لأربعة عقود ونصف، وبقيت العلاقة في هذه المرحلة علاقة ندية متكافئة يتم فيها تنسيق الكثير من المواقف السياسية مثل الموقف مع الحرب الأفغانية ومن احتلال صدام حسين للكويت مع تقنين النظام لنشاط التشييع الذي بدأت تقوم به إيران في سورية.

  1. المرحلة الثانية: عهد بشار الأسد ومرحلة التوازن (2000–2011)

بعد وصول الأسد الابن إلى السلطة في سورية عام 2000 حصلت الكثير من المستجدات التي رسخت علاقة بشار الأسد مع النظام الإيراني فقد كان للغزو الأمريكي للعراق تحدياً مشتركاً بين النظام وإيران خصوصا مع حديث بوش الابن عن محور الشر وتوجيه تهديدات مباشرة للنظام السوري، وهنا وجد النظام نفسه مضطراً لزيادة التنسيق مع إيران لمواجهات تداعيات الاجتياح الأمريكي المحتمل للعراق وإسقاط نظام صدام حسين خصوصاً مع امتلاك النظام وإيران علاقة جيدة مع المعارضة العراقية، وهو ما ظهر بعد الغزو وزيارة وزير الخارجية الأمريكي كولن بأول في شهر أيار/مايو 2003 ،إلى دمشق وتوجيهه تهديدات شديدة لدمشق بعد معارضة إسرائيل اتخاذ أي إجراءات أمريكية لإسقاط النظام، وهنا دخل النظام وإيران في خط ترتيب المشهد السياسي في العراق بالتعاون مع الولايات المتحدة وإيقاف دعم المقاومة العراقية .[2]

كما كان اغتيال رفيق الحريري رئيس الوزراء اللبناني في 14 فبراير 2005، الذي اتهم به النظام السوري ما أعقبه من قطيعة في العلاقات العربية معه وتشكيل لجنة التحقيق الدولي خاصة بقضية الحريري وما تبعه من إصدار مجلس الأمن للقرار 1559 القاضي بانسحاب سورية من لبنان اضطر النظام لسحب الجيش وبذلك فقد ورقة مهمة في لبنان في هذه الظروف الإقليمية وتصاعد التهديد الغربي للنظام السوري لجأ النظام إلى إيران حليفه الإقليمي لحماية نفسه و كان لابد من التعاون مع إيران لتمرير المصالح السورية الإيرانية عبر ذارعهما المشترك حزب الله الذي استطاع السيطرة على لبنان بعد انسحاب النظام وفرض معادلة سياسية هي استمرار لمعادلة النفوذ السوري . [3]

في هذه المرحلة كان الملف اللبناني ودعم حزب الله في حرب 2006 وملف حركة حماس ودعمها في معركة 2008- 2009 وملف هندسة المشهد السياسي والأمني في العراق من أهم الملفات التي دفعت النظام وإيران لتعزيز تعاونهما وهو ما انعكس لفتح أبواب النفوذ الإيراني في سورية اقتصادياً وثقافياً من خلال فتح الجماعات وزيادة نشاط حركة التشييع وحتى على مستوى التصنيع العسكري والبحوث العلمية التي فتحت أمام الخبراء الإيرانيين.

  1. المرحلة الثالثة: ما بعد 2011 – تغول إيران على النظام

مع بداية الثورة السورية وتعرض النظام السوري لخطر السقوط انخرطت إيران في حرب النظام على الثورة السورية مبكراً من نهاية عام 2011 وحشدت أكثر من 70 ميليشيا طائفية من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان وقدمت الدعم العسكري والأمني عبر المستشارين الإيرانيين والدعم الاقتصادي حيث قدمت أكثر من 40 مليار دولار للنظام وتقديم 3 خطوط ائتمان واستطعت بالتعاون مع روسيا حماية نظام الأسد من السقوط لكن هذا التدخل نتج عنه حالة من التوغل العميق لإيران في بنية النظام السوري ورسخت هذا النفوذ من خلال بناء أكثر من 138 نقطة عسكرية منتشرة في سورية ونقل مصانع صواريخ وأسلحة كما تغلغلت في العشائر السورية ورجال الأعمال ووقعت أكثر من 30 اتفاقية اقتصادية [4]

لكن منذ أن بدأت الحرب في غزة في 7 أكتوبر 2023، بدأت العلاقة تشهد بروداً بين النظام السوري وإيران ويبدو أن النظام يريد إرسال رسالة تشير إلى برود علاقاته مع إيران، في محاولة لكسب دعم المجتمع الدولي وتليين الموقف الغربي والعربي منه في محاولة من النظام لفتح الباب أمام تدفق الأموال العربية إلى سورية التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة

في الواقع إن كل الإجراءات التي اتخذها النظام ضد النفوذ الإيراني في سورية لا تعدو كونها خطوات إعلامية واستعراضية وليست خطوات استراتيجية ذات معنى مثل قرار مكتب الأمن الوطني بفرض قيود على الزوار الأجانب الذين يدخلون المسجد الأموي، واستهداف الزوار الشيعة على وجه التحديد.[5] وتسريب أخبار كاذبة عن إجهاض محاولة انقلابية من قبل الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة على النظام واتخاذ النظام لإجراءات صارمة ضد تحركات حزب الله في سورية ومنع السوريين من التجنيد في صفوف الحزب وهي شائعات هدفها التضليل والاستعراض ولم تمسح مصالح إيران الاستراتيجية في سورية [6]

لكن  من الواضح أن النظام عاجز عن فك الارتباط مع إيران حتى لو كان عنده الرغبة فقد تغلغلت إيران في كل مؤسسات النظام وبنت تحالفات مع شخصيات نافذة داخل النظام ولها نشاطات اقتصادية واجتماعية وعسكرية لا يمكن التخلص منها بسهولة ناهيك أن النظام غير واثق من جدية الغرب في إعادة تأهيله رغم الرضى الإسرائيلي عنه ولم يقبض الثمن المناسب للتخلي عن إيران مع ذلك فإن النظام يستفيد بشكل كبير من الضربات الإسرائيلية التي يمكن أن تحد من التوغل الإيراني في سورية ويعيد ضبط العلاقة مع إيران وإعادتها لحالة التوازن كما كانت عليه قبل 2011 . [7]

الفصل الثاني: مستقبل العلاقة – سيناريوهات محتملة

 

يمكن الحديث عن ثلاث سيناريوهات محتملة لمستقبل علاقة النظام مع إيران

  1. السيناريو الأول: العودة إلى التوازن

بعد وقف إطلاق النار في سورية بداية عام 2020 كان النظام يسعى لتعزيز مركزيته وضبط مؤسساته وتحقيق بعض التوازن في علاقته مع إيران لكن هذا السيناريو غير متعلق بتحقيق تفاهمات عميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وبين إيران من جهة لإعادة هندسة نفوذ ودور إيران في المنطقة وهو ما يعني التفاهم على الدور الإيراني في سورية وليس متعلقاً بقدرة النظام الذاتية على تحقيق التوازن في العلاقة مع إيران.

نأى النظام بنفسه من اليوم الأول عن حرب غزة، وخاصة بعد أن وجهت إسرائيل تحذيراً شديد اللهجة للنظام السوري من تقديم أي مساعدة للمحور الإيراني في حال نشوب مواجهة بين الطرفين ويبدو أن روسيا والإمارات العربية المتحدة، نقلتا الرسالة الإسرائيلية وحثتا النظام على البقاء خارج الصراع ومنذ ذلك الحين، كثفت ضرباتها على أهداف إيرانية في سورية بدون أي رد حتى سياسي من النظام.

وبينما فتح حلفاء إيران في لبنان والعراق واليمن جبهات مشاغلة مع إسرائيل لدعم مفاوضات إيران مع الولايات المتحدة، ظلت جبهة الجولان هادئة بالرغم من تقدم الجيش الإسرائيلي 1000 متر داخل الأراضي السورية.  [8]

ويبدو أن التوازن الذي يلتزم به النظام مرده للعجز وليس لخيارات استراتيجية يتبناها خصوصاً أن النظام السوري لا يرى لإيران أي فضل عليه في تدخلها لحمايته حيث كانت إيران مدفوعة لحماية مصالحها الاستراتيجية وليس لحماية النظام ويبدو أن كلاً من إسرائيل وإيران التي تمثل لهما سورية مساحة مصالح مشتركة ترغبان في تجنيب النظام هذه الحرب المحتملة

  1. السيناريو الثاني: القطيعة مع إيران وتحول النظام السوري إلى محور مختلف

بالرغم من أن فرص تحقق هذا السيناريو ضعيفة جداً لكن في حال فشلت الولايات المتحدة في صياغة تفاهمات استراتيجية بين إسرائيل وإيران وتدحرجت الحرب في غزة ولبنان إلى باقي ساحات النفوذ الإيراني  وتم توجيه ضربات قوية للوجود الإيراني في سورية أو حتى للعمق الإيراني وضرب منشآت حساسة في إيران تشمل المفاعلات النووية والمنشآت النفطية ، – وهو أمر متوقف على قبول إيران بالشروط الإسرائيلية لإنهاء الاستهداف –  مع محافظة النظام على موقفه المحايد من الحرب فإن من شأن ذلك أن يدفع إيران للانكفاء إلى الداخل وإضعاف نفوذها بعد إضعاف أذرعها وضعف هيمنتها على النظام السوري وهو ما يعني فتح الخيارات أمام النظام لبناء تحالفات وتفاهمات جديدة تحفظ وجوده بعد خسارته للحماية الإيرانية والذهاب مطلقاً مع الرؤية الروسية وتحديد تموضع النظام بناءً على تفاهمات روسية إسرائيلية . [9]

  1. السيناريو الثالث: استمرار الهيمنة الإيرانية على النظام

وهو السيناريو المرجح حيث لا تشكل كل تحركات النظام حتى الآن أي تهديد لمصالح إيران الحريصة على ألا تؤدي مناورات النظام مع العرب وإسرائيل إلى الانزياح عن “محور المقاومة” وخروج سورية عن دائرة الهيمنة الإيرانية وهنا تبدو الخطوط الحمراء بالنسبة لإيران هي أن يسعى النظام إلى:

  • الحد من النفوذ الإيراني في جنوب سورية.
  • تقديم النظام معلومات أمنية عن أماكن تواجد المراكز الأمنية الإيرانية في سورية لإسرائيل
  • عمل النظام على قطع التواصل الإيراني مع حزب الله في لبنان
  • كبح إنتاج وتهريب حبوب الكبتاجون.
  • والحد من سيطرة طهران في شرق سورية وهو الطريق الواصل بين العراق وسورية.
  • وكما تخشى إيران أن يؤدي التطبيع إلى تغيير النظام لتحالفاته أو تغيير موقعه الاستراتيجي في خارطة المنطقة. وحتى الآن لم يقم النظام بالاقتراب من هذه الخطوط الحمراء وهو ما يعني استمرار بقاء النظام تحت الهيمنة الإيرانية والتبعية ولا يتصور أن علاقة استمرت لأربع عقود ونصف يمكن أن تنتهي بشهور [10] كما تظن بعض الدول العربية لمجرد أنه قدمت حوافز سياسية للنظام.

خاتمة:

يكتنف مستقبل العلاقات بين النظام وإيران غموضاً شديداً بسبب ارتباط هذه العلاقة بالمعادلة الإقليمية والدولية التي تحكم الشرق الأوسط ، لكن من المؤكد أن إيران لن تتخلى بسهولة عن النظام السوري بعد الجهود المكثفة التي بذلتها لدعمه خلال الحرب التي بدأت في عام 2011 وهي أهم المكاسب الاستراتيجية التي حققتها إيران خلال العقود السابقة، لكن النظام السوري يواجه اليوم متغيرات جيو استراتيجية مهمة ربما تمنحه فرصة وخيارات جديدة لم تكن متاحة من قبل، مثل الانفتاح على العالم العربي، والتواصل مع بعض الدول الغربية، وحتى التوافق بشكل سري مع المصالح الإسرائيلية وهي تحركات في عمومها لا تقلق إيران إن لم تكن على حساب مصالحها في سورية .

لكن من المحتمل في حالة دخول إسرائيل بحرب مفتوحة مع إيران مع سعي النظام للنأي بنفسه عن هذه الحرب أن تعزز موقف النظام في تخفيف وطأة النفوذ الإيراني عليه، لكن بدون إحداث قطيعة مع إيران لأن من شان ذلك أن يعرض رأس النظام للخطر ويدفع بإيران للتخلص منه في حال انقلابه على المصالح الإيراني.

بالنسبة للنظام السوري، يظل تحالفه مع إيران الأكثر استقراراً واستمرارية، فقد وقفت إيران إلى جانب الأسد باستمرار حتى في أحلك الأوقات، وبالتالي، فإن الابتعاد عن إيران ليس من أولويات الأسد، الذي يدرك الأهمية الاستراتيجية لبلاده بالنسبة لطهران ويدرك النظام أيضاً أن المبادرات الغربية والعربية، رغم أهميتها لكنها ليست مجانية وتحمل معها تكاليف باهظة يمكن أن تسهم في إضعاف النظام أكثر.

وتاريخياً، تشكل العلاقة العميقة الجذور مع إيران أهمية كبيرة بالنسبة للأسد، لأن طهران لا تفرض تغييرات أو تحولات سياسية غير مرغوب فيها، وهذا يجعل من الصعب على الأسد قطع العلاقات مع إيران، خاصة وأن التحالف استراتيجي، ومتجذر في التاريخ المشترك، والتهديدات المتبادلة، والمصالح المشتركة، وهي أمور لم يتغير أي منها حتى الآن على الأقل.

وعلاوة على ذلك، فإن نفوذ إيران في سورية متعدد الأوجه ويمتد إلى ما هو أبعد من العلاقات الرسمية. فطهران تمارس سيطرتها بين القبائل في شرق سورية، ولها وجود في حلب من خلال تقديم الخدمات، وتمارس نفوذها في المنطقة الساحلية السورية وعليه فليس من السهل على الأسد أن ينفصل عن إيران. وبالتالي، فهو مضطر إلى طمأنة طهران في حين ينخرط في الوقت نفسه مع العالم العربي، مما يضطره إلى إيجاد نهج دبلوماسي متوازن في الوقت الحالي، لكن المتغيرات السريعة وارتفاع احتمال الانزلاق لحرب شاملة بين المحور الإيراني وإسرائيل فإن فرص النظام بالنجاة تبدو متضائلة خصوصاً مع المخططات الإسرائيلية في تغيير خارطة النفوذ في سورية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

[1] . راجع كتاب عيد الحليم خدام ” التحالف السوري الإيراني والمنطقة ” ط1 عام 2010، دار الشروق، القاهرة .

[2] . إندبندنت عربية: تفاصيل الاجتماع الشهير بين كولن باول وبشار الأسد في دمشق 2003 : 24 مارس 2024

[3] . إندبندنت عربية: اغتيال رفيق الحريري والدم الذي أخرج الجيش السوري من لبنان.: 6 أبريل 2023 .

[4] . معهد الشرق الأوسط: استراتيجية إيران لإنقاذ الأسد دبليو أندرو تيريل مجلة الشرق الأوسط المجلد 69، العدد 2 (ربيع 2015)

[5] . موقع الحرة : سيناريو متفق عليه”.. لماذا قيّد الأسد دخول الأجانب إلى الجامع الأموي؟ 20 مايو 2024

[6] . المرصد السوري لحقوق الإنسان:  تحديات يواجهها “حزب الله” اللبناني في سوريا.. رقابة إسرائيلية تقيّد حرية تنقل سلاحه وامتعاض شعبي وعسكري كبير 9 سبتمبر 2024

[7] . معهد أبحاث الإعلام في الشرق الأوسط،  تقارير عربية عن برود العلاقات بين نظام الأسد السوري وإيران . 19 أغسطس 2024 | بقلم أو. بيري

[8] . i24NEWS: الجيش الإسرائيلي يتوغل داخل الأراضي السورية وسط صمت سوري ، 14 أكتوبر 2024

[9] . صحيفة الشرق الأوسط: هل يفسد «طوفان الأقصى» العلاقات السورية – الإيرانية… أم هو سحابة صيف عابرة؟ 23 أكتوبر 2024

[10] . موقع الحرة: ما قصة الاتفاقية “طويلة الأمد” بين إيران وسوريا؟   ضياء عودة – إسطنبول  10 يوليو 2024

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى