مساع روسية جديدة لتضعيف ملف الكيماوي السوري في مجلس الأمن
تمهيد
انتقد كل من مندوب النظام وروسيا، في آذار 2024، استمرار الجلسات الشهرية في مجلس الأمن الدولي لمناقشة الملف الكيميائي السوري، واتهم مندوب النظام في مجلس الأمن “قصي الضحاك” إصرار دول المجلس على مناقشة الكيماوي السوري متهماً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بتوظيف هذا الملف كأداة سياسية للضغط على النظام، مؤكداً على أن النظام أوفى بالتزاماته ودمر مخزونه الكيماوي بالكامل، وبالتالي فهو يتطلع إلى إغلاق جميع القضايا العالقة وملف الكيماوي بشكل نهائي.
في هذا التقرير سنناقش سياسات النظام وحلفائه من أعضاء مجلس الأمن تجاه ملف الأسلحة الكيميائية ومحاولة تهميش الملف وإخلاء مسؤولية النظام تماماً ومناقشة توسيع بعثات التحقيق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية وما أصدرته من تقارير وردود النظام وحلفائها عليها.
أولاً: سياسات النظام وحلفائه تجاه ملف الكيماوي
1- المحاولات الروسية الصينية لتهميش الملف الكيماوي في مداولات مجلس الأمن
أما الجانب الروسي فقد اعتبر أن مناقشة ملف الكيماوي السوري كل 3 أشهر كاف جداً، مبرراً ذلك بعدم وجود أي تقدم في هذا الملف منذ فترة، وأن الاستمرار في بالتعامل مع هذا الملف بهذه الطريقة يعتبر تبديداً لموارد مجلس الأمن المالية.
رغم أنها ليست المرة الأولى، إلا أن هذه الدعوات وهذا التوجه في التعامل مع ملف الكيماوي السوري يعتبر جديداً نسبياً، حيث بدأت روسيا في بداية عام 2023، بالمطالبة بإسقاط جلسات مناقشة ملف الكيماوي السوري من الجدول الشهري لأعمال مجلس الأمن، وعمدت إلى القيام بذلك خلال فترة رئاستها الدورية لمجلس الأمن في أبريل 2023، وكررت تصريحاتها ومطالباتها بمناقشة ملف الكيماوي السوري بشكل أقل تكراراً عدة مرات، كان أبرزها في أغسطس 2023 عندما وصفت تقارير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية حول سوريا بأنها “بلا قيمة”.
ولم تكن روسيا الدولة الوحيدة التي تبنت هذا النهج في تضعيف ملف الكيماوي السوري في مجلس الأمن بل شاركتها أيضا دول أخرى مثل الصين التي امتنعت في آذار 2023 -إلى جانب روسيا- عن الإدلاء بأي مداخلات في جلسة مناقشة الكيماوي السوري في مجلس الأمن كنوع من الاعتراض على الجلسة.
2- الدور الإماراتي في تمثيل رواية النظام السوري في مجلس الأمن
وكذلك الإمارات التي بدأت تتبنى هذا النهج إلى جانب روسيا منذ بداية 2023، حيث صرحت في كانون الثاني/يناير 2023 على لسان مندوبتها في الأمم المتحدة أن “ملف الكيميائي في سورية من أكثر الملفات المسيسة في مجلس الأمن”، وفي حزيران/يونيو 2023 لدى رئاسة الإمارات جلسات مجلس الأمن، أسقطت الإمارات الجلسة المخصصة لمناقشة ملف الأسلحة الكيماوية من أجندات اجتماعات مجلس الأمن الشهرية – على غرار ما فعلت روسيا قبلها بشهرين-، واكتفت بإدراج الجلسة المخصصة لمناقشة القضايا السياسية والإنسانية.
3- نهج النظام السوري في مواجهة تقارير اللجان الدولية
قبل عام 2023، كان نهج النظام في نفي الاتهامات حول ضلوعه في استخدام السلاح الكيماوي يركز على إنكار وقوع الهجمات الكيماوية من الأساس، أو توجيه الاتهام إلى أطراف أخرى ناشطة في الساحة السورية، والتشكيك في مهنية أو حيادية الجهات المسؤولة عن التحقيق والأدلة أو الآليات التي تستند إليها في تقاريرها، مع التأكيد باستمرار على أن سوريا دمرت جميع مخزوناتها من الأسلحة الكيماوية ومرافق الإنتاج، -بحسب تصريحات النظام السوري-.
4- عرقلة النظام وحلفائه لعمل اللجان الدولية التابعة لمجلس الأمن
عملت روسيا على استخدام نفوذها وصلاحياتها في مجلس الأمن لعرقلة تشكيل لجان وبعثات التحقيق باستخدام الأسلحة الكيماوية، وتحديد صلاحياتها بإثبات حدوث الهجمات بالسلاح الكيماوي من عدمه دون تحديد المسؤول عن تنفيذ هذه الهجمات، واستخدام الفيتو لمنع تجديد ولاية البعثات المعنية بتحديد الجناة.
وقد نجحت جهود النظام وحلفائه خلال السنوات ال 12 الماضية في عرقلة العديد من الجهود الأممية المتعلقة بالتحقيق باستخدام السلاح الكيماوي في سوريا، حيث لا زالت العشرات من مزاعم الهجمات الكيماوية في سوريا قيد التحقيق ولم يتم التثبت منها حتى الآن وحتى تلك التي تم التحقيق فيها وإثبات وقوعها فأغلبها لم يتم تحديد الطرف المسؤول عنها، ناهيك عن اتخاذ إجراءات عقابية بحقه.
ثانياً: توسيع بعثات التحقيق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية
1- تشكيل فريق IIT التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية
لقد كان المنعطف المهم في ملف الكيماوي السوري قد بدأ في 2018 عندما تقرر تشكيل فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT) التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والذي تمتع بآلية وصلاحيات عمل مختلفة إلى حد ما عما سبقه من البعثات، فهو لا يتبع لمجلس الأمن وإنما إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، كما أن صلاحياته لا تقتصر على التحقيق في وقوع هجمات الكيماوي ولكن تتعداها إلى تحديد المسؤول عن هذه الهجمات والأهم أن ولاية هذه البعثة أو الفريق لا ترتبط بمدة زمنية وإنما بالتحقيق في عدد معين من الحوادث ( 9حوادث حالياً تم الانتهاء من 5 منها وجاري التحقيق في البقية).
هذه المميزات التي تتمتع بها هذه البعثة – فريق التحقيق وتحديد الهوية (IIT) مكنتها من التحقيق في حالات استخدام السلاح الكيماوي والمسؤولين، وذلك بدون الحاجة للرجوع إلى مجلس الأمن وتجديد ولايتها كل فترة، وهو ما كان يعطي الفرصة لروسيا لاستخدام الفيتو ومنع تجديد ولاية البعثات السابقة.
2- نتائج تحقيق البعثة التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية
أفضت تحقيقات هذه البعثة (IIT) التي باشرت عملها في يونيو 2019 – إلى إثبات استخدام السلاح الكيماوي في العديد من الهجمات ومسؤولية النظام بالدرجة الأساس وتنظيم داعش عن هذه الهجمات، وتم توضيح تفاصيل هذه الهجمات ونتائج التحقيقات في أربعة تقارير رئيسية قدمتها هذه البعثة -حتى الآن- آخرها كان في شباط 2024.
3- إجراءات النظام وروسيا لمواجهة تقرير البعثة التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
هذا التطور الهام في ملف الكيماوي السوري والذي من المفترض أن يؤسس لآلية واضحة لمعاقبة النظام على جرائمه المرتكبة في هذا الجانب، يثير حفيظة النظام وحلفائه ويدفعهم لتطوير نهجهم في نفي الاتهامات أو الالتفاف عليها ومنع تحولها إلى أساس معتمد في سن المزيد من العقوبات ضد النظام أو اتخاذ إجراءات عملية أكثر جدية ضده، وهو ما دفع روسيا لاتّباع نهج المطالبة بعدم مناقشة تقارير الكيماوي السوري في مجلس الأمن بشكل شهري وإسقاط الجلسات المخصصة لهذا الغرض من أعمال مجلس الأمن الشهرية أو التقليل منها على الأقل.
4- إصرار الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن على استكمال التحقيق في الملف الكيماوي.
وفي مقابل هذا النهج الروسي في مساعدة النظام السوري على الإفلات من المسؤولية وهذه الدعوات من طرف روسيا، تنشط دول أخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن -الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا- في التنديد باستخدام السلاح الكيماوي في سوريا وتدعو باستمرار للتحقيق في هذا الملف وتصر على محاسبة المسؤولين والجناة.
الخاتمة والنتائج
مع تصاعد وتيرة الاتهامات للنظام بخصوص استخدام السلاح الكيماوي، فإنه من المرجح أن يواصل النظام محاولات نفي التهمة وأن تواصل روسيا نهجها في التقليل من شأن التقارير والاتهامات الموجهة للنظام والدعوة إلى تجاوزها وإغلاق الملف، بينما يتوقع أن تستمر الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى كثيرة بإثارة هذا الملف والتلويح بضرورة محاسبة المسؤولين خصوصاً وأن العديد من الهجمات التي تم إثبات وقوعها ومسؤولية النظام عنها وقعت بعد توقيع النظام على اتفاقية الأسلحة الكيماوية في أكتوبر 2013 وبعد الإعلان عن تدمير كامل مخزونه في 2014، مما يضيق الخناق أكثر فأكثر على النظام.
وهذا يعني أن ملف الكيماوي السوري سيشهد المزيد من الاهتمام والتطورات خلال الفترة المقبلة وسيكون محط شد وجذب كبيرين في الأوساط الدولية.
مركز كاندل للدراسات