عملية “ردع العدوان” تغيير خارطة السيطرة في بيئة إقليمية ومحلية معقدة
المقدمة
في 27 نوفمبر 2024، أطلقت فصائل المعارضة السورية عملية عسكرية واسعة تحت اسم “ردع العدوان” في ريف حلب الغربي وريف إدلب الجنوبي، بهدف طرد قوات النظام والميليشيات الإيرانية من هذه المناطق وتحرير مدينة حلب، حتى كانت نتائج العملية سقوط كامل الريف الغربي بيد قوات المعارضة السورية وجزء كبير من ريف إدلب الشرق والمعارك لاتزال مستمرة، مع توقع بفتح محاور جديدة في الشمال السوري من محور مدينة الباب تجاه تادف ومحور مارع تجاه تل رفعت.
يظهر في هذه العملية ثلاث ملاحظات مهمة وهي: الاندفاع السريع لقوات المعارضة حيث استطاعت دخول كامل الريف الغربي لحلب والمدينة خلال 3 أيام والانهيار الدراماتيكي السريع للنظام والميليشيات الإيرانية وبرود الرد الروسي الذي اكتفى بضربات رمزية ومجرد موقف سياسي .
تناقش هذه الورقة السياقات الدولية والإقليمية لعملية ردع العدوان ومصالح الفاعلين الدوليين مثل روسيا والولايات المتحدة والفاعلين الإقليميين مثل تركيا وإيران وإسرائيل والفاعلين المحليين مثل المعارضة السورية والنظام السوري وقوات سورية الديمقراطية والمبحث الثالث يمكن أن يعالج السيناريوهات المحتملة لهذه العملية وهي السيناريو الأول هو استمرار العملية حتى تحرير حلب وإدلب بالكامل بدعم عسكري تركي وسكوت روسي والسيناريو الثاني الوقوف عند حدود اتفاق خفض التصعيد الذي تم توقيعه في عام 2019 والذي لم يلتزم به النظام السوري والميليشيات الإيرانية وتجاوزوها إلى الحدود المعروفة التي كانت قبل بدء عملية ردع العدوان من خلال توافقات تركية روسية والسيناريو الثالث هو أن يستعيد النظام زمام المبادرة ويستعيد كل المناطق التي خسرها من خلال الدعم الروسي والإيراني
المبحث الأول: السياق الدولي والإقليمي للعملية
تأتي هذه العملية في إطار سياق إقليمي ودولي معقد، يتضمن:
- تراجع الدور الروسي في سوية:
منذ تصاعد الصراع في أوكرانيا، بعد تقديم الغرب أسلحة متطورة لأوكرانيا على إثر تدخل جيش كوريا الشمالية في الحرب إلى جانب روسيا يوم 20/10/2024 توجهت روسيا نحو الحرب الأوكرانية بشكل أكبر مع الحفاظ على نفوذها في سورية وتعزيز التفاهمات مع تركيا بشكل أكبر، مما قلّل من تركيزها على الوضع في سورية، خصوصاً مع زياد نشاط تل أبيب في استهداف مقرات حزب الله والميليشيات الإيرانية وعدم إصغاء النظام السوري للعرض الإسرائيلي الذي قدمته عن طريق روسيا للأسد والذي يقضي بوقف طرق إمداد حزب الله بالسلاح. [1] مع ذلك هددت روسيا من أي تحرك عسكري في شمال سورية وقامت بتنفيذ غارات استباقية منذ بداية شهر تشرين الثاني /نوفمبر 2024 كما حذرت من وجود عناصر استخباراتية أوكرانية في إدلب وأشار لافرنتيف منتصف شهر نوفمبر 2024 إلى أن أوكرانيا “تدعم هذه الجماعات عبر إرسال مسيّرات وخبراء لتدريب العناصر على استهداف القواعد الروسية” [2].
- اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وتل أبيب:
تزامنت العملية مع توصل حزب الله وإسرائيل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، وتطبيق القرار 1701 الخاص بلبنان، مما أثر على توازن القوى في المنطقة، وخسارة حزب الله لنصف قوته العسكرية وهو ما انعكس على معادلة الصراع في سورية خصوصاً أن حزب الله منخرط بشكل فاعل في الحرب لجانب النظام منذ عام 2012 [3]
- إنهاك الميليشيات الإيرانية في سورية:
تعرضت الميليشيات الإيرانية لضربات موجعة من تل أبيب في سورية، مما أثر على قدرتها على الدعم الميداني للنظام السوري. 152 استهدافاً إسرائيلياً للأراضي السورية منذ مطلع العام الجاري، منها 126 غارة جوية و26 قصفاً برياً، أسفرت عن إصابة وتدمير نحو 273 هدفاً بين مستودعات للأسلحة والذخائر، ومراكز وآليات[4]، وهو ما أضعف قدرتها العسكرية في سورية وساهم في ضعف أدائها.
- تعثر مسار التطبيع بين النظام وأنقرة:
فشل مسار التطبيع بين النظام السوري وتركيا، رغم الضغوط الروسية على النظام السوري وهو ما دفع بوزير الخارجية التركي هكان فيدان إلى تصعيد لهجته ضد النظام وأشار وزير الخارجية التركي هكان فيدان إلى عدم رغبة النظام في السلام،[5]وهو ما فهم منه البعض أنه تلميح إلى إمكانية لجوء أنقرة إلى خيار الحرب لتحقيق مصالحها بعد تعنت النظام ورفضه لكل العروض التركية التي قدمت له.
- نتائج جولة أستانا:22
انعقاد جولة أستانا بين 10- 11 نوفمبر 2024 دون نتائج ملموسة تتعلق بإقناع النظام القبول بمسار التطبيع مع أنقرة وهو ما يجسد الفشل في التوصل إلى حلول واقعية يمكن أن تحول بدون تفجير الصراع في الشمال السوري من قبل الفاعلين في مسار أستانا،[6] إلا ببيان جوهره ترحيل المشاكل العالقة أكثر من صياغة حلول حقيقية لمشكلة عودة اللاجئين ونشاط ميليشيا قسد في منطقة تل رفعت ضد المصالح التركية ومسار التطبيع بين تركيا والنظام ومواجهة أي تدخل إسرائيلي محتمل في سورية.
- تهديد تل أبيب لنظام الأسد:
قبل أيام من سريان وقف إطلاق النار بين تل أبيب وحزب الله، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية التي استهدفت المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، الهدف من هذه الهجمات كان عرقلة جهود تهريب الأسلحة إلى “حزب الله”، وسائل الإعلام العبرية وصفت هذه الضربات بأنها “تحذير صارخ” لدمشق، مشيرة إلى أن إسرائيل ستتخذ إجراءات صارمة لمنع إعادة تسليح الحزب بالأسلحة الإيرانية عبر الأراضي السورية.
كما حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من السماح بمرور الأسلحة إلى “حزب الله” في لبنان، مهدداً الأسد بتدمير نظامه إذا لم يلتزم بذلك، وأكد نتنياهو أن على الأسد أن يدرك أنه يلعب بالنار بفتح المجال لشحنات السلاح الإيرانية إلى الحزب.[7]
كما وسعت تل أبيب نطاق عملياتها في سورية وقصفت طائراتها يوم 9تشرين الثاني/نوفمبر 2024 مواقع عدة في ريفي إدلب وحلب شمالي غربي سوريا، مما أسفر عن مقتل وجرح نحو 20 عنصرا من القوات الإيرانية وحزب الله والنظام السوري وتدمير مقرات تتمركز فيها هذه القوات في مدينة سراقب شرق إدلب، ومستودعات أسلحة في البحوث العلمية قرب معامل الدفاع بريف حلب الجنوبي.[8]
- وصول إدارة ترامب إلى البيب الأبيض
مع نجاح المرشح الجمهوري ترامب في الانتخابات الأمريكية 5تشرين الثاني /نوفمبر فإن التوقعات تتزايد حول استراتيجية أمريكية جديدة أساسها العودة إلى سياسة الضغط القصوى على إيران وأذرعها في المنطقة والسماح بهوامش لتحرك القوى الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة لكي تلعب دوراً أكبر في المنطقة وهو ما يعني تنشيط الدور التركي في سورية والتخلي عن دعم “قسد ” ويبدو أن المعارضة السورية اقتنصت هذا المتغير واستغلت فرصة سياسة البطة العرجاء في المرحلة الانتقالية للإدارة الأمريكية ورحيل الإدارة الديمقراطية التي كانت تؤمن الغطاء الاستراتيجي للأنشطة الإيرانية في سورية لشن عملية ردع العدوان.[9]
المبحث الثاني: مصالح الفاعلين الدوليين والإقليميين والمحليين
· الفاعلون الدوليون:
روسيا: مع استنزاف الجيش الروسي في أوكرانيا لم تعد سورية تشكل أولوية بالنسبة لموسكو مع الحرص على تجميد الصراع ضمن تفاهمات أستانا ، لكن مع تعنت النظام السوري ورفضه للدخول في مسار التطبيع مع تركيا إن تكاثر الفاعلين الإقليمين والدوليين في سورية جعل روسيا تركز اهتمامها على مصالحها في الساحل السوري بشكل أساسي ، لكن ما يفسر موقف البرود الروسي مع عملية ردع العدوان مجموعة من العوامل يأتي على رأسها:
- أولوية معركة أوكرانيا التي تدخل حالياً في منعطف خطير للغاية واستنزاف القوة الروسية الجوية هناك وضعف القدرة الروسية عن تقديم الإسناد الجوي للنظام.
- امتعاض روسيا من النظام السوري بسبب موقفه المتعنت من الدخول في مسار التطبيع مع تركيا
- شعور موسكو أن النظام لا يصغي للنصائح الروسية في اتخاذ إجراءات لإخراج الميليشيات الإيرانية من سورية والتي تسببت بتحويل سورية إلى ساحة حرب إقليمية.
- لا يرغب بوتين بتقديم إسناد جوي للميليشيات الإيرانية لكيلا يغضب ترامب ونتنياهو في الوقت الذي ينتظر عقد صفقة سياسية مع الرئيس ترامب لحل القضية الأوكرانية
- تشعر موسكو أن النظام استخدم التدخل الروسي لبسط سيطرته على الأرض وبالوقت نفسه أجهض كل المسارات السياسية التي رسمتها موسكو لتحقيق الاستقرار في سورية
- كما لا يرغب بوتين بإغضاب أنقرة والتسبب بدفع المزيد من اللاجئين إلى تركيا
لكن بلا شك فإن روسيا وتركيا ستضع حداً لتمدد الفصائل ولن تسمح بعملية مفتوحة في الوقت الحالي يمكن أن تتجاوز الشمال السوري. [10]
الولايات المتحدة: تدخل الولايات المتحدة حالياً في مرحلة البطة العرجاء حيث ستغادر الإدارة الديمقراطية التي كانت تحرص على استمرار دور الميليشيات الإيرانية في المنطقة ورجوع إدارة ترامب الجمهورية التي تنطلق أساساً من إعادة سياسة الضغط القصوى على إيران وترك ملف شمال غرب سورية ليدار بتوافقات روسية تركية.
· الفاعلون الإقليميون:
تركيا:
لا يبدو أن تركيا منخرطة بشكل مباشر بعملية ردع العدوان من حيث المشاركة العسكرية فهي تحرص على ألا تستفز روسيا في هذه المرحلة خصوصاً مع تعقد الصراع في المنطقة والتخوف الروسي التركي المشترك من التدخل الإسرائيلي في سورية والاعتماد على فواعل محلية معادية لتركيا مثل ” قسد ” لكن لا يستبعد المشاركة بتقديم المعلومات الأمنية للمعارضة لكن ثمة مجموعة من المصالح التركية في هذه العملة التي من شأنها أن تحقق مجموعة من الأهداف.
- القضاء على ” قسد في منطقة تل رفعت وفي أحياء الأشرفية والشيخ مقصود وبني زيد التي تسيطر عليها قسد حيث تتخوف تركيا في حال شغور الشمال السوري من الميليشيات الإيرانية أن يقوم النظام بالسماح لقسد بالتمدد من منبج إلى حلب لتشكل حازم انفصال جديد في وجه تركيا.
- إن سيطرة المعارضة على محافظة حلب وإدلب وشمال حماة من شأنه أن يساعد في إعادة مليون إلى مليون ونصف لاجئ سوري إلى هذه المنطقة
- إن توسيع رقعة سيطرة المعارضة من شأنه أن يعزز نفوذ ودور تركيا في رسم ملامح الحل السياسي النهائي في سورية والضغط على النظام لإرغامه على القبول بالتطبيع مع تركيا
إيران:
تسعى إيران إلى تعزيز نفوذها في المنطقة عبر دعم النظام السوري، ولديها مصلحة كبيرة في استعادة السيطرة على المناطق التي فقدتها.
لكن إيران تدرك أنها غير قادرة على دعم بقاء النظام في حلب بدون إسناد روسي حالياً، خصوصاً مع امتعاض موسكو من السياسات الإيرانية في سورية حيث حولت إيران سورية إلى ساحة مواجهة بالوكالة مع إسرائيل وحولتها إلى طريق لإمداد حزب الله وأجهضت كل التحركات الروسية لتطبيع علاقة النظام مع تركيا .
تعيش إيران حالة انكفاء خصوصاً مع وصول إدارة ترامب ومعاناتها من أزمات داخلية إصافة لإدراك إيران أن دور أدواتها ما دون الدولة قد انتهى في المنطقة وستحاول صياغة علاقاتها مع النظام في الإطار الدولاتي وهو ما يعني أن غاية ما يمكن أن تقدمه إيران للنظام هو الدعم السياسي.
· الفاعلون المحليون:
النظام السوري:
يعتبر النظام السوري من أكبر الخاسرين في هذه المعركة فهو يعيش مأزقاً سياسياً وعسكرياً وأمنياً معقداً فلا هو استطاع السيطرة على كامل التراب السوري ليستعيد شرعيته ولا هو راغب بالمضي في مسار الحل السياسي ولا هو موافق على التطبيع مع تركيا وحلفاء النظام منشغلين عنه بأولويات أخرى مع معاناة من ضعف القدرة على حماية النظام بشكل مستمر وبالتالي فإن قبوله بالتطبيع مع تركيا بعد عملية ردع العدوان سيظهره بمظهر المستسلم المهزوم وعدم القبول يعني خسارة محافظة حلب وعودة المعارضة إلى فاعل مهم على الجغرافيا السورية وفي كلا الحالتين هو في أزمة مضاعفة .
سيحاول النظام حالياً استجداء روسيا المنشغلة بحربها في أوكرانيا منذ شباط/فبراير 2022 في أوكرانيا حيث يقوم الأسد بزيارة غير معلنة لموسكو مع بدء عملية ردع العدوان للتأثير على الموقف الروسي المتراخي لتقديم الإسناد الجوي لقواته في حلب [11] لكن النظام حالياً في مأزق حقيقي فهو لا يرغب بتنفيذ الطلبات الروسية والذهاب للتطبيع مع تركيا بدون شروط مسبقة وسيكون من الصعب القبول بالتطبيع الآن مع بدء عملية ردع العدوان وتقدم قوات المعارضة الأمر الذي سيبدو وكأنه استسلام لأنقرة
فصائل المعارضة السورية:
تعتبر السيطرة على مدينة حلب ضرورية، نظرًا لأهميتها السياسية والاقتصادية والجغرافية بالنسبة للنظام الذي ارتبط استعادته لها بالانتصار على المعارضة نهاية 2016، من شأن هذه السيطرة أن تعزز من أوراق قوة المعارضة في المفاوضات، كما تشكل ضغطًا كبيرًا على النظام للانصياع لمسار الحل السياسي والانتقال بالسلطة.
تسعى فصائل المعارضة السورية من خلال عملية ردع العدوان إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، تتمثل فيما يلي:
- تأتي هذه العملية ردًا على الهجمات شبه اليومية التي تشنها الميليشيات الإيرانية وجيش النظام السوري على المدنيين، منذ توقيع اتفاق سوتشي لوقف إطلاق النار في نيسان 2020، تتضمن هذه الهجمات الاستخدام المفرط للطائرات الانتحارية والنيران المدفعية، حيث كان أحدثها استهداف معهد لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال في مدينة أريحا.
- تهدف العملية أيضًا إلى مواجهة التحضيرات العسكرية للنظام والميليشيات الإيرانية، والذين كانوا يستعدون لشن عمل عسكري على منطقة إدلب، يأتي ذلك في ظل تعزيز التواجد العسكري للفرقة 25، التي ترتبط بقاعدة حميميم الروسية، والتي يقودها العميد سهيل الحسن.
- تسعى المعارضة إلى السيطرة على مساحات واسعة من محافظة حلب وإدلب شمال حماة، مما يسمح بعودة أكثر من مليون نازح إلى ديارهم، يُعتبر هذا تحديًا حقيقيًا، إذ يعيش أكثر من مليون شخص في المخيمات بشمال غرب سوريا منذ عشر سنوات، بلا حلول حقيقية من المجتمع الدولي.
- تستهدف العملية تقويض تمركز حزب الله اللبناني في محافظة حلب (خصوصًا في بلدتي نبل والزهراء) وريف إدلب الجنوبي، يأتي ذلك بعد موافقة الحزب على الانسحاب من جنوب نهر الليطاني بموجب اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، مما يعني أنه سينقل ثقله العسكري إلى الشمال، حيث كان لديه أكثر من 38 نقطة انتشار.
- قوات سوريا الديمقراطية:
تحاول قسد أن تسد الفراغ الناشئ عن انسحاب الميليشيات الإيرانية من حلب ومحاولة وصل حلب بمنبج التي تسيطر عليها قسد والتي تتصل بدورها بمناطق شرق الفرات إلى جبال قنديل وهو ما يعني تشكيل مأزق استراتيجي لتركيا والدخول في دور تخادمي مع إسرائيل لدعمهم خصوصاً مع تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تدعو للاعتماد على الأقلية الكردية في سورية والتحالف معها [12] وفي حال تم وصل هذا النطاق بقاعدة التنف وجبل الدروز في الجنوب فنحن أمام تشكل حلف أقليات في الداخل السوري مرتبط بإسرائيل.
وهنا يبدو أن فصائل المعارضة السورية تهدف إلى قطع الطريق على قسد المنتشرة في أحياء الأشرفية والشيخ مقصود وفي مدينة منبج وفي منطقة تل رفعت من اقتناص الفرصة في حال حدث فراغ في المنطقة نتيجة الانسحاب الإيراني تحت تأثير الضربات الإسرائيلية لاستغلال الفرصة والسيطرة على محافظة حلب بدعم من تل أبيب والولايات المتحدة وإلحاقها بإدارة شرق الفرات.[13] وهو ما يعني أن قسد متضررة من هذه العملية وهو ما يفسر نشاط قسد العسكري ضد فصائل المعارضة قبل العملية [14]
المبحث الثالث: السيناريوهات المحتملة للعملية
- السيناريو الأول: استمرار العملية حتى تحرير حلب وإدلب بالكامل
في حالة كان هناك دعم لوجستي تركي فعال وعدم تدخل روسي لإنقاذ سيطرة النظام على حلب وهو ما يبدو حتى الآن، يمكن للمعارضة السورية أن تحقق تقدمًا كبيرًا في محافظة حلب وإدلب بالكامل وهنا من المتوقع أن تتفق كل من تركيا وروسيا على رسم حدود جديدة لمنطقة سيطرة المعارضة يمكن أن تمهد للذهاب إلى الحل الفيدرالي تتفاهم عليه الدول المتدخلة في سورية على أساس القرار 2254 وبيان جنيف.
- السيناريو الثاني: الوقوف عند حدود اتفاق خفض التصعيد 2019
قد تتوصل الأطراف إلى توافقات تركية-روسية ترتكز على حدود اتفاق خفض التصعيد الذي تم توقيعه في 2019، باعتباره إطار مرجعي للتفاهمات التركية الروسية لكن مع تغيير خارطة السيطرة وتقدم المعارضة إلى مناطق جديدة فإنه من الصعوبة جداً العودة إلى هذه الحدود إلا بتدخل عسكري روسي لا يوجد مؤشرات حتى الآن لوجود هكذا تدخل، لكن الضغط الدولي مع تراجع العملية يمكن أن يدفعهم للامتثال لهذا السيناريو.
- السيناريو الثالث: استعادة النظام زمام المبادرة
في حال تقديم دعم روسي وإيراني مكثف للنظام، يمكن أن يستعيد السيطرة على المناطق التي فقدها، هذا السيناريو قد يؤدي إلى مزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة ويعزز من سيطرة النظام على المناطق الإستراتيجية رغم الخسائر الكبيرة.
لكن هذا السيناريو مستبعد حيث لن تسمح تركيا بعمل عسكري يمكن أن يتسبب بحركة هجرة ونزوح باتجاه تركيا.
الخاتمة والنتائج
تأتي عملية ردع العدوان في سياق إقليمي ودولي ومحلي معقد ويبدو أن العملية تنطلق أساساً من فهم دقيق لهذه السياقات ويبدو أن العملية ليس نتاج تحرك قوى محلية بمعزل عن توجه ودعم تركي لتغيير خارطة السيطرة وإعادة رسم دوائر الصراع واستعادة التوازن بين المعارضة والنظام والقضاء على مشروع قوات سورية الديمقراطية والتمهيد للدخول في مفاوضات مع الإدارة الأمريكية الجديدة حول مستقبل قسد في سورية بناء على الواقع الجديد الذي ترسمه عملية ردع العدوان وهو ما يمهد للضغط على النظام وحلفائه للمضي في مسار حل سياسي جاد ينتهي بتحقيق مصالح جميع الأطراف .
كما أن العملية تتسق مع التوجه الدولي والإقليمي لإنهاء دور الأدوات الإيرانية في المنطقة وتعد عملية “ردع العدوان” من العمليات الحيوية في سياق الصراع السوري، حيث تتداخل فيها مصالح عدة فاعلين دوليين وإقليميين ومحليين، حالياً يعتمد مصير العملية على مجموعة من العوامل، بما في ذلك الدعم الخارجي والتحركات السياسية، وموقف حفاء النظام ورغبتهم بإنقاذ سيطرة النظام لكن من المؤكد لن تذهب العملية إلى حد السماح بإسقاط النظام.
في الوقت نفسه تفرض العملية تحديات كبيرة على عاتق المعارضة واختبار مدى قدرتها على إدارة هذه المنطقة وتقديم نموذج حوكمة مدنية يعطي فارقاً عن النظام السوري.
أهم أهداف التحركات الأخيرة هي:
-إجبار الميليشيات الإيرانية والعراقية على مغادرة سورية (لذلك الحديث عن المؤازرة غير واقعي)
-إعادة التموضع للاعبين الإقليميين الذين شعروا أنهم يستحقون حصة أكبر
-حل جزئي عاجل لمشكلة اللاجئين لكثير من الدول
-جذب كل الأطراف نحو طاولة الحل
ـــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1] . الجزيرة: ما حقيقة استعداد روسيا للعب دور الوسيط بين لبنان وإسرائيل؟ نشر 14/11/2024 .
[2] . الحرة : ماذا وراء المزاعم الروسية بوجود “عناصر استخبارات أوكرانية” في إدلب السورية؟ نشر 18/11/2024 .
[3] . عربي21: تقدير إسرائيلي: نصف قوة حزب الله تأثرت.. وسوريا المرحلة التالية ،نشر 29/11/2024.
[4] . الحرة: ارتفاع حصيلة “القصف الإسرائيلي” على وسط سوريا إلى 100 قتيل ، 23/11/2024.
[5] . الشرق الأوسط: أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سورية ،نشر 22/11/2024.
[6] . تلفزيون سورية: إدلب على طاولة “أستانا 22”.. الدول الضامنة تتمسك بالهدوء وتحذر من “أطراف ثالثة” نشر 12-11-2024.
[7] . تلفزيون سورية: لن تكتفي بضرب شحنات السلاح.. إسرائيل تهدد النظام السوري بدفع “ثمن مباشر” نشر 29/11/2024.
[8] . الجزيرة: أهداف وتفاصيل استهداف إسرائيل مواقع بإدلب للمرة الأولى نشر 9/11/2024.
[9] . الجزيرة: المعارضة السورية متفائلة بفوز ترامب.. ما الأسباب؟ نشر 12/11/2024.
[10] . الجزيرة : الأسد وحيدًا في الميدان.. ماذا يحدث في سوريا؟ نشر 29/11/2024 .
[11] . نورس برس: الأسد في موسكو تزامناً مع اشتعال الجبهة الغربية لسوريا، نشر 28/11/2024.
[12] . الشرق الأوسط : وزير خارجية إسرائيل يدعو إلى توطيد العلاقات مع الأكراد والدروز ، نشر 10/11/2024 .
[13] . الحرة: ” عوامل و5 متغيّرات”.. ما وراء تغير خرائط السيطرة في شمال سوريا ، نشر 28/11/2024 .
[14] . شبكة شام: شهداء وجرحى من “الجيش الوطني” إثر تسلل لميليشيات “قسد” شرقي حلب ، نشر 25/11/11/2024