طوفان الأقصى والمشروع الإيراني وحظر أخوان الأردن: قراءة معمّقة في المشهد الجديد للشرق الأوسط

مقدمة تحليلية
في السابع من أكتوبر 2023، دشنت حركة حماس عملية “طوفان الأقصى”، في حدث مثّل تحولًا استراتيجيًا فارقًا في مسار الصراع العربي-الإسرائيلي، وفي البنية الإقليمية للشرق الأوسط. لم تكن هذه العملية مجرد هجوم عسكري موسع، بل فتحت الباب أمام مراجعات جوهرية للعقائد السياسية القديمة، لا سيما عقيدة “تحالف الأقليات” الإسرائيلية. كما كشفت عن تصدعات عميقة داخل ما كان يُعرف بمحور المقاومة، لتضع إيران أمام خيارات وجودية حرجة. في هذا التقرير، نستعرض التغيرات الكبرى وعلاقتها بمشروع إيران الإقليمي وصعود بدائل سياسية جديدة، أبرزها دمج قوى إسلامية معتدلة في صيغة الحكم الإقليمي.
1. إيران و”طوفان الأقصى”: تحذيرات مسبقة وخيارات اضطرارية
بحسب تقارير نشرها موقع “أكسيوس” Axios ومجلة “فورين بوليسي” Foreign Policy، فقد كانت طهران على علم مسبق بنية حماس شنّ عملية واسعة النطاق، وعملت عبر قنواتها الاستخباراتية والدبلوماسية على ثني قادة الحركة، تحديدًا الجناح القيادي في غزة بقيادة يحيى السنوار، عن المضي فيها، خوفًا من جرّ المنطقة إلى مواجهة مفتوحة تضر بمصالح إيران الإقليمية، خصوصًا ملفها النووي الحساس.
(مصدر)
التناقض الإيراني تجلى في المفاضلة بين:
-
الحفاظ على أدواتها الإقليمية (حزب الله، الحوثيين، الفصائل العراقية).
-
أو حماية برنامجها النووي من الانهيار تحت ضغط تصعيد إسرائيلي-أمريكي.
مصادر استخباراتية غربية (تقارير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS) أكدت أن طهران، تحت ضغط المحادثات الخلفية مع واشنطن (التي استؤنفت بشكل غير مباشر في عمان-مسقط)، اختارت تأجيل المواجهة الكبرى، مما أظهر تصدعًا داخل محور المقاومة، خصوصًا بعد غياب قاسم سليماني، الذي تبيّن أنه كان الضامن الوحيد لتماسكه.
(مصدر)
2. تفكك المحور الإيراني: لماذا الشرق الأوسط فقط؟
تسارع تفكك النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط لعدة أسباب رئيسية:
-
العمق الاستراتيجي لإسرائيل: مع تطور قدرات الفصائل الفلسطينية وحزب الله، وجدت إسرائيل أن السكوت على وجود ميليشيات موالية لإيران على حدودها لم يعد ممكنًا. فتَبَنّت مبدأ الضربات الاستباقية، سواء في سوريا أو العراق أو حتى ضد أهداف بحرية إيرانية، بهدف قطع أذرع طهران قبل أي حرب شاملة.
(معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي – INSS) -
عجز الأنظمة العربية: بعد تراجع المشاريع القومية والسلفية، لم تعد هناك منظومة عربية قادرة على التصدي للمشروع الإيراني، مما مكّن إيران، لفترة طويلة، من التغلغل داخل الشام واليمن.
-
رهان دولي على بديل جديد: تتجه بعض الدوائر الغربية لدعم الإخوان المسلمين كتيار إسلامي “معتدل” يمكن دمجه في أنظمة الحكم المحلية لتقليل جاذبية الجماعات المسلحة الراديكالية.
3. الإخوان المسلمون: البديل المدعوم.. ولكن بشروط
تُظهر أحداث الشهور الأخيرة مؤشرات على محاولات إدماج جماعة الإخوان المسلمين في صيغة إقليمية جديدة:
-
تحييد القيادات الراديكالية: تتحدث تقارير مسربة من الإعلام العبري والغربي عن استهداف منهجي لقادة محسوبين على الجناح الراديكالي في حماس (مثل السنوار)، أو قادة متشددين في حزب الله.
(هآرتس) -
ترويض القيادة الإخوانية: يتم دعم قيادات تقبل بفكرة السلام المرحلي والتطبيع الاقتصادي-الأمني مع إسرائيل، وفق شروط تضمن إنهاء الصراع المسلح تدريجيًا.
-
إعادة تشكيل الأنظمة: سوريا، العراق، اليمن، وحتى غزة مستقبلًا، قد تشهد أنظمة هجينة ذات طابع إسلامي “معتدل” معزول عن مشاريع التمدد الإيراني أو التركي الطموح، بما يخدم الاستقرار النسبي.
تحذير:
الإخوان المسلمون ليسوا كيانًا موحدًا؛ فقد ينقسمون، كما حدث سابقًا بعد 2011، إلى تيارات، بعضها يقبل بالتفاوض والتعايش، وبعضها الآخر يتجه نحو التقوقع أو الانعزال.
4. خلاصة: هل نحن أمام “صفقة إقليمية” جديدة؟
تشير مجريات الأحداث إلى خطة إعادة صياغة كبرى للشرق الأوسط، قوامها:
-
إنهاء الوجود الإيراني المسلح في الجوار الإسرائيلي.
-
تبديل المقاومة المسلحة بتسويات سياسية يقودها إسلاميون معتدلون.
-
صعود تركيا وقطر كراعين جدد للتيارات الإسلامية السلمية.
-
تهجير سكان غزة بشكل ممنهج (مخططات تم تداولها في الإعلام الإسرائيلي عن نقل سكان غزة إلى سيناء أو حلول ديموغرافية أخرى).
(تايمز أوف إسرائيل)
التحديات المتوقعة:
-
نجاح إسرائيل في فرض نموذجها عبر إخوان “مُروّضين”؟
من الصعب الجزم بذلك. التجربة التاريخية مع الإخوان تؤكد أن بنيتهم التنظيمية مرنة وقابلة للانقسام، مما قد يؤدي إلى ظهور أجنحة متشددة رافضة لأي تفاهمات مع إسرائيل، كما حدث مع حركة حماس نفسها، التي انقسمت بين تيارات تقبل التقارب مع إيران وتيارات سلفية جهادية متشددة. -
الرد الإيراني على خسارته الإقليمية؟
الانقسامات داخل إيران باتت أكثر وضوحًا:-
الحرس الثوري يواجه أزمة قيادة بعد مقتل سليماني.
-
المرشد علي خامنئي يواجه معارضة داخلية لمشروع توريث ابنه “مجتبى خامنئي”.
-
الصراع بين المحافظين والإصلاحيين قد يؤدي إلى سيناريو شبيه بثورة خضراء جديدة أو إلى إعادة تشكيل النظام بشكل تدريجي بالتعاون مع الولايات المتحدة.
(مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط)
لذلك، وفي ظل الوضع الراهن، قد لا تستطيع المقاومة الصمود، بل قد تنحني للعاصفة، وهو ما بات واضحًا في سياستها.
أسئلة بحاجة لإجابات:
-
هل لحظر جماعة الإخوان المسلمين في الأردن علاقة بما يجري؟
قد يكون الأردن قد استشعر الخطر من هذا السيناريو، فحظر جماعة الإخوان المسلمين كضربة استباقية لمثل هذه المخططات. -
مصير المشروع النووي الإيراني؟
تتجه إيران إلى القبول ببرنامج نووي سلمي مراقب دوليًا، وفق ما يتم تداوله في جولات التفاوض في عمان، مقابل مكاسب اقتصادية وتخفيف العقوبات، دون التخلي عن قدرتها الكامنة على التخصيب النووي (الاحتفاظ بخيار الاقتراب من العتبة النووية دون تخطيها رسميًا).
مراجع إضافية مقترحة للقراءة:
-
تقرير مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية (CSIS) عن مستقبل محور المقاومة.
-
ورقة معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى عن سياسة إسرائيل بعد 7 أكتوبر 2023.
-
تقارير “هآرتس” و”جيروزاليم بوست” عن عمليات تصفية قيادات حماس وحزب الله.
-
تحليلات “فورين أفيرز” و”فورين بوليسي” حول المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية.