مقدمة
لم تكن تحركات الأمم المتحدة لتفعيل صندوق التعافي المبكر وجعل مقره في دمشق وتمرير الدعم العربي والغربي للنظام عن طريق هذه الصندوق مجرد حدث إنساني منفصل عن التطورات السياسية التي تشير إلى صفقة ما في الملف السوري حيث تم رصد عدد من الخطوات والمواقف الدولية والإقليمية في سياقات حساسة تجاه الملف السوري هذه المواقف تنذر بالتحضير لصفقة ربما يكون النظام السوري أحد أركانها ويبدو أن هذه الصفقة ستقوم على أساس تجاوز القرارات الدولية 2254 وبيان جنيف ومسار اللجنة الدستورية للحل السياسي وكل المسارات الرسمية التي ترعاها الأمم المتحدة، إن كان بتأويلها أو إصدار بدائل عنها بعد الإعلان عن عدم صلاحيتها لحل الأزمة السورية والذهاب إلى تسوية يتم فيها تأهيل النظام السوري واحتواء المعارضة ضمن هذه التسوية من خلال سياسة الضغط القصوى وتفكيك مؤسسات المعارضة من داخلها.
في هذا التقرير سنقف عند العديد من المتغيرات والمؤشرات التي تدل على التحضير لهذه الصفقة.
أولاً: توجهات جديدة للولايات المتحدة تجاه الملف السوري
لقد عمدت إدارة بايدن إلى رفع الفيتو بوجه قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد ففي يوم 1أيار/مايو 2024 قال مسؤول السياسات في التحالف الأميركي من أجل سورية محمد علاء غانم إن البيت الأبيض ارتكب ما وصفها بالفضيحة بتدخله في اللحظة الأخيرة من أجل سحب مشروع مناهضة التطبيع مع نظام الأسد من حزمة تشريعية بعدما كان مجلس الشيوخ وافق عليه بالأغلبية وسيقرها ضمن حزمة من القوانين المستعجلة وكشف غانم أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن هددت بإيقاف كل المفاوضات المتعلقة بمساعدات لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان وحظر تطبيق “تيك توك” وعقوبات على إيران إذا لم يتم سحب مشروع القانون ضد النظام السوري.[1]
يتضح من سياسة إدارة بايدن حيال الملف السوري عدم رغبتها بتشديد الخناق على نظام الأسد وإعطاء فرصة للدول العربية لكي تسير في خطة الخطوة مقابل خطوة مع النظام السوري ولا ترغب باتخاذ أية إجراءات من شأنها أن تعطل المسار العربي تجاه النظام.
كما تشير بعض المعلومات أن الولايات المتحدة فتحت قنوات اتصال أمنية مع النظام السوري[2] حيث أعلن رئيس النظام بشار الأسد الحفاظ على قناة التفاوض الدائمة مع واشنطن، حيث بات النظام يعقد بين حين وآخر لقاءات مع ممثلي الإدارة الرئاسية الأمريكية رغم عدم وجود علاقات رسمية بين البلدين. بحسب تقرير نشرته صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية بتاريخ 22 من نيسان 2024.
هذه الخطوات تعكس عدم رغبة الولايات المتحدة مس الوضع الجيوسياسي في سورية بل على العكس يبدو أن السياسية الجديدة هي مد النظام السوري بالمزيد من أسباب الحياة والبقاء بناء على الرؤية الإسرائيلية الراضية عن النظام.
ثانياً: النظام السوري السوري يتخذ خطوات تجاه السويداء وشرق الفرات
1) النظام السوري يحشد قواته العسكرية على محافظة السويداء
في نهاية شهر نيسان إبريل 2024 أرسل نظام الأسد وميليشياته تعزيزات عسكرية ضخمة ضمت قوات من “الحرس الجمهوري” و”الفرقة 15″، ومجموعات تتبع لـ”لواء القدس” و”فاطميون”، وقد وصل عدد الآليات إلى نحو 100 آلية مكوّنة من دبابات وعربات نقل جنود وسيارات مزودة برشاشات متوسطة وثقيلة وحافلات تحمل ضباطاً وصف ضباط وعناصر[3]، توزعوا على الأطراف الشمالية والغربية للمحافظة ضمن مطاري خلخلة والثعلة، وفوج 44 [4]، بالإضافة لتموضع جزء منها في الفوج 127 قوات خاصة بين قريتي رساس والعفينة والفوج 404 شرق القريات، والفوج 405 شرق المجدل، والفوج 157 بين قريتي الصورة ولاهثة وضمن الأفرع الأمنية ومقار عصابات المخدرات والخطف المنتشرة في المحافظة [5] فيما نُقل جزء من هذه القوات إلى داخل حدود المدينة.
لقد تمت قراءة هذه الحشود من قبل النظام على أنها تأتي بضوء أخضر غربي عرفاناً للنظام السوري من موقفه من الحرب على غزة رغم نفي بعض الأوساط الغربية أن تكون تحركات النظام العسكرية تجاه السويداء جاءت بموافقة غربية.
2) رسائل متبادلة بين قوات سورية الديمقراطية والنظام وإيران
في يوم 21 أيار /مايو 2024 قدّم الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لقوات سورية الديمقراطية “قسد”، الثلاثاء، التعازي لإيران بمصرع رئيسها ومرافقيه بتحطّم مروحية[6]
وفي يوم 25 أيار/مايو 2024 نقلت صحية الإندبندت عربي أن بشار الأسد كشف في اجتماع مغلق مؤخراً، عن نيته الوصول إلى حلول سياسية مع “الإدارة الذاتية” في شمال شرق سورية، خلال “أشهر قليلة، وليس سنوات”. ونقلت صحيفة “إندبندنت عربية” عن المصدر (لم تسمه)، أن الأسد استبعد خلال اجتماع حزب “البعث” الحاكم في سورية، الذي عقد مؤخراً، الحل العسكري في التعامل مع الإدارة الذاتية. “.[7]
بالمقابل، أكدت الرئيسة المشاركة لدائرة العلاقات الخارجية في “الإدارة الذاتية” إلهام أحمد، وجود بعض الرسائل يتم تبادلها مع دمشق، من دون الكشف عن فحواها، وأعربت أحمد، عن أملها “في أن تلقى نتائج إيجابية في المستقبل القريب كون ذلك يخدم مصلحة سورية ومصلحة شعبها”. واستبعدت المسؤولة “أي انفتاح آني”، لكنها تطلعت في الوقت نفسه إلى أن ترى دمشق مشروع “الإدارة الذاتية” كما هو، بوصفه “مشروعاً وطنياً سورياً وله أهداف وطنية سورية”. وأشارت إلى استمرار القراءة “غير الواقعية” من قبل دمشق للحالة السورية ولمشروع “الإدارة الذاتية. [8]
منذ سنوات يتكرر الحديث عن مفاوضات قائمة بين “الإدارة” والنظام السوري، لكن تفاصيلها لم تظهر للعلن، كما لم تتضح الحالة التي وصلت إليها هذه المحادثات التي تحدثت تسريبات عن تعطلها عام 2023.
ويبدو أنه ثمة صفقة أمريكية مع النظام السوري تلبي المصالح الإسرائيلية من خلال اعتراف النظام السوري بوضع خاص للإدارة الذاتية في شمال شرق سورية وهو ما تسبب بإزعاج تركيا ووقف اللقاءات الأمنية بين تركيا والنظام وغياب التصريحات التركية عن ضرورة التطبيع مع النظام السوري.
ثالثاً: خطوات عربية متسارعة تجاه التطبيع مع نظام الأسد.
بعد لقاء بشار الأسد مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على هامش القمة العربية يوم 16 أيار/مايو 2024 عيّنت السعودية، فيصل بن سعود المجفل سفيرا لها لدى دمشق في خطوة جديدة ضمن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد عقد من القطيعة على إثر غلق الرياض سفارتها في سورية بعد انطلاق الثورة السورية 2012 [9] وجاءت هذه الخطوة بعد تعيين النظام السوري لأيمن سوسيان سفيراً للنظام السوري في الرياض قبل شهور.
وكانت السعودية قد سبقت هذه الخطوة بإعادة ملف الحج إلى النظام السوري لموسم 2024 كما قامت الرياض- بطريقة ما- بتزويد النظام بقطع غيار من أجل تأهيل الأسطول الجوي للنظام السوري.
هذه الخطوات السعودية المتتالية تعكس التوجه الاستراتيجي للسعودية نحو تصفير المشاكل مع طهران والخلاص من الابتزاز الأمريكي بالخطر الإيراني على الخليج ويبدو أن الصفقة مع إيران شملت النظام السوري بعد أخذ الضوء الأخضر من الولايات المتحدة.
رابعاً: تركيا تتحسس الصفقة وتعود لخطاب المجابهة.
في يوم 22 أيار مايو 2024 تركيا تنشر في الجريدة الرسمية لوائح مكونة من 52 صفحة حول الإجراءات المتبعة “في حالة دخول تركيا في حالة الحرب وإعلان التعبئة العامة ” [10] وهو ما عكس حالة من التحسب التركي للتدخل العسكري تجاه أي خطوات أمريكية شرق الفرات من شأنها أن تزعزع الأمن القومي التركي بحسب المراقبين.
وفي يوم 26 أيار /مايو 2024 اعتبر مصدر تركي -للجزيرة نت- أن الانتخابات -التي تنوي الإدارة الذاتية شمال شرقي سورية تنظيمها في شهر حزيران /يونيو 2024 في مناطق سيطرتها- غير شرعية وتتعارض مع وحدة الأراضي السورية وتهيئ لانفصال تلك المناطق عن بقية سورية.[11]
من الواضح أن هذه التصريحات التركية الحادة تجاه السياسات الأمريكية في المنطقة بعد أن شهدت العلاقات بينهما مرحلة من التحسن في أعقاب الحرب على غزة وما رافق ذلك من تحديث طائرات F 16 ورفع حظر السلاح عن تركيا واستلام تركيا لدفعة من الطائرات بعد الموافقة التركية على انضمام السويد لحلف الناتو والموقف التركي المحايد من الحرب يدلل على وجود متغير خطير ومهم بالنسبة لتركيا أدى إلى رفع النبرة الغاضبة من قبل تركيا تجاه الولايات المتحدة تتعلق بالملف السوري بشكل أساسي.
حيث صرح الرئيس أردوغان في يوم 30 أيار/مايو 2024 أن تركيا لن تسمح أبداً للتنظيم الانفصالي بي كي كي بإقامة “إرهاب ستان” في الجانب الآخر من حدودها الجنوبية شمالي سورية والعراق.[12]
الخاتمة
يبدو أن تموضع النظام السوري الإيجابي بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة في حرب 7 أكتوبر 2023 على غزة نال تقديراً كبيراً من الولايات المتحدة التي سعت إلى عدم توسع المواجهة إقليمياً، ويبدو أن النظام السوري اتبع ذلك بتوافقات مع قوات سورية الديمقراطية ليفتح من خلالها قنوات تواصل مع الولايات المتحدة التي رفضت تشديد العقوبات على النظام من خلال تجميد قانون مناهضة التطبيع والدفع لتنشيط الحديث عن مشروع التعافي المبكر الذي من المتوقع تحولها إلى بوابة إنسانية لمساعدة النظام.
إن التحول التركي المفاجئ في الموقف من الحرب على غزة بعد أن كان صامتاً حيالها لم يكن تحولاً مرتبطاً بالانتخابات البلدية فقط وإنما برصد سياسات عدائية من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل والنظام السوري في ملف شرق الفرات تجاه تركيا دفعها للتلويح مراراً باقتراب أجل العملية العسكرية في شمال شرق سورية وتأسيس غرفة عمليات مشتركة مع الجيش العراقي والتنديد المستمر بدعم الولايات المتحدة لقوات سورية الديمقراطية بعد أن قام التحالف الدولي بنقل ترسانة كبيرة من السلاح لقوات سورية الديمقراطية.
إن تسارع الخطوات الطبيعية مع النظام ودخول الأردن بحوار مباشر مع إيران كما أعلن ولي العهد الأردني يبدو أنه صدىً لتفاهمات إيرانية أمريكية جرت في سلطنة عمان وكانت عملية ضرب طائرة الرئيس الإيراني هي لإجهاض هذه التفاهمات التي قد تضر بالمصالح الإسرائيلية أو الروسية خصوصاً مع اقتراب إيران من عتبة تصنيع القنبلة النووية.
كل هذه المؤشرات تنم على وجود تفاهمات غير مكتملة بين الجانب الإسرائيلي الأمريكي من جهة مع جانب النظام السوري من جهة أخرى الذي بدأ بإحداث تحولات بنيوية تعيد مركزية النظام القوية وتبعده عن دوائر النفوذ من قبل حلفائها – روسيا وإيران- التي امتنع رئيس النظام السوري من المشاركة في تشيع رئيسها بسبب التقديرات الأمنية لسلامته وهو ما يعني أن النظام السوري بدأ في هذه الصفقة بالتحول الفعلي من محور الممانعة إلى التموضع في محور التطبيع بدون تطبيع رسمي وهو ما يعني ترتيب المنطقة بطريقة تكون فيها تركيا والمعارضة السورية هما الخاسر الأكبر.
خصوصاً أن هذا التحول الأمريكي سيتبعه ضغط عربي وأمريكي مزدوج على قطر لوقف دعمها لمؤسسات المعارضة السورية والسير ضمن المسار الأمريكي الجديد وهنا لا يمكن الجزم بقدرة قطر على الصمود تجاه هذا الضغط المزدوج.
#مركز_كاندل_للدراسات
[1] – موقع الجزيرة: التحالف الأميركي لأجل سورية: بايدن يحمي نظام الأسد سرا . 1/5 /2024
[2] – تلفزيون سورية : قنوات تواصل للنظام السوري مع واشنطن والغرب والفجوة تتسع مع طهران 7/5/ 2024
[3] – ما الرسائل التي تحملها التعزيزات العسكرية “غير المسبوقة” إلى السويداء؟، موقع الحرة، 30/4/2024 .
[4] – مقابلة أجراها تلفزيون سورية مع قائد تجمع أحرار جبل العرب ضمن برنامج “ما تبقى“، تلفزيون سورية ، 2/5/2024 .
[5] – أين توزعت التعزيزات العسكرية الحكومية على مدار الأيام السابقة في السويداء؟، موقع نورث برس، 29/4/2024.
[6] – موقع نورث: الجنرال مظلوم عبدي يعزي بوفاة الرئيس الإيراني . 12/5/ 2024
[7] – صحيفة الاندبندت عربي : هل ينوي الأسد بدء حوار مع الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية ؟ . 25/5/ 2024.
[8] – عنب بلدي : رسائل بين النظام و الإدارة الذاتية
[9] – وكالة الأنباء السعودية
[10] – منصة X حساب
@Mehmetcanbekli1
[11] – موقع الجزيرة: مصدر تركي: الانتخابات شرق الفرات في سورية مقدمة لانفصال كردي
[12] – موقع TR99 : تصريح للرئيس أردوغان