اقتصاد

دور النظام السوري في الأزمة الاقتصادية

تقرير تحليلي

ضرورة الحل السياسي وعبثية الحل الاقتصادي

كاند للدراسات

المقدمة:

دخل الاقتصاد السوري في مأزقٍ حرج منذ بداية الثورة في منتصف مارس 2011، حيث خرجت العديد من المناطق عن سيطرة النظام، وبدأ النظام يستخدم موارد الدولة وقوتها لتمويل الآلة العسكرية ومحاولات استعادة المناطق الفاقدة، هذا أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية وتحول الاقتصاد السوري تدريجيًا إلى “اقتصاد النزاع”، حيث شهدت سورية تدميرًا هائلاً للبنية التحتية وفقدانًا كبيرًا للمقومات الاقتصادية، وتحولت هذه المقومات إلى مصادر لاستدامة العنف، بما في ذلك التجارة غير الشرعية والاحتكار وتهريب السلع.

تأثر المواطنون السوريون بشكل كبير جراء هذه الأزمة الاقتصادية، حيث فقد مئات الآلاف منهم وظائفهم ومصادر دخلهم، ونزح الملايين من منازلهم، وهُجِّروا خارج البلاد، فيما زادت أعمال العنف والاستغلال والتهريب والأنشطة غير الشرعية، مما أثر سلبًا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

بعد استعادة النظام لمناطق واسعة في عام 2018، بدأ يروج لمرحلة إعادة الإعمار ويدعو المجتمع الدولي لرفع العقوبات المفروضة عليه خلال فترة النزاع. ولكن بدلاً من تحسين الأوضاع الاقتصادية، فقد تم فرض المزيد من العقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في عام 2019، مستهدفة مؤسسات النظام وشخصيات قريبة منه، هذا أدى إلى انهيار مستوى المعيشة بشكل كبير، وارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة، وزيادة معدلات الفقر والحرمان بين السكان.

على الرغم من توقف المعارك في مارس 2022 بين المعارضة والنظام، إلا أن مؤشرات الانهيار الاقتصادي لم تتوقف عن الارتفاع ولم تحظ الدول الداعمة للنظام بالنجاح في تقديم دعم اقتصادي يمكن أن يخرج النظام من وضعه الصعب، ولم تفلح جهود التطبيع العربي  بعد كارثة الزلزال في شباط/فبرير 2023 وعودة سورية إلى الجامعة العربية في مؤتمر جدة في أيار/ مايو 2023 في فتح صفحة جديدة بين العرب والنظام السوري، وظلت التهديدات الأمنية قائمة، بما في ذلك قضايا مثل تجارة المخدرات ومشكلة اللاجئين، ملفات يرفض النظام التفاوض حولها مقابل الانفتاح الاقتصادي والسياسي.

في 12 سبتمبر 2023، حاول النظام السوري كسر العزلة الدبلوماسية والحصار السياسي المفروض عليه من خلال زيارة إلى الصين، التي تُعتبر شريكًا موثوقًا لسورية، خاصة في المجالات الاقتصادية وإعادة الإعمار، وقد روّجت هذه الزيارة للآمال في الحصول على دعم اقتصادي يمكن أن يساعد في تحسين وضع النظام، ورغم ذلك، لم تتحقق الفوائد الاقتصادية الملموسة المتوقعة، وبقيت الأوضاع الاقتصادية تتدهور دون تحسن يذكر.

في هذه الورقة سنحصر ونحلل الأسباب الداخلية والخارجية للأزمة الاقتصادية السورية مع تقييم دور النظام السوري في تعميق الأزمة الاقتصادية وتقديم توصيات لمعالجة الأزمة الاقتصادية تشخص الأزمة الاقتصادية كفرع ونتيجة للأزمة السياسية والأمنية التي تعاني منها سورية منذ عقد.

الفصل الأول: أسباب الأزمة الاقتصادية السورية

أولاً العوامل الداخلية:

لعبت الكثير من العوامل الداخلية في تفاقم الأزمة الاقتصادية في سورية

  • خسائر حرب النظام على الشعب السوري.

وفقاً لتقرير أصدرته اليوم وكالة المعونة الدولية، World Vision، التي عقدت شراكة مع Frontier Economics، لتطوير النتائج الاقتصادية في   4نيسان/مارس 2021 تقدر التكلفة الاقتصادية للصراع في سورية بعد 10 سنوات بأكثر من 1.2 تريليون دولار أمريكي، وحتى لو انتهت الحرب اليوم، فإن تكلفتها ستستمر في التراكم لتصل إلى 1.7 تريليون دولار إضافية من أموال اليوم من خلال حتى عام 2035 [1]

  • العقوبات الدولية.

العقوبات الأولية الأمريكية على النظام هي الأشد، حيث تحظر تقريبًا جميع العلاقات التجارية والمالية بين الولايات المتحدة والنظام، مع استثناءات معينة لفئات معينة من المساعدات الإنسانية، مثل الغذاء والدواء، وحظر استخدام النظام المالي الأمريكي من قبل البنوك والشركات الأجنبية لمعالجة المعاملات المتعلقة بسورية، في العام 2019، فُرضت عقوبات ثانوية بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، المصمم لحظر فئات معينة من التجارة مع دول ثالثة.

سمح هذا القانون بفرض عقوبات على شركة في بلد آخر إذا شاركت في معاملات معينة مع النظام والكيانات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة السورية، بالإضافة إلى شركات، وشخصيات، وكيانات سورية أخرى تخضع للعقوبات، ويشمل ذلك الشركات التي تدعم إنتاج النفط والغاز لحساب الحكومة السورية، وخدمات البناء والهندسة، ما يعطل فعليا جهود إعادة الإعمار.[2]

لكن هناك مجموعة متزايدة من الآراء في أوساط بعض خبراء الأمم المتحدة، والباحثين في الشأن السوري، وخبراء الاقتصاد السوريين بأن النظام السوري عمل على تحميل تفاقم أزمة الاقتصاد المدنيين السوريين العبء الأكبر.

  • سوء الإدارة الاقتصادية للنظام السوري.

مع بداية الحرب في سورية لجأ النظام إلى اقتصاد الظل الذي يديره أمراء الحرب من قادة الميليشيات والشبيحة لتأمين موارد خاص بهم حيث بدأ النظام بترقية بعض المقربين منه للعمل كواجهة اقتصادية لعائلة الأسد، وفي سبيل تكوين ثروة لهم وللعائلة الحاكمة، انخرط هؤلاء المساعدين في نشاطات من قبيل مصادرة الأراضي والعقارات، والتجارة بالنفط مع تنظيم “داعش” وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، التي تسيطر على الحقول النفطية لكن مع وقف الأعمال القتالية بدأت أسماء الأسد بتصفية أثرياء الحرب وبناء شبكة اقتصادية خاصة بها وبإدارتها.

ونشرت صحيفة “فاينينشال تايمز” تقريراً مفصلاً عن مجلس سري تقوده أسماء الأسد من داخل القصر الرئاسي، يتولى مهمة الهيمنة والتحكم باقتصاد سورية، لإثراء عائلة الأسد وتمكين نفوذها إلى جانب تأمين التمويل لعمليات النظام السوري خصوصاً بعد استيلاء أسماء على شركات رامي مخلوف وبات هناك مكتب خاص في القصر الجمهوري يشرف على التجار والأسواق في سورية يتبع لها مباشرة.

واعتمد تقرير الصحيفة على مقابلات مع 18 شخصية على دراية بآليات عمل النظام، بينهم رجال أعمال ومديرو شركات وموظفون في المنظمات الإغاثية ومسؤولون سابقون في مؤسسات النظام[3] وهو الامر الذي تسبب بهروب الكثير من رؤوس الأموال والاستثمارات من سورية فقبل، ففي سنة 2021 غادر 47 ألف صناعي مناطق سيطرة النظام السوري في مدينتي حلب ودمشق -بحسب عضو اتحاد غرف الصناعة في سورية مجد ششمان- في الوقت الذي يستمر النظام في سياسة التضييق والحل الأمني.[4]

ثانياً: العوامل الخارجية:

  • انهيار النظام الاقتصادي اللبناني.

بدأ انهيار القطاع المصرفي اللبناني بالفعل في الإثراء بشكل كبير على الاقتصاد السوري وخصوصاً على تجارة الترانزيت وتحويلات الأموال عبر المصارف اللبنانية كما أدت الأزمة الاقتصادية في لبنان إلى تدهور كبير في قيمة الليرة اللبنانية (LBP)، مما أثر على بيئة سعر صرف الليرة السورية (SYP) أيضًا، ومع فقدان الليرة اللبنانية لقيمتها، زاد الضغط على الليرة السورية وتسبب في تدهورها أيضًا، مما أدى لارتفاع التضخم وزيادة تكاليف الواردات في سورية، كما جعلت من الصعب والمكلف استيراد مصادر الطاقة، مما أثر على قطاع الطاقة والنشاط الاقتصادي العام.

كما أدت الأزمة إلى تجميد الأصول أو جعل من الصعب على السوريين الوصول إلى أموالهم أو إجراء المعاملات المالية الدولية.

بعد قانون قيصر اعترف النظام السوري أن الأزمة الاقتصادية ليس لها علاقة بالعقوبات، ولكن بسبب سحب التجار أموالهم ووضعها في البنوك اللبنانية التي أعلنت إفلاسها وتقدر الأموال بأربعين مليار دولار. [5]  والتي ذهبت نتيجة لانهيار المصارف اللبنانية عام 2019 لكن لم يتحدث النظام عن سبب نقل التجار أموالهم إلى لبنان وهو تسلط الميليشيات التابعة للنظام على ميناء طرطوس واللاذقية وأخذ الرشاوي والاتاوات على أي بضاعة تدخل للبلد لذلك لجأ الكثيرون منهم إلى ميناء بيروت.

  • الحرب الروسية الأوكرانية.

حدث الانهيار الاقتصادي في سورية بالفعل بسبب أضرار الحرب والنزوح على نطاق واسع وسوء الإدارة والعقوبات وفيروس كورونا وتداعيات الانهيار المالي في لبنان. وحتى قبل الحرب في أوكرانيا، كان 90% من سكان سورية  يعيشون في فقر، وكان ثلثاهم يعتمدون على المساعدات الإنسانية، وكان 55% يعانون من انعدام الأمن الغذائي،  وفي كانون الأول/ديسمبر 2021، حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة من خطر المجاعة على خلفية الجفاف الشديد والانخفاض الحاد في محصول القمح في سورية وفي وقت مبكر من الحرب، أعلنت روسيا أنها لن تفي بالتزامها الذي تعهدت به في كانون الأول/ديسمبر 2021 بتسليم القمح إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري والتي كان من المفترض أن تسد الفجوة، وهو ما دفع بالنظام لاتخاذ المزيد من الإجراءات التقشفية ورفع الدعم عن الأفران [6]

  • العقوبات الغربية على حزب الله وإيران وقانون قيصر

قيدت عقوبات قيصر جهود الدول التي تسعى لاستعادة الشرعية للنظام ودعمه مالياً، بدأ عام 2019 بفرض عقوبات أوروبية على شركات البناء ورجال الأعمال الذين لهم صلات بالنظام، وبذلك ارتفع إجمالي عدد الأفراد والكيانات السورية المشمولة بالعقوبات الأوروبية إلى 270 شخصًا و72 كيانًا.

شهدت عام 2019 استمرار فرض العقوبات من قبل الولايات المتحدة وأوروبا ضد النظام وإيران ولبنان، تم التحذير من التجار والدول التي حاولت المشاركة في معرض دمشق الدولي في عام 2019 من تبعات العقوبات، وأصبح من الصعب بالفعل وصول ناقلات النفط الإيرانية إلى الموانئ السورية بسبب العقوبات الأمريكية على إيران والقيود المفروضة على المساعدات الإيرانية الموجهة إلى سورية .

بالإضافة إلى ذلك، ساهمت العقوبات المفروضة على هيئات مالية تنتمي لحزب الله في لبنان في تقييد تدفقات الأموال المالية المتجهة إلى سورية، وفي نهاية العام، أقر قانون قيصر الأمريكي [7]الذي فتح بابًا جديدًا من التشديد على الاقتصاد السوري والنظام، وقد شمل هذا القانون عقوبات قياسية ضد أي فرد أو كيان أو دولة تقدم دعمًا للنظام في مجال إعادة الإعمار [8]

الفصل الثاني: دور النظام السوري في الأزمة الاقتصادية

أولاً: سياسات النظام الاقتصادية:

لجأ النظام السوري على مجموعة من الإجراءات الاقتصادية بهدف تأخير الانهيار لكن بنفس الوقت كان لها أثر مدمر على الاقتصاد منها زيادة الجباية والضرائب على التجارة والمغتربين والوثائق الرسمية وذلك من خلال زيادة التعرفة الجمركية على السلع المستوردة لزيادة الإيرادات الحكومية– و  بدلات الخدمة العسكرية للمغتربين حيث تم فرض رسوم على الخدمة العسكرية للمغتربين كوسيلة لتوليد إيرادات إضافية مع  تعزيز الإيرادات من خلال فرض رسوم مرتفعة للحصول على جواز السفر السوري وتسخير نشاطات التهريب لتحقيق إيرادات غير رسمية من خلال معابر ومرافئ غير شرعية و فرض رسوم على الحواجز الداخلية بين المناطق التي تخضع لسيطرة النظام كوسيلة لتحقيق إيرادات إضافية وفرض رسوم على الخروج والدخول من وإلى البلد بالإضافة إلى رسوم زيارة المعتقلين والأسرى، والاستيلاء على المعونات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة وإعادة بيعها في السوق السوداء لتحقيق أرباح للنظام مع فرض رسوم على حوالات المهجرين الواردة من الخارج كوسيلة لزيادة الإيرادات.

لكن كل هذه الإجراءات كان لها تأثر واضح في رفع مستوى التضخم ونقص السيولة وارتفاع الأسعار

  • التضخم.

احتلت سورية المركز الثالث عالميًا لجهة مستوى التضخم السنوي الاقتصادي بنسبة 238 %، بعد كل من فنزويلا وزيمبابوي، بحسب مؤشر “هانكي” لقياس معدلات التضخم الاقتصادي في العالم، ويعتمد البروفيسور ستيف هانكي أستاذ علم الاقتصاد في جامعة “جونز هوبكنز” الأمريكية، على بيانات أسعار صرف العملات المحلية في السوق السوداء لتقدير معدلات التضخم في البلدان. [9]

و تراجعت سورية إلى المركز الثالث منذ آذار الماضي، عقب ارتفاع معدل التضخم فيها بنسبة تجاوزت أكثر من 125 بالمئة، حيث كانت تحتل المركز الرابع في العالم بعد فنزويلا وزيمبابوي ولبنان بنسبة 111%

ساهمت العديد من الإجراءات التي قام بها النظام إلى زيادة التضخم حيث أصدر النظام بياناً جمركياً عام 2018 اعتبر فيه كل سلعة غير المباعة هي محتكرة ويجب مصادرتها إذا لم يقم التاجر ببيعها خلال المدة المحددة بخمس سنوات وهو ما حمل التجار على وقف الاستيراد.

كما منع النظام بتاريخ 17/5 /2020   الخميرة والقطر الصناعي والزيوت والروق والإطارات والنشاء والحبيبات البلاستكية والبتروكيماويات والأدوية من الاستيراد والأقمشة وأكثر من 45 مادة استهلاكية لمنع التضخم.

  • نقص السيولة النقدية

كان هناك توقعات غير رسمية بأن الإمارات والسعودية ودول أخرى قامت بعمليات مصالحة مع سورية ستسهم في استقرار الليرة السورية عبر تقديم مساعدة مالية، توقع البعض أن هذه المساعدة ستقلل من التأثير الإيراني وتنعش الاقتصاد السوري الذي يعاني من أزمة مالية، وكان من المفترض أن تلك المساعدات المالية من دول الخليج ستزيد من نفوذها في سورية، والتي تتطلع إلى استعادة استقرارها المالي.

ومع ذلك، في 8 أغسطس، قرر مصرف سورية المركزي زيادة سقف السحب اليومي من الحسابات المصرفية، مما زاد من السيولة المتاحة للعملاء في وقت استمرت قيمة الليرة السورية في الانخفاض، ارتفعت أسعار الصرف بشكل كبير حتى أن البنك المركزي رفع السعر الرسمي أمام الدولار بنسبة تقدر بحوالي 25% عن السعر السابق.

بشكل عام، يبدو أن التوقعات السابقة بشأن دعم دول الخليج للاقتصاد السوري واستقرار الليرة لم تتحقق بالشكل المتوقع، والوضع الاقتصادي في سورية ما زال يواجه تحديات كبيرة تتعلق بالعوامل الداخلية والخارجية.[10]

  • انهيار سعر الصرف وارتفاع التكاليف المعيشية

مع تراجع مصادر الإيرادات للنظام السوري التي تسيطر عليها الولايات المتحدة شرق الفرات، بدأت الحكومة تقليل مسؤولياتها الاجتماعية بالسماح بزيادة أسعار العديد من السلع، وبشكل خاص الوقود، مما أدى إلى تراجع مستمر للإنفاق على دعم السلع. تراجع هذا الإنفاق من 20.2٪ في عام 2011 إلى 4.9٪ في عام 2019، وتقلصت أيضًا مخصصات التنمية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي من 7.3٪ في 2011 إلى 2.9٪ في 2019.

لتعويض هذا النقص في الإيرادات، اضطر النظام السوري للجوء إلى روسيا وإيران للحصول على الدعم المالي وتأمين مواد الوقود والعملة الصعبة والسلع الأساسية. تم توقيع اتفاقيات مالية بين حكومة الأسد وحكومة إيران خلال الفترة من 2013 إلى 2017، تقضي بمنح إيران خطوط ائتمانية تصل قيمتها إلى حوالي 11 مليار دولار. بموجب هذه الاتفاقيات، قدمت إيران لسورية منتجات نفطية بمعدل مليوني برميل شهريًا، بالإضافة إلى مواد غذائية وطبية وعملة صعبة لدعم الاحتياطي الأجنبي في المصرف المركزي السوري. تلك الاتفاقيات ساعدت في تعويض النقص في موارد النظام، ولكنها جاءت بتكلفة اقتصادية وسياسية ترتبت على البلاد.[11]

ثانياً: فساد النظام:

على الرغم من كل العقوبات الغربية على النظام السوري لكنه لم تظهر علامات على أن هذه العقوبات ستجبر النظام على التفاوض أو التنازلات سياسية، بالإضافة إلى ذلك، رأسماليو المحسوبية وشبكات رجال العمل المرتبطين بالنظام يستفيدون من الاتفاقات الاقتصادية والتخصيصات النيو ليبرالية، ويزيدون من نفوذهم من خلال التجارة السوداء والتهريب، هذا يعزز سيطرتهم على الاقتصاد رغم العقوبات، تاريخيًا، نادرًا ما نجحت العقوبات في تغيير سلوك الدولة، وهذا ينطبق بشكل خاص في هذه الحالة حيث لا تزال روسيا وإيران تدعمان النظام السوري[12]

  • نهب الثروات العامة.

في شهر إبريل/نيسان 2023 كشف الجهاز المركزي للرقابة المالية التابع للنظام السوري عن ارتفاع نسب الفساد المالي في الوزارات والإدارات الحكومية بشكل كبير جداً وصل إلى 400% خلال عام واحد.

ووصل حجم الأموال المكتشفة في ملفات الفساد إلى أكثر من 104 مليارات ليرة سورية (13.7 مليون دولار)، استطاع الجهاز الرقابي استرداد سبع مليارات ليرة سورية منها فقط، بحسب تقرير رسمي صدر عن الجهاز بخصوص العام المالي 2022.[13]

  • الفساد الإداري.

احتلت سورية المرتبة الأولى عربياً، والثانية عالمياً، كأكثر دول العالم فساداً لعام 2021، وفق التقرير الأخير لمؤشرات الفساد الذي تصدره سنوياً منظمة الشفافية الدولية منذ عام 1995، وذلك بحصولها على 13 نقطة فقط من أصل 100 نقطة وضعت كمعيار تصاعدي لحجم الفساد [14]

ولم يتوقف الفساد الإداري والمالي عند مؤسسات النظام بل تسلل حتى إلى المنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرته فبحسب وكالة “أسوشتيد برس” الأميركية، فإن أكثر من 100 وثيقة مع رسائل ومواد أخرى سرية حصلت عليها الوكالة، أظهرت أن مسؤولي منظمة الصحة العالمية أخبروا المحققين بأن ممثلة الوكالة في سورية  الدكتورة “أكجمال ماغتيموفا” تورطت في عمليات فساد، حيث مارست الضغط على موظفي منظمة الصحة العالمية باستمرار لتوقيع عقود مع سياسيين كبار في النظام السوري، بما يسيء لآلية إنفاق أموال منظمة الصحة العالمية والجهات المانحة [15]

 

الخاتمة والتوصيات:

 

بغض النظر عن الأزمة الاقتصادية العالمية من التضخم والكساد وتأثيرات مضاعفات كورونا وكارثة الزلزال التي أضرت في الشعب السوري، لكن تبقى الأزمة الاقتصادية في سورية ذات بعد أعمق وأقدم من التأثيرات الخارجية التي تجتاح العالم، إضافة للفساد البنيوي الذي يقوم النظام السوري عليه بحيث لا يمكن أن يشكل أي بيئة جاذبة للاستثمار.

فمن المسلم به أن منشأ الأزمة الاقتصادية في سورية هو منشأ سياسي وأمني وليس بسبب العقوبات الغربية حيث تحتاج سورية على أقل تقدير وفق الأمم المتحدة إلى 800 مليون دولار لمشاريع إعادة الإعمار وهذا الرقم لا يمكن أن يأتي من التمويل الدولي الذي يشترط الإصلاح السياسي والأمني والسير في خطوات الحل السياسي لكي يبدأ بمشاريع إعادة الإعمار وهنا يبرز دور رأس المال المحلي للتجار والمستثمرين السوريين الذين يستطيعون ضخ مبالغ أكثر من المبلغ المقدر من قبل الأمم المتحدة لكن جذب المستثمر المحلي لا يمكن بدون بنية سياسية واقتصادية آمنة بعيدة عن الفساد وسيطرة أجهزة الدولة وانتشار الفساد والمحسوبية وفي ظل وضع أمني وعسكري هش يمكن ان يهدد أي استثمارات او مشاريع إعادة الإعمار .

وهنا تكمن مسؤولية النظام السوري الأصيلة والأكبر عن أسباب الأزمة الاقتصادية في سورية التي تعطي بتعنتها وسياساتها مبرراً للعقوبات الدولية وفرملة كل المبادرة المحلية والدولية للاستثمار الاقتصادي وإعادة الإعمار بسبب البيئة القلقة التي شكلها النظام للاقتصاد وعليه فإن أية محاولة لتقديم المساعدة الاقتصادية للنظام بتجاوز استحقاق الحل السياسي لن تسهم إلا في تقوية النظام نفسه دون انعكاس على الوضع المعاشي للشعب السوري وهو ما يعني مزيداً من تفاقم الازمة واستعصاء الحل .

[1] –  موقع وكالة المعونة الدولية : الرابط

[2] – راجع موقع Human Rights Watch: الرابط

[3]صحيفة “فاينينشال تايمز”  الرابط

[4] – موقع الجزيرة : الرابط

[5]–  راجع كلمة بشار الأسد : الرابط

[6] – راجع موقع  SWP    الرابط  راجع مركز كارتر الرابط

[7] –   An official website of the United States government    النص الكامل لقانون قيصر : الرابط

[8] – راجع موقع سكاي نيوز تصريح عبد الله بن زايد عن قانون قيصر : الرابط

[9] –   راجع موقع  Hanke’s Inflation Dashboard  الرابط

[10] – موقع معهد الشرق الأوسط Middle East Institute : الرابط

[11] – المركز السوري لبحوث السياسات : الرابط

[12] – راجع موفع كارنيغي : الرابط

[13] – موقع الجهاز المركزي للرقابة: الرابط

[14] –  موقع منظمة الشفافية الدولية : الرابط

[15] – موقع الوكالة راجع : الرابط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى