روسيامترجمات

تمت المهمة: لقد حول الغرب العالم الإسلامي إلى عدو له.

كتابة: ألكسندر دوغين
ترجمة: كاندل

 

لقد وقعت كارثتان واحدة تلو الأخرى في إسرائيل وقطاع غزة: هجوم حماس على الدولة اليهودية – الذي أدى إلى سقوط العديد من الضحايا المدنيين واحتجاز الرهائن – والضربات الانتقامية الإسرائيلية على قطاع غزة، والتي كانت أكثر وحشية بعدة مرات من حيث الخسائر البشرية وعدد الضحايا من المدنيين، وخاصة النساء والأطفال، وقد أدت العملية البرية التي قام بها جيش الدفاع الإسرائيلي إلى جعل الوضع أكثر كارثية، وارتفع عدد القتلى – بما في ذلك الأطفال والنساء والمسنين – إلى أبعاد لا يمكن تصورها.

وكلاهما انتهاك صارخ للحقوق الطبيعية للناس، وجرائم ضد الإنسانية ولا يمكن تبريرهما، ولكن في الوقت نفسه، أدى مبدأ “العين بالعين” الذي تطبقه إسرائيل إلى إبادة جماعية حقيقية واسعة النطاق لسكان قطاع غزة، الذين أجبروا بالفعل على العيش في ظروف مروعة لمعسكرات الاعتقال، لقد ارتكبت حماس عملاً إرهابياً، وردت إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية واسعة النطاق، وكلاهما وضع نفسه خارج حدود القانون والأساليب الإنسانية المقبولة لحل الخلافات السياسية.

ولكن بعد ذلك يأتي دور الجغرافيا السياسية، ورغم أن حجم الجريمة الإسرائيلية أكبر بكثير، فإن تقييم ما يحدث في قطاع غزة لا يعتمد على ذلك، بل على أنماط جيوسياسية أعمق، دعونا ننظر إليها بمعزل عن الجانب الأخلاقي للمشكلة.

النظام العالمي الحالي هو نظام انتقالي، واليوم هناك تحول من عالم أحادي القطب (تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفكك المعسكر السوفييتي) إلى عالم متعدد الأقطاب، لقد بدأت أقطاب العالم المتعدد الأقطاب في الظهور بوضوح تام، وهم روسيا، الصين، العالم الإسلامي، الهند، وأفريقيا وأمريكا اللاتينية في الطريق، في الواقع هذه حضارات مستقلة بالكامل، وتتمثل أهمها في مجموعة البريكس التي توحد – خاصة بعد قمة جوهانسبرغ 2023 – كل هذه الحضارات (دخول السعودية وإيران ومصر يمثل حضوراً للدول الرئيسية في العالم الإسلامي، إثيوبيا تعزز عامل أفريقيا، والأرجنتين تكمل قلب دول أمريكا الجنوبية)، إن العالم المتعدد الأقطاب يعزز موقفه يوماً بعد يوم، الهيمنة الغربية آخذة في الضعف.

ومع ذلك، فإن القيادة العالمية للغرب، وفي المقام الأول الولايات المتحدة، تسعى إلى الحفاظ على الأحادية القطبية بأي ثمن، والإصرار على هيمنتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإيديولوجية واسعة النطاق، وهذا هو التناقض الرئيسي في عصرنا: تصاعد المواجهة بين الأحادية القطبية والتعددية القطبية، ينبغي النظر في الصراعات والعمليات الرئيسية للسياسة العالمية في هذا السياق.

إن الرغبة في إضعاف روسيا ذات السيادة باعتبارها قطباً مستقلاً حديث العهد هي التي تفسر الصراع في أوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، تدرك بلادنا جيداً أنها لا تستطيع أن تكون أحد القطبين، كما كانت في أيام الاتحاد السوفييتي، إن الحضارات الجديدة ترفع رؤوسها، وروسيا تنظر إليها باعتبارها حلفاء وشركاء في تعددية أقطاب حقيقية ومتساوية، لم يدرك العالم ذلك بعد، لكن الوعي متعدد الأقطاب ينمو ويتعزز تدريجياً.

ويصدق نفس القول على قضية تايوان، التي قد تشكل (وسوف تصبح ذات يوم) خط المواجهة التالي بين الأحادية القطبية والتعددية القطبية، وهذه المرة في منطقة المحيط الهادئ.

لكن الأحداث في إسرائيل، وهجوم حماس، والإبادة الجماعية الانتقامية التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين، فتحت جبهة مختلفة، والآن دخل الغرب، من خلال الدعم غير المشروط والأحادي الجانب (تماماً كما حدث في أوكرانيا) لإسرائيل، على الرغم من الطبيعة الفظيعة للجرائم التي يرتكبها جيش الدفاع الإسرائيلي ضد المدنيين في قطاع غزة، مرحلة المواجهة مع العالم الإسلامي برمته، وهكذا برز إلى الواجهة قطب آخر هو القطب الإسلامي، في مواجهة ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة، وفي بقية الأراضي الفلسطينية، وبالنظر إلى المظالم الماضية ضد السكان الفلسطينيين، الذين اضطروا إلى العيش في معازل ومحميات في أرضهم، لا يمكن للعالم الإسلامي إلا أن يدرك وحدته.

القضية الفلسطينية توحد اليوم السنة والشيعة، والأتراك والإيرانيين، والأطراف المتعارضة في الصراعات الداخلية في اليمن، أو سوريا، أو العراق، أو ليبيا، إنها تؤثر بشكل مباشر على مسلمي باكستان، وإندونيسيا، وماليزيا، وبنغلاديش، وهي لا تترك المسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة وأوروبا أو في روسيا أو في أفريقيا دون أن يتأثروا، وبطبيعة الحال، فإن الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، على الرغم من خلافاتهم السياسية، متحدون اليوم في النضال من أجل كرامتهم.

إن إسرائيل، مثل أوكرانيا، مجرد وكلاء للهيمنة الغربية، متعجرفون ووحشيون، لا يخجلون من جرائمهم وخطاباتهم وأفعالهم العنصرية، لكنهم ليسوا المشكلة، إنها مجرد أدوات للجغرافيا السياسية الكبرى – الجغرافيا السياسية للعالم الأحادي القطب، وهذا بالضبط ما أكده الرئيس الروسي مؤخراً عندما تحدث عن العناكب التي تنسج شبكة عالمية من العداء والفتنة، وكان يشير إلى دعاة العولمة وتكتيكاتهم الاستعمارية المتمثلة في فرِّق تسُد، ولكن إذا فهمنا جوهر استراتيجية أولئك الذين يتألمون بشدة ويحاولون إنقاذ العالم الأحادي القطب والهيمنة الغربية، فسوف يكون بوسعنا أن نبني بوعي نموذجاً بديلاً لمعارضتها، ونتحرك بثقة ومعاً نحو خلق عالم متعدد الأقطاب.

إن الصراع في قطاع غزة (وعلى نطاق أوسع في فلسطين ككل) يشكل تحدياً مباشراً للعالم الإسلامي برمته، وللحضارة الإسلامية، لا لشعب معين، ولا حتى لكل العرب، والواقع أن الغرب في حالة حرب مع الإسلام في حد ذاته، وهذا مفهوم جيداً من قبل جميع القادة تقريباً: من سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى أردوغان، ومن خامنئي إلى قيادة باكستان، ومن تونس إلى البحرين، ومن السلفيين والوهابيين إلى الشيعة والصوفيين، ويجب على المعارضين السياسيين في فلسطين نفسها، وفي سوريا وليبيا ولبنان والشيعة والسنة، أن يدافعوا الآن عن كرامتهم، وأن يثبتوا أن المسلمين حضارة مستقلة ذات سيادة ولن يسمحوا لأنفسهم أن يُعامَلوا بهذه الطريقة.

أردوغان هدد الغرب بالجهاد واستذكر الحروب الصليبية، وهذه مقارنة مؤسفة للغاية، إن الغرب العالمي الحديث لا علاقة له على الإطلاق بالحضارة المسيحية، منذ قرون عديدة، قطع الغرب علاقاته مع الثقافة المسيحية وانحاز إلى المادية والإلحاد والفردية، لا علاقة للمسيحية بالعلم المادي، أو بالنظام الاجتماعي والاقتصادي للربح المجرد، أو بإضفاء الشرعية على الانحراف وإعلان علم الأمراض كقاعدة، أو بالاستعداد للانتقال إلى وجود ما بعد الإنسان، إن الغرب الحديث هو ظاهرة معادية للمسيحية، وهو لا يحمل معه أو على نفسه صليباً، إسرائيل دولة غربية يهودية وعلمانية، وليس لديها أي شيء مشترك مع المسيحية، ولذلك إذا كان العالم الإسلامي سيواجه الغرب، فإنه لن يواجه الغرب كحضارة المسيح، بل كحضارة المسيح الدجال.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى