تفكيك تحرير الشام
تقدير موقف
إعداد الباحث صالح الحموي
(المصالح – والأدوات – السيناريوهات)
التمهيد:
السؤال البحثي:
- ما هي السلبيات والإيجابيات التي تترتب على تفكيك تحرير الشام وإنهاء سيطرتها على إدلب؟
- هل يتناسب حجم المصالح من تفكيك الهيئة مع تكلفة التفكيك؟
- ما هي الأدوات المناسبة لتفكيك الهيئة؟
- ما هي السيناريوهات المحتملة لوضع الحوكمة في إدلب حال تفكيك الهيئة؟
فرضية البحث:
إنّ تفكيك تحرير الشام عمل ممكن ويترتب عليها مصالح مهمة تفوق مصالح بقائها مسيطرة على إدلب.
أهداف الدراسة:
الوصول إلى تهيئة إدلب للاندماج الحوكمي والعسكري والأمني مع الشمال السوري بعد تفكيك الهيئة.
منهج الدراسة:
التحليل والمقارنة.
مقدّمة:
عملية تفكيك هيئة تحرير الشام ليست بالمستحيلة كما يروّج قياداتها وعناصرها، وليست بالسهلة كما يظن خصومها، ولكنّ من الموكّد أنّها حتميّة وآتية لا محال.
سنستعرض في هذه الورقة ما هي تكلفة هذا التفكّك، وأدواته، وعوائقه وإمكانياته، والمصالح المترتّبة على ذلك، والمفاسد إن وجدت، وبالتالي ستكون هذه الورقة مهمة جداً لأصحاب القرار من الدول الإقليميّة الفاعلة بالملف السوري لمساعدتهم في التخلّص من هذا العبء الثقيل كون هيئة تحرير الشام مصنّفة على لوائح الإرهاب، وبدأت تستخدم أوراق ضغط كثيرة على تركيا، تعرقل استراتيجيتها في دمج منطقة درع الفرات وغصن الزيتون مع منطقة إدلب، بالإضافة إلى ابتزاز روسيا لتركيا في كل مرّة بأن إدلب تحت سيطرة الإرهاب.
لم أقف على ورقة بحثيّة أو دراسة عالجت موضوع تفكيك هيئة تحرير الشام، كذلك من أبرز الصعوبات في هذه الدراسة هي التكتّم الشديد لدى هيئة تحرير الشام، إضافة إلى سريّة المصادر بسبب مخاطر تعرضهم للاعتقال من قِبل هيئة تحرير الشام.
أولاً: المصالح المترتبة على تفكيك تحرير الشام:
- المصالح العسكرية:
منذ هجوم النظام على مناطق ريف حماة في الشهر الخامس عام 2019 وصولاً إلى احتلاله سراقب وانتهاء المعارك الحربية في 5 آذار عام 2020 ظهر عوار هيئة تحرير الشام العسكري، وضعفها وفقدانها لتميّزها العسكري كما كانت سابقاً، حيث لم تستطع صدّ هجوم النظام في كل هذه المعارك([1])، بل تفوّقت عليها أحرار الشام، وصقور الشام، وفصائل الجبهة الوطنية، بالإضافة إلى المجموعات الصغيرة الراديكالية مثل أنصار التوحيد وغيرها.
وبالتالي أي تفكّك لهيئة تحرير الشام لن يؤثّر عسكرياً على الساحة السوريّة بأكثر من 5 الى 7 % فقط كقوّة المجموع العسكرية خاصّةً بعد أن تجمّدت جبهات القتال منذ عام 2020، وذلك لعدة أسباب:
- فقدان القوّة القتاليّة المتميّزة بعد خروج المجموعات المؤدلجة وانشقاقها عن هيئة تحرير الشام.
- اعتماد هيئة تحرير الشام في التجنيد منذ عام 2017 على العناصر الأمنيّة والإداريّة وكان هذا على حساب العناصر المدرّبة عسكرياً.
- توقّف المعارك وجمود الجبهات أدّى إلى ظهور فئة كبيرة تمثّل أكثر من 70% من عناصر الهيئة لم تخض معارك سابقاً.
- تحوّل هيئة تحرير الشام من فصيل عسكري هدفه إسقاط النظام إلى فصيل هدفه ممارسة الحكم وإدارة المناطق، بالإضافة إلى صراع النفوذ والسيطرة داخل مكونات هيئة تحرير الشام.
أمّا المصالح المتأتية عسكرياً من تفكّك هيئة تحرير الشام فيمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
- وقف ابتزاز روسيا لتركيا باستخدام ورقة الإرهاب في إدلب.
- تفعيل الاتفاقيات العسكرية الثنائية التركية – الروسية، وآخرها بروتوكول موسكو 5 آذار 2020 الذي يعني وقف القصف، وعودة النازحين إلى مناطق التماس، والبدء بمفاوضات إخراج قوّات النظام من مدن معرة النعمان وخان شيخون.
- دمج الجبهة الوطنيّة مع الجيش الوطني في جسم عسكري موحّد يتبع لإدارة واحدة هي الحكومة المؤقّتة المُنبثقة عن الائتلاف الوطني المُمثّل الشرعي الوحيد للثورة السوريّة والذي يحظى بشرعيّة سياسيّة دوليّة، وهذا يعني بداية الاعتراف بمؤسّسة عسكريّة بديلة عن النظام موحّدة في جسم واحد مُمتدّة على جميع المناطق المُحرّرة من رأس العين حتى كبينة.
- إعادة تنظيم الفصائل العسكريّة، وتصدّر الضبّاط المنشقّين بتقديم نموذج تكنوقراط يساهم في انتزاع شرعيّة دولية، واعتراف دولي بجيش منظّم يكون بديلاً عن جيش النظام الذي ارتكب جرائم حرب.
- المصالح السياسيّة:
المصلحة الأولى سياسيّاً بتفكّك هيئة تحرير الشام والتي أخّرت تحقيق انتصار الثورة السوريّة لأكثر من ثمانية أعوام أي منذ عام 2014 (انشقاق جبهة النصرة وظهور داعش) وهي: عودة التفاعل الدولي مع الثورة السورية إلى مرحلة تصنيف الثورة على أنّها ثورة وليست حرباً ضدّ الارهاب التي صُبغت به منذ عام 2014 إلى يومنا هذا.
فقد اعترفت أمريكا برئاسة هيئة الأركان العسكريّة ودعمتها في عام 2014 باستلام العميد “سليم إدريس”، وكان هذا المشروع باكورة أسأسة العمل العسكري للثورة السورية تمهيداً للاعتراف بمؤسسات عسكرية بديلة عن النظام، لكن ظهور داعش وقيام جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام حالياً) باقتحام مستودعات رئاسة الأركان عام 2014، أدّى إلى تغيير نظرة أمريكا والمجتمع الدولي للثورة السورية من ثورة إلى حرب على الإرهاب بين عام 2014 و2015 ثمّ حرب على الإرهاب مُتمثّل بداعش حتى يومنا هذا.
إذاً تفكّك هيئة تحرير الشام يعني التخلّص من ورقة التصنيف الدولي وصبغ إدلب بالسواد، وإعادة الدعم السياسي للائتلاف الوطني بعد استعادته السيطرة على إدلب فالسبب الرئيسي لإيقاف دعم الائتلاف وضعف الاعتراف به دولياً هو عدم امتلاكه شرعيّة محليّة، أي عدم سيطرته وتواجد مؤسساته على الأراضي المحرّرة في منطقة إدلب.
كذلك سحب ورقة متاجرة النظام بالحرب على الإرهاب في إدلب، بالإضافة إلى التخلّص من استخدام ورقة هيئة تحرير الشام في البازارات الدوليّة التي تؤخّر نصر الثورة السورية مثل مفاوضات تركيا مع أمريكا في المقايضة بين القضاء على الإرهاب في إدلب أي هيئة تحرير الشام مقابل وقف دعم الإرهاب في شمال شرق سوريا أي قسد.
- المصالح الاقتصاديّة:
لو أجرينا مقارنة سريعة وبلغة الأرقام قبل سيطرة هيئة تحرير الشام على إدلب في عام 2017 وبعد السيطرة لوجدنا ما يلي:
- انخفاض المساعدات المُقدّمة إلى المناطق المحرّرة بنسبة 70%.
- انهيار قطاع الصحة والتعليم بعد سيطرة حكومة الإنقاذ عليهما رغم تركها هذا القطاع تحت إدارة الحكومة المؤقتة لعجز حكومة الإنقاذ وهيئة تحرير الشام عن إدارة هذه المؤسسات.([2])
- وصول معدّل الفقر لأكثر من 90% للعوائل السورية في المناطق التي تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، واعتمادهم على الحوالات الخارجيّة بشكل أساسي.
- تعليق الاتحاد الأوروبي مساعداته إلى إدلب بمبلغ أكثر من عشرين مليون دولار.([3])
إذاً تفكّك هيئة تحرير الشام يعني:
- تعود مساعدات الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية تتدفق إلى إدلب، وهذا سيؤدي إلى نهضة اقتصادية متكاملة وبدء تشغيل الدورة الاقتصادية.
- سينخفض معدّل الفقر إلى ما دون ال 50% بسبب افتتاح مشاريع ناشئة صغيرة ومتوسطة تستقطب الأيدي العاملة.
- سيتوقف دفع الضرائب والإتاوات التي تفرضها هيئة تحرير الشام على أصحاب الفعّاليات التجاريّة الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.
- ستتدفّق رؤوس الأموال من رجال الأعمال السوريين الذين يخشون الاستثمار في هذه المنطقة خوفاً من تعرّضهم للعقوبات الدوليّة كون المنطقة خاضعة لسيطرة فصيل مصنّف على لوائح الإرهاب، بالإضافة إلى توفير البيئة التشريعية والقانونية من الوزارات التي تتبع للحكومة المؤقّتة المُعترف بها دولياً، مثل: سيتم منح شهادة منشأ للمنتجات التي تصنع في هذه المناطق، ستتشجع شركات الاتصالات والتكنولوجيا للاستثمار في منطقة يتواجد فيها أكثر من 4 مليون نسمة.
- المصالح الأمنيّة:
عاشت المناطق الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام منذ عام 2017 وحتى عام 2020 تقريباً ثلاث سنوات من حالة فلتان أمني وعمليّات خطف بنيّة السطو المالي وهي ما تسمى عمليات الاحتطاب([4])، وتركزت عمليّات الخطف على أصحاب الأموال من محلات صاغة الذهب والصرافين والأطباء والتجّار، وأغلب هذه المجموعات التي كانت تقوم بعمليات الخطف هي مجموعات منشقّين عن هيئة تحرير الشام يحتمون بغطاء قيادات داخل هيئة تحرير الشام يتقاسمون بينهم المردود المالي، فتتنقّل هذه المجموعات من معقلها في دركوش، وجسر الشغور، والساحل، وتأتي إلى سرمدا والدانا حيث النشاط التجاري، وتقوم بعمليات الخطف والاحتطاب، وهذا لا يتم إلّا بتغطية من حواجز هيئة تحرير الشام في هذه المنطقة، لكن بعد تذمّر الحاضنة الشعبيّة وقيامهم بمظاهرات عدّة مرّات اضطرت هيئة تحرير الشام لمكافحة هذه الظاهرة لكنّها لم تنتهِ بشكل كامل([5])، أمّا حوادث السرقة والأعمال الجنائية فلا تكاد تتوقّف بشكل أسبوعي، ويبقى الخطر الأمني حالياً في مناطق تحرير الشام هو خلايا داعش التي تقاتل هيئة تحرير الشام وتهجم على حواجزها بأعمال أمنيّة، والمداهمات التي تقوم بها هيئة تحرير الشام ضدّ خلايا داعش مما تسبّب حالات خوف وذعر وإصابات في أوساط المدنيين.
إذاً تفكّك هيئة تحرير الشام يعني:
- رفع الغطاء عن هذه المجموعات التي كانت تقوم بعمليات الاحتطاب.
- انتهاء المداهمات والاشتباكات مع خلايا داعش.
- التخلّص من عمليات الخطف والابتزاز المالي الذي يتعرّض له التجّار في مناطق هيئة تحرير الشام.
- تقدّم الكفاءات من ضباط شرطة منشقين وإدارتهم للأمن بشكل مؤسسات احترافية ممّا يؤدي إلى انخفاض الأعمال الجنائيّة والسرقات.
وتبقى المصلحة الأمنية الأعلى بتفكّك هيئة تحرير الشام هي عودة جذوة الحرية التي انطلقت الثورة السورية تحت هذا الشعار، وتمتّع الناس في مناطق إدلب بالحرية الكاملة إذ ستنتهي الاعتقالات من أجل حرية الرأي، أو التذمّر على الوضع الاقتصادي وهذا ما يحفّز لتقديم نموذج يُسقط سردية النظام بأنّ مناطقكم ليست أفضل من مناطقنا بالقمع والاستبداد والديكتاتورية.
ثانياً: وسائل تفكيك هيئة تحرير الشام:
قبل أن نتكلم عن وسائل تفكيك هيئة تحرير الشام لابدّ من التنويه إلى أنّ هيئة تحرير الشام أصبحت مهيّأة نفسياً للتفكّك بسبب عدّة متغيّرات رئيسيّة حدثت فيها منذ أكثر من 7 سنوات إذ فقدت الهويّة الجهاديّة الجامعة لها بعد فك ارتباطها بالقاعدة عام 2016، ثمّ فقدت العامل الجامع لعناصرها وعنصر تميّزها عن غيرها وهو عنصر التفوّق العسكري عندما سقطت المناطق بيد النظام في عام 2019 و2020، ثمّ عندما انتقلت إلى الحوكمة وإدارة المناطق فقدت عنصر الثقة من الحاضنة بعد انتشار الفساد وقيام مظاهرات ضدّها، ثمّ بعد ظهور خلايا التحالف والعملاء (أكثر من 350 عنصر) أجهضت عليها، فصار عنصر الهيئة مهيّأً جداً للانضمام إلى أي فصيل آخر حيث أصبح يرى الطبقيّة منتشرة بين قيادات الهيئة فهناك أمراء يتمتعون بمزايا فريدة، بينما العناصر أحوالهم الماليّة سيّئة جداً.
فإذا احتاجت الهيئة سنتين تهيئة نفسية لفك ارتباطها بالقاعدة منذ عام 2014 إلى 2016 فإنّها الآن لا تحتاج أكثر من شهرين لتهيئة نفسها نفسيّاً للحل والتفكّك والانضواء تحت جهات محليّة أخرى.
- الوسيلة العسكرية:
لم تنجح المظاهرات بإسقاط هيئة تحرير الشام بسبب سياسة القمع بإطلاق الرصاص على المتظاهرين ودهسهم بالسيارات التي مارستها هيئة تحرير الشام.([6])
كما أنّ تركيا لا تريد دفع تكلفة المواجهة العسكرية مع هيئة التحرير الشام لأسباب عديدة أبرزها: التخوف من أعمال انتقامية داخل تركيا كما فعلت داعش، الفوضى التي قد تحدث وفق التقييم التركي واستغلال ذلك من قبل مجموعات الراديكالية مثل حراس الدين وخلايا داعش، وعدم وجود جهة قادرة على تطبيق اتفاقيات أستانا، وبالتالي حدوث خرق وأعمال عسكريّة ضد النظام، وهذا ما تضبطه هيئة تحرير الشام حالياً، بالإضافة إلى تدفّق موجات نزوح جديدة اتجاه تركيا حيث يتواجد ملايين السكان([7]) تحت حكم هيئة تحرير الشام.
كما أنّ سياسة الاحتواء التي مارستها تركيا والعروض التي قدمتها لها بحل نفسها ودمجها مع الجبهة الوطنية([8]) منذ عام 2018 فشلت حتى الآن.
وخيار إرسال الجيش الوطني لقتال هيئة تحرير الشام غير واقعي ومُستبعد بسبب تغلغل هيئة تحرير الشام داخل جميع مفاصل الجيش الوطني من جهة، وتجنّباً للآثار المُترتبة على السكان والمدنيين والأمن القومي التركي كما ذكرنا من جهةٍ ثانية.
مع العلم أنّ العناصر المستعدين للمواجهة العسكرية مع الجيش التركي أو الجيش الوطني انخفض إلى أقل من 20% عمّا كانت عليه في عام 2018 بسبب تغيير الثقافة الشرعيّة لدى الجنود ونظرتهم لتركيا على أنّها بلد مسلم، بالإضافة إلى تسلسل الاتفاقيات العسكرية التي روّضت جنود هيئة تحرير الشام، كذلك عامل انتشار أكثر من 27 ألف جندي تركي يحوّطون جميع مقرات وثكنات هيئة تحرير الشام بشكل يصعب عليها المقاومة.
- الوسيلة الأمنيّة:
إذا تعذّرت الوسائل العسكريّة فالحل الأقل تكلفة هو الوسيلة الأمنيّة، فهيئة هيئة تحرير الشام قائمة بعاملين اثنين هما شخص الجولاني والمال، إذا فُقد أحدهما ستتفكك هيئة تحرير الشام، فاعتقال أو قتل الجولاني سيؤدي إلى انشقاق جماعي لثلاث كتل بالحد الأدنى هي: كتلة الشرقية التي لا تقبل الانضواء تحت أي قيادة أخرى ومعها كتلة حلب، وكتلة إدلب بقيادة منطقة بنش والتي تملك النفوذ المالي وعدد الجنود الأكثر، وباقي الكتل هي حمص ودمشق وحماة في كتلة واحدة، ويستحيل أن تقبل كتلة بالانقياد تحت قيادة كتلة ثانية، فأبو أحمد حدود نائب الجولاني لن تقبل به الشرقية وحلب، وكتلة إدلب لن تقبل بزعامة شخص من قطاع حلب أو الشرقية، وهكذا.
وبالتالي دعوة الجولاني والصف الأول من القيادة لاجتماع في منطقة خارج سيطرته مثل معبر باب الهوى واعتقالهم على غرار ما فعلت قسد مع مجلس دير الزور العسكري كفيل ببدء تفكّك هيئة تحرير الشام بشكل منظّم مع خطوات لاحقة وبأقل الخسائر المترتّبة على ذلك، فعناصر هيئة تحرير الشام من أبناء منطقة حماة سينضمون إلى فصائل حماة مثل جيش العزة وفصائل الجبهة الوطنية، يومياً يأتي أكثر من 40 إلى 50 شخص للانضمام لجيش العزّة وفصائل حماه، والمانع هو عدم قدرة هذه الفصائل على إعطائهم رواتب مثل هيئة تحرير الشام)[9])، وعناصر إدلب سينضمّون إلى جيش الأحرار كونه قريب فكريّاً لهم، وعناصر دمشق والغوطة سينضمّون إلى تجمّع دمشق التابع للجبهة الوطنية، وعناصر حلب سينضمّون إلى فصائل حلب في منطقة الجيش الوطني مثل الجبهة الشامية وغيرها.
بالطّبع سيتبقّى حوالي 30% سيرفضون حل أنفسهم وسينحازون إلى بقعة جغرافية هي منطقة جسر الشغور ودركوش حيث تتواجد مجموعات متشدّدة مستقلّة هناك مثل مجموعة المغاربة، مجموعة الليبيين، مجموعة المصريين، التركستان، القوقاز، جيش المهاجرين والأنصار، أنصار الإسلام، وحتى حراس الدين، وربّما سيشكّلون مع هذه المجموعات كتلة عسكريّة باسم جديد، وهذه لابدّ من التعامل معها عسكرياً عبر حصار هذه المنطقة من قبل الجيش التركي، وقطع الإمدادات عنها، وثمّ البدء بمفاوضات تسليم السلاح والانضواء تحت تشكيلات الجبهة الوطنية، ومن المتوقّع بعد هذا الحصار أن يقبل الانضواء تحت الجبهة الوطنية حوالي 20%، يتبقّى 10% سيضطر إلى التعامل معهم عسكرياً.
هناك إجراءات قد لا تؤدي إلى تفكيك هيئة تحرير الشام، لكن ستؤدّي إلى إضعافها بالشكل الذي يجعلها ترضخ وتقبل حل نفسها سواء كان حلاًّ شكلياً أو حلًّا حقيقياً عبر مراحل، وإن الجهة الوحيدة القادرة على القيام بهذه الإجراءات هي تركيا ويمكن تلخيصها بالنقاط التالية:
- إغلاق معبر باب الهوى وتحويل جميع الواردات عبر معابر مناطق درع الفرات وغصن الزيتون.
- وقف ترخيص المنظمات العاملة في مناطق هيئة تحرير الشام وتحويلها لمناطق الفرات وغصن الزيتون.
- اعتقال كل شخص من هيئة تحرير الشام يدخل إلى الأراضي التركيّة تحت غطاء تاجر أو مدني.
- نشر حواجز للجيش التركي المتواجد في إدلب بين كل منطقة وأخرى لعرقلة حركة قيادات هيئة تحرير الشام.
- معاقبة كل تاجر أو شركة تعمل تحت إدارة هيئة تحرير الشام، بالإضافة إلى معاقبة جميع أعضاء حكومة الإنقاذ ومنعهم من دخول تركيا.
- إخراج هيئة تحرير الشام عسكرياً وبالقوّة من جميع مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، وهذا لا يحتاج إلى تكلفة عسكرية تُذكر.
هذه الإجراءات ستكون قاسية على الوضع الخدماتي والمدني لفترة محدودة زمنياً لكن كفيلة بإخضاع هيئة تحرير الشام وموافقتها على حل نفسها مع ضمان حصّة لها بتشكيلات الجبهة الوطنية وفق نظام الفرق والألوية، بالإضافة إلى حصّة لها في جهاز الشرطة، وهذا يمكن معالجته لاحقاً من خلال الأنظمة البيروقراطية مثل التسريح والعقوبات المسلكية والمعايير بحيث يتم إخراج أغلب عناصر هيئة تحرير الشام من هذه المؤسسات واستبدالها بعناصر وكوادر من خارج هيئة تحرير الشام.
ثالثاً: السلبيات المترتبة على تفكيك هيئة تحرير الشام:
سياسياً واقتصادياً لن تكون هناك أي سلبيّات، بل سيحدث انتعاش كبير في الاقتصاد كما ذكرنا، وعسكرياً لن تضعف الساحة بمقدار أكثر من 5% إلى 7% بسبب أنّ العنصر داخل هيئة تحرير الشام الذي يقاتل تحتها سيبقى يقاتل لكن تحت اسم فصيل آخر (الأقرب له مناطقياً) لكن سيكون هناك سلبيّات أمنيّة لفترة محدودة زمنياً تتجسّد بانضمام المجموعات التي ترفض حل نفسها وتحالفها مع مجموعات مستقلّة أخرى، كذلك قد تحدث بعض الأعمال الانتقاميّة مثل استهداف بعض الأرتال التركيّة رغم أنّنا لا نتوقّع أن تتعدّى 3 أو 4 عمليّات، ومجرّد تفككّت هيئة تحرير الشام ولم يبق لها أي واردات ماليّة فبالتالي لن يكون هناك أي تمويل لعمليّات أمنيّة انتقامية في الاغتيالات وغيرها بسبب فقدان القيادة الموجّهة، وفقدان الأدوات تحديداً المال، كذلك من السلبيات هي عملية الاستلام والتسليم أو عملية التركة، أو توزيع ممتلكات هيئة تحرير الشام من سلاح، ومقرات ستحدث بعض الفوضى لمدّة نتوّقع ألَّا تتجاوز أكثر من شهرين سنذكرها بالسيناريوهات.
أمّا خطر استغلال تفرقة هيئة تحرير الشام من قِبل روسيا والنظام لشن هجوم عسكري فهذه تحكمها اتفاقيات مع تركيا والاستقرار العسكري الحالي ليس سببه هيئة تحرير الشام، بل هو اتفاقيّات تركية – روسية ملزمة للطرفين هي من تمنع هجوم النظام، إضافة لتواجد أكثر من 27 ألف جندي تركي في إدلب.
رابعاً: السيناريوهات المحتملة في إدلب في حال تفكّكت الهيئة:
السيناريو الأول:
وهو مرجوح لا نعطيه أكثر من 20% وهو حدوث فوضى عارمة، واقتتال داخلي بين المكوّنات التي تنبثق عن الهيئة مع فصائل الجبهة الوطنية، أو عمليّات ثأر وانتقام، وهذا نستبعده إلّا لفترة أيّام محدودة فقط، فاحتمال إن تمّ اعتقال قيادة الهيئة أن تنجح مكوناتها بوضع أمير جديد لها وطاعته وتحافظ على تماسكها لا يتجاوز الـ 10% للأسباب التي ذكرناها سابقاً، لكن قد تحدث بعض المشاكل من عمليات نهب شخصيّة بالمؤسسات الحكوميّة فهناك صناديق ماليّة في كل مؤسسة، بالإضافة إلى أموال المخصصّات الشهرية للكتل العسكريّة، ولا نتوقّع أن تتعدّى الكتل العسكريّة، فسيناريو الفوضى مرجوح إذا تمّ التعامل مع العملية الانتقاليّة واستلام مؤسسّات هيئة تحرير الشام بشكل مدروس ومنظّم فهذا السيناريو سيكون مستبعد أي الفوضى.
السيناريو الثاني:
وهو الراجح هو حدوث عمليّة انتقال منظّمة تتم بأقل الخسائر، وسنشرحه بشيء من التفصيل: فتستطيع الحكومة المؤقتة وهي التي تدير قطاع الصحّة والتعليم حالياً في إدلب أن تستلم جميع مؤسّسات حكومة الإنقاذ التي بالأصل كانت هذه ملك الحكومة المؤقتة وسطت عليها هيئة تحرير الشام وصادرتها منها، كما يُمكن بسهولة إبقاء الكوادر المدنية المهنية من حكومة الإنقاذ قائمة على أعمالها فقط تتم عملية إتباعها للحكومة المؤقتة، وهذا السيناريو سيجعل نسبة الفوضى أو الخسائر تنعدم إلى الصفر.
أمّا بالنسبة لجهاز الشرطة فبالأصل قامت تركيا بعدة دورات تدريبية للشرطة وتخريج ضباط منشقين فيستطيع جهاز الشرطة في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون بالإضافة إلى فصيل فيلق الشام الذي تضمن العرض التركي في عام 2018 لحل هيئة تحرير الشام نفسها أن يستلم فيلق الشام مهام الشرطة كما يمكن الإبقاء على كثير من العاملين في جهاز الشرطة الحالي في مناصبهم خاصّة من الضبّاط المنشقين.
يبقى جهاز الأمن العام والذي كلّه من عناصر وقيادات هيئة تحرير الشام هذا يحتاج إلى حل بشكل جذري وبنائه من جديد، فهناك جهاز الاستخبارات التركية الذي مقرّه في كفر جنّة في منطقة غصن الزيتون يستطيع القيام بهذه المهمّة، فقد تمّ تدريب كوادره من قبل تركيا بشكل محترف، وريثما يتم بناء هذا الجهاز من جديد تستطيع الجماعات المحليّة([10]) (الجبهة الوطنية) إدارة الملف الأمني كما كان قبل سيطرة هيئة تحرير الشام، فمنطقة صقور الشام كانت تتولّى رعاية الأمن في مناطقها، ومنطقة أحرار الشام كذلك، وجيش إدلب الحر وفصائل ريف حماة مثل الجيش الثاني، والفرق الساحلية في الشريط الساحلي، وهكذا.
خاتمة وتوصيات:
ما زالت هيئة تحرير الشام حاجة دوليّة([11])، فأمريكا تريد استخدامها لمحاربة الجماعات الإسلامية الأشد منها مثل: حراس الدين وداعش، وروسيا تريد منها استمرار تنفيذ تفكيك الجماعات القوقازية التي تشكّل خطراً في حال عودتهم إلى بلادهم، وتركيا بحاجتها للمحافظة على وقف إطلاق النار ومنع هذه الجماعات من استهداف النظام، بالإضافة إلى استخدامها ورقة للضغط على الفصائل التي تصنّفها تركيا على أنّها عدو محتمل أو حتى تشكّل عليها خطراً مُحتملاً مثل بعض مكونات الفيلق الثالث، والنظام يريد بقاءَها كشمّاعة للإرهاب ولاستعادة سيادته على المناطق الخارجة عن سيطرته حيث يصنّفها على أنّها خاضعة لسيطرة الإرهاب.
لكن بنفس الوقت أي مفاوضات تركية – روسية فأول بند على البازار هي هيئة تحرير الشام([12])، وأي مفاوضات تركية – أمريكية كذلك هي أحد بنود التفاوض كونها ما زالت مصنّفة على لوائح الارهاب دولياً وحتى في القانون التركي، إضافةً إلى تحوّلها إلى عبء ثقيل يقيّد الحركة الدبلوماسية التركيّة بتوحيد المناطق جغرافياً تحت جسم عسكري وسياسي موحّد يتبع لجهة تتمتّع بالحدّ الأدنى من الشرعيّة السياسيّة وهي الائتلاف الوطني.
إضافة إلى استشعار هيئة تحرير الشام خطر اتخاذ قرار بحلّها فبدأت تحاول الإمساك بأوراق ضغط ضدّ تركيا، فتفاوض قسد، وتفتح خطاً مباشراً مع روسيا، وتقوم بأعمال عسكريّة ضدّ النظام بين الفينة والأخرى للمشاغبة على تركيا([13])، وآخرها السيطرة على معبر الحمران ودعم القسم المُنشق من أحرار عولان المتمرّد على تركيا([14])، إضافة إلى عمليتين ضدّ النظام في الساحل([15])، وعمليّة أمنيّة داخل خان شيخون أدّت إلى مقتل ضابط روسي جعل روسيا تصعّد عسكرياً ضد مناطق إدلب بالقصف، وترسل إنذار لتركيا.
فقد أصبحت تكلفة مواجهة هيئة تحرير الشام وحسم هذه المعركة المؤجلة أقل بكثير من احتوائها ومسايرتها، خاصّةً في ظل بدء انهيار النظام اقتصاديّاً وبعد مظاهرات السويداء وإعادة الملف السوري لواجهة التفاعل الدوليّة، لذا نوصي بضرورة الإسراع باتخاذ قرار تفكيك هيئة تحرير الشام والبدء بإخراجها من مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، ثمّ التضييق عليها اقتصادياً، ثمّ معاقبة كل جهة ثوريّة أو مدنيّة تتواصل معها وتعمل تحت نفوذها، وعندما ترفض الرضوخ وحل نفسها يتم اللجوء إلى السيناريو الأمني الذي ذكرناه.
([1]) https://bit.ly/3EN5ecc
([2]) https://bit.ly/3ZnivBX
([3]) https://bit.ly/48rHtUD
([4]) https://bit.ly/3t2pW5g
([5]) https://npasyria.com/53070/
([6]) https://bit.ly/3ENbz7u
([7]) https://www.noonpost.com/46280/
([8]) https://bit.ly/48o9e0f
([10]) https://bit.ly/3sYMJip
([11]) https://bit.ly/3PjNr1e
([12]) https://bit.ly/3PjNr1e
([13]) https://www.noonpost.com/46280/
([14]) https://bit.ly/48pkcTf
([15]) https://bit.ly/3LxXWNd
الجيش الحر او الجبهة الوطنية ليست منظمة بشكل جيد عسكريا و اداريا و امنيا .. الخ.
ستحدث فوضى اكبر عند الاندماج مع مؤسسة فوضوية ولن بكون ذلك مقبول لدى العامة.
الراتب الجيد كفيل بتفكيك و سحب نسبة كبيرة من المقاتلين.
الاعلام له دور هام في التفكيك
الانقلاب الداخلي افضل الطرق و بنية الهيئة هشة.
ايجاد بديل عسكري سياسي منافس للهيئة.