انتخابات “الإدارة الذاتية ” المحلية لدى قسد.. تمهيد للانفصال أم تمثيل للمجتمع المحلي؟
تقدير موقف
مركز كاندل للدّراسات
المقدمة
عادت الإدارة الذاتية التابعة لقسد لتعلن يوم 5 أيلول/سبتمبر 2024 عن تفويض المفوضية العليا للانتخابات مفوضياتِ المقاطعات بالعمل على إجراء انتخابات البلديات في الوقت الذي تراه مناسبًا حسب وضع كل منطقة [1] وكانت المفوضية العليا للانتخابات، قد أعلنت في اجتماعها الأول بأن انتخابات البلديات ستنطلق في الثلاثين من شهر أيار/مايو 2024 [2] ثم عادت وأعلنت تأجيل الانتخابات إلى 11 حزيران/يونيو 2024. [3] ثم قررت “الإدارة الذاتية ” في يوم 27/تموز/يوليو 2024 إلغاء إجراء انتخابات البلديات التي كانت مقررة في شهر آب /أغسطس 2024 في مناطق شمال شرقي سورية نهائياً، بعد تعرضها لضغوط أميركية وغربية، حيث اعتبرت الخارجية الأمريكية أن الظروف غير مهيأة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في شمال شرق سورية [4]
ولم تكن هذه المحاولة الأولى لتأسيس حالة تمثيل محلي في شمال شرق سورية حيث قام “حزب الاتحاد الديمقراطي “[5] بتأسيس مجلس شعب غرب كردستان في كانون الأول/ ديسمبر 2011، والذي انبثقت عنه عدد من المؤسسات الخدمية والسياسية مثل “دار الشعب” التي تنوب عن البلدية في مهامها[6] وذلك بعد مجموعة توافقات بين النظام السوري وصالح مسلم على إدارة المنطقة لمنع امتداد الثورة إلى المكون الكردي كما اعتمد المجلس العام في “الإدارة الذاتية” ، يوم 13 كانون الأول/ديسمبر 2024 ، عقداً اجتماعياً في خطوة لتأسيس مبدأ الفيدرالية في أي تسوية مقبلة للقضية السورية.[7]
في هذا التقرير سنتناول السياقات الاستراتيجية المحلية والدولية لإجراء هذه الانتخابات وأهداف الإدارة الذاتية منها والسيناريوهات المحتملة لهذه الانتخابات مع التركيز على السؤال البحثي الذي انطلقنا منه ” هل هذه الانتخابات خطوة نحو تمثيل محلي أكبر أم تمهيد للانفصال؟
أولاً: السياق الاستراتيجي لمبادرة الانتخابات من قبل الإدارة الذاتية
ثمة سياقات داخلية وخارجية شكلت دوافع مباشرة في توجه الإدارة الذاتية نحو إجراء الانتخابات المحلية
· السياقات الداخلية:
تعاني قوات سورية الديمقراطية “قسد ” وفرعها الإدارة الذاتية من أزمة شرعية مزمنة في توصيف حكمها وإدارتها لمناطق شمال شرق سورية ذات الأغلبية العربية حيث لا يتجاوز عدد الأكراد الذين تدعي قسد تمثيلهم أكثر من 30% على أعلى تقدير والرغبة في تحقيق الشرعية وإنشاء هياكل حكم في المناطق التي تسيطر عليها قسد.
كذلك لم تستطع الإدارة الذاتية كسب شرعية التمثيل الكردي خصوصاً بعد فشل الحوار الكردي الكردي بين المجلس الوطني الكردي وقسد [8]
ولم تستطع الإدارة الذاتية كسب المشروعية من خلال إقرار “العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا”، والذي اعتمد في المجلس العام للإدارة الذاتية عام 2022.[9]
كذلك تشهد مناطق دير الزور منذ نهاية شهر آب/أغسطس 2023 حالة تمرد من قبل عشيرة العقيدات يقودها الشيخ “إبراهيم الهفل” ولم تحل الإشكالات بين عشيرة “العكيدات” والإدارة الذاتية حتى اليوم [10] وهو ما أدى إلى هز شرعية قسد والإدارة الذاتية في المنطقة خصوصاً مع تآكل شرعية الحرب على الإرهاب التي انتهت منذ معركة “الباغوز” في شهر شباط/فبراير 2019، وهو ما استدعى من قسد البحث عن شرعية شعبية مشفوعة بانتخابات للإدارة المحلية لمواجهة المهددات المحتملة لوجودها.
· السياقات الخارجية:
تحاول الإدارة الذاتية التابعة لقسد استغلال مجموعة من الظروف الدولية والإقليمية لتثبيت مكتسباتها على الأرض من خلال التجذر في المجتمع المحلي عبر آلية الانتخابات، ومنها انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الأمريكية وغرق روسيا في الحرب الأوكرانية وانشغال إيران بحالة التوتر مع إسرائيل كما تريد قسد الرد على مسار التطبيع بين النظام السوري وتركيا والذي يضع على رأس أجنداته مواجهة مشروع الإدارة الذاتية[11] كما تتخوف الإدارة من انسحاب أمريكي مفاجئ يضعها في مواجهة مصيرها في محيط معاد ومهدد لوجودها [12] إضافة لارتفاع وتيرة الغارات الجوية التركية التي تستهدف قيادة “قسد” و نجاح عمليات الجيش التركي بشمال العراق في قطع التواصل بين مناطق شمال شرق سورية وجبال قنديل مركز إدارات العمليات لقيادة PKK [13] وتوقيع أنقرة وبغداد لاتفاقية أمنية لمواجهة حزب العمال الكردستاني في سورية والعراق [14]
لذلك تحاول الإدارة الذاتية استغلال ضعف النظام والرد على رفض النظام الاعتراف بالوضع الخاص للإدارة الذاتية وقسد داخل النظام السوري لفرض أمر واقع يمكن أن يتم ترويجه لدى الغرب وفرضه في مفاوضات الحل النهائي بعد الرفض الدولي لدخول قسد كطرف في مفاوضات المسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة.
ثانياً: أهداف الإدارة الذاتية: والموازنة بين التمثيل المحلي والتمهيد للحكم الذاتي
يبدو أن الإدارة الذاتية تبغي تحقيق أهداف تكتيكية من إجراء الانتخابات المحلية تعزز قضية الشرعية وتحسم الجدل حول عدالة التمثيل للمكونات القومية والدينية غير الكردية بما فيها المكون العربي، أما الهدف الاستراتيجي فيتمثل في خلق وضع إداري وسياسي وأمني وعسكري يمهد لتأسيس فيدرالية تابعة شكلياً لدمشق وتحقيق انفصال واقعي بدون الإعلان عنه رسمياً مراعاة لتعقد الحالة الإقليمية.
· تعزيز التمثيل المحلي:
تعاني الإدارة الذاتية من أزمة تمثيل حقيقي للمجتمع المحلي:
فعلى مستوى العلاقة مع المكون العربي تسيطر على ثلاث محافظات هي الحسكة والرقة ودير الزور وجزء من حلب (منبج) ولا تتعدى نسبة المكون الكردي في الحسكة 28% بينما تعتبر دير الزور منطقة خالية تماماً من المكون الكردي وتبلغ نسبة الأكراد في الرقة أكثر من 10 % وتبلغ نسبتهم في محافظة حلب 6%. [15]
لكن بالمقابل تبلغ نسبة العرب أكثر من 50 % من قوات سورية الديمقراطية لكن على مستوى التمثيل في المناصب القيادية والصف الأول لا يتجاوز العرب 10 % وفي مفاصل هامشية وغير حساسة [16]
وعلى مستوى العلاقة مع المكون الكردي تعاني الإدارة الذاتية من رفض كردي واسع وتعتبرها قوة غير وطنية كما أن المفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وقسد فشلت في التوصل لحل تمثيل المكون الكردي رغم الرعاية الأمريكية للحوار. [17]
وعليه فإن أحد أهداف إجراء الانتخابات في هذا التوقيت هو تنفيذ لمخرجات العقد الاجتماعي الذي أصدرته الإدارة الذاتية وحسم أزمة التمثيل عبر هذه الانتخابات بغض النظر عن تحقيق المعايير المثالية لإجراء الانتخابات.
· الانفصال أم الفدرلة؟
لا يبدو أن الظروف الدولية تساعد الإدارة الذاتية على تنفيذ مشروع انفصالي لكن من الواضح أن متتالية المشاريع التي أنتجتها الإدارة الذاتية منذ بداية التشكل وحتى ما قبله من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي PYD وذراعها العسكري “قسد” إلى مشروع “روج آفا” الذي يرمز إلى مقاطعة جغرافية هي “غرب كردستان” كجزء من كردستان الكبرى ، إلى مشروع الإدارة الذاتية وإعادة إنتاج هوية خاصة تستبعد الدين والقومية من مكوناتها وتجعل من الأدوات الإجرائية عنواناً للهوية الجامع لشعوب شمال شرق سورية هي ” الأمة الديمقراطية” [18]ثم ما تلاها إنتاج العقد الاجتماعي وهو بمثابة ” الدستور ” الخاص بهذه المنطقة وإعادة تشكيل التقاسيم الإدارية، ومحاولة تعميم مشروع الإدارة الذاتية على باقي المناطق السورية وفي السويداء بشكل خاص [19]كل هذه الإجراءات التي قامت بها الإدارة الذاتية مع رفض الانضواء تحت مشروع وطني جامع تشير بشكل قاطع إلى أنه ثمة مشروع انفصالي تقوم الإدارة الذاتية بإنتاجه ضمن خطوات متسلسلة تأخذ بالحسبان الفرصة الدولية والإقليمية السانحة من خلال تنويع التحالفات والمناورة بكل الاتجاهات للوصول إلى نموذج للحكم الذاتي يماثل حالة كردستان العراق.
ثالثاً: السيناريوهات المحتملة: لإجراء الانتخابات؟
يتضح من السياقات والمؤشرات السابقة أن مصير الانتخابات المحلية للإدارة الذاتية تتجه نحو ثلاث سيناريوهات، الإلغاء والتأجيل، إجراء الانتخابات بالتدرج وعلى مراحل، والثالث إنجاز الانتخابات
· السيناريو الأول: الإلغاء والتأجيل
وهو السيناريو المتوسط التحقق خصوصاً إذا كانت خطوة الإدارة الذاتية نحو إجراء الانتخابات هي مجرد خطوة تكتيكية لاستفزاز الأتراك والنظام خصوصا وأن الخطوة جاءت بعد إعلان تركيا عن بدء مسار التطبيع مع النظام لمواجهة مشروع الإدارة الذاتية وفي هذه الحالة من المرجح أن تقوم بإلغاء الانتخابات في حال تلقت تحذيراً أمريكياً شديد اللهجة أو قدمت الولايات المتحدة لها محفزات تدفعها لإلغاء الانتخابات خوفاً من إغضاب أنقرة وتجنباً لاستغلال تركيا الانتخابات لتنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد قسد مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية بحجة عدم إيفاء الولايات المتحدة بوعودها لتركيا تجاه ” قسد “.
· السيناريو الثاني: إجراء الانتخابات بالتدرج
إن السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن تقوم الإدارة الذاتية بإجراء الانتخابات المحلية وفق خطوات متدرجة تبدأ بكل منطقة على حدة كما ورد في بيان الإدارة الذاتية ” تفوضُ المفوضية العليا للانتخابات مفوضياتِ المقاطعات بالعمل على إجراء انتخابات البلديات في الوقت الذي تراه مناسبًا حسب وضع كل منطقة “ بحيث تستطيع أن تقيس رد الفعل الدولي و اختبار الممانعة الأمريكية للانتخابات هل هي مجرد ممانعة سياسية لامتصاص الغضب التركي أم هي ممانعة حقيقية تتسق مع التوجه الأمريكي المعلن دائما وهو عدم تقديم أي وعود سياسية بالنسبة للإدارة الذاتية ورفع يدها عن حمايتها في حال أبدت الإدارة الذاتية تمرداً على التوجيهات الأمريكية ، وهو ما يعني عودة الإدارة الذاتية لإلغاء الانتخابات
· السيناريو الثالث: إنجاز الانتخابات
وهو السيناريو المرجوح حيث تدرك الإدارة الذاتية أن ثمن إنجاز مثل هذه الانتخابات سيكون باهظاً وربما يتسبب بانتكاسة كبيرة لمشروعها خصوصا أن الإدارة الذاتية تتذكر تماماً الموقف الأمريكي من الانتخابات التي أجراها إقليم كردستان العراق على الانفصال عن العراق عام 2017 والتي عارضتها كل من الولايات المتحدة وإيران وتركيا وهو ما دفع الولايات المتحدة للتخلي عن حماية كردستان العراق أمام ميليشيات الحشد الشعبي وتسبب لها بخسارة نفوذها على منطقة كركوك لصالح الحكومة المركزية.
الخاتمة
من الواضح أن الإدارة الذاتية تعاني اليوم من أزمة استراتيجية تهدد وجودها ككيان سياسي وعسكري مستقل أمام المتغيرات الدولية والإقليمية وغموض الموقف الأمريكي من مصيرها ورفض الأخيرة تقديم أي وعود تتعلق بضمان مستقبلها إضافة للكثير من المؤشرات التي تشير إلى أن الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات سيكون وشيكاً وسيكون مصير المنطقة محلاً لتنازع القوة الإقليمية التي تنتظر الانسحاب الأمريكي لسد الفراغ في المنطقة، لذلك تحاول الإدارة الذاتية من خلال الإعلان المتكرر عن إجراء الانتخابات المحلية ثم إلغائها جس نبض الموقف الأمريكي واختبار مدى إمكانية الاعتماد عليه لضمان مستقبل الإدارة في الحل السياسي النهائي للقضية السورية وشراء الوقت لإنجاز تحالفات إقليمية يمكن أن تعوضها عن الحماية الأمريكية في حال أبرمت واشنطن اتفاقاً مع تركيا للانسحاب من شمال شرق سورية وهنا يمكن لتفاهم إيراني إسرائيلي مع انتهاء الحرب على غزة حول المنطقة أن يشكل ضمانة لحمايتها خصوصاً أن طهران وتل أبيب بحاجة لقوة وظيفة قادرة على زعزعة الأمن القومي التركي والضغط بها على أنقرة ضمن معادلة الصراع على النفوذ الإقليمي لاستبعاد تركيا عن المنافسة وإشغالها بهواجسها الأمنية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
[1] موقع سنا: رغم الرفض الدولي.. ميليشيا قسد تعلن إجراء انتخابات البلديات في مناطق سيطرتها نشر في تاريخ /9/ 2024.
[2] . موقع الإدارة الذاتية : بيان إلى الرأي العام الهيئة العليا للانتخابات في شما ل وشرق سورية نشر في تاريخ 25/5/2024.
[3] . موقع الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية X https://x.com/aanes__official/status/1796589079465009294:
[4] حساب السفار الأمريكية في دمشق : تصريح إيثان غولدريتش نائب مساعد وزير الخارجية في مكتب شؤون الشرق الأدنى المعني بملف بلاد الشام. تاريخ النشر 8/ 7 / 2024.
[5] . الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني التركي.
[6] . موقع anfarabic : مجلس الشعب في غرب كردستان يصدر البيان الختامي نشر تاريخ 19/12/2011 .
[7] . راجع موقع pydrojava : ميثاق العقد الاجتماعي لمنطقة شمال شرق سورية
[8] . موقع بلدي : شريطة عدم تدخل ” pyd”.. “الوطني الكردي” يطالب واشنطن باستئناف الحوار الكردي الكردي. نشر تاريخ 20/7/2024.
[9] . موقع الجزيرة: الإدارة الذاتية في سوريا.. سلطة الأمر الواقع الكردية نشر تاريخ 18/7/2024.
[10] . موقع الجزيرة: ماذا وراء المواجهات بين العشائر العربية وقسد شرق سوريا؟ تاريخ النشر 22/8/2024.
[11] . موقع المدن: قسد مستعدة للحوار مع انقرة..وترفض التطبيع التركي السوري . تريخ النشر 20/7/2024.
[12] . مركز كاندل للدراسات: الاجتماع المرتقب بين بشار الأسد وأردوغان .. السياقات والأهداف والتحديات . تاريخ النشر 9/7/ 2024.
[13] . مركز البيات للدراسات والتخطيط : العملية العسكرية التركية المرتقبة في شمال العراق: الخلفيات والأبعاد تاريخ النشر 2/6 /2024.
[14] . مركز الإمارات للدراسات : التفاهم الأمني بين تركيا والعراق: الأمن مُقابِل المياه والتجارة . تاريخ النشر 3/5/2024.
[15] . معهد العالم للدراسات الكاتب مهند الكاطع : الجغرافية البشرية للأكراد في سورية. نشر في تاريخ 9/7/2016.
[16] . مركز عمران : شرق الفرات بين تزاحم القوى الدولية وتحاور القوى المحلية نشر في تاريخ 15/5/ 2024.
[17] . تلفزيون سورية: الخارجية الأميركية تدفع مجدداً لاستئناف الحوار “الكردي” في سوريا . تاريخ النشر 18/3/2022.
[18] . راجع موقع pydrojava : مفهوم الأمة الديمقراطية وأهميتها للشعوب – PYD تاريخ النشر 30/5/2024.
[19] . موقع ANHA : مجلس المرأة السورية يحي سنوية حراك السويداء ويدعو للاقتداء بالإدارة الذاتية . تاريخ النشر 16/8/ 2024.