أبحاث

امتداد العدوان الإسرائيلي إلى لبنان وحروب النفوذ الإيراني بالوكالة وآثارها على سورية

تمهيد

تناقش الورقة الفرص والتحديات التي قد يفرزها امتداد الحرب المحتمل بين المحور الإيراني وإسرائيل من لبنان إلى استهداف مواقع الميليشيات الإيرانية على الأرض السورية وهل من الممكن  أن تشكل هذه الحرب فرصة بإحداث فراغ استراتيجي  ينتج عن الانكفاء الإيراني تستعيد من خلاله قوى الثورة والمعارضة زمام المبادرة وتتحرك لملء هذا الفراغ خصوصاً مع وجود قوى أخرى تحمي النظام السوري مثل روسيا وفي ظل الاتفاقات الروسية والتركية ضمن مسار أستانا والرغبة الأمريكية لتجميد الصراع بين الفاعليين المحليين في المسألة السورية.

أولاً: هل هناك فرصة للمكون العربي السني في هذه الحرب:

إن الاحتكاك المتصاعد بين إسرائيل وإيران يأتي في ظل متغيرات إقليمية ودولية يصعب معها على المكون العربي السني أن يستثمر ظروف هذه الحرب لتغيير المعادلة السياسية في سورية لسببين:

  1. سبب ذاتي يتعلق بهالة التشرذم للقوى السياسية الممثلة لهذا المكون وعدم قدرتها على إنتاج قيادة ومشروع ورؤية حتى الآن إضافة لتفكيك بناها الاجتماعية الصلبة خلال الثورة السورية.
  2. وسبب ذاتي يتعلق بالإدارة الأمريكية للصراع بين إسرائيل وإيران وعدم السماح بتحولها إلى مواجهة شاملة ومفتوحة لأن هذا الصراع في جوهره هو صراع ضمن المحور الواحد وهو محور” تحالف الأقليات” وإعادة ترتيب الأوراق الإسرائيلية بناء على “عقيدة المحيط ”  لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بن غوريون” الذي اعتبر أن العدو الأول لإسرائيل في المنطقة هم العرب السنة في منطقة الشام والعراق وهو الجزء الثابت من النظرية والذي لا يمكن أن يتغير بحال من الأحوال أما الجزء المتغير من النظرية فهو الأطراف الذين يمكن لإسرائيل أن تتخادم معهم في سبيل احتواء العرب السنة وهو ما عملت عليه الحرب الإيرانية الطائفية في المنطقة وإضعافهم من خلال عملية التهجير والهندسة الديمغرافية وتقويض البنية الاجتماعية  للعرب السنة في هذه المنطقة، وما تفعله إسرائيل في غزة والذي يصب في نفس الغاية والهدف وبالتالي فإن  ظروف هذه المواجهة المحدودة بين إسرائيل وإيران والتي لم تنتقل إلى سورية حتى الآن  تدار من قبل إسرائيل والولايات المتحدة  بطريقة لا تسمح بصعود السنة العرب من جديد على ساحة الفاعلية السياسية الإقليمية  لسد  احتمالية  حدوث فراغ إيراني في سورية .

وما يحدث بين الطرفين حتى الآن هو مجرد تدافع بين أطراف محور حلف الأقليات والخلاف في جوهره هو رغبة إسرائيلية لمنع المحور الإيراني من التموضع ضمن المجال الحيوي الإسرائيلي والتأثير على أمن إسرائيل أو تحويل المنجزات العسكرية للمحور الإيراني إلى مكاسب اقتصادية جيواستراتيجة تتعلق بلعب دور مركزي في إدارة المنطقة والتفوق على الدور الإسرائيلي وهنا يمكن إحصاء المصالح بأنها طرق التجارة الدولية ومعابر الطاقة والغاز والموانئ التجارية الدولية.

لكن في الجوهر الدور الإيراني والإسرائيلي هما أدوار متكاملة في عملية استهداف العرب السنة حيث عملت إيران من خلال حرب الإبادة المدعومة أمريكياً على استئصال الوجود العربي السني الاستراتيجي في منطقة شرق المتوسط وإخراجهم من التأثير في المشهد السياسي وإسرائيل تقوم حالياً بعد اكتمال الدور الإيراني بإعادة رسم المشهد من جديد بطريقة تستبعد أي دور للعرب السنة في مستقبل سورية وهو ما سنتحدث عنه لاحقاً.

إن إجراء مقارنة بسيطة بين الحرب الإسرائيلية على غزة والحرب الإسرائيلية على لبنان يتبين أن الحرب على غزة تستهدف اقتلاع الكتلة السكانية السنية من هذه المنطقة وليس مجرد القضاء على حركة حماس وهو ما يفسره عدد المجازر التي تم ارتكابها بحق المدنيين والقصف المركز للمنشآت المدنية بدون إنذار مسبق وقتل أكثر من 43 ألف وجرح أكثر من 100 ألف جريح مع إنهاء أي إمكانية للحياة في القطاع والاستمرار في حصاره من كل الجهات لإجبار سكانه على الهجرة وإفراغ غزة من سكانها.

بينما الحرب على لبنان تركزت أساساً على قيادة حزب الله ولم تمس الحاضن الاجتماعي للحزب الذي تم تامين عدد كبير منه في سورية والعراق وباقي المناطق اللبنانية الآمنة بعيدا عن القصف، وهو ما يعني إمكانية أن يعود حزب الله لترميم قدراته العسكرية والبشرية من جديد خصوصاً إذا علمنا أنه ثمة 116 نقطة وقاعدة عسكرية للحزب في سورية وحوالي 20 ألف مقاتل وهو عدد كاف لإعادة هيمنة الحزب على لبنان بعد انتهاء الحرب مع احتفاظه بالكثير من السلاح في مستودعاته على الأراضي السورية.

ولم يبلغ قتلى الحرب في لبنان من 8 تشرين الأوّل 2023 إلى 8 آب 2024 أكثر 393 وهو ما يعني أن أهداف الحرب على غزة مختلفة تماماً عن أهداف الحرب على لبنان وحزب الله الأولى هي للاجتثاث والثانية هي للردع لذلك يتم الحديث عن تطبيق القرارات الدولية كإطار لوقف الحرب في لبنان ولا يطرح نفس الأمر في غزة.

كما لا يتوقع أن يضعف النفوذ الروسي بسبب المواجهات الإسرائيلية مع حزب الله والميليشيات الإيرانية فالروس متمسكون بسورية كجزء من تعزيز نفوذهم الدولي وجزء من المقايضة بين الملف الروسي والأوكراني ولن تتخلى روسيا عن سورية قبل حسم معركتها في أوكرانيا، كما لا يتوقع أن تدعم تركيا أي معركة للمعارضة ضد نظام الأسد بسبب تخوفها من نتائج أي تدخل إسرائيلي محتمل على أمنها القومي خصوصاً إذا وصلت إسرائيل إلى مناطق سيطرة قسد، فهنا سيكون التطبيع مع النظام هو الخيار الاستراتيجي بالنسبة للأتراك.

ثانياً: المصالح الإسرائيلية في سورية التي تسعى لتحقيقها من خلال الحرب

منذ بداية الثورة السورية في آذار 2011 لم تبد إسرائيل أي موقف حاد من نظام الأسد، بل على العكس اعتبر الكثير من السياسيين الإسرائيليين أن بقاء الأسد على رأس السلطة في سورية هو ضمان لمصالح إسرائيل أكثر من انتصار الثوار الذين هم في غالبيتهم من العرب السنة المكون الأكبر في سورية ، وبناء عليه استطاعت إسرائيل من خلال التغاضي عن الدور الإيراني في سورية بداية الثورة والضغط على الدور الأمريكي لمنع دعم المعارضة السورية إلى الحد الذي تستطيع إسقاط الأسد ونسقت مع روسيا لحماية نظام الأسد منذ التدخل الروسي في سورية شهر أيلول/سبتمبر 2015  لحماية النظام من الانهيار بعد أن وصلت فصائل المعارضة إلى محيط دمشق .

مع بداية الحرب على غزة 7 أكتوبر 2023 وصلت رسائل من إسرائيل عبر الإمارات وروسيا إلى النظام تحذره من تسهيل أو المشاركة بأي تحرك مع المحور الإيراني ضد إسرائيل والتزم النظام سياسة النأي بالنفس عن هذه الحرب ومنع أي نشاط عسكري للميليشيات الإيرانية ضد إسرائيل من جبهة الجولان.

وهو ما يثبت أن التفاهمات الصلبة بين النظام وإسرائيل لا زالت ثابتة وأن أي تدخل إسرائيلي محتمل في سورية لن يكون لغاية إضعاف النظام في دمشق.

إن إسرائيل بحاجة إلى استبعاد سورية في هذه المرحلة عن المشاريع الاقتصادية الإقليمية في المنطقة وعلى رأسها (طرق التجارة الدولية، والموانئ الإقليمية، وممرات الغاز والطاقة ) وبالتالي بقاء الأسد وتحويل سورية إلى دولة معاقة غير قادرة على لعب دور إقليمي أو إبرام صفقات من هذا النوع هو مصلحة إسرائيلية بامتياز وهذا لن يتحقق إلا بالإبقاء على نظام الأسد ضمن سورية المعاقة وتحويل سورية إلى مجموعة من الأقاليم الفيدرالية يتم فيها احتواء العرب السنة في إقليم جنوبي تحت سيطرة ونفوذ المكون الدرزي واحتواؤهم في شمال شرق سورية تحت نفوذ قوات سورية الديمقراطية الكردية، واحتواؤهم في الساحل ضمن إقليم علوي يسيطر عليه النظام السوري، ومن تبقى منهم يمكن تجميعهم في إقليم شمالي يضم إدلب وأجزاء من حلب يفتقر للموارد والواجهة البحرية مع الإبقاء على دمشق مركزا للدولة الفدرالية.

وهنا تلعب هذه الأقاليم دوراً وظيفياً مزدوجاً.

الدور الأول: هو دور أمني بحيث تتحول هذه الأقاليم إلى نطاقات أمنية للدول الإقليمية بحيث يتحول الإقليم الجنوبي إلى حزام أمني لإسرائيل والشمال حزام أمني لتركيا وشمال شرق إلى خطر أمني على تركيا وإقليم الساحل لضمان المصالح الروسية،

الدور الثاني: تخوض هذه الأقاليم فيما بينها صراعات لا تنتهي على الحدود والثروة والتمثيل في المركز ” دمشق ” وهو ما يضمن إعاقة الدولة السورية وتحولها إلى دولة فاشلة غير قادرة على التأثير في السياسات الإقليمية.

الخاتمة والتوصيات  

من الواضح أن الفرص والتحديات المرتبطة بامتداد المواجهة المحتملة بين إسرائيل والمحور الإيراني من لبنان إلى الساحة السورية، ترتكز أساساً على كيفية تأثير هذه التحولات على مستقبل المعارضة السورية والمكون العربي السني. في ظل تصاعد الصراع بين الطرفين، يبدو من الصعب على العرب السنة الاستفادة من أي فراغ استراتيجي محتمل بسبب التشرذم السياسي والاجتماعي، إضافة إلى الإدارة الأمريكية للصراع التي تمنع تحوله إلى مواجهة شاملة لضمان استقرار تحالفات معينة في المنطقة.

إضافة للسعي الإسرائيلي في استراتيجيتها الإقليمية إلى إعادة تعريف الدور الإيراني في المنطقة مع الإبقاء على نظام الأسد ضعيفاً وغير قادر على لعب أي دور إقليمي مهم، مما يخدم مصالحها في إبقاء سورية خارج المشاريع الاقتصادية الكبرى مثل ممرات التجارة والطاقة. في الوقت نفسه، تهدف إسرائيل إلى تحويل سورية إلى كيانات فيدرالية منقسمة إلى أقاليم تخدم المصالح الأمنية الإسرائيلية والإقليمية، مع إبقاء الصراعات الداخلية مستمرة فيما بينها لضمان ضعف الدولة المركزية وتركها في حالة الإعاقة المستدامة .

كما تظهر المقارنة بين الحملات العسكرية في غزة ولبنان أهدافاً مختلفة؛ حيث استهدفت الحرب على غزة اقتلاع الكتلة السكانية السنية، بينما ركزت الحرب على لبنان على ردع حزب الله دون استهداف البنية الاجتماعية. هذه الديناميات تؤكد أن إسرائيل تسعى لإعادة رسم الخارطة السياسية في سورية بطريقة تضمن احتواء العرب السنة ضمن مشاريع التقسيم الفيدرالي ومنعهم من استعادة أي فاعلية سياسية مؤثرة باعتبارهم الحامل الوطني الأقوى وهنا من الضروري ألا يدخل العرب السنة في سورية بأي مشروع احتواء سواء  كان في الجنوب أو شمال شرق سورية لأن الغاية من إدخالهم هو مجرد الاحتواء والتحليل السياسي للمشاريع المشبوهة بشكلانية تمثيل غير مؤثر وليس بناء شراكة وطنية حقيقية، وبذلك يتم استكمال بناء مشروع حلف الأقليات حتى ضمن الأقاليم الطائفية والإثنية التي يراد تشكيلها في سورية ثم ربطها بحلف الأقليات الأكبر على مستوى المنطقة، وهو ما يفرض على العرب السنة مد يد التحالف والتنسيق مع باقي شعوب منطقة شرق المتوسط الرافضة لهذا التحالف سواء من العرب السنة أو من باقي الطوائف التي لازالت وفية لانتمائها الوطني وترفض تمرير المشاريع الصهيونية والإيرانية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى