الدراسات والبحوثتحليلات

الموقف الأمريكي تجاه سورية وتقلباته

وحدة التفكير في مركز كاندل
20 مايو 2023

تمهيد:
جرت مفاوضات متعددة بين نظام الأسد والولايات المتحدة الأمريكية منذ اندلاع الثورة السورية كان أبرز تلك المفاوضات عام 2015 حينما صرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن على الولايات المتحدة أن تتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل إزاحته عن السلطة إلا أن الحقيقة كانت من وراء ذلك التصريح هو تفاوض من أجل الإفراج عن الصحفي الأمريكي أوستن المختطف لدى النظام السوري منذ 2012 في دمشق.

جاء تصريح كيري في 2015 بعد حصول الولايات المتحدة الأمريكية على معلومات تؤكد تورط النظام بإخفاء أوستن لديه بسجون سرية حيث أكدت تلك المعلومات أن الصحفي الأمريكي موجود في سجن يطلق عليه سجن الطاحونة والتابع للحرس الجمهوري ويقع تحت الأرض بالقرب من القصر الرئاسي وسط دمشق.

وبحسب مصدر خاص لمركز كاندل حصلت كاندل على معلومات مؤكدة بخروجه من داريا باتجاه العاصمة دمشق بعد جولة صحفية له على كتائب الجيش الحر غربي دمشق واعتقاله من قبل حاجز للأمن العسكري مع السائق الذي كان يقله.
دفعت الولايات المتحدة الأمريكية لتكليف اللواء عباس إبراهيم مدير الأمن اللبناني العام لتنسيق مفاوضات بجولات جديدة بين النظام السوري والجانب الأمريكي على مدى السنوات السابقة حيث مهد عباس للقاء وسط العاصمة دمشق جمَعَ بين عددٍ من الشخصيات الأمنية والسياسية الأمريكية وبين شخصيات أمنية تابعة للنظام السوري كعلي مملوك عام 2017 إلى أن توقفت تلك المفاوضات بنهاية ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي كان قد أرسل رسالة شخصية لرأس النظام السوري في 2020 كشف عنها وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو لفتح حوار مع بشار.

تواصلت جولة اللقاءات على مر السنوات السابقة فقد زار كاش باتيل المسؤول في البيت الأبيض دمشق وكانت زيارة تجمع مسؤولاً رسمياً بالنظام السوري ثم تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدين بالتواصل مع النظام السوري بشكل مباشر إلى أن كشفت ذا كريدل الأمريكية أن مفاوضات جديدة سرية تجري بين الولايات المتحدة والنظام في سلطنة عمان اعترفت بها الولايات المتحدة رسمياً بعد صدور التسريب وعلى لسان نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ويبقى السؤال هل يمكن تبني وجهة نظر الولايات المتحدة القائمة حسب تصريحاتها من كل لقاء على عدم تناول أي تفاوض بين الولايات المتحدة والنظام سوى التفاوض لإخراج الصحفي الأمريكي “أوستن” والمحتجز عند النظام؟

التحليل:

  • تدرك الولايات المتحدة حجم الهيمنة الروسية – الإيرانية على نظام الأسد، وأن واشنطن لا يمكنها منافسة موسكو وطهران على كسب النظام لصالحها، ضمن أية مفاوضات، وعليه فأي لقاءات أمريكية مع نظام الأسد هي لقاءات تفاوضية تكتيكية لمناقشة ملف المحتجزين الأمريكيين بالدرجة الأولى.
  • من غير المتوقع أن تتطور أية لقاءات أو مفاوضات مع نظام الأسد إلى مفاوضات ولقاءات دبلوماسية، وذلك بالنظر إلى أن واشنطن ترى أن أي استقرار سياسي لنظام الأسد سيصب في صالح روسيا وإيران، مع الإشارة في هذا السياق لما ألزمت واشنطن به نفسها من خلال سن قانون “قيصر” وقانون “الكبتاغون” وكذلك مشروع قانون “تطبيع العلاقات” والذي يمنع إقامة أي علاقات مع حكومة يرأسها بشار الأسد ومن المتوقع أن يقره الكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ) ويحال للرئيس الأمريكي لإقراره، بعد إقراره من لجنة العلاقات الخارجية الأمريكية بـ39 صوت من أصل 40 وهو ما يوضح وجود توجه أمريكي موحد رافض للتطبيع مع نظام الأسد.
  • علقت الولايات المتحدة على عودة التطبيع مع النظام بأنه لا يستحق إعادة القبول لجامعة الدول العربية وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتل هذه قراراتهم الخاصة التي سيتخذونها وهذا يعني عدم جدية موقف منع التطبيع والاكتفاء بعدم الرضى الذاتي.
  • الخميس 13 مايو دخل مشروع قانون أمريكي جديد أروقة الكونغرس الأمريكي ونص المشروع على حظر الاعتراف ببشار الأسد وعودة النظام لجامعة الدول العربية إلا أن جزءاً من الإدارة الأمريكية لم تكن راضية عن ذلك المشروع الذي دخل للكونغرس بمساعي اللوبي السوري الأمريكي والمتمثل بالتحالف الأمريكي لأجل سوريا
  • لجانب أهمية قانون محاربة التطبيع الصادر بالتزامن مع انعقاد الجامعة العربية بحضور رأس النظام السوري إلا أن محاربة النظام عبر قانون قيصر وقانون مكافحة الكبتاغون لم تمنع الدول العربية من إعادة النظام لحضن الجامعة العربية في ظل عدم المباشرة بتطبيق القوانين والعقوبات الخاصة بنظام الأسد، والتي تجرم وتحرم التعامل مع النظام.
  • خلال اجتماع جامعة الدول العربية لم تتطرق الدول العربية لمناقشة سبل إعادة اللاجئين وحل الملفات السورية المستعصية واكتفى الاجتماع بمناقشة وصول المساعدات ومكافحة الإرهاب وهذا يدل على أن اللاعبين الإقليميين بما فيها الولايات المتحدة جادون في التطبيع مع النظام ولا يعتبر قبول دخول رأس النظام للجامعة أمراً من باب المصادفة
  • العديد من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط ترى أن الضغط على زر إعادة الضبط مع سوريا يمثل مبادرة مرحب بها، ويمكن أن تقلب صفحة الحرب التي استمرت 12 عامًا في البلاد.
  • بالنسبة للولايات المتحدة، يمكن أن تكون المبادرات للتطبيع مع نظام بشار الأسد نهاية حملة عزله التي استمرت لسنوات وتهديدًا لاستراتيجياتها الأوسع ضد إيران.
  • ترى صحيفة “نيويورك تايمز” أن عودة النظام السوري تعني أيضًا أن الجميع اعترف بانتصاره في الحرب الدامية المستمرة منذ 12 عامًا بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
  • عدم جدية تعامل الولايات المتحدة الأمريكية في منع الدول العربية من التطبيع مع النظام هو ضمن استراتيجية جديدة جاءت نتيجة أن واشنطن أصبحت أقل انخراطًا في الشرق الأوسط عما كانت عليه في السابق واهتماها بملفات خطر التوسع الصيني والحرب الروسية على أوكرانيا وملف النووي الإيراني.

خلاصة:
تعتبر سورية اليوم والملف السوري ليس ضمن أولويات الملفات على الطاولة الأمريكية عند صناع القرار وهذا كان واضحًا بما قد يراه المتابعون أنه تخبط أو مواقف متقلبة إلا أنه تحول بمسار أولويات المصالح الامريكية إضافة للتغيرات التي جرت بالعلاقات الخارجية للولايات الأمريكية بعد هزيمة ترامب واستلام جو بايدين حيث تأثرت العلاقات الخارجية بشكل واضح باختلاف مصالح الجمهوريين والديمقراطيين وانتقال أولويات صناع القرار للاهتمام بمواجهة الصين وروسيا ومتابعة الملف النووي الإيراني وهذا كان نتاج تصرفات حلفاء الولايات المتحدة وترك حيز لخطوات عربية كالتي حدثت باستضافة رأس النظام في قمة جدة أمس إلا أن عدم الاهتمام الحالي لا يعني التملص من القوانين التي سيكون من شأنها معاقبة النظام مستقبلًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى