مقالات الرأي

الحكم الجديد وكبار شبيحة الأسد.. ما طبيعة العلاقة؟

ياسر سعد – مقال رأي

استبشر السوريون كثيرا وما يزال كثيرون منهم، بالحكم الجديد والذي حرر البلاد والعباد من واحد من أسوأ أنظمة الحكم في تاريخ المنطقة على الإطلاق. السوريون والذين أذاقهم نظام الأسد الأب والأبن الويلات، وجربوا بهم كل أشكال القتل والتعذيب والاضطهاد كانوا في شوق جارف لرؤية العدالة تأخذ مجراها، ولمتابعة أكابر مجرميها وهم في أقفاص الاتهام يحاكمون. لعل ذلك يشف صدورهم ويطفئ نار متقدة في قلوبهم.

غير أن السوريين وغيرهم صدموا تماما وهم يرون كبار القتلة مثل طلال مخلوف وغيره يقومون بتسوية أمورهم أمام الكاميرات ويذهبون لبيوتهم وكأن أكبر ما فعلوه أن أزعجوا جيرانهم بصراخ أو زعيق.

تكررت مشاهد وصور كبار الشبيحة وهم يتنعمون برغد من العيش ويعيشون حياة أكثر من طبيعية، بل وأسند لبعضهم أدوارا وتم إعادة تدويرهم والتعامل معهم ككبار القوم أو أسياد العشيرة.

احتار السوريون في هذا الأمر وتباينت قراءاته لهم، ما بين متفائل وواثق من أن القيادة الجديدة تمتلك رؤية ثاقبة ونظرات عميقة، وما بين متشائم يقول ويزعم أن الذي تغير في سوريا حقيقة هو رأس النظام، وأن العدالة غابت وغيبت، وأن الضحايا يتعرضون لاضطهاد جديد وهم يرون قتلتهم وجلاديهم في أمن وأمان وسعادة وحبور. فكيف يرى بعض السوريين هذه المسألة وكيف يقرؤونها؟؟

المتفائلون يعتبرون أن الوضع الأمني والاجتماعي والاقتصادي لا يسمح بمواجهات ولو قانونية، ولا محاكمات وإن توافرت الأدلة وتكاثرت وتعاظمت. فالمواجهة مع الشبيحة – وإن كان بعضهم على قوائم العقوبات الدولية- ستدفعهم للهروب ومعهم ثرواتهم غير المشروعة وربما سيشجعهم ذلك على تمويل تمرد وأعمال عنف، مما يؤثر على الاستقرار والذي ما زال هشا. فمن الممكن الاستفادة من الشبيحة ومن مالهم الحرام اقتصاديا وإبقاء تلك الاموال في سوريا، وتشغيل الشباب باستثماراتهم الكبيرة ومشاريعهم العملاقة. ويمكن الاستفادة من علاقاتهم ومعلوماتهم لضمان الاستقرار الأمني في البلد وتجاوز المرحلة الحالية نحو وضع أكثر استقرارا ومتانة.

فيما يرى آخرون أن بقاء الشبيحة خصوصا العسكريين منهم وأصحاب التنظيمات العسكرية، كان في سياق صفقة إسقاط الأسد -ربما بوساطات دولية وإقليمية- لتجنب مواجهات دموية وخسائر إنسانية تزيد من معاناة السوريين وتعمق جراحاتهم.

المرتابون والمتشككون على قلتهم -وإن كانت أراءهم تجد قبولا من الرأي العام أكثر من ذي قبل- فإنهم يعتبرون أن الأمر بمثابة ثورة مضادة وأن بقاء القتلة وعدم محاكمتهم هو اغتيال متعمد لأهداف الثورة بالحرية والعدالة وقيم المشاركة في السلطة وتداولها. ويرون أننا نعيش في استبداد وقد تركزت السلطة بيد رجل واحد وأن الاستبداد يولد الفساد وحكم العائلة والشللية، وأن الحكم يحتاج إلى الشبيحة ومقدراتهم المالية وعلاقاتهم ليؤمن استقرار الحكم والاستفراد فيه. ففي الوقت الذي يمكن للثوار والمثقفين المطالبة بإصلاحات ويتنقدون غياب الشفافية في مسائل الحكم والعطاءات الضخمة -إن حصلت- فإن الشبيحة لا يمكن أن يعترضوا ولا ينتقدوا ولو تلميحا فقد جبلوا على التبعية المطلقة.

لا بل أكثر من ذلك يذهب “المتطرفون” بالتشاؤم وهم قلة بأن الحكم سيتوجه عاجلا أو آجلا إلى مواجهات مع قوى عقائدية كانت محسوبة عليه ودعمته في الوصول للسلطة وأصبحت الآن عبئا عليه – كما حدث في أحداث الساحل- وأن سياسة الحكم خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات مع الاحتلال قد تدفع العقائديين والجهادين للتمرد والاحتجاج عليه، وربما ستكون من أدواته في المجابهة والمواجهة الشبيحة ومنهم القادرون على الحشد والتجنيد.

بكل الأحوال هذه قراءات متناقضة لا يمكن الجزم بأي منها، ولكن ما يمكن قوله وبشكل شبه قطعي بأن الرأي العام السوري في مجمله -بما فيهم التيار العريض الداعم للشرع- لا يشعر بالرضا ولا بالراحة ولا باكتمال النصر، وهو لا يرى عدالة انتقالية ولا محاكم قضائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى