الدراسات والبحوثتقدير موقف

التعاون الاقتصادي مع تركيا: التبادل التجاري بين الشمال السوري وتركيا – الواقع والمستقبل وأليات التحسين

إعداد أحمد حسن

 1-حزيران-2023
مركز كاندل للدراسات

مقدمة:

رغم عامل الجغرافيا بين تركيا والشمال السوري والتحالفات المشتركة الأمنية والعسكرية والإنسانية ووجود ميزان تجاري تركي كبير يتجاوز سنويا 750 مليار دولار ووجود أكثر من 4 مليون سوري في مناطق تواجد الجيش التركي في الشمال الغربي لسوريا وتواجد أكثر من 3 مليون سوري في تركيا إضافة إلى أكثر من 14000 شركة سورية مرخصة في تركيا لديها تعاملات سنوية تتجاوز 10 مليار دولار إلا أن التبادل التجاري بين تركيا والشمال السوري لازال سنويا أقل من (2) مليار دولار بسبب الكثير من المشكلات والعوائق وأهمها:

  • التركيز على الجانب الإنساني في العمليات الموجهة إلى الشمال الغربي السوري لأنها لا تحتاج بروتوكولات حكومية ولا مشاريع ولا دراسات جدوى ويوجد لها لوبيات استفادت من الوضع خلال عشر سنوات ولا تسمح بشكل ما بتهديد مصالحها عبر مشاريع جديدة.
  • البيروقراطية التركية التي تعامل الشمال السوري وكأنها جزء من الاتفاقات الحكومية السابقة مع سوريا رغم أن الواقع غير ذلك تماما حيث تفشل الكثير من المشاريع بسبب الوثائق المطلوبة رغم محاولات المجالس المحلية والحكومة المؤقتة توفير بعض الظروف المناسبة لكن عقدة البيروقراطية تعطل توفير بيئة ناظمة للعمل التجاري بين الطرفين ومن الأمثلة عليه موضوع شهادة المنشأ التي يفترض أن لا تطلب في الوضع الحالي على الأقل.
  • الوضع الرمادي للمنطقة من وجهة نظر الجانب التركي فلا هي منطقة خاضعة للقانون التركي رغم تواجد الجيش التركي والمؤسسات التركية ووجود عدة وزارات تركية فيها ولا هي خاضعة لقوانين إدارة محلية مقبولة من الجانب التركي وبناء عليه تخضع للمزاجية فالمشاريع التركية في الشمال تحكمها القوانين التركية والباقي تحكمه سياسة غض النظر وهذا يجعل الموقف رمادياً وعرضة لمزاجية الموظف في كل موقف.
  • منظومة الفساد وعدم الشفافية الذي زاد في مشكلات التبادل التجاري وتحوله إلى لوبيات متنافسة أو متناغمة لا تسمح بأي نشاط خارج آليات العمل التي تقررها.

 

أولًّا – الواقع العام للتجارة ما بين الشمال الغربي السوري وتركيا:

توجد ثلاثة أشكال من أشكال التعاون التجاري مع المنطقة حاليا (التجارة المباشرة الخاصة ما بين شركات تركية وشركات سورية من خلال الإذن التجاري – التجارة شبه الرسمية ما بين مؤسسات تجارية قريبة لجهات حكومية تركية وفعاليات تجارية قريبة للحكومة المؤقتة او فصائل المنطقة أو مجالسها المحلية – التجارة غير المباشرة وهنا الفعاليات الخاصة بالتهريب أو استخدام العمليات الإنسانية لصالح النشاط التجاري والتهريب أو الفعاليات التجارية التي هدفها التهريب إلى مناطق النظام أو قسد ) وبسبب هذه الأشكال المتعددة لا توجد أرقام دقيقة عن التبادل التجاري واختلاف الأرقام ما بين الجانب التركي الذي تتجاوز أرقامه (2) مليار والجانب السوري الذي لا تتجاوز أرقامه 800 مليون دولار سنويا .

 

        أ‌-        التجارة المباشرة (شركات تركية وشركات سورية):

الطرف الأضعف في هذه العلاقة هو الجانب السوري لأن تركيا تفرض شروطها وتتحكم بالمعابر وهي تستطيع تحديد نوع البضائع التي تخرج والتي تدخل وبالتالي هي تتحكم فعليًا باقتصاد الشمال كما لا توجد اليوم شركات أو بنى تحتية أو إنتاج صناعي كبير في مناطق الشمال يمكن الاعتماد عليه وبأحسن الأحوال هو إنتاج زراعي أو منتجات بسيطة ليست بذلك الحجم أو الزخم وهي عبارة عن بعض المهن أو بعض الصناعات اليدوية ومن الممكن أن تكون صناعات نصف متطورة لذلك لا تنظر إليها الشركات التركية كمصدر فائدة مهم لأن الاقتصاد التركي أكبر من هذه البقعة الجغرافية ولا يمكنها النهوض بالاقتصاد التركي أو رفده بموارد كبيرة وتشكل هذه البقعة أسواق تصريف للبضائع التركية ليس إلا وينظر إليها على أنها تسهم بشكل أو بآخر برفد الخزينة التركية ببعض الموارد وتحل مشكلة السكان في تلك المناطق وإذا استمر الأمر على ذلك النحو لفترات طويلة سنصل إلى مرحلة الاعتماد المطلق على تركيا دون إيجاد حلول بديلة وتؤدي إلى مستويات بطالة مرتفعة وتبعية اقتصادية بالمطلق تزيد مشكلات المنطقة.

أبرز البضائع التي بدأ تصديرها عبر تركيا عام 2018 هي: البطاطا – الخردوات والسكائب المعدنية – البقوليات اليابسة – الألبسة – الأحذية – البصل اليابس – الثوم اليابس – صابون الغار – القطن – تين مجفف – الشعير والقمح القاسي – حجر سوري – المواد العطرية – بزر جبس – حبة البركة – ورق الغار – فستق حلبي – زيت الزيتون – الفواكه ومثل هذه المواد يتم تصديرها إلى تركيا وبعض دول العالم كـ “قطر، السعودية، مصر، الأردن، أوزبكستان، ليبيا، العراق، الإمارات، الكويت، البحرين، ألمانيا” ويعود تاريخ التصدير بين تركيا وشمال سوريا إلى العام 2016، وبدأ أولاً بتصدير القطن وبعض المنتجات العطرية مثل اليانسون والكمون وحبة البركة بالإضافة إلى الفول اليابس، وفي عام 2018 تم التصدير ترانزيت عبر تركيا إلى بقية دول العالم وتفرض القيود من الطرفين على السلع والبضائع التي تدخل ضمن نطاق الحماية للصناعات الوطنية.

بلغ متوسط التبادل التجاري الإجمالي بين تركيا ومناطق المعارضة بين عامي 2016 – 2021 بما يقارب 2 مليار دولار بمتوسط ​​رصيد 1.74 مليار دولار لمصلحة الصادرات التركية، ومن الممكن تفصيل أهم الواردات السورية القادمة من تركيا إلى ثلاثة أقسام رئيسية:

  • المنتجات الغذائية: (بحسب التقرير السنوي لوزارة التجارية التركية الصادر لعام 2021، تحتل المنتجات الغذائية أكثر من نصف الصادرات التركية إلى مناطق سيطرة المعارضة ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى عدد من العوائق التي تعاني منها مناطق المعارضة سواء ضيق المساحات الصالحة للزراعة أو عدم توفر الدعم الحكومي اللازم للمزارعين من سماد ومحروقات، وهو ما أدّى بطبيعة الحال إلى ارتفاع تكاليف الزراعة وجعل المنتجات المستوردة أقل تكلفة من الإنتاج المحلي، وكذلك بسبب كون مساحة الأراضي الصالحة للزراعة قليلة نسبياً في مقابل العدد الكبير لسكان المنطقة، والذين يتجاوز عددهم الـ 4.1 مليون نسمة وتركزت واردات مناطق سيطرة المعارضة على الحبوب وخصوصاً القمح إضافة للمنتجات البحرية والحيوانية ومختلف أنواع الفواكه والخضار وتوابعها، وبلغ إجمالي قيمة واردات المنتجات الغذائية للشمال السوري 580 مليون دولار لعام 2021.
  • المواد المرتبطة في البناء: حيث تجاوزت قيمة الصادرات التركية من مواد البناء والمعادن في عام 2021 إلى سوريا 160 مليون دولار.
  • صادرات أخرى: القطع الإلكترونية، والملابس الجاهزة والأثاث المنزلي، والعديد من المنتجات الأساسية والثانوية الأخرى.

 

ب- التجارة شبه الرسمية (شركات قريبة للحكومة التركية والمجالس المحلية او فصائل المنطقة):

يُعد غياب مؤسسات تُنظم الأعمال أو تُنشئ اقتصادًا في الشمال السوري، أو تتحكم على الصعيد المالي أو الاقتصادي أو التجاري أو الصناعي أو حتى الزراعي، المشكلة الأبرز في اقتصاد الشمال السوري، و جميع الموجود عبارة عن بعض البلديات أو المجالس المحلية بأحسن الأحوال وتُعد الوزارات والمؤسسات الموجودة في الشمال السوري “مكاتب ليس أكثر” كقيمة مضافة للوضع في الشمال السوري ولذلك أسهمت تركيا في بناء بنية تحتية أو بنية هيكلية، لتنمية الاقتصاد في الشمال السوري حتى يكون هناك نوع من الاستقرار الأمني والاقتصادي، يهيئ بيئة جيدة للتخفيف من حدة الهجرة والاحتقان باتجاه أراضيها لكن هذه المشاريع تستند الى المقاربة التركية فقط وهو تأمين الحد الأدنى من ظروف البقاء في المنطقة وتوفير موارد مالية للفصائل والمؤسسات السورية في الداخل وتحسين إمكانية جلب أموال خارجية للمساعدات في سوريا وبسبب حساسية تركية لإمكانية تأسيس إدارة انفصالية في الشمال تهدد الامن القومي التركي يتم تجنب المساهمة في نشوء دورة اقتصادية متكاملة قد تكون نموذج مشجع لتأسيس دولة كردية في الشمال السوري الشرقي كما ان التصور التركي للمنطقة الشمالية مختلف عن تصورات المجتمع السوري لذلك لازالت التجارة شبه الرسمية مع الشمال السوري جزء من الية تبادل المنافع بين الجهات التركية الرسمية وامتدادها في إدارات المطقة وليس بالضرورة ان تكون تلك المنافع جزء من الية تنمية المنطقة بقدر ما تكون جزء من خطة ضمان استمرار الفصائل والإدارة والمجالس المحلية في العمل يضاف اليها ان اشراف تركيا على هذه النشاطات حرم المنطقة من نشاطات الدعم المقدمة من دول أخرى الا بما يخدم وجهة النظر التركية وربما السبب فيها أيضا عدم وجود تمثيل جيد للمنطقة في حكومة وإدارة وفصائل المنطقة يساهم في اصلاح ثغرات التفاهمات مع تركيا بما يراعي الحد الأدنى من المصالح المتبادلة.

 

ت‌-      التجارة غير المباشرة (الفعاليات الخاصة بالتهريب):

هنا لا يمكن الحديث عن نشاط واحد وإنما توجد أنواع عديدة من النشاطات فهناك تهريب بعض السلع الممنوع دخولها من سوريا إلى تركيا لأنها تحت قانون حماية الصناعة التركية وهناك تهريب بعض السلع غير الشرعية وهناك التبادل التجاري لسلع وبضائع يستهدف منها المرور إلى مناطق النظام وقسد.

 

ثانيا – آليات التحسين الاقتصادي والمسؤوليات:

  • الخلاف بخصوص المسؤوليات واحد من أهم مشكلات التعاون التجاري فالعقلية التي تحكم عمليات الإدارة للمنطقة هي عقلية المسؤولية المنفردة فالأتراك ينتظرون من الجانب السوري المسؤولية الكاملة بحجة عدم رغبتهم بالظهور كدولة انتداب أو احتلال والجانب السوري ينتظر من الأتراك المسؤولية بحكم الضعف وعدم التنظيم وعدم وجود بيئة إدارية وسياسية في الشمال السوري للتعامل كدولة أو إدارة كاملة المهام لكن الواقع المطلوب هو تقاسم المسؤوليات بحيث لا تظهر تركيا كدولة انتداب ولا يظهر الجانب السوري كملحق خلفي للسياسة التركية وهنا المطلوب إدراك طبيعة المرحلة والمخاطر المشتركة والمصالح المشتركة، وأن تكون أساس التعاون التجاري والسياسي والأمني والعسكري والثقافي وأن يكون الجانب السوري امتداد لمصلحة الشعبين وتركيا ضامنة وحامية لمصلحة الشعبين بما يوجد لديها من إمكانات لا تتوفر في الجانب السوري وتقاسم المسؤوليات مع ضمان المصلحة المشتركة هو أهم عامل للاستقرار والتنمية الاقتصادية .

 

  • اعتماد الدورة الاقتصادية المتكاملة مع تركيا بدون تبعية كأساس لخطة التطوير الاقتصادي في الشمال السوري بحيث يكون الهدف في المرحلة الأولى هو تأسيس المدن الآمنة مع دورتها الاقتصادية الجاذبة للاجئين مما يساعد عملياً على العودة الطوعية على أن تكون الدورة الاقتصادية في المرحلة الأولى متناغمة أيضاً مع إمكانية الانتقال إلى المرحلة الثانية الخاصة بإعادة الإعمار ودعم دورة اقتصادية في باقي المحافظات السورية ومتناغمة أيضا مع الخطط السياسية المرتبطة بالقرار 2254 وما يسمى بخطوات بناء الثقة التي تمهد للحل السياسي في سوريا.

 

 

  • واحد من أهم مشكلات الدورة الاقتصادية في الشمال السوري هو عدم التسويق الجيد لها في تركيا ولا في الدول النافذة في الملف السوري والتركيز على المساعدات الإنسانية كأولوية لذلك يحتاج التسويق لهذه الدورة الاقتصادية آلية مختلفة عن السابق لا تعتمد على معايير الفائدة التجارية التقليدية بسبب كون الموازنة المرتبطة بها أقل بكثير من أي منطقة تجارية داخلية أقل مخاطرة بكثير من الجانب السوري لكن في حال تسويق هذه الدورة الاقتصادية بمعايير مختلفة يتغير اهتمام الشركات والمؤسسات التركية ومن هذه المعايير تسويق الدورة الاقتصادية في الشمال السوري كجزء من معادلة الأمن القومي التركي (تمنع موجات هجرة جديدة من سوريا باتجاه تركيا لأنه إذا حلت مشكلة الأمن ولم تحل مشكلة الاقتصاد فستكون هناك موجات هجرة اقتصادية كما أن هذه الدورة الاقتصادية هي عامل مهم للعودة الطوعية لنسبة مهمة من اللاجئين السوريين بدون تكلفة سياسية وأمنية وقانونية كما أنها تساهم في تحسين صورة السياسة التركية في الملف السوري داخليا بين الناخبين الأتراك وبين السوريين وتزيل حالة الاحتقان الحالي من الأتراك تجاه اللاجئين ومن اللاجئين تجاه المواقف التركية لإعادة السوريين).
  • المساهمة في خيارات الخروج من سياسة المعابر والضرائب والفساد في الشمال السوري كوسيلة لتأمين موارد مالية لمؤسسات الشمال السوري وتشكيلاته واعتماد سياسة اقتصادية صحيحة تتولى تأمين المنافع لكافة مكونات المنطقة وتخفف الضغوط على أهالي المنطقة وتساهم في تخفيف الضغط على المنظمات الإنسانية في الشمال السوري عبر توفير فرص عمل تساهم في كفاف أسر محتاجة.

 

الخلاصة:

تشهد المرحلة الحالية اتكالية غير سليمة وغير صحية على الدول في الشمال السوري إضافة إلى حصر العمل في الشمال السوري ضمن خيارات العمل الإنساني بينما يمكن تطبيق آليات عمل جديدة اقتصادية تصلح للمرحلة الحالية والمراحل القادمة بشرط أن تكون هذه الآليات وفق خطة استراتيجية تنتهي بمشاريع إعادة الإعمار في سوريا وتتناغم مع الاستراتيجية العامة للحل السياسي وهي ليست إجراءات صعبة التنفيذ استنادا إلى التحولات المهمة في المنطقة لكنها فقط تحتاج تسويقاً جيداً لها وتكتيكات تتناسب مع الشرائح المستهدفة وهي أولوية تركيا لمرحلة ما بعد الانتخابات وأولوية المعارضة السورية لمرحلة التمهيد للحل السياسي لأنها تساهم في تحسين أوراق المعارضة في الطاولة التفاوضية وتضمن نموذجاً مختلفاً عن النظام على الأقل في الشمال السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى