التحركات الأمريكية في سورية خلال الربع الأول من عام 2023 الانعكاسات والدلالات والسيناريوهات المتوقعة
إعداد الباحث ماهر عبد الهادي
تمهيد:
شهد الملف السوري، خلال الربع الأول من العام 2023، تحركات أمريكية مكثفة على مختلف المستويات العسكرية والسياسية والقانونية والإنسانية، وذلك بالتزامن مع تطورات دراماتيكية شهدها الملف السوري ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، سواء على مستوى التفاهمات البينية بين بعض الفاعلين الإقليميين، أو على مستوى التصعيد الإسرائيلي تجاه الوجود الإيراني في سورية، وردة الفعل الإيرانية تجاهه، وكذلك استهداف المليشيات الأمريكية للقواعد الأمريكية في سورية، لجانب تنامي حركة التطبيع العربي مع نظام الأسد عقب زلزال شباط/ فبراير 2023، وغيرها من التطورات التي حفزت واشنطن – فيما يبدو – لبناء استراتيجية جديدة أكثر فاعلية في الملف السوري، بعد فترة من البرود النسبي.
يستعرض التقرير آخر التحركات الأمريكية في سورية على المستوى العسكري والسياسي والقانوني والإنساني، كما يتطرق إلى الانعكاسات المحتملة لتلك التحركات ودلالاتها، والسيناريوهات المتوقعة للتحركات الأمريكية في سورية مستقبلًا.
أولاً – آخر التحركات الأمريكية في سورية:
1. على المستوى العسكري:
أعادت قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تموضعها في الشمال الشرقي لسورية، خلال السنتين الأخيرتين، حيث انسحبت من عدة قواعد في المنطقة الغربية والشمالية الغربية لشرق الفرات والواقعة في محافظتي حلب والرقة، وسحبت عددًا من قواتها معلنة إبقاء نحو 500 عسكري في المنطقة[1]، في حين تشير تقارير متعددة من بينها تقرير لموقع “Militery.com” العسكري الأمريكي، أن الولايات المتحدة لا زالت تحتفظ بأكثر من 900 جندي[2] ينتشرون في نحو 30 نقطة وقاعدة عسكرية رئيسية في الشمال الشرقي لسورية، وتشكل تلك القواعد طوقًا لحقول النفط والغاز في المنطقة، غير أن التصعيد الأخير بين طهران وواشنطن، نهاية آذار/ مارس الماضي، والذي أدى لمقتل متعاقد أمريكي وإصابة 5 جنود أمريكيين[3]؛ والرد الأمريكي الحازم عقب عملية الاستهداف حيث قصفت الولايات المتحدة الأمريكية بتوجيه من الرئيس الأمريكي جو بايدن، عدة مواقع للمليشيات الإيرانية ما تسبب بمقل 16 عنصرًا على الأقل، قبل أن تعاود المليشيات قصفها لأحد المواقع الأمريكية دون وقوع خسائر جديدة.
ويبدو أن التصعيد الأخير دفع واشنطن – بالتضافر مع عدد من العوامل والسياقات الأخرى – لتعزيز وجودها وتكثيف تحركاتها العسكرية في سورية والمنطقة، حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، الجمعة 31 آذار/ مارس، تعزيز القوات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد سلسلة الهجمات التي نفذتها ميليشيات إيران، على الجيش الأمريكية شمال شرقي سورية[4]، ليصرح المتحدث باسم البنتاغون، الكولونيل فينتورا، عقب ذلك، أنه تم التسريع من وقت نشر سرب من الطائرات الهجومية A-10 في المنطقة بعد الهجمات في سورية، مشيرًا إلى أن قوة حاملة الطائرات “جورج إتش دبليو بوش” الهجومية ستبقى في البحر المتوسط تحت القيادة الأوروبية الأميركية، لدعم القوات الأميركية في الشرق الأوسط، لجانب طراد الصواريخ الموجهة “يو إس إس” والمدمرة “يو إس إس ديلبرت دي بلاك”، وسفينة الدعم “يو إس إن إس أركتيك”[5].
وفي سياق آخر التحركات العسكرية الأمريكية المرتبطة بالملف السوري، أعلنت البحرية الأمريكية، السبت 8 نيسان/ إبريل، أن غواصة تعمل بالطاقة النووية، ومزوّدة بصواريخ موجهة، بدأت العمل في الشرق الأوسط، دعماً لـ”الأسطول الأمريكي الخامس”، وفي خطوة وصفت بـ”النادرة”، أصدر البنتاغون صورة للغواصة “يو إس إس فلوريدا”، وهي تعبر قناة السويس في طريقها إلى الخليج العربي[6].
وعلى المستوى التكتيكي، سير التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أول دورية مشتركة مع “جيش سورية الحرة، في منطقة التنف شرقي حمص[7]، عند المثلث الحدودي بين سورية والأردن والعراق، يوم الأربعاء 5 نيسان/ إبريل، بينما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، في بيان لها، الثلاثاء 4 نيسان/ إبريل أن القوات الأمريكية نفذت عملية عسكرية تمخضت عن مقتل القيادي في تنظيم داعش “خالد أحمد الجبوري”، الذي وصفه البيان بأنه “كان مسؤولا عن التخطيط لهجمات التنظيم في أوروبا وتركيا وطوّر الهيكل القيادي للتنظيم في تركيا”[8].
في حين سبق التصعيد الأخير بين واشنطن وطهران؛ زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية الجنرال مارك ميلي، إلى القواعد الأمريكية في سورية، في الـ 4 من آذار/ مارس الفائت[9]، والتي تعد الأولى له منذ تسلمه منصبه في عام 2019، إضافة لإجراء تل أبيب وواشنطن مطلع العام الجاري مناورات عسكرية اعتبرت الأكبر بين الجانبين، حيث شارك في المناورات 6400 جندي أمريكي لجانب حاملة الطائرات الأمريكية جورج بوش، إضافة لـ120 طائرة قاذفات، وجرى خلالها محاكاة سيناريو هجوم إسرائيلي – أمريكي على إيران بمشاركة سلاح الجو والبحرية الإسرائيلي والأمريكي، وهو ما أعطى – بالإضافة للتحركات السابقة – مؤشرًا قويًا لرغبة واشنطن في تعزيز حضورها العسكري في سورية حتى قبل التصعيد الإيراني الأخير، وذلك في سياق رفضها موجة التطبيع العربي الأخيرة، ورغبتها في تعزيز الضغط على كل من موسكو وطهران سواء في الملف السوري أو خارجه، والضغط على أنقرة بدرجة أقل.
2. على المستوى السياسي:
في آخر التحركات السياسية/ الأمنية الأمريكية المرتبطة بالملف السوري، أجرى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية “CIA” وليام بيرنز، زيارة غير معلنة إلى السعودية، خلال الأسبوع الماضي، التقى خلالها بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وأبلغه – بحسب ما نقلت شبكة CNN عن مصدر رسمي[11] – أن واشنطن تشعر بالصدمة من تقارب الرياض مع إيران وسورية، في حين نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، يوم الجمعة 7 نيسان/ إبريل، عن مصادر -لم تسمها- قولها: إن “بيرنز أخبر ابن سلمان انزعاج واشنطن تجاه التقارب بين الرياض وطهران بوساطة صينية، وانفتاح المملكة على العلاقات مع سورية”[12]، وهو ما يمكن قراءته أنه تصعيد مباشر من واشنطن تجاه الرياض بما يتعلق بسياساتها الخارجية تجاه كل من بكين وموسكو وطهران ونظام الأسد، مع الإشارة إلى أن التحذيرات الأمريكية، جاءت عبر قنوات المخابرات وليس الدبلوماسية، وهو ما يحمل إشارات لمدى انزعاج واشنطن من سياسات الرياض، وأنها لن تكتفي بمعارضة سياساتها دبلوماسيًا.
في حين سبق ذلك العديد من التحذيرات التي أطلقتها واشنطن على خلفية موجة التطبيع العربي الجديدة مع نظام الأسد، كان آخرها تصريحات الخارجية الأمريكية، نهاية آذار/ مارس الفائت تعليقًا على التقارب السعودي مع نظام الأسد، والتي أكدت خلالها أن واشنطن لن تطبع علاقاتها مع نظام الأسد ولن تشجع الآخرين على التطبيع في غياب تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254[13]، في حين سبق وصوت مجلس النواب الأمريكي نهاية شباط/ فبراير الماضي، بأغلبية 414 صوتًا لصالح قرار يدين نظام الأسد ويعارض رفع العقوبات عنه، وتسليمه المساعدات الأممية الخاصة بالاستجابة للزلزال[14]، لتؤكد واشنطن على لسان السيناتور الأمريكي “جيم ريش”، أن الموجة الأخيرة من التواصل مع بشار الأسد لن تفيد شركاء أمريكا العرب وأنها ستفتح الباب أمام عقوبات أمريكية محتملة على تلك الدول[15]، وهو ما يوضح حزم واشنطن بخصوص تطبيع العلاقات مع نظام الأسد رغم مضي بعض الدول العربية بهذا المسار.
3. على المستوى القانوني والإنساني:
بالتزامن مع التصعيد العسكري والسياسي، شهد الملف السوري سلسلة من التحركات القانونية ضد نظام الأسد وحلفائه خلال الأسابيع القليلة الماضية، وضمن آخر التحركات القانونية، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية[16]، الثلاثاء 28 آذار/ مارس، أنها فرضت بالتعاون من السلطات البريطانية، عقوبات على أشخاص وصفتهم بـ”الداعمين لنظام الرئيس السوري بشار الأسد والمتورطين في إنتاج المخدرات والاتجار بها”، في حين أشار بيان الخارجية إلى أن سورية “أصبحت رائدة عالميا في إنتاج الكبتاغون وتهريبه”، مضيفًا “بالتعاون مع حلفائنا، سنحاسب أولئك الذين يدعمون نظام بشار الأسد بإيرادات المخدرات غير المشروعة وغيرها من الوسائل المالية التي تمكن النظام من قمع الشعب السوري”، لافتًا إلى أن العقوبات طالت اثنين من أقارب الرئيس السوري وهما سامر كمال الأسد، ووسيم بديع الأسد.
وعلى المستوى الإنساني؛ أعلنت الخارجية الأمريكية[17]، منتصف شباط/ فبراير، أن واشنطن ساهمت بأكثر من 135 مليون دولار لمساعدة تركيا وسورية في مواجهة آثار الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوري، في الوقت الذي حرصت واشنطن على عدم استغلال نظام الأسد للكارثة، لتطبيع العلاقات معه من بوابة المساعدات الإنسانية، مشيرة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، حينها أن بلاده لا تعارض مساعدة أي دولة لمتضرري الزلزال، لكنها لا تؤيد التطبيع مع النظام السوري[18]، في محاولة من واشنطن لفصل المسار الإنساني عن المسار السياسي.
في الوقت الذي طالبت “قوات سوريا الديمقراطية/ ميليشيا قسد”، اليوم الخميس 23، التحالف الدولي بمزيد من الدعم في المجال الأمني وإعادة الإعمار، وذلك في بيان بمناسبة حلول السنة الرابعة للسيطرة على بلدة الباغوز شرقي دير الزور، وهو ما يوحي بنوع من تراجع الدعم الأمريكي لمناطق سيطرة “قسد” مؤخرًا، خاصة أننا لم نرصد أية مساعدات أمريكية معلنة للإدارة الذاتية منذ بداية العام الجاري.
ثانياً – انعكاسات التحركات الأمريكية الأخيرة:
لا شك أن التحرك الأمريكي الأخير حمل/ سيحمل سلسلة من الانعكاسات المباشرة وغير المباشرة على المشهد السوري، والدول الفاعلة فيه، وفيما يلي استعراض سريع للانعكاسات المتوقعة على أبرز الفاعلين المحليين والدوليين:
أ. على الفاعلين المحليين:
1. النظام السوري:
- من المتوقع أن نشهد تباطؤا في حركة التطبيع العربي مع نظام الأسد بضغط أمريكي بحيث يقتصر على العلاقات الدبلوماسية دون خطوات اقتصادية مؤثرة.
- من المتوقع أن نشهد خلال الفترة القادمة مزيدًا من العقوبات الأمريكية ضد نظام الأسد.
2. المعارضة السورية:
- من غير المتوقع أن نشهد أي انعكاسات مباشرة على المعارضة السورية، في الشمال الغربي لسورية بشقيها السياسي والعسكري، ضمن المدى المنظور.
- سيشكل التحرك الأمريكي دعمًا غير مباشرٍ لقوى المعارضة والثورة السورية بما يتعلق بموقفها الرافض لتأهيل نظام الأسد.
- من المتوقع أن نشهد مزيدًا من الدعم لـ”جيش سوريا الحرة” المتركز في قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية، وزيادة في تعداده وعتاده العسكري.
3. مليشيا “قسد”:
- من المتوقع أن تبقى قسد بعيدة عن خط المناوشات مع المليشيات الإيرانية على الضفة الغربية لنهر الفرات بحكم النفوذ الإيراني داخلها.
- من المتوقع أن نشهد مزيدًا من الدعم الأمريكي للإدارة الذاتية ومليشيا “قسد” شمال شرقي سورية في الفترة القادمة.
ب. على الفاعلين الدوليين:
1. روسيا:
- من المحتمل أن يقيد التحرك الأمريكي، التحركات الروسية في سورية، ويعيد تشكيل توازن الردع، بين الجانبين.
- من المحتمل أن يؤثر التحرك الأمريكي الأخير في سورية على مجريات الحرب الأوكرانية، من جهة الحدِّ من استقدام المرتزقة من سورية للقتال لجانب الجيش الروسي في أوكرانيا.
- من المتوقع أن يدفع التحرك الأمريكي الأخير، موسكو لتعزيز حضورها العسكري في سورية، خاصة عقب سلسلة الانسحابات التي قامت بها القوات الروسية من سورية منذ انطلاق الحرب الأوكرانية في شباط/ فبراير 2022.
2. إيران:
- من المتوقع أن يهدد التحرك الأمريكي في سورية المسار التقاربي بين الرياض وطهران، ويعيده للمربع الأول.
- من المتوقع أن تعيد المليشيات الإيرانية تموضعها في سورية، على خلفية التصعيد الأمريكي، وتزيد من تحصين مواقعها وتمويهها، تحت غطاء قوات نظام الأسد.
- من المتوقع أن يدفع التحرك الأمريكي المليشيات الإيرانية، لتكثيف ضرباتها العسكرية للقواعد والمصالح الأمريكية في سورية والعراق.
- من المتوقع أن يدفع التحرك الأمريكي تل أبيب لمزيد من التصعيد تجاه الوجود الإيراني في سورية، وأن نشهد مزيدًا من القصف الإسرائيلي ضد المواقع الإيرانية في سورية، خلال المرحلة القادمة.
3. تركيا:
- من شأن التحرك الأمريكي الأخير في سورية زيادة التحديات التي تواجه أنقرة بما يتعلق بموازنة علاقاتها بين كل من واشنطن وموسكو وطهران، وسيدفعها ذلك لتحديد موقف أوضح من التطورات الجارية، خاصة بحال انزلاق التصعيد لمراحل متقدمة.
- من المحتمل أن تقدم واشنطن بعض التنازلات لأنقرة بما يتعلق بطموحها بشن عملية عسكرية في الشمال السوري ضد ميليشيا “قسد”، بحال رغبتها (واشنطن) في التصعيد ضد طهران وموسكو في الملف السوري، وذلك مقابل انحياز أوضح من أنقرة تجاه المعسكر الغربي، سواء في الملف السوري أو الأوكراني، في حين يبقى هذا التنازل مرهونًا بمدى التصعيد الأمريكي الذي سيحدد مدى حاجة واشنطن لكسب الموقف التركي لصالحها.
ثالثًا – الدلالات والسيناريوهات المتوقعة:
أ. الدلالات:
- يؤشر التحرك الأمريكي – على المستوى العسكري – لتخوف واشنطن من كسر المليشيات الإيرانية لقواعد الاشتباك القائمة على مدار السنوات الماضية، حيث نقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن لديهم معلومات استخبارية تفيد بأن إيران تخطط لمزيد من الهجمات في جميع أنحاء المنطقة على المدى القريب[19]، وهو ما ظهر واضحًا عبر استهداف العمق الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية والسورية خلال الأيام الماضية من قبل مليشيات حليفة لإيران.
- يشير التحرك الأمريكي الأخير في الملف السوري لصلابة الموقف الأمريكي من تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، ومدى انزعاجها من تجاوز حركة التطبيع العربي للخطوط الأمريكية في التعامل مع نظام الأسد، حيث جاء التصعيد العسكري الأمريكي بالتزامن مع نشاط سياسي وقانوني مكثف يقوض حركة التطبيع العربي.
- يؤشر التصعيد الأمريكي – على المستوى العسكري – لرغبة واشنطن في منع إيران من التأسيس لوجود عسكري بعيد المدى في سورية، ورغبتها في الوقت ذاته بمنع روسيا من التفرد بالساحة السورية على المستوى العسكري والسياسي، خاصة في ظل انزعاجها الواضح من التحرك الرباعي الذي ترعاه موسكو ويشمل كلًا من تركيا وإيران ونظام الأسد.
- يؤشر التصعيد الأمريكي لتخوف واشنطن – على المستوى الاستراتيجي – من التحالف المتنامي بين بكين وطهران وموسكو، ورغبتها في تعزيز حضورها في سورية، كورقة قوة في مواجهاتها المختلفة ابتداء من أوكرانيا، ومرورًا بالملف السوري والملف النووي الإيراني وتوترات الخليج العربي، ووصولًا لبحر الصين الجنوبي.
ب. السيناريوهات الموقعة:
1. سيناريو التصعيد والمواجهة:
يفترض هذا السيناريو تعزيز الجيش الأمريكي لقواعده العسكرية في سورية، وتصعيد القوات الأمريكية لضرباتها ضد المليشيات الإيرانية خلال الفترة القادمة على نحو مختلف عن الضربات الحالية، في حين سيؤدي هذا السيناريو لتصعيد هجمات المليشيات الإيرانية ضد القواعد الأمريكية بطبيعة الحال، ما قد يدفع واشنطن لاتباع عدة سيناريوهات فرعية، تتفاوت بين الاقتصار على الضربات الجوية التقليدية، وبين استهداف قيادات المليشيات الإيرانية كما فعلت في وقت سابق مع قائد الحرس الثوري الإيراني وقائد ميليشيا الحشد الشعبي، وصولًا لدعم تحركات برية يقودها الحلفاء المحليون لواشنطن، وأبرزهم في هذه الحالة، “جيش سوريا الحرة” وميليشيا “قسد”، ويدعم هذا السيناريو هذا السيناريو حالة التوتر السائدة في سورية والمنطقة، سواء بين القوات الأمريكية والإيرانية أو بين القوات الروسية والأمريكية، مع الإشارة في هذا السياق إلى التوترات الأخيرة بين المليشيات الإيرانية وواشنطن، وإلى تصريحات قائد القوات الجوية في القيادة المركزية الأمريكية، أليكسوس غرينكويتش، الذي أشار في 23 من آذار/ مارس الماضي، إلى أن الطائرات الروسية انتهكت المجال الجوي فوق قاعدة “التنف” الأمريكية شرقي سورية نحو 25 مرة في آذار الماضي، مشيرًا إلى أنه لم يسجل أي اختراق في شباط/ فبراير الماضي[20]، وهو ما يوضح حجم التصعيد الروسي ضد القوات الأمريكية في سورية مؤخرًا، مع الإشارة هنا إلى دعوة “الأسد” خلال لقائه الأخير مع “بوتين” روسيا لإقامة مزيد من القواعد العسكرية في سورية[21]، وهو ما يجعل تكثيف واشنطن لوجودها العسكري ضرورة استراتيجية لمواجهة النفوذ الإيراني والروسي، مع التأكيد على أن التخوف من الانزلاق في مواجهات شاملة – خاصة مع المليشيات الإيرانية الذي تمتلك قدرًا عاليًا من المناورة في سورية والعراق – يدفع واشنطن لضبط إيقاع تحركاتها العسكرية وجعلها محدودة في أطر جغرافية وزمانية محددة.
2. سيناريو التهدئة والانسحاب:
على عكس السيناريو الأول، يفترض هذا السيناريو ميل واشنطن لتهدئة جبهات المواجهة مع المليشيات الإيرانية، والقوات الروسية في سورية، وصوغ اتفاقات جديدة على غرار اتفاق كيري – لافروف، بهدف ترسيخ الوضع القائم، وتجميد الجبهات العسكرية، ويفترض هذا السيناريو تخفيض واشنطن لقواتها العسكرية في سورية، وصولًا لتنفيذ انسحاب جزئي أو كلي كما حدث في أفغانستان ويحدث في العراق. إلا أن المتغيرات الدولية الجارية، وتطورات الحرب الأوكرانية – الروسية، وتطورات الملف النووي الإيراني، والتقارب الروسي – الإيراني – الصيني، يجعل من وجود القوات الأمريكية في سورية ذا بعد استراتيجي هام لواشنطن باعتبار سورية إحدى ساحات المواجهة والمنافسة والضغط، لذا فمن غير المتوقع أن نشهد انسحابات جديدة للقوات الأمريكية في سورية في المدى المنظور، وهو ما أكده السفير السابق الأمريكي في سورية، روبرت فورد، في تصريحات أدلى بها 29 آذار/ مارس الفائت، وقال فيها “إن المهمة الأمريكية في سورية ستستمر إلى أجل غير مسمى، وليس لها نهاية واضحة”، مؤكدًا أنه لا توجد حتى الآن أغلبية حاسمة في واشنطن تدعم انسحاب القوات الأمريكية من شرقي سورية[22]، وهو ما بدا واضحًا خلال التصويت على مشروع القرار المقترح لسحب القوات الأمريكية من سورية قبل أسابيع[23]، والذي فشل بالمرور في مجلس النواب، حيث إن أغلبية الأعضاء من الحزبين يبدون دعمهم لبقاء القوات الأمريكية في سورية. مع الإشارة في هذا السياق إلى تصريحات المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، في 27 من آذار الماضي، أن الولايات المتحدة لن تتراجع عن انتشارها في سورية، على الرغم من الهجمات التي تتعرض لها القوات الأمريكية[24].
3. السيناريو الاتجاهي (الخطي):
ويفرض هذا السيناريو استمرار سيطرة الوضع الحالي على التحركات الأمريكية في سورية، وفق قواعد الاشتباك الحالية والقائمة على “رد الفعل” في جزء منها، وتوجيه ضربات مدروسة ومركزة للمليشيات الإيرانية – عبر المقاتلات الإسرائيلية في الغالب – في جزئها الآخر، وذلك دون تصعيد في المواجهة العسكرية مع المليشيات الإيرانية والجيش الروسي، وهو ما يستلزم ضبط الولايات المتحدة لردودها العسكرية على الاستفزازات الإيرانية المتصاعدة في سورية، في حين سيكون هذا السيناريو مرهونًا بعدد من العوامل أبرزها مدى رغبة كل من طهران وموسكو بالحفاظ على التوازن القائم في الملف السوري، ومدى رغبتهم/ إمكانياتهم للتصعيد ضد الوجود الأمريكي في المنطقة خلال الفترة المقبلة.
الخلاصة:
حفزت التغيرات الأخيرة التي شهدها الملف السوري، واشنطن لاتباع سياسات أكثر فاعلية في الملف السوري على مختلف المستويات، السياسية والعسكرية والقانونية، وهو ما يؤشر لدخول الوجود/ التحرك الأمريكي في سورية مرحلة جديدة أكثر ديناميكية، وفي ظل المعطيات الحالية فمن غير المتوقع – بالرغم من التوترات الأخيرة – أن نشهد انزلاقًا لمواجهة شاملة بين القوات الأمريكية، والمليشيات الإيرانية أو القوات الروسية في سورية، إلا أنه من المتوقع أن نشهد تصعيًدا في مستوى الرد الأمريكي، وتكثيفًا للوجود العسكري، خلال المرحلة المقبلة، بالتوازي مع تحركات أمريكية مكثفة لإعاقة تأهيل نظام الأسد عربيًا ودوليًا، وفرض مزيد من العقوبات التي من شأنها ترسيخ عزلته الدولية.
[1] هيئة الإذاعة السويسرية SWI، وزير الدفاع الأميركي يؤكد أن واشنطن ستبقي 600 جندي في سوريا
[2] Lolita C. Baldor, A look at the US military mission in Syria and its dangers, Military
[3] CCN بالعربية، البنتاغون: مقتل متعاقد أمريكي وإصابة 5 جنود بضربة “درون” يشتبه أنها تابعة لجماعة موالية لإيران بسوريا
[4] CNN بالعربية، أمريكا تعلن تعزيز قواتها في الشرق الأوسط بعد استهداف قواعدها في سوريا
[5] Oren Liebermann, US bolsters forces in Middle East following series of attacks on US troops in Syria, CNN
[6] U.S. Sends Submarine to Middle East in Show of Force, The Wall Street Journal
[7] الطريق، جيش سوريا الحرة يسيّر دورية بمشاركة قوات التحالف بالتنف شرقي حمص
[8] القيادة المركزية الأمريكية، الحساب الرسمي على تويتر، بيان
[9] وكالة الأناضول، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة يجري زيارة مفاجئة لسوريا
[11] Alex Marquardt, CIA director makes unannounced visit to Saudi Arabia, CNN
[12] الحرة، تقارير: مدير CIA زار السعودية ونقل لولي العهد انزعاج واشنطن من ملفين
[13] الجزيرة، واشنطن: لن نطبع العلاقات مع النظام السوري ولا نشجع الآخرين على القيام بذلك
[14] وكالة الأناضول، النواب الأمريكي يدين منع النظام السوري وصول مساعدات أممية
[15] جيم ريش، الحساب الرسمي على تويتر
[16] الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، الخزانة الأمريكية تفرض عقوبات على سجون سورية ومسؤولين سوريين وجماعة مسلحة سورية
[17] TRT عربي، واشنطن تساهم بـ135 مليون دولار لمساعدة تركيا وسوريا في مواجهة آثار الزلازل
[18] الموقع الرسمي للخارجية الأمريكية، مقتطفات من الإيجاز الصحفي للمتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس بشأن استجابات الولايات المتحدة إلى الزلازل
[19] U.S. Sends Submarine to Middle East in Show of Force, The Wall Street Journal
[20] Armed Russian jets have flown over a U.S. base in Syria nearly every day in March, U.S. commander says, NBC NEWS
[21] روسيا اليوم، الأسد: وجود روسيا في سوريا له أهمية مرتبطة بتوازن القوى في العالم (فيديو)
[22] وكالة الأناضول، سفير أمريكي سابق: واشنطن لا تهتم لمخاوف تركيا الأمنية بسوريا
[23] Directing the President, pursuant to section 5(c) of the War Powers Resolution, to remove the United States Armed Forces from Syria, Final vote results for roll call, The official website of the House of Representatives
[24] John Kirby on national security concerns about TikTok, response to attacks on U.S. bases in Syria, YouTube, CBS News