مترجماتمقالات

الاتفاق السعودي الإيراني: هل يجب أن تقلق واشنطن؟

حسين عبد الحسين
مركز السياسة اليهودية

 

إن بعض البيانات والتقاط الصور هنا وهناك قد تشير إلى أن ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي محمد بن سلمان (MBS) بصدد استبدال الشريك التقليدي للمملكة العربية السعودية، أمريكا بالصين، وتُظهر نظرة على الأرقام التجارية والاستثمارات الثنائية على أن الرياض لم تجعل من الصين أو إيران أو روسيا شركاء اقتصاديين جادين، ناهيك عن الدفاع والدبلوماسية، إن النظام العالمي غير الليبرالي وغير الديمقراطي وغير التدخلي في بكين يروق بالفعل للرياض والتي قد تكون تحوطًا، ولكن – حتى الآن – يبدو أن السعوديين متمسكون بقربهم التقليدي من أمريكا والغرب.

دبلوماسية مفاجئة

في ١١ آذار، قام محمد بن سلمان بمفاجأة في بكين، حيث التقى وزيرا خارجية المملكة العربية السعودية وإيران وأعلنا استئناف العلاقات الدبلوماسية، بعد سبع سنوات من قيام السعودية بقطعها في أعقاب قيام حشد إيراني بإضرام النار في السفارة السعودية في طهران.

وفي 5 حزيران 2017 كانت المفاجأة هي أمر محمد بن سلمان، حيث قطعت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر فجأة العلاقات مع قطر وطالبت الدوحة بالوفاء بوعدها وإنهاء رعايتها للمنظمات الإسلامية، يبدو أن محمد بن سلمان كان لديه مفاجأة أكبر في ذهنه، ولحسن الحظ لم تتحقق، وبحسب أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الصباح، فقد نجحت الكويت في إقناع الرياض بوقف “أي عمل عسكري” ضد قطر.

بعد أربع سنوات، كانت قطر لا تزال تعيش مع الإسلاميين عندما ظهر محمد بن سلمان فجأة مرة أخرى في ٥ كانون الثاني ٢٠٢١، وهو يقود سيارته مع أمير قطر تميم بن حمد في مدينة العلا السعودية التاريخية، على ما يبدو حينها أن محمد بن سلمان قد طوى الصفحة. وخلافه مع قطر الآن أصبح من الماضي.

مع إيران؛ استغرقت استعادة محمد بن سلمان العلاقات وقتًا أطول ولم تأت إلا بعد أن وصلت الحرب في اليمن إلى طريق مسدود وبعد أن اتفقت الأطراف المتحاربة على هدنة مفتوحة.

اندلعت الحرب الأهلية في اليمن عام ٢٠١٤ عندما أطاحت ميليشيا الحوثي الموالية لطهران بالحكومة المعترف بها دولياً في صنعاء، وخوفًا من سيطرة الحوثيين على مخزون الجيش اليمني من الصواريخ الباليستية، وخاصة صواريخ سكود السوفييتية القديمة، أقنع محمد بن سلمان دول مجلس التعاون الخليجي – الإمارات والبحرين وقطر والكويت وعمان – بالتدخل لنزع سلاح الحوثيين واستعادة الحكومة اليمنية مكانتها، عرضت البحرين والكويت وقطر دعمًا رمزيًا، تاركة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للقيام برفع عسكري ثقيل.

استمرت الحرب في اليمن لفترة أطول مما توقعه محمد بن سلمان والإمارات، عندما استنفد الحوثيون مخزونهم من صواريخ سكود، استبدلوها بطائرات بدون طيار وصواريخ متفجرة من إيران واستمروا في مهاجمة أهداف مدنية – خاصة المطارات والمنشآت النفطية السعودية والإماراتية، ابتداءً من عام ٢٠١٩ وبمساعدة الولايات المتحدة جلبت كل من الرياض وأبو ظبي أنظمة دفاع جوي عبر الإنترنت، تمكنت من إسقاط ما لا يقل عن نصف طائرات الحوثي بدون طيار وصواريخها، مما أدى إلى تآكل قوة هذا السلاح اليمني الإيراني بشكل كبير.

في أواخر عام ٢٠٢١، قرر الحوثيون الدفع باتجاه الشرق لتوسيع حدود الجيوب الذي يسيطرون عليه في اليمن، لقد هاجموا الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة والتي تعد موطنا لاحتياطيات الطاقة المتواضعة في اليمن. في ذروة الإنتاج وحتى عام ٢٠١٠، أنتج اليمن ٣٠ مليون برميل من النفط سنويًا، محصلة إيرادات سنوية قدرها ٢ مليار دولار استخدمها الديكتاتور علي عبد الله صالح قبل الإطاحة به، لتمويل دولته وحاشيته والأجهزة الأمنية، ولوضع رقم النفط اليمني في سياقه، يجب أن نضع في الاعتبار أن السعودية تنتج تسعة ملايين برميل يوميًا.

بدا أن هجوم الحوثيين يكسب الأرض ويتغلب على القوات الحكومية المدعومة من السعودية، فجاءت الإمارات للإنقاذ وأعطت تعليمات لميليشياتها المدربة تدريباً جيداً والمسلحة جيداً “العمالقة” بصد تقدم الحوثيين، ضرب العماليق الحوثيين وأجبروهم على التراجع إلى جيوبهم، وانتقاماً ضرب الحوثيون الإمارات بطائرات مسيرة متفجرة، تم اعتراض معظمها قبل وصولها إلى منشآت نفطية مستهدفة. بعد بضعة أشهر وفي ٢٢ نيسان ٢٠٢٢، وافق الحوثيون على هدنة مدتها ستة أشهر تم تجديدها إلى أجل غير مسمى.

خلال الأسابيع والأشهر الأولى التي أعقبت الهجوم على البعثات الدبلوماسية السعودية في كانون الثاني ٢٠١٦، رفض الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني الاعتذار للرياض، لكن بحلول صيف ٢٠١٦، كانت إيران ترسل رسائل ندم واضحة، في تشرين الثاني حكمت محكمة إيرانية على ٢٠ شخصًا بالمسؤولية عن الهجوم على السفارة السعودية وطالب روحاني بمعاقبة الجناة.

وبينما أشارت إيران إلى رغبتها في المضي قدمًا، ثارت المملكة العربية السعودية في أعقابها حتى وصل وفد إيراني إلى بغداد في نيسان ٢٠٢١ وطلب من رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي التوسط مع السعوديين، حطَّ الكاظمي في الرياض والتقى بمحمد بن سلمان، وبعد أقل من أسبوعين عقد وفدا السعودية وإيران أولى جلسات الحوار الخمس، التي كانت جميعها في بغداد.

في نيسان ٢٠٢٢ دخلت هدنة اليمن حيز التنفيذ، في ذلك الوقت استفاد محمد بن سلمان من الوساطة العراقية، التي ولدت صفقة بكين بعد ١١ شهرًا، كان محمد بن سلمان ينتظر الوقت المناسب فقط للإعلان عن استعادته المفاجئة للعلاقات مع إيران.

سنحت الفرصة عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ المملكة العربية السعودية في كانون الأول، كان لدى “شي جين” العديد من الطلبات للسعوديين، أولاً وقبل كل شيء لتخصيص ٩٠ مليار دولار من التجارة الثنائية باليوان الصيني بدلاً من الدولار الأمريكي، ووعدت السعودية بالنظر في الأمر.

بعد ذلك ناقش الرئيس الصيني قضايا أمن الخليج، وأعرب السعوديون عن قلقهم من العدوان الإيراني، سواء بشكل مباشر كما في الهجوم الإيراني على منشأة بقيق النفطية السعودية في أيلول ٢٠١٩، أو بشكل غير مباشر من خلال وكلاء الحوثيين، وتبيع السعودية للصين ١،٧٥ مليون برميل نفط يوميا أو ٢٠ بالمئة من انتاجها و ١٥ بالمئة من واردات الخام الصينية، بالنظر إلى حجم واردات الصين من النفط من المملكة العربية السعودية، فإن مصالح بكين تخدم بشكل أفضل في خليج آمن ومتدفق للطاقة، الهجمات الإيرانية على منشآت النفط السعودية سواء كانت مباشرة أو عبر وكلاء يمنيين تضر بهذه المصالح.

تفيد التقارير أن الرئيس الصيني وعد بإلزام إيران بأمن المجال الجوي للمملكة العربية السعودية، وكانت طهران قد وقعت في آذار ٢٠٢١ صفقة مدتها ٢٥ عامًا، وعدت فيها بكين باستثمار ٤٠٠ مليار دولار في الاقتصاد الإيراني مقابل طاقة إيرانية مخفضة، منح اعتماد إيران الاقتصادي المتزايد على الصين بكين نفوذاً كافياً لانتزاع وعد إيراني بالتوقف عن تهديد أمن الخليج والسعودية.

الولايات المتحدة تتطلع للصفقة

وفي الوقت الذي غطت فيه كل من الرياض وطهران اتفاقهما بالغموض، أثار اتفاقهما مع بكين الدهشة في واشنطن، حيث خشي الكثير من أن الرياض كانت تغير من جانبها ومنح منافس أمريكا، الصين، ميزة في منطقة الخليج.

في الواقع، ذهبت وسائل الإعلام الإيرانية إلى حد إعلان بنية أمنية جديدة في الخليج وولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب ليحل محل النظام الحالي أحادي القطب الذي تقوده أمريكا، حيث أفادت وسائل إعلام إيرانية أن المملكة العربية السعودية تقدمت بطلب للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهي جماعة مناهضة للغرب تضم في عضويتها الصين وروسيا والهند، تحتفظ إيران بوضع المراقب بينما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر ومصر وتركيا جميعهم شركاء في الحوار.

يبدو أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تلعبان معًا، وتتظاهران بالانتقال من العالم أحادي القطب في أمريكا إلى العالم متعدد الأقطاب في روسيا، في أيار زار وزيرا خارجية البلدين الخليجيين جنوب إفريقيا للمشاركة في مؤتمر البريكس، وتتكون تلك المنظمة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا وهي واحدة أخرى من تلك المنظمات الدولية التي تدعو إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب ليحل محل النظام الحالي الذي يهيمن عليه الغرب.

لكن هل يتحرك السعوديون؟

ولكن على الرغم من جميع البيانات والصور الفوتوغرافية، لا شيء على الأرض يشير إلى أن أي دولة في مجلس التعاون الخليجي على وشك التخلي عن شراكتها مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والانضمام إلى المحور الصيني الروسي، الذي تعد إيران عضوًا صغيرًا فيه.

على الرغم من كل مناشدات الصين، إلا أن المملكة العربية السعودية لم تحدد بعد تجارتها الثنائية مع الصين باليوان، في غضون ذلك يبدو أن التجارة الثنائية السعودية الصينية هي الرابط الاقتصادي الوحيد بين البلدين، ولا تزال الاستثمارات السعودية في الصين أقل من ٥ مليارات دولار، مقارنة بما يقرب من ٤٠ مليار دولار في الولايات المتحدة، وبالمثل لا تزال الاستثمارات الصينية في السعودية هزيلة، بنحو نصف مليار دولار، وللمقارنة انظر إلى الاستثمار الأجنبي المباشر الأمريكي (FDI) في المملكة العربية السعودية والذي يبلغ ١١ مليار دولار.

تم تصميم الاقتصاد السعودي على غرار الاقتصادات الغربية، لقد بذلت الرياض جهودًا كبيرة للقضاء على الفساد، خاصة منذ وصول محمد بن سلمان إلى السلطة في عام ٢٠١٥، وتتمتع الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط بسمعة سيئة، غالبًا ما تضخم الشركات المملوكة للدولة في الصين الأسعار وتقاسم الرشاوى مع المسؤولين المحليين، ولقد ابتليت العراق أيضاً بمثل هذه الصفقات الفاسدة.

من جانبها، كانت الرياض على دراية بثقافة الأعمال التجارية الصينية للفساد، وبالتالي قللت من تعرضها للاستثمار الأجنبي المباشر الصيني، وهو صغير في المملكة العربية السعودية مقارنة ببقية المنطقة والعالم.

مع قلة الاستثمار المتبادل بين الرياض وبكين، ومع رفض السعوديين لطلبات الصين للتخلص جزئيًا من الدولار الأمريكي، فإن القفز إلى استنتاج مفاده أن اتفاقية بكين مع إيران تُظهر أن المملكة العربية السعودية تنأى بنفسها عن واشنطن وأنها تقترب من بكين أمر سابق لأوانه.

وبالمثل، فإن الأرقام الدولارية للتجارة بين السعودية وإيران لم تُشِر بعد إلى أن الرياض تقوض موقف التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد سلوك إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة، بما في ذلك رعاية طهران للإرهاب وسعيها لامتلاك أسلحة نووية.

كانت التجارة الثنائية بين المملكة العربية السعودية وإيران منخفضة تاريخيًا، قبل عام ٢٠١٦ كانت التجارة بين البلدين ضئيلة للغاية حيث بلغت ١٤ مليون دولار، منذ توقيع اتفاقية بكين في آذار، استوردت الرياض سبائك الصلب والعنب بقيمة ١٥ مليون دولار من إيران، ولا يوجد أي من هذين العنصرين على قائمة العقوبات الأمريكية.

ولأن واشنطن تفرض عقوبات على قطاعي الشحن والتأمين البحري في إيران، تم نقل البضائع الإيرانية إلى المملكة العربية السعودية في شاحنات تمر عبر العراق.

كما أن العقوبات الأمريكية على إيران تجعل من الصعب على المصدرين تحصيل أموالهم من خلال البنوك الإيرانية التي تم تجميد روابطها حاليًا بنظام سويفت (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك)، بدلاً من ذلك يمكن للتجار الإيرانيين إما جمع أموالهم نقدًا أو فتح حسابات في البنوك السعودية، وبينما قال وزير الشؤون الاقتصادية الإيراني إحسان خاندوزي إنه يتوقع أن يصل حجم التجارة الثنائية مع المملكة العربية السعودية إلى مليار دولار، يبدو أن هذا الرقم طموح للغاية.

منذ إصلاح الأمور مع قطر في عام ٢٠٢١، انطلق محمد بن سلمان في حملة للقضاء على مشاكل السياسة الخارجية، ويعتقد المراقبون أن مثل هذه السياسة هي شرط أساسي لتحويل اعتماد الاقتصاد السعودي على ريع النفط إلى المعرفة والخدمات.

وبينما كان محمد بن سلمان يخفف من حدة الصراعات على جميع الجبهات، حاول أصدقاؤه وأعداؤه تخمين ما إذا كانت سياسته الجديدة مقدمة لتغيير المواقف، من المعسكر الذي تقوده الولايات المتحدة إلى النظام متعدد الأقطاب الذي تتخيله روسيا والصين وإيران، وبينما قد تُظهر بعض البيانات هنا وهناك أن ولي العهد السعودي يستعد بالفعل لتغيير الشركاء، فإن نظرة على الأرقام التجارية والاستثمارات الثنائية تشير إلى أن الرياض لم تجعل من الصين أو إيران أو روسيا شركاء اقتصاديين جادين، ناهيك عن الدفاع والدبلوماسية.

في المستقبل المنظور، يبدو أن المملكة العربية السعودية ودول الخليج ستقيم في المعسكر الأمريكي، وليس هناك الكثير لإظهار خلاف ذلك، على الرغم من كل الضوضاء والتقاط الصور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى