تحليلات

اغتيال إسماعيل هنية والبحث عن وهم الانتصار قبل إنهاء الحرب

ورقة تحليلية – مركز كاندل للدّراسات

مقدمة

يمثل اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية بعد أكثر من 300 يوم من العدوان الإسرائيلي على غزة تطوراً نوعياً في تكتيكات الصراع واستراتيجياته خصوصاً أن الاستهداف تم في عقر العاصمة الإيرانية طهران وفي أعقاب مشاركته في مناسبة تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بازشكيان في 30 يونيو 2024.

يعد هذا الحدث تصعيدًا خطيرًا في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، وقد عكس هذا الحدث جرأة غير مسبوقة من قبل إسرائيل في استهداف قيادات المقاومة خارج حدود غزة، خصوصاً بعد تكرار هذا الأمر بعد استهداف صالح العاروري في الضاحية الجنوبية في لبنان في 2 يناير 2024، مع انتهاك مزدوج للقانون الدولي والسيادة الإيرانية على السواء.

في هذا التقرير سنتحدث عن فرضية أن اغتيال إسماعيل هنية وما سبقه من توتر في لبنان واليمن والعراق يأتي ضمن إستراتيجية أمريكية إسرائيلية لتعديل قواعد الاشتباك من خلال التدرج في التصعيد لدرجة الذروة وجعل الحرب الشاملة حق إسرائيلي وإبقاء حق محور المقاومة في الرد ضمن قواعد الاشتباك الكلاسيكية التي تتحدد بإمكانية الضرب ومنع الاستهداف للمنشآت الحيوية.

التنسيق الأمريكي الإسرائيلي والتصعيد في الشرق الأوسط:

في زيارة نتنياهو لواشنطن (22 تموز/يوليو 2024) يبدو أنه حصل على دعم مطلق من الكونغرس الأمريكي مستغلاً بازار التنافس الانتخابي الذي يشكل دعم إسرائيل أهم أوراق التنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين ويبدو أنه تمت مناقشة تدابير سرية لإدارة الصراع في المنطقة، تضمنت التفاهمات السرية تقديم الولايات المتحدة الدعم الأمني واللوجستي لإسرائيل للقيام بعمليات نوعية على جميع الجبهات: غزة، لبنان، اليمن، العراق، سوريا، وطهران.

ويبدو أن الأحداث التصعيدية التي سبقت اغتيال إسماعيل هنية شكلت نقطة التحول في الاستراتيجية الجديدة لقواعد الاشتباك والتي بدأت في يوم 21 تموز/يوليو 2024 تم استهداف ميناء صنعاء بطائرة F-35 إسرائيلية بعد استهداف الحوثيين لتل أبيب بطائرة مسيرة في يوم 19 تموز/يوليو2024، وفي يوم 28 تموز/يوليو 2024 صاروخ في مجدل شمس: انفجر صاروخ في مجدل شمس، واتهم حزب الله اللبناني بإطلاقه، أدى الصاروخ إلى مقتل مدنيين في الجولان السوري المحتل، استخدمت إسرائيل هذا الحدث كذريعة لاستهداف الضاحية الجنوبية في بيروت وقتل فؤاد شكر كبير المستشارين العسكريين للأمين العام للحزب حسن نصر الله.

موقف نتنياهو من التصعيد:

بالنسبة لنتنياهو وبالإضافة لمصالحه كفئة سياسية مهددة بالمحاسبة والمحاكمة في الداخل الإسرائيلي فإنه يرفض سيناريو وقف الحرب أو تحقيق تقدم ملموس في الملف بعد زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة وذلك بسبب الموقف السلبي الذي اتخذه الديمقراطيون من هذه الزيارة.

ولذلك من غير المرجح أن يقدم نتنياهو للديمقراطيين ورقة نجاح تعتبر إنجازاً يمكن أن يُضاف إلى رصيد الديمقراطيين.

تحذيرات روسية من دخول المنطقة في الحرب الشاملة:

يعتبر توسع الصراع في الشرق الأوسط مصلحة لروسيا الغارقة في الحرب الأوكرانية وهو ما بدا في أثناء زيارة بشار الأسد لموسكو يوم (24 تموز/يوليو 2024) حيث حذر الرئيس الروسي بوتين من أن المنطقة تتجه نحو توسع التوتر ويبدو أن تصريحات بوتين كانت مبنية على معلومات أمنية حصلت عليها روسية من زيارة نتنياهو لواشنطن ولقائه مع الرئيس الأمريكي بايدن في البيت الأبيض، كما أشار بوتين إلى أن سوريا ستكون في قلب هذا الصراع ويجب الاستعداد لذلك.

الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل

حشدت القوات الأمريكية بعد اغتيال إسماعيل هنية وفؤاد شكر 12 سفينة حربية في الشرق الأوسط استراتيجية الضربات النوعية كما نسقت الولايات المتحدة لضربات نوعية قامت بها إسرائيل لمحور المقاومة والمطلوب اليوم تنسيق أمريكي إسرائيلي يعيد التوازن ويمنع هزيمة إسرائيل في غزة والعمل على تأقلم محور المقاومة مع وضع يتم فيه توجيه ضربات إستراتيجية ونوعية ومؤلمة لكن تحت عنوان “لا نريد أن تنزلق المنطقة لحرب شاملة” وإبقاء الرد على الضربات الإسرائيلية ضمن الحالة الاستعراضية والشكلية شكليًا.

يبدو أن السياسات الأمريكية الثابتة في هذه التصعيد على مسألتين لن تتنازل عنهما وهما عدم السماح بهزيمة إسرائيل في غزة وعدم الاستجابة للمطالب الإيرانية بسحب القوات الأمريكية من سورية والعراق.

موقف محور المقاومة من اغتيال هنية والبحث في شكل الرد:

بدون ضرب محور المقاومة لخزانات النفط، حقول الغاز، المطارات، قواعد الدفاع الجوي، المؤسسات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية، البنية التحتية، والموانئ في إسرائيل، لن يعتبر أي رد مناسبًا على الضربات الإسرائيلية، وبنفس الوقت تعلم إيران أن توجيه ضربات بهذا الحجم سيدفع إسرائيل لتوجيه ضربات أكبر تنتهي بخسارة إيران لكل مساحة النفوذ التي تتمدد لها في الشرق الأوسط وقد يكون ذريعة إسرائيلية للدخول في حرب شاملة بالاستناد إلى دعم الولايات المتحدة، لكن بالمقابل فإن مصلحة الطرفين هي عدم زعزعة خارطة النفوذ في الشرق الأوسط عموماً وفي لبنان خصوصاً لأن إنهاء نفوذ حزب الله في لبنان لا يضمن خروج قوة أكثر تشدداً منه تجاه إسرائيل وهنا ترشح الفصائل الفلسطينية في المخيمات لسد الفراغ وتحويل لبنان إلى ساحة بديلة لعملياتها ضد إسرائيل بعد خروج غزة من المعادلة، وهو وضع أكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل من الحالة الراهنة .

لكن بكل الأحوال لابد من الرد على اغتيال هنية وهذا الرد يتم التحضير له في سياق لقاءات واجتماعات هامة، أبرزها زيارة وزيري الدفاع والخارجية البريطانيين إلى لبنان، واجتماع قادة محور المقاومة في طهران ومن المتوقع أن يتبع هذه الاجتماعات خطاباً للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والذي قد يحدد فيه قواعد اشتباك جديدة.

هناك سيناريوهان محتملان لهذا الرد:

  1. إنهاء الحرب :قد تقبل إسرائيل بما حققته من إنجازات، وهو ما يمكن أن يعتبره البعض نصراً، في المقابل، قد تقبل أطراف محور المقاومة بقواعد الردع الإسرائيلية والواقع الجديد، الذي يشمل انسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني وبدء تهجير سكان غزة أو جزء منهم، ومع ذلك، يبدو أن شروط تحقيق هذا السيناريو لم تنضج بعد.
  2. الرد العسكري المكثف: يتمثل في تصعيد عسكري يفرض قواعد اشتباك جديدة، تكون فيها وتيرة المواجهة أعلى من الحالية، قد يدخل هذا التصعيد محور المقاومة في مرحلة من الاستنزاف الموسع، حتى تقبل الأطراف بما يُملى عليها، أو تتحول المواجهة إلى حرب مفتوحة.

خاتمة

على الرغم من كل المؤشرات التي تدل على عدم رغبة الأطراف في توسيع الصراع في حرب غزة لكن عملياً هناك خط بياني متصاعد يدل على تنامي مستوى التوتر بين محور المقاومة وإسرائيل وهو ما يشي بإمكانية انزلاق التوتر لحرب شاملة، لكن يبدو أن الحشود العسكرية الأمريكية في المنطقة التي تلت عملية اغتيال هنية تهدف بشكل أساسي إلى رفع مستوى التنسيق الأمني والعسكري واللوجستي بين إسرائيل والولايات المتحدة وإعطاء إسرائيل نصر وهمي  بتوجيه ضربات لكامل ساحات المقاومة واغتيال شخصية وازنة في محور المقاومة وتجميد الانسحاب الأمريكي من سورية والعراق الذي تطالب به إيران وتضغط في سبيل تحقيقه وكذلك ردع الميليشيات الإيرانية في سورية والعراق ولبنان واليمن عن الدخول في مواجهة شاملة في المنطقة من خلال التلويح بتدخل الولايات المتحدة إلى جوار إسرائيل في حال انزلق التوتر نحو الحرب لإلحاق الهزيمة بمحور المقاومة وهو ما يعيه المحور تماماً ويتصرف بناء عليه وهو ما يعني أنه مجبر على التفكير بطريقة الحرب الهجينة أو العمليات الانتقامية المحدودة تحاشياً لمواجهة الولايات المتحدة التي باتت ترى أن من يحرك هذه الحرب في المنطقة هما الصين وروسيا لضرب مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى