استهداف وكلاء إيران للقواعد الأمريكية في سورية والعراق الأهداف الإيرانية والردع الأمريكي
مقدمة
تنشط الميليشيات الموالية لإيران في سورية والعراق منذ بداية حرب 7 أكتوبر بتوجيه قصف شبه يومي عبر الصواريخ والطائرات المسيرة للقواعد الأمريكية في سورية والعراق حيث نفذت الميليشيات الموالية لإيران أكثر من 71 هجومًا استهدفت القوات الأمريكية في سورية والعراق خلال 26 يومًا، ما أدى إلى إصابة عدد من الجنود الأمريكيين، ردًا على ذلك، شنت الولايات المتحدة ثلاث جولات من الغارات الجوية، لكن معدل هجمات الميليشيات مستمر في الزيادة [1]
في هذه الورقة سنناقش إمكانية انزلاق هذه الضربات إلى مواجهات مفتوحة مع القواعد الأمريكية والأهداف الإيرانية من تحريك وكلائها والخيارات الأمريكية في احتواء التوتر ومنع توسع المواجهات في المنطقة.
أولاً: الأهداف الإيرانية من تحريك وكلائها لاستهداف القواعد الأمريكية
تسعى إيران من خلال تحريك وكلائها في سورية والعراق ودفعهم لاستهداف القواعد الأمريكية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف:
1) تعزيز أوراق إيران التفاوضية في الملف النووي الإيراني
تسعى إيران من خلال هذه الهجمات إلى إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن لها نفوذاً قويًا في المنطقة، وأنها قادرة على ضرب القوات الأمريكية إذا لزم الأمر، وهذا يمنح إيران أوراق تفاوض أقوى في محادثات الاتفاق النووي، حيث يمكنها استخدام هذه الهجمات كتهديد لدفع الولايات المتحدة إلى تقديم تنازلات أكبر في الملف النووي.
2) دفع الإدارة الأمريكية لرفع الحجز عن الأموال الإيرانية
تسعى إيران من خلال هذه الهجمات إلى الضغط على الولايات المتحدة لرفع الحجز عن الأموال الإيرانية التي تم تجميدها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وتعتقد إيران أن هذه الأموال ضرورية لها لتمويل مشاريعها الاقتصادية والعسكرية.
3) دفع الولايات المتحدة للضغط على إسرائيل كي تكف عن استهداف وكلاء إيران في سورية
تسعى إيران من خلال هذه الهجمات إلى الضغط على الولايات المتحدة لممارسة ضغوط على إسرائيل كي تكف عن استهداف وكلاء إيران في سورية، وتعتقد إيران أن هذه الهجمات ضرورية لحماية مصالحها في سورية وتحقيق الاعتراف الأمريكي الإسرائيلي بواقعية النفوذ الإيراني في سورية.
4) التأثير على الرأي العام الأمريكي للضغط على الإدارة الأمريكية ومطالبتها بسحب جنودها من الشرق الأوسط خشية عليهم من خطر الاستهداف
تسعى إيران من خلال هذه الهجمات إلى التأثير على الرأي العام الأمريكي، ودفعه إلى الضغط على الإدارة الأمريكية لطلب سحب قواتها من الشرق الأوسط، وتعتقد إيران أن هذا سيضعف الوجود الأمريكي في المنطقة، ويسهل لها تحقيق أهدافها، وملء الفراغ في المنطقة في حالة الانسحاب والانكفاء الأمريكي.
5) تأكيد إيران قيادتها لمحور المقاومة وأن عمليات وكلائها ضد القواعد الأمريكية هي مشاركة وانخراط مساند للفصائل الفلسطينية في غزة التي تواجه الحرب الإسرائيلية:
تسعى إيران من خلال هذه الهجمات إلى تأكيد قيادتها لمحور المقاومة وسردية المقاومة، وأنها مستعدة لدعم الفصائل الفلسطينية في غزة، وتعتقد إيران أن هذا سيعزز علاقاتها مع الفصائل الفلسطينية، ويعزز مكانتها في المنطقة من خلال ربط تحركات وكلائها في سورية والعراق بمساندة الفصائل الفلسطينية في غزة.
6) ضمان الولايات المتحدة للمصالح الإيرانية في سورية والعراق مقابل عدم تدخلها في الحرب على غزة
تبدو الاستراتيجية الإيرانية أنها تهدف إلى تحقيق توازن المصالح، حيث يمكن لإيران أن تستخدم حيادها في الحرب على غزة والتحرش بالقواعد الأمريكية في سورية والعراق كوسيلة للضغط على الولايات المتحدة ودفعها للتفاوض على دورها في سورية والعراق ولبنان وضامن عدم قطع طريق طهران بغداد دمشق بيروت مقابل عدم اشتراك ميليشياتها في الحرب على إسرائيل.
ثانياً: الإجراءات الأمريكية لاحتواء إيران ومنع تطور المواجهات
تتخوف الولايات المتحدة من أن تتحول حرب غزة إلى مواجهة إقليمية واسعة يشترك فيها وكلاء إيران في المنطقة وهو ما يلبي المصالح والرغبة الروسية لنقل ثقل الصراع من أوكرانيا إلى منطقة الشرق الأوسط وفتح جبهة استنزاف جديدة للغرب من خلال تحريك ودعم إيران لذلك تسعى الولايات المتحدة إلى احتواء إيران عبر مجموعة من الإجراءات لتحقيق هذه الغاية، والتي يمكن تقسيمها إلى أربعة أبعاد رئيسية:
1) تكثيف الحشود العسكرية الأمريكية في المنطقة من أجل تحقيق الردع
وتتواجد مجموعة USS Gerald R. Ford Carrier Strike Group حاليًا في شرق البحر الأبيض المتوسط بعد انتشارها الشهر الماضي.
تضم المجموعة الهجومية 6000 بحار، وسفينة USS Gerald R. Ford – التي وصفها متحدث باسم البحرية بأنها “منصة القتال الأكثر قدرة على التكيف والفتك في العالم” – وطراد الصواريخ الموجهة من فئة Ticonderoga USS Normandy (CG 60)، وArleigh. مدمرات الصواريخ الموجهة فئة بيرك يو إس إس توماس هودنر (DDG 116)، يو إس إس راماج (DDG 61)، يو إس إس كارني (DDG 64)، ويو إس إس روزفلت (DDG 80).
وقد دخلت المجموعة الهجومية لحاملة الطائرات يو إس إس دوايت دي أيزنهاور البحر الأبيض المتوسط وهي تقع حاليًا في شرق البحر الأبيض المتوسط، لكنها ستشق طريقها قريبًا عبر قناة السويس إلى الشرق الأوسط.
وتم نشر ما مجموعه 1200 من أفراد الخدمة الأمريكية أو يتم نشرهم في الشرق الأوسط، ومن بين هذه المجموعة أعضاء الخدمة المخصصون لبطاريات ثاد وباتريوت، و تتواجد مجموعة يو إس إس باتان البرمائية الجاهزة، التي تحمل وحدة الاستطلاع البحرية السادسة والعشرين، حاليًا في البحر الأحمر[2] من الواضح أن كل هذه الحشود العسكرية الأمريكية التي لم يسبق أن حشدتها في الشرق الأوسط هي رسالة رادعة لإيران ووكلائها في حال فكرت بتوسيع نطاق المواجهة.
2) تخفيف خناق العقوبات الأمريكية عن إيران
من المتوقع أن توافق إدارة بايدن يوم 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 على إعفاء من العقوبات سيسمح لإيران بالوصول إلى ما لا يقل عن 10 مليارات دولار من الأموال المجمدة سابقًا المحتجزة في العراق، وهو قرار تتم مراقبته عن كثب، ومن شأن الإعفاء أن يمدد تخفيف العقوبات بمليارات الدولارات الذي صدر لأول مرة في يوليو 2023 والذي ينتهي يوم 15 تشرين الثاني /نوفمبر 2023، ويسمح للعراق بتحويل مدفوعات الكهرباء المجمدة إلى حسابات مصرفية مملوكة لإيران في أوروبا وعُمان. [3]
3) توجيه ضربات محدود ورادعة ضمن قواعد الاشتباك
حيث قالت صحيفة “نيويورك تايمز”، يوم 12 تشرين الثاني /نوفمبر 2023 إن الرئيس الأمريكي جو بايدن، رفض في الأسابيع الأخيرة خيارات القصف “الأكثر عدوانية” التي اقترحتها وزارة الدفاع (بنتاغون) للرد على هجمات الميليشيات المرتبطة بإيران ضد القواعد الأمريكية في سورية والعراق، خوفاً من إثارة صراع أوسع مع طهران.[4]
4) الضغط السياسي على الحكومة العراقية لكف نشاط وكلاء إيران
حيث قام رئس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بزيارة عاجلة إلى طهران يوم 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 وذلك بعد ساعات من زيارة بلنكن ليطلب مساعدة خامنئي والقادة الإيرانيين لوقف هجمات الميليشيات على القوات الأمريكية في العراق، خوفاً من أن بلاده غير المستقرة سياسياً واقتصادياً لن تتحمل تصعيداً من شأنه أن يدفع الأمريكيين إلى الرد على المسلحين.[5] يذكر أن الرئيس جو بايدن بعث برسالة إلى علي خامنئي في يوم 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023 يحذر فيها طهران من استهداف أفراد أمريكيين في الشرق الأوسط بعد سلسلة من الهجمات على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط[6].
الخاتمة والخلاصة
مع بداية حرب 7 أكتوبر بين حماس والجيش الإسرائيلي انتهجت إيران سياسة الغموض الاستراتيجي وإبقاء المراقبين الدوليين في حالة عدم اليقين من إمكانية دخول وكلاء إيران بحرب شاملة ومفتوحة مع إسرائيل أم ستبقى تتحرك ضمن قواعد الاشتباك المتعارف عليها فقد اكتفت إيران بتقديم الدعم السياسي والإعلامي للفصائل الفلسطينية في الأمم المتحدة، وذلك من خلال إصدار بيانات تدين العدوان الإسرائيلي ومطالبة المجتمع الدولي بوقفه، بالإضافة إلى دعمها لمواقف المقاومة الفلسطينية في المحافل الدولية و قدمت إيران نفسها كوسيط موثوق لدى المقاومة الفلسطينية، وذلك من خلال سعيها إلى عقد اللقاءات والاجتماعات مع قادة المقاومة الفلسطينية، وتقديم مساعدات مالية وعسكرية لها، كما دفعت بحزب الله اللبناني لرفع مستوى التوتر مع تل أبيب ضمن قواعد الاشتباك دون الانزلاق لحرب شاملة، وذلك من خلال إطلاق صواريخ الكاتيوشا على أهداف إسرائيلية، وتهديد تل أبيب بشن عمليات عسكرية واسعة النطاق في حال استمرار العدوان على غزة.
لكن أهم ما فعلته إيران هو تحريك وكلائها من الميليشيات التابعة لها في سورية والعراق خارج البيئة الاستراتيجية المؤثرة على الصراع في غزة لاستهداف القواعد الأمريكية مستغلة تخوف الولايات المتحدة من توسع نطاق الحرب في المنطقة وهو ما يصب في مصالح روسيا الساعية لفتح بؤر صراع واستنزاف للغرب في المنطقة.
لكن الولايات المتحدة تدرك أن إيران لن تقدم على حماقة إعلان الحرب على قواعد الولايات المتحدة إلا في حالة الدفاع فقط لكنها تستغل الحرب في غزة للضغط على الولايات المتحدة من أجل ثمن استراتيجي يتعلق بالاتفاق النووي والعقوبات والدور الإيراني في الشرق الأوسط وهو ما تريده إيران من جيب الولايات المتحدة مستغلة هذه الفرصة التاريخية لتحقيقها.
[1] – صفحة الباحث الأمريكي الرابط
[3] – Washington Free Beacon الرابط