استهداف القاعدة العسكرية الأمريكية في الأردن الأهداف والسياقات
تقرير تحليلي
في يوم 28 يناير/كانون الثاني ٢٠٢٤، شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورات خطيرة بعد استهداف طائرة مسيرة لقاعدة عسكرية أمريكية في الأردن، قريباً من قاعدة التنف على جانب الحدود السورية، السورية، وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة ثلاثين آخرين، وتبنت حركة المقاومة الإسلامية في العراق هذا الهجوم، وهي الحركة التي أُسست في شهر تشرين الأول من عام ٢٠٢٣، وترتبط بشكل وثيق بالحرس الثوري الإيراني، يُذكر أن إيران نفت أي علاقة لها بالهجوم، وهذا الحادث يُعد أخطر تطور في المواجهة منذ ديسمبر ٢٠١٩.
قبل هذا الهجوم، كانت هناك حوادث ملحوظة أخرى، بدءًا من قصف الميليشيات المدعومة من إيران لقاعدة K1 في العراق في كانون الأول/ ديسمبر ٢٠١٩، حيث تم قتل متعاقد أمريكي في شهر كانون الثاني/ يناير ٢٠٢٠، قامت الولايات المتحدة باغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية في بغداد بأمر من الرئيس الأمريكي ترامب، في ٢٠ يناير ٢٠٢٤ نفذت إسرائيل غارة جوية على مقر أمني في دمشق، أسفرت عن مقتل خمسة ضباط أمنيين في الحرس الثوري الإيراني، هذه الغارة جاءت بعد ٢٥ يومًا من غارة مماثلة استهدفت منطقة السيدة زينب بريف دمشق، أدت إلى مقتل المستشار العسكري البارز في فيلق القدس رضى موسوي.
تعود هذه التطورات إلى بداية عام ٢٠٢٣، حيث وضعت إيران خطة استراتيجية لطرد القواعد العسكرية الأمريكية من سورية والعراق، أُسست حركة المقاومة الإسلامية في العراق كواجهة تعمل تحتها الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، وبدأت إيران بتنفيذ هذه الخطة وفقًا لقواعد اشتباك تؤثر على المعادلة الانتخابية في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تتجنب المواجهة المباشرة للحفاظ على الإيقاع وحق الرد دون التورط بقتل جنود أمريكيين.
إن الحرب بين إيران والولايات المتحدة تتطور وفق مفهوم الحرب الهجينة، وليس وفق مفهوم الحرب التقليدية المباشرة وبدون أن ندرك تطور نموذج المواجهة في العالم من الأسلوب التقليدي إلى الأسلوب الهجين ستبقى قدرتنا على تحليل الموقف مصابة بالقصور ومحكومة للثنائيات الحدية عدو- صديق .
لكن مع تبني حركة المقاومة الإسلامية للعملية، تكون نقطة تحول في قواعد الاشتباك، وهذا يعني الانتقال من حالة الحرب الظلية إلى مواجهة قد تكون مباشرة ومؤلمة بين الولايات المتحدة وإيران. يُتوقع أن تتسم هذه المواجهة بتوجيه ضربات أكثر إيلاماً في المنطقة التي تنتشر فيها الميليشيات الإيرانية من العراق إلى سورية ولبنان، الأمر يعتمد على المعادلة الإيرانية، حيث يُفترض أن أي هجمات قد تؤدي إلى قتل جنود أمريكيين ستواجه رد فعل قوي.
في هذا السياق، يتبين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو المستفيد الأول من التطورات الجارية، فمع غموض مستقبله في مواجهة الصراع في غزة، يرى نتنياهو أن حدوث شيء مماثل للجنود الأمريكيين قد يعزز موقفه في واشنطن، يمكن لنتنياهو أن يستغل هذا الوضع لتوريط إدارة الرئيس بايدن في دعمه لحرب ضخمة في جنوب لبنان ضد حزب الله، بالإضافة إلى ذلك يمكن أن يتسبب الهجوم في العراق بانتقام قوي ومحسوب من قبل الولايات المتحدة ضد الأهداف الإيرانية.
التحركات الإيرانية في جنوب لبنان ضد إسرائيل وفي البحر الأحمر ضد السفن الأمريكية والبريطانية، جنبًا إلى جنب مع نشاط الميليشيات الإيرانية في سورية والعراق لاستهداف القواعد الأمريكية وتوسيع نطاق الاستهداف ليشمل الأردن، جميعها تأتي ضمن استراتيجية إيرانية لتشكيل رأي عام أمريكي يدعو إلى الانسحاب من المنطقة، ويُرغم ذلك الولايات المتحدة والغرب على الجلوس على طاولة المفاوضات مع إيران، لمناقشة الملف النووي الإيراني والعقوبات المفروضة عليها وبذلك تؤكد إيران أن ضمان عدم توسع نطاق الموجهات وتداعيات الحرب في غزة لن يكون بلا ثمن وإذا ما أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على قواعد الاشتباك ضمن غزة فعليها أن تدفع الثمن السياسي المناسب وإلا فإن إيران قادرة على تغيير قواعد اللعبة.
ومع ذلك، يظهر أن سياسة استرضاء إيران التي يتبعها بايدن قد فتحت الباب أمام تعريض مصالح الولايات المتحدة في المنطقة للخطر، قد يؤدي ذلك إلى مزيد من الخسائر البشرية والتوترات الإقليمية، مما يعرض مستقبل الرئيس بايدن السياسي للخطر ويجعله خارج السباق الرئاسي، لصالح سلفه ترامب الذي اتخذ سياسة الضغط القصوى على إيران وميليشياتها في المنطقة.
لكن ليس من المتوقع أن تنزلق الولايات المتحدة وإيران إلى مواجهة مفتوحة ومباشرة والاكتفاء برد رادع لإيران يحافظ على قواعد الاشتباك ويحول دون توسع نطاق الحرب في غزة.