في كلمته في حفل افتتاح البيت الإبراهيمي في أبو ظبي قال محمد بن زايد: « إن بيت العائلة الإبراهيمية» هو صرح للحوار الحضاري البنّاء، ومنصة للتلاقي من أجل السلام والأخوة الإنسانية…، وقبل هذه المناسبة بأشهر تم افتتاح معبد هندوسي في دبي، وكانت المبررات تساق على أن دولة الإمارات تريد أن تقود مرحله من الاستقرار في المنطقة عنوانها التسامح الديني، السلام، التنمية، لكن هذا الخطاب وهذه الاجراءات كانت تخفي مشروعاً جيوبوليتيكياً ضخماً يتمفصل مع الرؤيا الجيواستراتيجية والجيواقتصادية الأمريكية للمنطقة.
في يوليو 2022 عقد اجتماع افتراضي رئاسي ضم رؤوساء الولايات المتحدة الأمريكية -الإمارات -الهند -إسرائيل …الهدف من هذا الاجتماع تدشين منتدى للتعاون بين هذه الدول في مجالات النقل -الطاقة-المياه الفضاء -المناخ- الصحة -الأمن الغذائي ..سميت مجموعة I2U2 (Israel-India-United Emirat-United state ) … أو التحالف الهندوإبراهيمي، وهذه المبادرة ذات قيمة استراتيجية، حيث تهدف الولايات المتحدة الأمريكية من مثل هذه المبادرات ( سبقتها مبادرة الإندو باسيفيك ) إلى القيام بعملية احتواء مزدوج( dual containment ) لمشاريع الأقطاب الصاعدة التي تنافس أمريكا على زعامة العالم، المشروع الجيوسياسي الأوراسي، والمشروع الجيواقتصادي الصيني ( مبادرة الحزام والطريق)، وتم الاتفاق على توسيع هذه المنصة لتشمل السعودية، مصر، اليونان، وفرنسا.
– في السابع من أيار من هذا العام، عقد اجتماع لرؤساء الأمن القومي للدول الثلاث أمريكا، الإمارات، والهند في السعودية حضره طحنون بن زايد وجيك سوليفان، بالإضافة لمستشار الأمن القومي الهندي، الهدف إقناع السعودية بالدخول في هذا المنتدى، والذي سيكون المدخل لعملية التطبيع ما بين السعودية وإسرائيل، والهدف الأهم فرملة الاندفاعة السعودية باتجاه الصين، وخصوصاً بعد نجاح الصين في التوصل لاتفاق سعودي إيراني في آذار 2023 في محاولة من الصين لملء الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، والتركيز على المحيط الهادي، في إطار المواجهة القادمة هناك .
تبقى سورية من العقد المهمة في هذا الهلال الممتد من جنوب آسيا مروراً بغرب آسيا وصولاً إلى أوربا ( اليونان – فرنسا – إيطاليا)، من هنا نستطيع تفهم الانفتاح الخليجي الذي قادته الإمارات على النظام السوري، والذي استكملته السعودية بدعوة بشار الأسد لحضور القمة العربية التي عقدت في جدة، فالسعودية لا يمكن أن تذهب للتطبيع العلني مع إسرائيل، والالتحاق بهذا المشروع، قبل أن تهدئ جبهتها مع إيران، وقبل ذهاب سوريا إلى هذه العملية، وإقناع الأسد بالسير بعملية التطبيع، يتطلب تقديم حوافز سياسية واقتصادية له.
يدرك بشار الأسد جيداً أنه أصبح في موقع استراتيجي مهم، فهو يقع على مفترق طرق تؤدي لهذه المشاريع الثلاث، الأوراسي الروسي – مبادرة الحزام والطريق الصينية- التحالف الهندوإبراهيمي الأمريكي، ومازال من المبكر معرفة أي طريق سيسلك، وإن كانت المؤشرات تقول إن منصة I2U2…مرشحة لتتوسع وتصبح I2U2S2 بانضمام السعودية وسورية لها، فالإرباك الروسي على الجبهة الأوكرانية، وإصرار إسرائيل على منع إيران من التموضع في سورية، والرافعة التي تمتلكها الولايات المتحدة من خلال تموضعها في شرق الفرات، ربما سيحرر القرار السياسي لبشار الأسد، وسيساعده على اتخاذ مثل هذا القرار، لكن يبقى الشعب السوري وخصوصاً المكون العربي السني ورغم كل محاولات حذفه من هذه المعادلات عبر عمليات التهجير والتدمير والقتل التي حلت به، لكنه يبقى الرقم الصعب، ولا يمكن إنزال مثل هذه المشاريع على أرض الواقع قبل حل عادل للقضية السورية، ولا يمكن لبشار الأسد الدخول بمثل هذه الرهانات والفضاءات بهذه القاعدة الديموغرافية الضيقة التي يرتكز عليها، وليس أمامه إلا القبول بحل سياسي يرتكز على قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
يبقى هناك بجعة سوداء ( مفاجأة غير متوقعة) قد تظهر على الساحة، وهي عدم تمكن الأمريكان من إغراء السعودية بالالتحاق بالمشروع الهندوإبراهيمي، وخصوصاً أن العلاقات الصينية -السعودية قد قطعت شوطاً كبيراً، بالإضافة إلى المرارة وحالة عدم الثقة التي نشأت بين أمريكا وحلفائها منذ بداية الربيع العربي، والطريقة التي تعاملت بها أمريكا مع السعودية تحديداً، عندما كشفت ظهرها أمنياً وعسكرياً للإيراني، مما دفعها لمحاولة انتهاج سياسة مستقلة عن الإملاءات الأمريكية، وبناء علاقات خارجية متوازنة مع الأقطاب الدولية الصاعدة، وهذه ستكون أخباراً سيئة جداً للإمارات التي ستجد نفسها في عزلة سياسية واقتصادية موحشة، وللإدارة الأمريكية التي تريد توظيف هذا النجاح في الانتخابات الأمريكية القادمة، وأخيراً لنتنياهو الذي جعل من التطبيع مع السعودية والدخول بهذه الفضاءات، من أهم وعوده الانتخابية للشعب الإسرائيلي.
وإلى أن تتكشف الأمور أكثر، لا بد من متابعة الانتخابات التركية، وعن ماذا ستتمخض هذه الانتخابات، فتركيا تحت قيادة حزب العدالة والتنمية لا يمكن حذفها من هذه المعادلات الاقليمية، وهي متواجدة بقوة في شرق المتوسط وشمال إفريقيا، وفي القرن الإفريقي، وتتطلع إلى حصتها من هذه الترتيبات.