مقالات الرأي

كيف يدير نظام الأسد ملف التطبيع؟ مقال رأي للكاتب عباس شريفة

يبدو أن مسار التطبيع بين النظام السوري والأردن الذي بدأ مساره العلني عندما طرح ملك الأردن عبد الله الثاني مبادرتها في تموز/ يوليو 2021، ومن ضِمن بنودها إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، قد وصل إلى طريق مسدود بعد أن أدانت وزارة خارجية النظام، 23كانون الثاني/يناير 2024  الغارات الأردنية على مواقع تابعة لمهربي المخدرات في السويداء، الأسبوع الماضي، تبين فيما بعد أنها مسكن لمدنيين وما نتج عنها من سقوط 10 مدنيين بينهم أطفال ونساء، مجددة في الوقت ذاته مزاعمها بأن المملكة دعمت منذ العام 2011 ما سمتهم بـ “الإرهابيين” ومولتهم.

وهنا نعود لطرح السؤال الجوهري كيف أدار نظام الأسد عملية التطبيع مع العرب وتركيا لأنه يدرك أن حركة التطبيع العربي معه لم تكن بدافع الحرص على استقرار النظام وبقائه في السلطة والبحث عن شراكة استراتيجية معه ولم تأت من دوافع التوبة النصوحة عن دعم فصائل المعارضة التي حاربت لعشر سنوات من أجل إسقاطه بدعم عربي وتركي وغربي.

كما يدرك عمق الأزمة التي تعاني منها الدول المهرولة للتطبيع وهاجسها الأمني من مشكلته ملف اللاجئين وسعيها لرمي العبء على النظام بدون تقديم أي محفزات حقيقية تشجعه على الاستجابة لمطالب الدول المطبعة.

 

قامت استراتيجية النظام السوري في إدارة ملف التطبيع على مبدأين

المبدأ الأول: هو الكسب المتدرج من خلال عدد من الخطوات:

  • التطبيع السياسي

فلا مشكلة عند النظام بقبول الأوراق التي عرضتها الدول العربية من فتح السفارات وتبادل برقية التهنئة وإعادة مقعد الجامعة العربية للنظام وإعادة ملف الحج وتقديم المساعدات الإنسانية فهذه المكاسب السياسية تسهم في تعزيز قناعة حاضنة النظام بأنه قد انتصر في الحرب وأن الحديث عن إسقاط النظام أو تغييره صار من الماضي.

لكن كل هذه المكاسب لن تدفع النظام لتقديم أي خطوة مقابلة فهي بنظره عودة عن الخطأ وليست مكسباً مهماً بالنسبة له وهذه الدول هي من تحتاج النظام أكثر من حاجة النظام لها.

  • التطبيع الأمني

بناء على ما سبق لا بد لهذه الدول من تقديم الخطوة الثانية في التطبيع وهي التنسيق الأمني الكامل مع النظام وإسكات كافة المنصات الإعلامية التي تهاجم النظام ووقف كل أشكال الاتصال السياسي والأمني مع المعارضة ومناقشة أي ملف يخص سورية من بوابة النظام حصراً ووقف الدولة المطبعة لتقديم كل أشكال الدعم المادي أو السياسي للمعارضة.

  • التطبيع الاقتصادي

وهناك تمكن مصلحة النظام في استعادة كافة أشكال التبادل التجاري وفتح المعابر الدولية ونشاط حركة الاستثمار والشروع بإعادة الإعمار، لكن يبدو أن هذه الخطوة لازالت متعثرة بسبب عقوبات قانون قيصر الأمريكي وعدم تقدم النظام بخطوة مماثلة تجاه الحل السياسي وملف اللاجئين والمخدرات وهو ما يجعل من كل الخطوات السابقة خطوات بلا معنى ويوقف طموح النظام للعودة إلى دوره الجيوسياسي في المنطقة كما كان الحال قبل عام 2011.

المبدأ الثاني وهو الضغط المستمر

حيث يستمر النظام باستخدام ورقة اللاجئين والمخدرات كأوراق ضغط على تركيا للتأثير على المعادلة السياسية الداخلية واستنزافها في تكلفة التدخل العسكري وعلى الأردن لزعزعة الأمن والاستقرار وعلى الخليج للضغط الأمني وعلى أوروبا كذلك ويرفض النظام إسقاط هذه الأوراق من يده إلا بتحقيق إعادة إعمار كلية وتحمل الدول الداعمة للمعارضة كل التكلفة المادية لذلك.

 

وهنا لا يعتبر النظام أن التطبيع هو الثمن الحقيقي لكي يعالج ملف اللاجئين والمخدرات لأن  النظام قام باعتماد نهج التسلسل السببي في تفسير قضية اللاجئين والمخدرات التي تضغط الدول المطبعة على النظام للمساعدة في حلها باعتبارها مشكلة سورية لكن النظام لديه سردية مختلفة تقول، إن كان السبب المباشر لمشكلة اللجوء والمخدرات هو الحرب فإن سبب الحرب هو الإرهابيين الذين حاربوا “الدولة السورية” وسبب ظهور الإرهابيين هو دعم الدول المجاورة لهؤلاء بالمال والسلاح وبالتالي تقع مسؤولية اللاجئين والمخدرات على تركيا والأردن التي احتوت غرفة الموك والموم.

وبالتالي فإن النظام لن يقوم بحمل عبء اللاجئين على عاتقه ولن يبذل الجهد الأمني المطلوب للحد من تدفق المخدرات إلا بمعالجة جذور المشكلة في رأيه وهو ضعف “الدولة السورية ” الذي تسببت بها الحرب وأفقدها القدرة على تقديم الخدمات والمتطلبات الأساسية للعائدين وأضعف قدرتها الأمنية في معالجة ملف المخدرات.

وبالتالي فإن النظام لن يقبل بمجرد الدفء السياسي المعنوي والأحضان في مؤتمرات الجامعة العربية بدون تحمل هذه الدول لتكلفة إعادة الإعمار والضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات عن النظام

وهنا يعتبر البعض بأن وجهة نظر النظام صحيحة، على فرضية أن الدول التي تتجه للتطبيع الآن كانت في يوم ما طرفاً في الحرب السورية وداعماً أساسياً للجيش الحر ضد النظام، وعليه فإما أن الحرب هي الحل بالنسبة لتلك الدول، وبالتالي عليها أن تكمل ما بدأت حتى تحقق أهدافها، وإما أنها الخيار الخاطئ  وبالتالي يجب أن تدفع الدول الداعمة للمعارضة ثمن الخطأ الذي ارتكبته وهو ما يضع الدول الماضية في طريق التطبيع في ورطة حقيقية فلا هي راغبة بالاستمرار في محاربة النظام ودعم المعارضة ولا هي قادرة على إقناع الإدارة الأمريكية برفع العقوبات عن النظام والشروع بإعادة الإعمار ولا هي قادرة على إقناع النظام بالاستجابة لمطالبها مقابل التطبيع السياسي فقط .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى