التوجهات التركية المستقبلية حيال الملف السوري
تقرير تحليلي
مركز كاندل للدّراسات
مقدمة
عُقد يوم 3 أيلول/سبتمبر 2024 اجتماع في مطار ولاية غازي عنتاب في الجنوب التركي وقد ضم الاجتماع إلى جانب ممثلين عن وزارة الخارجية وجهاز الاستخبارات التركية MT، كلا من الائتلاف الوطني السوري والحكومة المؤقتة، وهيئة التفاوض، ومجلس القبائل والعشائر، وقادة من الجيش الوطني
ناقش الاجتماع قضية فتح “معبر أبو الزندين” حيث أكّد الجانب التركي على أنّ قرار إعادة تفعيله تجاري بحت، ولا علاقة له بأي ملف سياسي. ويعتبر هذا الاجتماع الأول من نوعه من حيث اجتماع كل مؤسسات المعارضة مع الجانب التركي فهل يعتبر هذا الاجتماع الأول من نوعه وبداية توجهات تركية جديدة في الملف السوري.
في هذا التقرير سنناقش السياقات المحلية والإقليمية لهذا الاجتماع والتوجهات التركية المستقبلية تجاه الملف السوري والسياقات المحلية والإقليمية للانفتاح التركي على النظام السوري والدوافع الحقيقية لهذا الانفتاح.
السياق المحلي والإقليمي لعقد الاجتماع
1) السياق المحلي
يأتي هذا الاجتماع في سياق محلي يشهد توتراً في الداخل واعتصامات في مدينة إعزاز تطالب بإسقاط مؤسسات المعارضة، وترفض فتح معبر أبو الزندين مع النظام وتعتبر فتح المعبر خطوة نحو التطبيع مع النظام.
كما يأتي هذا الاجتماع في سياق إقليمي بدأت معه الخطوات المتسارعة لتطبيع العلاقات بين النظام وتركيا حيث صرح رئيس النظام السوري بشار الأسد في خطابه أمام مجلس الشعب يوم 25آب/أغسطس 2024 أن “الوضع الراهن المتأزم عالمياً وانعكاساته تدفعنا للعمل بشكل أسرع لإصلاح ما يمكن إصلاحه بعيداً عن آلام الجروح من صديق، وبهذا نتعامل مع تركيا”. ” كما أسقط شرط الانسحاب من الشمال السوري لبدء عقد الاجتماعات مع الجانب التركي [1] وهي الكلمة التي قابلها الجانب التركي حيث وصف وزير الدفاع التركي، يشار غولر، تصريحات رئيس النظام السوري في “مجلس الشعب” بأنها إيجابية للغاية، وأشار إلى إمكانية اللقاء بين الرئيس التركي والأسد.[2] كما أعلن رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولموش يوم 30 أب/أغسطس 2024 ضمن مقابلة تلفزيونية عن استعداده للقاء رئيس ” مجلس الشعب” التابع لنظام الأسد إذا ما طُلب منه ذلك. [3]
كما نقلت صحيفة “الوطن”، التابعة للنظام السوري، يوم 3أيلول/سبتمبر عن مصدر دبلوماسي تأكيده أن أجندة جدول الأعمال التي ستجمع الطرفين تتضمن:
- الإشارة إلى تسمية من هم الإرهابيون
- تحديد آلية للتعاون بين أنقرة ودمشق لمكافحة الإرهاب
- تحديد جدول زمني لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية وذلك بعد إنجاز النقاط السابقة الخاصة بمكافحة الإرهاب لضمان أمن الحدود المشتركة”.
- إعادة البحث في تعديل اتفاقية أضنة التي سبق أن جرى طرحها في صيغة جديدة للتعاون (النظام – والتركي) المشترك لضبط أمن الحدود، قد تكون أيضاً على جدول أعمال المباحثات المرتقبة نهاية الشهر الجاري. [4]
من الواضح أن كل هذه الأجندة تستهدف “قوات سورية الديمقراطية بشكل أساسي .
1) السياقات الدولية
فإن الخطوات التركية المتلاحقة تجاه النظام تأتي في وضع دولي وإقليمي معقد حيث بدأت الحرب على غزة تضع أوزارها ، كما أن الحرب الروسية الأوكرانية بدأت تأخذ منحى تصعيدياً مع خوف إقليمي من انتقال تداعياته إلى سورية وتوجه الدبلوماسية التركية لإعادة تموضعها في المنطقة على وجه يحفظ مصالحها الاقتصادية والأمنية وتوقع تركي بأن يحدث الانسحاب الأمريكي المحتمل من شرق الفرات فراغاً جيواستراتيجياً لا ترغب تركيا وروسيا بأن يتم سده من قبل الميليشيات الإيرانية لذلك هي تحتاج إلى ترتيب شرعية تدخلها لسد الفراغ في هذه المنطقة مع النظام .
كل هذه المؤشرات تدل على أن الوساطة العراقية والروسية أثمرت في تذليل العقبات أمام الجانبين وأن حدة الممانعة الإيرانية تجاه التطبيع لم تعد بتلك الحدة وهو ما أحدث تحولاً استراتيجياً لدى صانع القرار التركي تجاه الملف السوري والانضمام إلى قطار التطبيع الإقليمي لكن من منظور مصالح مختلفة عن باقي الدول العربية .
التوجهات التركية المستقبلية تجاه الملف السوري
يعتقد الكثير من المحللين السياسيين أن الاستدارة التركية تجاه التطبيع مع النظام هي النتيجة الطبيعة لمسار أستانا الذي تمت هندسته نهاية عام 2016 بين كل من روسيا وتركيا على إثر خسارة المعارضة السورية لحلب ودخول تركيا إلى الشمال السوري بالتنسيق مع روسيا لمحاربة الإرهاب ومنع تمدد كركادور “قوات سورية الديمقراطية” من شرق الفرات إلى عفرين وهو ما يعني محاصرة تركيا ضمن جيب انفصالي وعزلها عن المحيط العربي وهو ما دفع تركيا لإعادة حساباتها واعتبار النظام أخف ضرر من المشروع الانفصالي المدعوم غغربياً، وهو ما دفعها لترتيب أولوياتها بعيداً عن مصالح المعارضة السورية التي تعتبر النظام السوري هو الخطر الأكبر عليها، ويبدو أن هندسة المشهد الأمني والعسكري والسياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشمال السوري من قبل الجانب التركي كان لتهيئة المنطقة لهذه اللحظة الحاسمة التي لم تكشف عنها أنقرة في حينها حتى لا تفقد سيطرتها على المعارضة ، ويبدو أن المستقبل سيحمل الكثير من التوجهات التركية في إدارة الملف السوري في الشمال .
- تشريع الوجود العسكري التركي في الشمال السوري من خلال الاتفاق على تعديل اتفاقية أضنة مع النظام السوري.
- فتح المعابر التجارية ومحاولة تشبيك المعارضة والنظام بمصالح تجارية واقتصادية تكون مقدمة لفتح مسارات من التعاون الإداري والأمني بين الطرفين تحت الرعاية الروسية والتركية
- تعزيز حالة التنسيق بين النظام والمعارضة لفرض حصار اقتصاد خانق ضد قوات سورية الديمقراطية في شرق الفرات ومنعها من الاستفادة من الحركة التجارية مع الشمال السوري والمعارضة
- إجراء تغييرات بنيوية داخل مؤسسات المعارضة الأمنية والعسكرية بحيث تصبح قادرة على ضبط الحالة الاجتماعية واحتواء أي حالة احتجاج مستقبلاً قد تنفجر ضد التوجهات التركية في الشمال.
- تحول تركيا من طرف داعم للمعارضة السورية إلى طرف وسيط يقود المبادرات والوساطات بين المعارضة والنظام السوري لدفعهم نحو المزيد من خطوات التنسيق والتعاون
هل يمكن أن تنسحب تركيا من الشمال السوري؟
لا يوجد أي مؤشرات لانسحاب تركي من الشمال السوري لا على المدى القريب ولا البعيد رغم الانفتاح على النظام وكثيراً ما كان المسؤولون الأتراك يربطون انسحابهم بجملة من الاشتراطات هي:
- تطهير سورية من العناصر الإرهابية؛ حفاظاً على سلامة أراضيها ووحدتها
- تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وشاملة
- إنجاز العملية السياسية ودستور جديد في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 على أساس المطالب والتوقعات المشروعة للشعب السوري،
- وتهيئة الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين
- ضمان استمرار وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين دون انقطاع.[5]
لكن رغم كل هذه الاشتراطات المعلنة فإن تركيا تريد من الانفتاح على النظام تشريع وجودها العسكري في شمال غرب سورية من خلال صياغة تعديل جوهري على اتفاقية أضنة يسمح لتركيا بمد نشاطها العسكري حتى شمال شرق سورية حيث يقدر صانع القرار التركي أنه ثمة انسحاب أمريكي قريب من شرق الفرات في حال قدوم إدارة جديدة للبيت الأبيض وهو ما يعني رفع الحماية الأمريكية عن “قوات سورية الديمقراطية” والبدء بعملية تفكيكها ضمن استراتيجية متفق عليها بين النظام وتركيا وروسيا.
وهذا الهدف الاستراتيجي لا ينفي وجود بعض المصالح التكتيكية التي تحتاج تركيا لتحقيقها مع النظام وهي:
- فتح مناطق سيطرة النظام السوري أمام عملية الترحيل وإعادة اللاجئين السوريين
- التعاون مع دمشق لمحاصرة قوات سورية الديمقراطية
- دخول تركيا على خط التنافس على الطرق التجارية الدولية في سورية والسعي لفتح طريق M4 الذي يعتبر ذو أهمية اقتصادية استراتيجية بالنسبة لأنقرة والنظام السوري.
الخلاصة والنتيجة
ثمة ضغط روسي على النظام للانفتاح على تركيا التي تعتبر بالنسبة للنظام بوابة للانفتاح على الغرب فالنظام وروسيا يدركان أن تطبيع كل الدول العربية ليس له أية أهمية في عملية إنقاذ النظام بدون الانفتاح والتطبيع مع الغرب وهنا تبدو تركيا البوابة المناسبة لهذا التوجه بالمقابل فإن تركيا تقرأ المشهد في سورية وتقدر أن هناك انسحاب أمريكي قادم وريثما تصل تركيا إلى هذا الهدف الاستراتيجي فهي بحاجة لضبط مشهد المعارضة السورية والشمال السوري تحاشيا لأي حركات احتجاجية يمكن أن تؤدي إلى إضراب الاستقرار الأمني في الشمال السوري ويبدو أن مؤسسات المعارضة السورية ستكون الركيزة الأساسية لتنفيذ التوجهات التركية في المرحلة القادمة، ويبدو أن أنقرة تحاول ربط مصالح المعارضة السورية الاقتصادية بهذا المسار لكي تضمن موقفها وتأييدها للخطوات التي تقوم .
كما أن التوجه التركي الاستراتيجي في الملف السوري يتسق مع إعادة التموضع التركي الاستراتيجي ضمن كل الصراعات الإقليمية والدولية وإعادة تعريف الدور التركي كطرف وسيط ومحايد من أجل الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية بالكسب السياسي من كل الأطراف المتصارعة وعدم أخذ مواقف جادة تجاه أي طرف مع التركيز على أولوية الخطر الأمني القادم مع وجود قوات سورية الديمقراطية على حدودها محمية من دولة عظمى . .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
[1] . قناة رئاسة الجمهورية على التلغرام ، خطاب بشار الأسد في مجلس الشعب : ؟ https://t.me/SyrianPresidency/4320
[2] . تلفزيون سورية : وزير الدفاع التركي: تصريحات الأسد إيجابية للغاية ونرحب بإمكانية اللقاء
[3] . عربي 21 : رئيس البرلمان مستعد للقاء نظيره السوري
[4] . جريدة النهار اللبنانية : تعريف الإرهابي… أول تحدّيات جدول الأعمال الروسي للتطبيع السوري – التركي
[5] . الشرق الأوسط : 4 شروط تركية للتطبيع مع سوريا أولها «لا انسحاب عسكرياً