الاجتماع المرتقب بين بشار الأسد وأردوغان .. السياقات والأهداف والتحديات
المقدمة:
انخرطت تركيا أواخر عام 2022 بمحادثات أمنية مع نظام الأسد برعاية من روسيا ومن ثم شاركت فيها إيران، حيث جرى عقد عدة لقاءات على مستوى أجهزة الاستخبارات ووزراء الدفاع والخارجية، لكن لم يتكلل المسار بالنجاح قبل أن يتوقف نهائياً خلال منتصف عام 2023 بعد الانتخابات الرئاسية التركية.
ولكن مع بدء الحديث عن وساطة عراقية لعقد لقاء بين النظام وأنقرة في بغداد صرح الرئيس التركي عن نيته دعوة بشار الأسد لزيارة تركيا وإبداء الرغبة والحماس في استعادة العلاقة بين النظام وتركيا إلى سابق عهدها [1] وتأتي هذه التحركات في ظل سياق سياسي معقد يشمل الأزمة السياسية الداخلية في تركيا، وتصعيد الخطاب والممارسات العنصرية ضد اللاجئين السوريين وحديث المعارضة التركية عن ضرورة التواصل مع نظام الأسد لحل أزمة اللاجئين، ومعلومات مؤكدة عن نية الولايات المتحدة تنفيذ انسحاب جزئي أو كلي من منطقة شمال شرق سورية وقد بدأ التحول التركي بعد الحديث عن الانفتاح على النظام بعد الوساطة العراقية لعقد اجتماع بين الطرفين في العاصمة العراقية بغداد بداية شهر حزيران /يونيو 2024 .
في هذه الورقة نهدف إلى تحليل السياقات السياسية لهذا التحرك، وأهداف ومصالح الدولة الفاعلة، والتحديات المحيطة بنجاح هذا الاجتماع، بما في ذلك تأثيرات الاتفاقيات المحتملة بين تركيا وسوريا وتداعياتها على العلاقات الإقليمية.
الفصل الأول: السياقات السياسية لرغبة تركيا بالتطبيع مع نظام الأسد:
يأتي حديث الحكومة التركية عن التواصل مع النظام ضمن سياقين متغيرين كان لهما التأثير الأكبر في هذا التوجه.
- الأزمة السياسية الداخلية في تركيا.
بالرغم من توقف الحكومة التركية عن سعيها للتواصل مع نظام الأسد بعد الانتخابات الرئاسية في 14أيار/مايو 2023 حيث كان الحديث عن التطبيع قبل الانتخابات مرتبط بسياق انتخابي داخلي بدون أية نية جدية لدى القيادة التركية بالمضي الفعلي في هذا السياق، لكن في بداية شهر حزيران/يونيو 2024 بدأت المعارضة التركية بتصعيد الخطاب العنصري تجاه اللاجئين السوريين مع اشتداد حملات الترحيل العشوائية إلى الشمال السوري والحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة بدأت المعارضة والحكومة التركية بتجميع أورقهما السياسية وعلى رأسها ورقة الانفتاح على نظام الأسد كجزء من التنافس الانتخابي الحاد.
- مؤشرات الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات.
يعتبر التوجه الأمريكي للانسحاب من سورية الدافع الأهم للتحرك التركي تجاه النظام مع ما يرافقه من تحقيق اختراق إيجابي في المفاوضات مع إيران حول الملف النووي وما يتصل بالاتفاق من ترتيبات أمنية تخص الدور الإيراني في سورية الذي سيكون محل قبول من الولايات المتحدة على قاعدة الاتفاق النووي الذي وقع في 2015، والذي أعطى الضوء الأخضر لإيران في مد نفوذها في سورية.
كما أن الولايات المتحدة باتت ممتعضة من قوات سورية الديمقراطية بسبب بيعها قمح الجزيرة السورية للنظام وفتح قنوات تنسيق أمني مع إيران وإفشالها للحوار الكردي- الكردي بين قسد والمجلس الوطني الكردي وتملص قسد من مطالب الولايات المتحدة بضرورة التمثيل العادل للمكون العربي ضمن الإدارة الذاتية، الأمر الذي دفع ببعض المسؤولين للحديث عن فكرة الانسحاب من شمال شرق سورية والاحتفاظ فقط بقاعدة رميلان التي تحوي على حقل النفط الأهم في المنطقة.
هذا التوجه الأمريكي المحتمل دفع بروسيا وتركيا لبحث مسألة ملء الفراغ وترتيب التفاهمات الضرورية لمصير شمال شرق سورية وترتيبها مع النظام .
الفصل الثاني: الأهداف والمصالح المشتركة بين النظام وأنقرة:
- الأهداف والمصالح التركية
تدرك تركيا أن النظام السوري غير قادر على مواجهة مشروع قسد في ظل ما تحظى به قسد من غطاء ودعم أمريكي بالرغم من حديث وزير الخارجية التركي هكان فيدان عن ضرورة توحد المعارضة والنظام لمواجهة مشروع قسد [2] كما تدرك تركيا أن اللاجئين السوريين لن يعودوا إلى مناطق النظام بسبب الأوضاع الأمنية والاقتصادية غير المشجعة ، لكن ما تحتاجه تركيا هو ما تم الحديث عنه نهاية 2019 وهو تعديل اتفاقية أضنة التي تسمح لتركيا بالتدخل لحدود 5 كم داخل الأراضي السورية للقيام بمهام أمنية بحيث تصبح الاتفاقية 30 كم وبذلك يتم تشريع الوجود التركي في سورية، ويسمح لتركيا الدخول إلى مناطق منبج وعين العرب والقامشلي لمحاصرة قسد والاستعداد لسد الفراغ في حال قامت الولايات المتحدة بالانسحاب بسبب عجز النظام عن دخول هذه المنطقة [3] وهو ما يعني أن العنوان السياسي للقاء غير مقصود لذاته وإنما الأجندة هي ملفات أمنية متعلق بتشريع الوجود التركي وإيجاد آلية لسد الفراغ الأمريكي وتفكيك تنظيم قسد خصوصاً مع بدءِ الجانب التركي لعمليات عسكرية شمال العراق بداية شهر تموز/يوليو 2024 بالاشتراك مع الجيش العراقي وقوات البشمركة لمحاصرة قسد من قبل الحدود العراقية وقطع التواصل بينها وبين قنديل.
- أهداف ومصالح النظام من اللقاء مع أردوغان
يشترط النظام السوري على الجانب التركي إعلان الانسحاب من شمال سورية ووقف دعم ” الإرهاب” وتحديد جدول زمني للانسحاب قبل الجلوس مع الجانب التركي[4] وهو ما ترفضه تركيا التي لا ترى هذه المطالب منطقية والتي تربط انسحابها بإنهاء التهديدات الأمنية من قبل القوى الانفصالية وإنجاز حل سياسي ينتج عنه حالة من الاستقرار تسمح بعودة اللاجئين[5] لكن يبدو أن بشار الأسد الذي يخضع لضغوط روسية لكي يوافق على الاجتماع إضافة لأزماته الاقتصادية مضطر للقبول باللقاء لأنه بحاجة الاعتراف السياسي التركي بشرعية النظام وبحاجة العصا التركية الغليظة من أجل العودة إلى منطقة شمال شرق سورية التي ستجبر قسد على الخضوع إلى شروط النظام من أجل إيجاد حلول تنتهي بتفكيك بنيتهم العسكرية والإدارية والتي هي مصلحة مشتركة لتركيا والنظام .
- الموقف الإيراني من التطبيع التركي مع النظام
تأتي تحركات أنقرة تجاه النظام السوري في الوقت الذي تمارس فيه طهران سياسة الضغط والتدخل في بنية النظام الأمنية والعسكرية فقد تم تنحية أسماء الأسد وعلي مملوك عن الكثير من الملفات التي كان تدار بعيداً عن المصالح الإيرانية كما تم اتهام شخصيات أمنية من النظام بتزويد تل أبيب بأهداف تتعلق بالوجود الإيراني في سورية كما تم مؤخراً التخلص من المستشارة في رئاسة الجمهورية لونا الشبل في رسالة واضحة من طهران إلى نظام الأسد أنها قادرة على الوصول إلى أي شخصية في النظام بما فيهم بشار الأسد، كما يلاحظ وجود حملة إعلامية من الأصوات القريبة من إيران في لبنان تدعو النظام السوري للانفتاح على المعارضة، وعليه فإن طهران لن تقبل بمنح الأسد شرعية للتواجد العسكري التركي على الأراضي السورية، حيث ترى إيران أن التحركات الروسية التركية للتطبيع مع النظام السوري واشتراط تركيا على النظام أن يجتمع معها بدون طرف ثالث[6] يعني نية أنقرة استبعاد الجانب الإيراني من ترتيبات التفاهم بين النظام وأنقرة ومنافسة طهران على نفوذها في سورية من خلال التفاهم مع نظام الأسد الذي بات يشعر بعبء النفوذ الإيراني عليه بعد انتهاء الحرب، وعليه فإن إيران ستعمل ما بوسعها لمنع الاجتماع أو لجعله اجتماعاً بلا مخرجات تضر بمصالحها أو أن توافق بعد أخذ ثمن مجزٍ من تركيا يتعلق بالملفات الإقليمية .
- المصالح والأهداف الروسية
تعتقد روسيا أن أي خطوة من شأنها أن تساهم في إبعاد تركيا عن المعسكر الغربي والناتو تصب في مصلحتها، ولذلك تسعى روسيا بشكل دائم لإثبات أن مصالح أنقرة في سورية وأمنها القومي في سورية يمر عبر موسكو وليس واشنطن التي تصر على دعم خصوم أنقرة وتهدد أمنها القومي باستمرار، كما تعتقد موسكو أن تأهيل النظام السوري وعودة الاستقرار في سورية لا يمكن أن يتحقق بدون انخراط أنقرة في هذه العملية بحكم الجغرافيا وحجم اللاجئين السوريين والدور الاقتصادي الذي يمكن لأنقرة أن تلعبه في سورية
الفصل الثالث: التحديات المحتملة أمام التطبيع:
تواجه عملية التطبيع بين أنقرة والنظام السوري عدة تحديات رئيسية، منها:
- الموقف الأمريكي: بالرغم من عدم الممانعة الأمريكية لخطوات التطبيع التي يقوم بها حلفاؤها بشكل حازم لكنها وجهت حلفاءها إلى ضرورة أن يرتبط التطبيع بدفع النظام إلى تحقيق تقدم ملموس في مسار الحل السياسي وأن يقتصر على الجانب الإنساني بدون أي خطوة في إعادة الإعمار أو كسر طوق العقوبات الأمريكية حول النظام.[7]
- الممانعة الإيرانية : لا تمانع إيران من التطبيع بين أنقرة والنظام طالما أن هذا التطبيع لا يؤثر على المصالح الإيرانية، لكن ما تخشاه إيران هو خروج النظام من محور المقاومة والممانعة إلى محور التطبيع من خلال شبكة التطبيع التي نسجها النظام مع دول الاعتدال العربي، ونأي النظام بنفسه عن حرب غزة 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023 ، وعليه فإن طهران ستسعى من خلال نفوذها وتغلغلها داخل النظام ومن خلال ميليشياتها المنتشرة في أرجاء سورية لكي لا يندفع النظام إلى تقديم تنازلات استراتيجية لأنقرة تعود بالضرر عليها مع الاحتفاظ بالكونترول على عملية التطبيع وضبط خطواته ضمن الرؤية الإيرانية للحل في سورية .
- الوجود العسكري التركي في سورية: يشترط النظام على تركيا سحب جنودها من سورية وفق جدول زمني واضح ومحدد حيث يعتبر النظام السوري هذا الوجود انتهاكًا للسيادة ويعتبر هذا التواجد أحد أهم العقبات في تحسين العلاقات بين الطرفين لكن يمكن التفاهم على هذه النقطة كما هو الحال في العراق حيث هناك قوات تركية داخل العراق والعلاقات تسير بشكل جيد .
- دعم تركيا للفصائل المعارضة: يشترط النظام السوري على تركيا وقف دعمها لفصائل المعارضة السورية لكن لا يلزم من توجه تركيا نحو التطبيع مع نظام الأسد التخلي عن المعارضة السورية لأن الرؤية التركية للحل في سورية بعد تنفيذ القرارات الدولية وإنجاز الدستور والانتخابات هو دمج المعارضة والنظام في منظومة واحدة لضامن مصالحها في سورية عموما والشمال بشكل خاص عبر المنظومات الأمنية والعسكرية التي بنتها تركيا والتي ستكون وفق الرؤية التركية جزء من النظام المستقبلي الذي سيحكم سورية وتركيا.
- العلاقة بين النظام السوري وقوات سورية: فبينما تعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) تهديدًا لأمنها القومي وتقوم بعمليات عسكرية ضدهم في سورية كان النظام السوري قد توصل إلى تفاهمات معينة مع الأكراد في بعض المناطق، وهو ما يعني أن المطلوب من النظام هو قطع تلك العلاقة السرية مع قسد والاستثمار في العصا التركية لدفع قسد نحو تقديم تنازلات للنظام تنتهي بتفكيك منظومتها الإدارية والأمنية وهو ما يلبي المصالح التركية كذلك.
- التحالفات الإقليمية والدولية: تركيا والنظام السوري ينتميان إلى تحالفات إقليمية ودولية متعارضة، تركيا عضو في حلف الناتو ولها علاقات قوية مع الولايات المتحدة، في حين أن النظام السوري مدعوم من روسيا وإيران، هذا التعارض في التحالفات يعقد محاولات التقارب وسيجعل من التقارب تقارباً تكتيكياً مرحلياً مرهوناً بفتح الأبواب الغربية الموصدة أمام أنقرة.
- قضايا اللاجئين والمهاجرين: تركيا تستضيف ملايين اللاجئين السوريين، وأي محاولة للتطبيع تحتاج إلى معالجة قضية اللاجئين بشكل يرضي الطرفين، إعادة اللاجئين بشكل آمن وكريم وتتطلب تعاونًا وثيقًا وتفاهمات متعددة الجوانب ولا يبدو أن النظام جاهز للتعاون في هذا الملف قبل تحقيق ملف إعادة الإعمار كما هو الحال مع لبنان والأردن.
- الثقة المتبادلة: هناك نقص كبير في الثقة المتبادلة بين النظام السوري وتركيا نتيجة للصراعات الطويلة والأحداث الدامية، خصوصاً أن تجارب الدول العربية في التطبيع مع النظام غير مشجعة ولم تكن ذات جدوى ولا من عائد سياسي إيجابي على الدول المطبعة
خاتمة:
من الواضح أن مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري يأتي ضمن سياق تشكل المحاور الدولية والإقليمية ورغبة روسية تركية بهندسة المشهد في سورية بعد الانسحاب الأمريكي الذي بات وشيكاً، والبحث عن توافقات تكتيكية من شأنها أن تضمن مصالح الأمن القومي التركي من خطر الميليشيات الانفصالية وتضمن مصالح النظام في استعادة سيطرته على موارده وحماية سورية من سيناريو التقسيم الذي تعتقد أن الولايات المتحدة ساعية في تكريسه على الحدود التركية.
ولكن لن يكون لهذه الخطوات أي أثر سياسي أو اقتصادي على النظام وستبقى ضمن حدود التعاون الأمني ورغبة تركيا وروسيا في تشريع الوجود العسكري التركي ففي الشمال السوري والاستثمار في هذا الوجود لتفكيك مشروع قوات سورية الديمقراطية، وهو ما يعني أن هذا التوجه التركي لن يكون على حساب المعارضة السورية التي لن تتخلى عنها تركيا إلا ضمن ترتيب حل نهائي وشامل وفق مسار الحل السياسي الدولي الذي ينتهي بتحقيق الاستقرار المستدام في سورية لكن من المرجح أن يكون للتطبيع انعكاس على وضع المعارضة في تركيا و تأطيرها أكثر ضمن التوجه التركي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
[1] . وكالة الأناضول: الرئيس أردوغان: لا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات مع سورية شوهد 7تموز/يوليو 2024 ، نشر 28.06.2024 .
[2] .موقع المدن: فيدان يدعو النظام السوري لمصالحة المعارضة واعادة ملايين اللاجئين، شوهد 7تموز/يوليو 2024 نشر25حزيران/يونيو 2024 .
[3] . موقع ترك برس: لافروف: تعديل اتفاقية أضنة بين تركيا وسوريا متروك لرغبة البلدين شوهد 7تموز/يوليو 2024، نشر بتاريخ 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2019
[4] . موقع الجزيرة: الأسد يشترط لعقد أي لقاء مع أردوغان ، شوهد 7تموز/يوليو 2024، نشر16أذار/مارس 2023.
[5] . جريدة الشرق الأوسط، تركيا تعلن عن شروطها للانسحاب من الشمال السوري ، شوهد 7تموز/يوليو 2024 نشر 14 نيسان /إبريل 2023 .
[6] . تلفزيون سوريا، أنقرة طلبت عدم حضور طرف ثالث.. النظام يتحدث عن لقاء مرتقب مع تركيا في بغداد ، شوهد 7تموز/يوليو 2024، نشر 2024.06.30.
[7] . تلفزيون سوريا ، أميركا: أبلغنا تركيا بضرورة تحقيق تقدم سياسي قبل التطبيع مع نظام الأسد شوهد 7تموز/يوليو 2024 ، نشر3تموز/يوليو2024.