افتتاح معبر “أبو الزندين” خطوة نحو التطبيع أم إجراء لتحقيق التنمية الاقتصادية
تقرير تحليلي
مركز كاندل للدّراسات
المقدمة
أعادت المعارضة السورية يوم الأحد 18آب/أغسطس 2024 فتح معبر “أبو الزندين” الفاصل بين مناطق سيطرة كل من “الجيش الوطني السوري” والنظام السوري في ريف حلب شمال سورية، واتجهت سيارات وشاحنات من مناطق “الجيش الوطني” إلى مناطق سيطرة النظام لإفراغ حمولتها والعودة، على أن تدخل سيارات من الجانب المقابل، لنقل البضائع إلى مناطق “الجيش الوطني”.
علماً أن معبر أبو الزندين كان مفتوحاً أمام حركة التجارة منذ عام 2018 بين المعارضة والنظام قبل أن يغلق يوم 17 مارس/آذار 2020 بسبب جائحة كورونا، بالإضافة لمعبري “عون الدادات” و”الحمران”، بقرار من الحكومة السورية المؤقتة، ليعود للعمل بعد ذلك مع باقي المعابر، ولكن ليس بقرار رسمي، إنما بصفة التهريب مع نقاط أخرى.[1]
وفي 11 حزيران/يونيو 2024 شهدت مدينة الباب مظاهرات شعبية رافضة لإعادة افتتاح المعبر، كما منع محتجون دخول عسكريين روس مع نظرائهم الأتراك لتفقد المعبر الذي كان يستخدم لأغراض إنسانية، بينها تبادل الأسرى.[2]
وكان المجلس المحلي لمدينة الباب قد أعلن نهاية شهر حزيران /يونيو 2024 عن فتح المعبر وهو ما أدى إلى خروج انتفاضة شعبية في بداية شهر تموز /يوليو 2024 ضد التصريحات التركية حول التطبيع مع النظام السوري وتنديداً بأحداث قيصري ضد اللاجئين السوريين في تركيا ورفض فتح المعبر مع النظام.
أولاً: السياقات المحلية والإقليمية لفتح معبر أبو الزندين
يأتي فتح المعبر ضمن تفاهمات استانا الخاصة بسورية والتي تنص على فتح الطرق الدولية في سورية تحت إشراف وحماية القوى الضامنة (تركيا وروسيا) وهو بوابة لإعادة فتح عدة معابر أخرى بين مناطق المعارضة والنظام السوري لإعادة تنشيط حركة التجارة بين تركيا ودول الخليج العربي مروراً بمناطق النفوذ التركي ومناطق سيطرة النظام السوري خصوصاً بعد فشل طريق التنمية العراقي الذي يصل بين تركيا والخليج العربي نتيجة للخلافات الإقليمية.
في منتصف شهر كانون الثاني /يناير 2024 أعلن المجلس المحلي في مدينة الباب عبر صفحته على فيسبوك، توقيع بروتوكول مع اليونيسيف لبدء أعمال تأهيل محطة عين البيضا الموجودة تحت سيطرة قوات النظام السوري.[3]
وكان المجلس المحلي لمدينة الباب، أعلن فتح العبر “تجريبياً” في 26 حزيران/يونيو 2024، من أجل اعتماده كمعبر تجاري رسمي، وفق” ضوابط وتعليمات”، مشيراً إلى أن هذا القرار “يعكس حرص المجلس على تحسين الظروف المعيشية لأهالي المنطقة، وتعزيز النشاط الاقتصادي المحلي”
كما يبدو أن خطوة فتح المعبر تأتي ضمن مقايضة النظام لتزويد مدينة الباب بالماء عبر محطة عين البيضة التي يسير عليها مقابل فتح المعابر حيث التقى في يوم 14 آب/أغسطس 2024 رئيس الحكومة السورية المؤقتة بمدير مكتب أوتشا في غازي عنتاب وناقش معه مشروع استجرار المياه لمدينة الباب واقتراب إنجاز المشروع [4]
ثانياً مصالح الأطراف من فتح المعبر.
وهنا سنتحدث عن مصالح النظام والمعارضة بشكل أساسي
1. مصالح المعارضة
تهدف المعارضة إلى تحقيق جملة من الأهداف والمصالح من فتح المعبر:
- انتعاش المدن الصناعية في شمال حلب وافتتاح أسواق جديدة لتصريف منتجاتها في مناطق النظام وسوف تستفيد من فتح المعابر مع النظام عبر إعادة انتعاش سوق تصدير البضائع المصنعة في مناطق إدلب وشمال غرب سورية، وإعادة تصدير المنتجات التركية عبر وسطاء إلى مناطق سيطرة النظام السوري.
- مفاوضة النظام على شهادة منشأ تخول الصناعيين تصدير بضاعتهم إلى الخارج
- تصدير الفائض من المنتجات الزراعية إلى مناطق النظام خصوصاً مادة القمح
- تحقيق عوائد الترسيم وتحصيل الضرائب لتأمين دخل للجيش الوطني وموظفي المجالس الملحية والحكومة
- استفادة المعارضة من قرار الإعفاء الأمريكي الذي أصدرته وزارة الخزانة الأميركية، منتصف شهر أيار/مايو 2022 يسمح بأنشطة 12 قطاعا في مناطق متفرقة، توزعت ما بين الشمال والشرق، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وتحالف “الجيش الوطني السوري”، المدعوم من أنقرة حيث يسمح القرار الأميركي الذي تم وضعه في إطار “الاستثناءات من العقوبات” بالمعاملات في مجالات الزراعة والبناء والتمويل والنقل وغيرها من مجالات الاقتصاد.[5]
2. مصالح النظام
يهدف النظام إلى تحقيق جملة من الأهداف والمصالح من فتح المعبر يأتي على رأسها
- تخفيف الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها مناطق سيطرة النظام والتخفيف من وطأة عقوبات قيصر والاستفادة من الإعفاءات الأمريكية التي تتمتع بها مناطق شمال سورية لتأمين احتياجاته من الاستيراد
- تصدير المواد الغذائية والطبية والمواد الخام إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية، واستيراد المواد التجارية من تركيا عبر مناطق المعارضة السورية، فضلاً عن استفادته من طرق الترانزيت وتحقيق أرباح مالية كبيرة عبر مرور القوافل التجارية من تركيا إلى الخليج العربي في مناطق
- سيكون فتح المعابر الداخلية بمثابة كرت بيد النظام لوقف إدخال المساعدات الدولية عبر الحدود واعتماد دمشق كمركز لتوزيع المساعدات الإنسانية عبر المعابر الداخلية
- سيكون فتح المعابر ورقة مهمة للنظام لحصر مركز تنفيذ مشاريع التعافي المبكر من دمشق
- اعتماد الليرة السورية في التعامل التجاري مع الشمال باعتبارها تجارة داخلية
- إجبار الصناعيين في الشمال السوري على التسجيل في السجلات لوزارتي التجارة والصناعة التابعة للنظام مقابل إعطائهم شهادة المنشأ السورية
- التفاوض مع الجانب التركي على استلام إدارة المعابر الخارجية مثل باب السلامة من أجل فتح خطوط التجارة الدولية عبر طريق M4 ثم إلى الأردن عبر معبر نصيب ومنها إلى الخليج حيث سيستفيد النظام من الترانزيت وتستفيد تركيا من تصريف المنتجات التركية عبر البر إلى الخليج.
ثالثاً: التحديات التي تواجه فتح المعبر
1. بالنسبة للمعارضة
هناك جملة من المسائل غير الواضحة في فتح المعبر
- من هي الجهة التي ستقوم بإدارة المعبر هل هي الحكومة المؤقتة أم المجلس الملحي لمدينة الباب أم وزارة الدفع أم بعض الفصائل التي ستديرها لمصالح خاصة.
- ماهي آليات تحصيل الضرائب والجباية هل ستكون بالليرة السورية أم بالدولار وهل سيقبل النظام الدفع بالدولار للمعارضة.
- ما هي آليات التفتيش التي ستعتمدها المعارضة لمنع تهريب المواد الممنوعة
- هل سيؤثر التبادل التجاري بين المعارضة والنظام على قانون قيصر الذي يحظر التعامل التجاري مع النظام
- هل سيكون المعبر مفتوحاً أمام الحركة التجارية فقط أم سيشمل تنقل المدنيين وفي حال فتح أمام المدنيين فما الضامن من تدفق موجات من الهجرة للشمال وباتجاه الحدود التركية للهجرة الخارجية
2. بالنسبة للنظام
- سيكون التحدي الأكبر بالنسبة للنظام هو تقسيم سورية اقتصادياً إلى منطقتين منطقة تخضع للعقوبات الغربية والأمريكية ومنطقة مستثناة من العقوبات وجاذبة للاستثمار والمشاريع وهو ما يعني أن تتحول منطقة سيطرة النظام إلى سوق استهلاكي وتحول منطقة سيطرة المعارضة إلى منطقة إنتاج صناعي وهو ما يعني التفاوت الشاسع في تنمية المنطقتين
- مواجهة النظام السوري للضغوطات الروسية التي تدفعه لفتح المعبر ومواجهة الضغوطات الإيرانية التي تدفعه لعدم فتح المعبر قبل الاتفاق على جدول زمني لسحب القوات التركية من الشمال السوري.
- التحديات الأمنية التي تفرض على النظام حماية الطرق التجارية خصوصاً مع وجود بعض الميليشيات غير المنضبطة والتي ستحول استهداف الشاحنات التجارية لتعطيل الحركة التجارية .
الخاتمة
في ظل التوتر العسكري في المنطقة والقصف المتبادل بين النظام والمعارضة لا يتوقع أن يسهم فتح المعبر بتحقيق حالة من الاستقرار المستدام لكن رغم ذلك فمن المتوقع أن يكون قرار فتح المعابر الداخلية بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة السورية ونجاح تلك الخطوة قد يحمل في جعبته الكثير من الفوائد الاقتصادية للدول الإقليمية وأطراف الصراع المحلية، في الوقت الذي يعتبر قراراً سياسياً في المرتبة الأولى وخطوة في طريق التطبيع بين تركيا والنظام لكن مع ذلك وفي ظل تعنت النظام وإصراره على تقديم أنقرة لجدول زمني محدد لسحب قواتها من الشمال ورفض تركيا لهذا المطلب فإن خطوات التطبيع لن تتجاوز قضية افتتاح المعبر كما أن ضغوطات إيران على النظام والتي تخشى من منافسة البضائع التركية لها في السوق السورية ستعمل على تفريغ خطوة فتح المعبر من مضمونه من خلال منع التجار في مناطق النظام من استيراد البضاعة التركية ورفض شراء المواد المصنعة في الشمال السوري .
إن خطوة فتح المعابر تأتي ضمن استراتيجية تجميد الصراع وتنمية المناطق ومحاولة تقاسم أموال التعافي المبكر وليس ضمن رؤية لإيجاد حل سياسي شامل في سورية من منظور تلك الدول إن كان عبر منصة أستانا التي ترعاها كل من روسيا وتركيا أو بالتوازي مع تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 الخاص في سورية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
[1] . موقع الجزيرة: افتتاح معبر “أبو الزندين”.. منافع اقتصادية أم تطبيع مع نظام الأسد؟ تاريخ النشر 2/7/2024.
[2] . شبكة شام الإخبارية مظاهرات شعبية غاضبة تمنع وفد المحتل الروسي الدخول لمدينة الباب شرقي حلب تاريخ النشر 11/6/2024.
[3] . المجلس المحلي لمدينة الباب Elbab Yerel Meclisi : تاريخ النشر 16/ 1/ 2024.
[4] . موقع الحكومة السورية المؤقتة رئيس الحكومة السورية المؤقتة يلتقي مدير مكتب اوتشا في غازي عنتاب ويناقش معه مشروع استجرار المياه لمدينة الباب واقتراب إنجاز المشروع تم النشر يوم 14/8/2024 .
[5] . موقع الحرة : أصداء الاستثناءات الأميركية من “قيصر” في الشمال السوري نشر تاريخ 18/5/2024 .